احدث الاخبار

ثورات عربية بدون تعقيدات ايديولوجية

ثورات عربية بدون تعقيدات ايديولوجية
اخبار السعيدة - بقلم - د. صالح بكر الطيار         التاريخ : 18-02-2011

 ثار الشباب في تونس وأسقطوا نظام الرئيس زين العابدين بن علي ، وثار الشباب في مصر وأسقطوا نظام الرئيس حسني مبارك دون ان نلحظ في وسائل الإعلام ظهور اسماء قادة لهاتين الثورتين ، كما لم نسمع ان هؤلاء الشبان قادمون من أحزاب سياسية او ممن يعتنق ايديولوجيات قومية او أممية او دينية . كل ما سمعناه ان الشبان يحملون رزمة من المطالب التي تدعو الى اسقاط نظام قائم ، وأقرار العدالة والديمقراطية والمساواة ، وحل ازمة البطالة المتفشية ، ورفع مستوى معيشة المواطنين ، والقضاء على الفساد والرشوة وما شابهها . وحتى الحركات الشعبية التي تنطلق اليوم في دول عربية أخرى غير تونس ومصر مثل الجزائر وليبيا واليمن تنادي بنفس المطالب ، ولديها نفس الهموم الوطنية ، مما يعني ان التغيير الذي حصل او المرشح له ان يحصل يقوم وفق مبدأين اساسيين هما :

- اشاعة الديمقراطية لجهة تداول السلطة ، وأقرار حرية الرأي والتعبير ، والتعددية الحزبية ، والتنوع النقابي ، وحرية الإعلام ، وأعتماد الإنتخابات النزيهة والحرة ، وتفعيل دور البرلمانات والمجالس التمثيلية .

- رصد الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية للمواطنين ومتابعة الخطوات التي تقرها السلطات بهذا الصدد ، والتركيز على الأمور المطلبية التي من شأنها التحسين المستمر للأوضاع المعيشية ، وإحداث تنمية وتقدم في البلاد .

 وبذلك تصبح الممارسة السياسية شبيهة الى حد ما بتلك المعتمدة في الغرب بحيث يتجمع الناس حول من يخدم قضاياهم ويوفر لهم مطالبهم ، وينفضون عنه عندما تخالف توجهاته مصالحهم ومنافعهم .

ولعل المتغيرات التي حصلت في تونس ومصر او تلك التي قد تحصل في دول عربية أخرى تبين بشكل واضح أن أي حزب وطني او قومي او أممي غير جاهز لتسلم السلطة حيث لا يمتلك برنامج أصلاحي محدد ولا حيثية شعبية تخوله ان يفرض نفسه . وواقع التيارات الدينية ليس بأحسن حال من التيارات الحزبية العلمانية بدليل انه ما ان حصل التغيير في تونس ومصر حتى كانت الأحزاب الدينية اول من جاهر بعدم رغبتها بتسلم السلطة للإعتبارات التي اسلفنا ذكرها .

 وبما ان الهوية الدينية للدول العربية التي حصل فيها التغيير او تلك التي قد يحصل فيها التغيير هي هوية اسلامية فمن المرجح ان يكون الإسلام السياسي التركي هو النموذج القابل للإقتداء به حيث لا حكومات اسلامية ، ولا دول علمانية الحادية تفصل بالكامل الدين عن الدولة كما هو الحال في الدول العلمانية الغربية .

وسبب التكهن بهذا النموذج من الأنظمة السياسية مرده الى طبيعة التكوين الفكري للشبان المحتجين الذين بأغلبيتهم من المتعلمين المستقلين او ممن ينتمون الى منظمات المجتمع المدني التي ليس لها صفات حزبية او عقائدية . كما انهم ممن انخرط بكل فعالية في الحقل المعرفي الخاص بالتقنيات الحديثة إن لجهة استخدامها او لجهة توجيهها بالشكل الذي يخدم تواصلهم ، وتفاعلهم مع بعضهم ، وتداعيهم للإلتقاء حول مطالب مشتركة لم ترد لا في برنامج حزبي معين ، ولا في ادبيات تيار عقائدي محدد ، بل مستقاة المطالب من هموم الناس ومن يومياتهم . وليس بالضرورة ان يتم التغيير في الدول المرشحة لهذا الإستحقاق وفق نفس المبدأ وإلا نكون بذلك قد الغينا خصوصية كل دولة وكل شعب .

فالمسألة ليست عملية استنساخ بل هناك عناوين عريضة تتشابه من خلالها عمليات التغيير وتختلف في التفاصيل .

ومن هنا فإن كل تغيير سيحصل ستكون له هويته الخاصة به استناداً الى الواقع السياسي والإجتماعي والإقتصادي لكل دولة .

 وسواء ساد التشابه او الإختلاف فإنه بات في شبه المؤكد ان الخارطة السياسية للعالم العربي مقبلة على متغيرات كبيرة من شأنها اعادة ترتيب اولويات الشعوب العربية ، وطبيعة اهتماماتها ، ومستقبل علاقاتها الإقليمية والدولية . وأن هذه المتغيرات ستحتاج الى فترة زمنية حتى تكتسب هوية مستقرة مما يعني ان هناك مخاطر حصول قلاقل وتوترات وأضطرابات كما هو حال كل الدول التي انتقلت من واقع الى واقع أخر .

رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي

عدد القراءات : 2239
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات