احدث الاخبار

مراسلو الجزيرة .. صِحَفيون أم قادة ثورة ؟!

مراسلو الجزيرة .. صِحَفيون أم قادة ثورة ؟!
اخبار السعيدة - بقلم - عبد الحبيب العزي*         التاريخ : 02-02-2011

تُتَّهمُ قناة الجزيرة من قبل جهات بعينها – وخصوصاً من قبل الأنظمة العربية والمنتفعين من بقائها – بأنها وسيلة تحريض للشعوب ، وأداة لهدم النسيج الاجتماعي في الأقطار العربية قاطبة ، فهي كانت وراء إشعال ثورة تونس ، التي أطاحت برأس النظام الحاكم هناك ، وهي التي كشفت المستور حول ما كان يجري من فضائح وتنازلات داخل الغُرف المغلقة بين المفاوض الفلسطيني ونظيره الإسرائيلي ، وهي اليوم وراء اشتعال فتيل الفتنة ، وتأجيج غضب الجماهير تجاه الحاكم المصري ونظامه الشرعي و"الديمقراطي " والذي جاء به الشعب عبر صناديق الاقتراع ، في انتخابات حرة ونزيهة شهد لها العالم بأسره ، "ماعدا قناة الجزيرة" التي لا ترى الحقائق كماهي ، والتي تملك أجندة مسبقة تجاه تلك الأنظمة ، وتعمل لصالح قوى خارجية تريد خلق مزيد من الاضطرابات في المنطقة العربية  ... هكذا يقول خصومها على الأقل .

يحق للحاكم العربي إذاً أن يُذعر وترتجف فرائصه ، لمجرد أن يذكُر أحدهم اسم قناة الجزيرة أمامه ، كيف لا وهي التي تريد تخريب كل شيء عليه ، حتى بات يُحس من كل جوارحه بمُر الهزيمة حيالها ، فهي تزلزل عرشه ليل نهار بحقائق أفعاله الدنيئة ، التي كان قد تعود طيلة عقود على حجبها عن شعبه ، وهو اليوم لا يستطيع فعل شيء لإخراسها وإسكاتها ، فهي قد باتت الصوت الذي حمل إليه أنين الموجوعين من وطأة جلاده فصم أذنيه ، وهي العين التي نقلت الصورة الحقيقية لتلك الوجوه البائسة خلف قضبان سجنه الكبير ففقأت عينيه ، وهي التي عرَّته أمام شعبه ، حتى بدت لهم كل سوءاته ، وهي التي كشفت النقاب عن وجهه القبيح فبدا لهم كالذئب وقد كشّر أنيابه ، فكانت للشعوب بوابة الأمل وصوتهم الذي ولجوا من خلاله إلى عالم الحرية ، وكانت للطغاة السيف المسلط على رقابهم والشوكة التي ما فتئت تبرح حلوقهم .

وإذا كانت هناك بعض الأصوات " الباهتة " التي تحاول اتهام قناة الجزيرة بأنها وراء كل هذه الثورات العربية ، وبأنها السبب في كل هذا الحراك الشعبي الذي تشهده اليوم معظم العواصم العربية  ، والمطالب في عُمومه بالتغيير وبرحيل الحاكم ، بل إن بعضهم بالغ في ذلك وذهب بعيداً حد اتهام دولة قطر ذاتها ، بل واتهام أميرها بأنه هو من يعطي الضوء الأخضر للجزيرة كي تفعل كل ذلك ، في دلالة واضحة تعكس مستوى الغباء والتردي في الفهم ، الذي تتمتع به تلك العقليات التي ظلت - ولا تزال - تدير أنظمة القمع العربي إلى اليوم ، ولسان الجزيرة حيالها يردد قول الشاعر : وإذا أتتك مذمتي من ناقصِ * * فهي الشهادة لي بأني كاملُ .

إن قناة الجزيرة ومنذ تأسيسها في إبريل من العام 96م ، قد أتت لتشكل حدثاً مفصلياً وهاماً في تاريخ الإعلام العربي ، بل وفي الثقافة العربية كذلك ، فهي لم تكن مجرد قناة ظهرت على الفضاء العربي والعالمي ، وإنما هي كانت خطوة إيجابية نحو تفكيك العُقَد السياسية والثقافية في العالم العربي ، والتي كانت قد دخلت في مراحل من العُقم والجمود ، فكانت تلك البرامج الحوارية الجريئة للجزيرة التي خرجت بها عن المألوف ، وتمردت على " التوابيت " التي لم يكن يجرؤ أحداً على الاقتراب منها قبل ظهور الجزيرة ، بل وحطمتها في ظرف سنوات قليلة من بدء انطلاقتها ، والتي أسهمت بمجملها – وبشكل فعّال – في تشكيل هذا الوعي وهذا النضج عند المواطن العربي بكافة حقوقه السياسية والفكرية والاجتماعية و .... الخ ، والتي كانت مُغيبة تماً من قبل الأنظمة العربية الحاكمة ، وهو ما نملس اليوم ثماره وآثاره ماثلة أمام أعيننا من خلال هذه الثورات الغاضبة .

إن قناة الجزيرة بحق – بكل طاقمها من صحافيين ومراسلين - قد أشعلت فتيل الثورة فعلاً في عالمنا العربي ، وهي التي تصدرت قيادة مواكب التغيير عبر شبكة مراسليها المنتشرين في كل أصقاع الأرض ، وعبر صحافييها المتمرسين في إدارة برامج الحوار الجريئة ، وعبر مذيعيها المحترفين في غرف الأخبار ، حتى باتو قادة ثورة حقيقية ، لأمة كان قد سيطر عليها الرضوخ والإذعان طيلة عقود .

إنهم - بتقديري - فعلاً قادة ثورة ، لكنها ثورة لتحرير العقل قبل تحرير الأوطان ، ولتحرير الذات العربية من الخوف الجاثم عليها جراء بطش السلطان وسطوته ، لقد كانت ثورة للنهوض بالعقل العربي والارتقاء بفكره ، حين أطلقت الرأي والرأي الآخر شعاراً لها ومحدداً لمسارها منذ الوهلة الأولى لانطلاقتها ، إنها كانت ثورة في تجسيد مفهوم احترام عقل المشاهد والارتقاء بوعيه السياسي والفكري والثقافي ، من خلال استضافتها لكل ألوان الطيف السياسي في العالم العربي وفي العالم بأسره ، إلى طاولة الحوار ، وحين تدع الحكم للمشاهد وحده يقرر ما يشاء حول كل ما يسمع ويشاهد على شاشتها .

ولأجل ذلك كله فإنها تتعرض اليوم لتلك الحملة الشعواء على بثها للأحداث داخل مصر ، من قبل بقايا النظام المحتظر والمتواطئين معه ، وهي حملة تستهدف حجب الحقيقة عن المشاهد ، الحقيقة التي يعمل دعاة الظلام كل ما بوسعهم لإخفائها ، لكن تلك الحملة وبارتكابها ذاك الحمق لا تعلم أنها تقدم أكبر خدمة لقناة الجزيرة في هذه اللحظة التاريخية ، فبدلاً من أن يكون للجزيرة ثلاثة أو أربعة مراسلون ينقلون لها الأحداث ، بات كل الشعب المصري مراسلون لها ، وباتت اللقطات والمشاهد الحصرية على شاشتها اكثر من ذي قبل ، بل وأصبحت العديد من القنوات الفضائية تنقل بث الجزيرة عبرها بشكل كامل ، وبدلاً من قناة "جزيرة " واحدة أصبحت هناك أكثر من 15 قناة " جزيرة " تبث تغطيتها المباشرة في نفس اللحظة .

و يا جبل ما يهزك ريح ..!

*كاتب – ومستشار للتحرير بمجلة المرأة والتنمية

الصادرة عن الاتحاد النسائي العربي واتحاد نساء اليمن

عدد القراءات : 3973
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات