عندما .... قراءة مؤلمة لمشاهد أشد إيلاماُ
عندما تتراءى لك الحقيقة أمام عينيك مجسمة على الأرض ترسم مأساة وطن و تجاعيد شعب غادرت محياة الفرحة و لتحل مكانها صنوف المآسي و الألآم فلا معنى حينها للجدل.
و عندما يدفع الموظف البسيط إيجار السكن و الكهرباء و الماء و الصحة و التعليم و الصرف الصحي...الخ ونعفوها عن كبار القوم .
وعندما يحل العام الدراسي الجديد ويتيه الآباء و يتحيرون في زمن الغبن فيلبس الأبناء ثياب العام الفائت بصمت بل و تجمع أوراقه الصفراء في دفاتر جديدة .
وعندما يحل العيد و يتكرر الموقف لترى في أيام الزينة ممن تختلف ألوان و أشكال شراك نعليه بل و أزرار قميصه لتدرك حجم المأساة.
وعندما يقف الآلاف من مختلف الأعمار أيام رمضان المباركة على أعتاب الجمعيات الخيرية و المحسنين لتدرك حجم القضية أجل قضية الإنسان و المواطنة.
و عندما تزداد طولاً و عرضاً طوابير المتسولين على الأرصفة و محلات العبادة و الصرافة فلا معنى للغطرسة والاستعلاء.
و عندما يتمنى أحدهم لو انه مصاب بعاهة يسترزق بها لهول المعاناة.
و عندما ترى السواح يرمون بالنقود وسط المتسولون ثم يبدءون بتصوير العراك ليعتصر قلبك ألما لمشاهد مريعة.
و عندما تستشعر صغر حجمك أمام أقرانك من شعوب العالم حين تستوقف في مطار بلدك ذليلاُ بتهم الإرهاب!
و عندما تنتشر على الأرصفة بل وفي المحلات البضائع المنتهية الصلاحية و السيئة الخزن ليتعرض الشعب للإبادة البطيئة و لا يجد من يحرص عليه.
و عندما تتفشى الأمراض الخطيرة و لا يسأل أحد عن أسبابها و مصدرها.
و عندما تنتشر الأدوية المهربة و توزع عيانا و لا رقيب.
و عندما تتناقل الأخبار أخطاء الطب الفظيعة و لا حسيب.
و عندما تتعطل معاملات الناس لتجد المسؤول آخر من يصل و أول من يغادر.
و عندما يكثر السماسرة و الوسطاء في المرافق الخدمية العامة.
و عندما تناط المهام لغير الأكفاء.
و عندما تقرأ على صدر مختلف الصحف مناشدات لشخص الرئيس بالتدخل لرفع الظلم لتدرك ضعف القضاء و استباحة القانون.
و عندما تذرف دموعاً و أنت ترى ذلك الكهل أمام البريد ينتظر لساعات لاستلام مرتبة الزهيد ثم يقال له لم يصل بعد.
و عندما يفقد العزيز معيله ثم لا يجد من يسأل عنه.
و عندما يعبث ذاك النفر بحق الطريق تسود الفوضى .
و عندما تتسع الهوة فيزداد أهل الغنى غناً وبطراً و يزداد أهل الفقر فقراً و شقاء.
و عندما يستأثر أبناء ذاك النفر بالمنح و البعثات التعليمية إلى الخارج لتموت الأحلام والآمال لأبناء الفقراء كمداً مئات المرات.
و عندما لا يجد الشباب ملاذاً يستوعبهم و ينمي أفكارهم و مواهبهم يصير الضياع.
و عندما تذم القيم و تتهاوى الأخلاق.
و عندما يستشري الغش و التحايل و بذاءة الكلام فالسلوك و لا تجد من يردعه.
و عندما يتم البسط على حقوق الغير بثقافة القوة تتكرر القضية.
و عندما لا يحاسب على الأخطاء و الفساد فيعبث الكبار بمقدرات الأمة تنهك الأوطان.
و عندما تعقد الندوات و الحلقات و النقاشات و تستنزف خزينة الدولة المليارات ثم لا يؤخذ بها.
و عندما تشكل لجان للعمل في مختلف القضايا ثم تنبثق عنها لجان ثم لجان و لجان لترى عن قرب حجم الاستخفاف بالوطن و الإنسان.
و عندما يواصل العلم عده التنازلي و تتكسر الكراسي و الطاولات في الفصول الدراسية كالأحلام ثم نتحدث عن الطاقة النووية و الفضاء.
و عندما تتباهى الأمم و الشعوب بعدد العلماء و الفنيين لديها و نتحدث نحن عن تفشي الأمية.
و عندما تتحدث الأمم و الشعوب عن ارتفاع مستوى الدخل لديها و نتحدث نحن عن ارتفاع مستوى الفقر و الجريمة.
و عندما تتحدث الأمم و الشعوب عن خطط و استراتيجيات لمواجهة المستقبل و تحدياته نعدد نحن مزايا القات و أسمائه و صفاته.
و عندما يتم إنتاج الجهل و التخلف بل و إعادة إنتاجه لينوح الوطن صغر أبنائه حين ينحصر الولاء في الفرد و الشيخ و القبيلة.
و عندما يضيق أفق التفكير فلا يتسع لغير رأي الفرد تتجمد الآراء تحت جليد السلطان.
و عندما تنعدم الرؤى يحتضر الفكر و تتكسر الأقلام الحرة و تخفت أضواء المسارح و دور الإبداع و الأدب و الفن و التاريخ لتسوق الأشياء الهزيلة.
و عندما ........ و عندما يسدل الليل ستارة لا بد من بزوغ الفجر.