احدث الاخبار

678فقر جهل كبت عيب

678فقر جهل كبت عيب
اخبار السعيدة - بقلم - أحمد عرار*         التاريخ : 27-01-2011

لقد أصبح مضمون السينما من أهم المنتجات الفكرية والمعرفية الحديثة التي تحلل جوانب المجتمع المتعددة وتتبع مراحل تطوره وانعكاسات هذا التطور على الفرد والأسرة والمجتمع والقيم وما يصاحبها من تغير في السلوك والتوجهات.

وقد شهدت السينما مؤخرا تطورا كبيرا حيث ظهر ما يسمى بسينما الواقع أو "السينما الواقعية" والتي تعتمد على التصوير المباشر والبسيط لمعاناة الطبقات الفقيرة في المجتمع وتتميز الواقعية الجديدة بميزتين رئيستين الأولى هي التصوير الخارجي في الشوارع والأسواق والتجمعات السكنية الفقيرة بصورة تقرب إلى الأفلام الوثائقية والميزة الثانية هي استعانة مخرجي هذه الحركة دائماً بممثلين غير محترفين للقيام بالأدوار الرئيسية أو الهامة في أفلامهم. وتستمد الواقعية الجديدة أهميتها من إنها تركت اثأرا كبيرة وواضحة على المخرجين والسينمائيين في العالم كله وسرعان ما تأثر الجميع بهذه الحركة وخرجت الكاميرات إلى الشارع بعد أن كانت حبيسة الأستوديو طوال سنوات.

ولأسباب كثيرة ليس هنا مجال ذكرها تندر مثل هذه الأعمال في العالم كله حيث يتوجب على فنان السينما أن يقترب من الأعماق، أي من المشاكل الكبرى في حياة الإنسان سواء من حيث وجوده الاجتماعي أو من حيث وجوده الكوني، وذلك على الرغم من أن القيمة الحقيقية لأي عمل درامي تكون بقدر اقترابه من تناول مشاكل الدين والحرية والديمقراطية والجنس والمرأة. وإذا كان ذلك الاقتراب من المشاكل الكبرى نادرا في البلاد التي تملك صناعة سينمائية ضخمة ومستقرة فان من الطبيعي أن يكون أكثر ندرة في البلاد التي تملك صناعة محدودة للسينما، خاصة في ظل الأنظمة العربية القمعية. ومن هنا تأتي قيمة فيلم كـ678 والذي تدور أحداثه حول التحرش الجنسي. وتتشابه فيه صورة المجتمع المصري من أفلام  كحين ميسرة وهي فوضى وغيرها من أفلام الواقع التي تحكي قصة العشوائيات وتظهر البطالة والأمية والفقر الفكري والمعنوي والمادي وسوء التخطيط العمراني وتزييف المدن والتكدس السكاني والتفاوت الطبقي والاجتماعي والثقافي، هذا إلى جانب قضايا الشباب وأوقات الفراغ والمخدرات وقضايا المرأة والهياكل التربوية الامتوزاية. وانعكاس ذلك كله على الفرد وما يصيبه من إحباط معنوي وخلقي.

يجمع الفيلم 678 ثلاث نساء، وثلاث ذكور، تمثل كل شخصية حالة أو نموذجاً تختبئ خلفه أفكار وآراء مخرج الفيلم حول أسباب التحرش ومظاهره وإفرازاته النفسية والاجتماعية.

الثلاث نساء هن فايزة (بشرى) - صبا "نيللي كريم" - ونيللي (ناهد السباعي). ولكل منهن واقع مختلف،يجتمعن في أحداث الفيلم. تتحدث صبا "نيللي كريم" في التلفزيون عن المشكلة، وتقول أنها تعطي دروسا في موضوع التحرش، فتجذب هذه الدروس فايزة، الزوجة المحجبة التي تعمل في مصلحة حكومية، وتتعرض للتحرش أثناء ركوبها الحافلة من البيت إلى العمل أو العكس بصورة يومية. أما الفتاة الثالثة فتتعرض لتحرش سائق شاحنة، والتي بدورها لا تكتفي بمقاومته، بل تتحداه وتتسبب في إلقاء القبض عليه. وفي حين تقول عائلتها وعائلة خطيبها بأنها يجب أن تكتفي بهذا القدر تجنبا وخوفاً من سمعة سيئة، تصر هي على رفع قضية تحرش ضد السائق، ويؤدي ذلك إلى تأزم علاقتها بخطيبها.

أما فايزة فتبدأ بتطبيق وصية صبا والتي تعرضت هي بدورها للتحرش خلال حضورها مباراة رياضية، فتدافع عن نفسها بغز الملتصق بها بسكين صغير. تفعل ذلك عدة مرات وتكاد تستمر في الغز وذلك بهدف الانتقام من أفعال الرجال، الذين أصبحت تكرههم، لكن دخول التحري على الخط يغير مجرى الأحداث. هذا التحري يدرك أنهن في بعض الحالات غير مسئولات، بل ضحايا، وأن الحل قد لا يكون فيما يقدمن عليه دفاعا وكبرياء، بل في معالجة اجتماعية شاملة تقصد مواجهة المسببات التي تدفع بعض الرجال إلى هذه الأفعال.

ولا يكتفي المخرج الشاب محمد دياب على كشف الظاهرة وانعكاساتها وأسبابها فقط، بل يثير النقاش حول العلاقات الفردية بين بطلاتها: فايزة مع زوجها، ونيللي مع خطيبها، وصبا مع عالمها الذي اختارت العيش فيه وحيدة، ثم الثلاث مع الجبهة المعادية التي تحيط بهن.

يستوقف المشاهد في الفيلم حبكة رقمية حيث يتكرر رقم 3 من خلال سيناريو يجمع ثلاث نساء وثلاثة رجال ثم ثلاثة أسئلة مهمة:

هل تعرضت للتحرش من قبل؟

كان رد فعلك إيه؟

وهل ممكن تبلغى ؟

هذه هي الأسئلة الثلاثة التي تعد محور أساسي في الفيلم، وتكمن الأزمة الحقيقة التي نعاني منها في الإجابة عليها، والتي صرح المخرج محمد دياب لجريدة المساء حولها بأن المجتمع المصري شهد في الفترة الأخيرة تغييرات اجتماعية جوهرية حتى أصبحت ظاهرة التحرش أكثر انتشارا وتوحشا في الشارع المصري، مشيرا إلي انه تبنى معالجة هذه الظاهرة من خلال السينما باعتبارها قضية اجتماعية وحضارية تهدد أمن البنية التحتية للمجتمع. وأضاف بان الفيلم ناقش قضايا مسكوت عنها منذ فترة طويلة مؤكدا انه أصر علي تناول المشكلة بعد أن توغلت وأخذت تنخر في جسد المجتمع.

لقد كانت توقعات المخرج دياب بان الفيلم سوف يساهم في رفع نسبة البلاغات في أقسام الشرطة ضد التحرش نتيجة للطاقة الايجابية التي حاول الفيلم أن يرسلها للمشاهدين صائبة إلى حد كبير، فالتقارير التي رصدتها أقسام الشرطة والمؤسسات المدنية والإعلامية تشير إلى ذلك مع انه لم يمضي على عرض الفيلم إلا شهرين تقريباً.

وربما تكون هذه هي الرسالة الحقيقة والهامة جدا في هذا الفيلم المميز وهي رفض الصمت، والتفكير بشكل جدي في انقاد المجتمع من هذه الجريمة التي لا تعتبر المرأة وحدها هي الضحية كما يشاع وإنما الرجل، فالرجل الذي يقوم بالتحرش هو إنسان غير سوي، حولته ظروف القهر الاجتماعية من فقر وجهل وكبت إلى مريض نفسي، وبالتالي إلى مشاركة المرأة في عواقب هذه الظاهرة فالرجل يتعرض أيضا إلى انهيارات وأزمات نفسية كبيرة بسبب ذلك.

*كاتب وباحث فلسطيني

ahmedarar5@gmail.com

عدد القراءات : 2661
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات