احدث الاخبار

خطاب أوباما ....... كلام للتضليل أم للتطبيق..!!

خطاب أوباما ....... كلام للتضليل أم للتطبيق..!!
اخبار السعيدة - بقلم - المهندس / حاتم أبو شعبان         التاريخ : 06-06-2009

استمعنا جيدا وبإصغاء تام إلى خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة، حتى نستطيع أن نقيم هذا الخطاب من حيث الشكل والمضمون، ومدى الجدية في تطبيق ما قيل في هذا الخطاب، وحتى نكون منصفين وبحيادية تامة، فمما لا شك فيه أن كلام الرئيس أوباما في خطابه كان جيدا، ويعتبر تغيير نوعي للسياسة الأمريكية المتغطرسة والمتعالية، خصوصا في الفترة الرئاسية للرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، الذي لم يسبق له مثيل من الرؤساء الأمريكيين منذ نشأت الولايات المتحدة الأمريكية في الغطرسة والتعالي والعنصرية والغباء، مما أساء إلى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها قبل غيرها، وأقحم العالم في حروب تدميرية كبيرة، أدت إلى زيادة الإرهاب في العديد من دول العالم نتيجة سياسته المتغطرسة وغبائه الشديد، وهذا الوصف ليس من عندنا فقط وإنما وصفته بذلك أقرب الناس إليه عندما انتخب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية في المرة الأولى.

وبالرجوع إلى خطاب الرئيس أوباما في جامعة القاهرة، فقد بدا للجميع واضحا مظهريا وشكليا وكأن هناك انقلاب على جورج بوش والإدارة الأمريكية السابقة وذلك كما هو واضح من الخطاب الإعلامي للإدارة الأمريكية الجديدة ورئيسها الجديد أوباما منذ تسلمه سدة الحكم رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية في يناير الماضي، وتوج هذا الانقلاب كما هو ظاهر شكلا في خطاب الرئيس أوباما الأخير في جامعة القاهرة.
ولكن من المعروف لدى المطلعين على نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، أن السياسة الأمريكية عامة والخارجية منها على وجه الخصوص، لا يحددها شخص الرئيس فقط كما يعتقد البعض، وإنما تحددها مؤسسات الدولة المختلفة مثل: الكونجرس الأمريكي و  C.I.A.، والمؤسسات الاقتصادية في الدولة، كما يجب ألا ننسى مؤسسة إيباك التي لها تأثير قوي على تحديد السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه إسرائيل، وغير ذلك من المؤسسات الأمريكية التي لها تأثير على وضع سياسة الإدارة الأمريكية في إطار دراسات وتفاصيل لتحقيق المصالح الأمريكية، وكل هذه المؤسسات هي التي تضع الخطط التفصيلية للإدارة الأمريكية، ولا يستطيع أي رئيس للولايات المتحدة الأمريكية أن يخرج عن هذه السياسة المحددة والمبرمجة له، وهو مجرد واجهة للإدارة الأمريكية ومعبرا بخطاباته وتصريحاته وأفعاله عنها، وليس عن آرائه ومواقفه الشخصية.

من المؤكد أن هذه المؤسسات الأمريكية هي التي وضعت سياسة الإدارة الأمريكية السابقة في عهد الرئيس بوش، وهي نفسها أيضا التي وضعت سياسة الإدارة الأمريكية الحالية في عهد الرئيس أوباما، وبالتالي يجب أن يكون معلوما أنه لا يوجد ولن يكون في أي وقت من الأوقات انقلابا في أي إدارة أمريكية جديدة على سابقتها، وإنما مؤسسات الدولة هي التي تحدد سياسة الإدارة الأمريكية القائمة بما يحقق المصالح الأمريكية في ذلك الوقت، ولا يوجد أي موانع أو خجل لدى هذه المؤسسات من تغيير سياسة أي إدارة أمريكية جديدة حتى لو وصل هذا التغيير إلى 180 درجة بما يوحي بالانقلاب، لأن الهدف الأساس لمؤسسات الدولة هو تحقيق الحد الأقصى من المصالح الأمريكية.

 

وفي هذا النطاق وفيما كان يظهر من الخطاب الرسمي للرئيس الأمريكي السابق بوش فقد كان هو الشخص الأنسب لتنفيذ السياسة الأمريكية المتغطرسة والمتعالية للإدارة الأمريكية السابقة، وكذلك الحال وكما يظهر من الخطاب الرسمي للرئيس الأمريكي الحالي أوباما، أنه هو الشخص الأنسب لتنفيذ السياسة الأمريكية الجديدة للإدارة الأمريكية الحالية، ومن المؤكد أن هذا يعني أن مؤسسات الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية التي وضعت السياسيتين المتناقضتين لعهد الرئيس السابق بوش والرئيس الحالي أوباما، أنها اقتنعت بفشل سياستها السابقة وبوجوب تغيير هذه السياسة إلى ما نراه الآن وبمواصفات الرئيس أوباما المناسب لهذه المرحلة.

هناك بعض من استمعوا إلى خطاب الرئيس أوباما شعروا بالغبطة والسرور الكبير مما سمعوه في هذا الخطاب، وانتابهم الإحساس الخيالي بأن الذي يلقي هذا الخطاب رئيس مسلم بل ومتدين لدولة إسلامية، وذلك من كثرة ما ذكر في خطابه آيات قرآنية من القرآن الكريم واستشهد بها للتأكيد على سماحة الدين الإسلامي معتقدين أن هذه السياسة الجديدة من محض أفكاره وقناعاته الشخصية، ومن هؤلاء أصبحوا يحللون أن هذه المواقف الجديدة ناتجة عن كون الرئيس أوباما له جذور إسلامية أن والده حسين أوباما مسلم من كينيا في أفريقيا، ووصل الحد في قلة منهم بالاعتقاد أن الرئيس أوباما نفسه مسلم ويتحايل على الإدارة الأمريكية !!!!.

وفي نفس الوقت هناك الكثيرون ممن استمعوا إلى خطاب الرئيس أوباما يعتقدون أن الرئيس أوباما يخادع العالم بسياسته الجديدة المعلنة للمماطلة والتسويف ومضيعة الوقت لصالح إسرائيل، وأن تصريحاته وخطابه الأخير مجرد كلام فقط للضحك على الذقون والاستخفاف بعقول القادة العرب والمسلمين، لأن الولايات المتحدة الأمريكية دولة استعمارية وهي أكبر دولة في العالم ووحيدة القرن، والظروف مهيأة أمامها لتفعل ما تشاء سواء بالقوة أو الخداع، وعليه فأنه لن يحدث أي تغيير حقيقي في السياسة الأمريكية.
في اعتقادي أن كلا الرأيين خاطئين تماما، والحقيقة تكمن في قناعة المؤسسات الأمريكية بفشل سياسة الغطرسة والتكبر والتعالي المصحوبة بغباء الرئيس السابق جورج بوش، وأنه أصبح من الواجب تغيير هذه السياسة بشكل مختلف كما نراه الآن في عهد الإدارة الأمريكية الجديدة والرئيس أوباما، ولكن لا أحد يدرك حتى الآن وإلى وقت قريب لاحقا - هل هدف هذه المؤسسات الأمريكية من التغيير هو الجدية والتطبيق العملي أم التضليل والخداع ومضيعة الوقت، وعليه لا يمكننا أن نحكم سلفا على النتائج.

لقد كان مستحيلا أن يتم تغيير السياسة السابقة في ظل الرئيس السابق جورج بوش أثناء فترة حكمه، كما أنه فيما لو كان قد نجح في الانتخابات الرئاسية مرشح الحزب الجمهوري، فإنه من المؤكد كان سيتبع نفس السياسة الأمريكية الجديدة التي يتبعها حاليا الرئيس أوباما.

ومن هنا لابد أن ندرك جميعا أن السبب في نجاح الرئيس أوباما في الانتخابات ليس بهدف تغيير السياسة الخارجية التي هي ليست موضع اهتمام الشعب الأمريكي إطلاقا، والتي يمكن أن تتغير في أي وقت طبقا لما تحدده مؤسسات الدولة، ويكون دور الرئيس هو التنفيذ فقط، وإنما ما ساهم بدرجة كبيرة في نجاح الرئيس أوباما هو فشل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في سياسته الاقتصادية والضرائبية والاجتماعية التي تؤثر تأثيرا مباشرا على كل فرد من الشعب الأمريكي، والتي أدت إلى الدمار الاقتصادي العالمي الموجود حاليا وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية، مما دفع الشعب الأمريكي لإجراء التغيير من الحزب الجمهوري للحزب الديمقراطي.

ومن هذا المنطلق فإن علينا في العالم العربي عامة والشعب الفلسطيني خاصة، أن لا ننساق ولا ننحدر للجدل في خطاب الرئيس أوباما وتحليله إيجابا أو سلبا كما ذكر أعلاه، ولكن علينا أن نهتم بالأفعال والتطبيق العملي وليس الكلام، وهذا ما يجب أن نحدد موقفنا بناء عليه من الإدارة الأمريكية الجديدة والرئيس أوباما، خصوصا أن هناك العديد من النقاط الإيجابية التي بدت واضحة في تصريحات أوباما وخطابه الأخير فيما يتعلق بالعالم الإسلامي والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.

فعلى سيبل المثال مطالبته بتنفيذ حل الدولتين ووقف الاستيطان وإزالة كافة المستوطنات القائمة في الأراضي الفلسطينية، وترحيبه بالمبادرة العربية للسلام، ومطالبته برفع الحصار والمعاناة عن الشعب الفلسطيني عامة، والذي قال في خطابه أن معاناته بدأت منذ عام 1948م.، بما يوحي ذلك بصورة غير مباشرة بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من بلادهم عام 1948م.، كما مطالبته لرفع الحصار والمعاناة عن قطاع غزة ليعيش أبناؤه وأطفاله حياتهم كسائر دول العالم، ومن المؤكد أن هذه النقاط الإيجابية التي وردت في خطاب الرئيس أوباما قد أغضبت إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة.

لكن هذا لا يعني أن ننكر ما بدا واضحا في خطابه من الدعم الكامل لإسرائيل وأنها الحليف الإستراتيجي للإدارة الأمريكية، و من المؤكد أن هذا الأمر يعتبر من الثوابت الأمريكية التي لا يمكن إطلاقا للمؤسسات الأمريكية أو أي رئيس أمريكي مهما كانت صفاته ومعتقداته أن يحيدوا عنها، كما لم يتطرق الرئيس أوباما في خطابه بصورة واضحة للمشكلة الأساسية للقضية الفلسطينية وهي مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة والتعويض، وإن ذكر معاناة الشعب الفلسطيني منذ عام 1948م..

من هنا وفي هذا السياق وفيما يتعلق بالنقاط الإيجابية، فعلينا أن نركز اهتمامنا على المطالبة بالتطبيق العملي لما ورد في خطاب الرئيس أوباما، وهذا لن يأتي إلا بتحرك عربي وفلسطيني واسع على كافة المستويات العربية والفلسطينية في الساحة الدولية وخصوصا لدى الإدارة الأمريكية لاختبار موقفها وجديتها العملية في تطبيق أقوال الرئيس أوباما وبأسرع وقت وفي مدة زمنية محددة، وكشف الحقائق أولا بأول أمام الأمة العربية والشعب الفلسطيني خاصة، ولا مجال هنا على الإطلاق لأي مسئول عربي وفلسطيني للتستر على أي موقف أمريكي يظهر منه المماطلة والتسويف والخداع، ومن يتستر على ذلك إذا وجد هذا الخداع سيكون متآمرا مع الإدارة الأمريكية ضد القضية الفلسطينية.

فإما التطبيق العملي والفوري والجدية في التنفيذ، وإما المماطلة والتسويف والخداع، وعند إذن يجب على العرب والمسلمين أن يحددوا موقفهم القاطع من الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما، وعلى الجميع أن يدركوا أن عامل الوقت مهم جدا جدا حتى لا يحدث ما يدمر عملية السلام.

 

* عضو المجلس الوطني الفلسطيني
Email: hatimabushabangaza@hotmail.com


عدد القراءات : 2799
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات