احدث الاخبار

الدماء في طريق المصالحة

الدماء في طريق المصالحة
اخبار السعيدة - بقلم - سلامة معروف غزة         التاريخ : 08-01-2011

لم تكن الجريمة البشعة التي اقترفتها قوات الاحتلال بقتلها الشهيد المسن عمر القواسمي-بدم بارد- الجريمة الأولى في تاريخها، ويقينا لن تكون الأخيرة، كما أن خطف الاحتلال للخمسة المفرج عنهم من سجون السلطة، بعيد لحظات من إطلاق سراحهم، لا يشكل سابقة أو حدثا فريدا مستغربا في السلوك البربري الصهيوني، ولكن هذه الأحداث تطرح من جديد تساؤلا لطالما شغل بال الشعب الفلسطيني، حول طبيعة العلاقة بين "الأجهزة الأمنية الفلسطينية" في الضفة وقوات الاحتلال، في ظل ما يسمى التنسيق الأمني، والتساؤل هنا ليس استفساريا، بقدر ما هو استنكاريا، فالجميع بات يعلم علم اليقين أن العلاقة بين الطرفين تكاملية وتنسيقية لدرجة تبادل الأدوار في الكثير من المواقف، والشواهد على هذا الأمر أكثر من أن تعد أو تحصى، وما دماء الشهداء مجد البرغوثي ومحمد ياسين ومحمد سمان ومحمد الحاج إلا نتاج هذا التنسيق المستمر، كما كانت من قبل دماء عماد وعادل عوض الله ومحيي الدين الشريف وغيرهم الكثير، من جرائر ما جلبته هذه السياسة من ويلات على الشعب الفلسطيني.

وللأسف باتت القاعدة التي تحكم تصرفات وأداء هذه الأجهزة التي يفترض بها توفير الأمن للمواطن الفلسطيني، باتت هذه القاعدة تقول إن عقيدة هذه الأجهزة تتمثل في وأد فكرة المقاومة لدى الفلسطينيين ومهمتها الأسمى وربما الأوحد هي السهر لحفظ أمن الاحتلال وسلامته، ولكي لا تتنصل سلطة رام الله من فعلتها ومشاركتها في الجريمة، عبر اتهامها لحركة حماس بأنها من تتحمل المسئولية عن مصير المختطفين بعد إصرارها على إطلاق سراحهم من سجون السلطة، التي كانت توفر لهم الحماية وتحفظهم من استهداف الاحتلال، هذه الكذبة التي لم تعد تنطلي على أحد، ولا يمكن لعاقل واحد أن يتقبلها، سيما في ظل ما تعيشه الضفة المحتلة من ملاحقات ومطاردات هذه الأجهزة لكل من يرفع صوت المقاومة وفي الشواهد التالية نستعرض أزمة هؤلاء المعتقلين منذ بدايتها.

وبدأت أجهزة أمن السلطة في ملاحقة هؤلاء المختطفين قبل عامين تقريبا بعد إعلان قوات الاحتلال لعدد منهم كمطلوبين لديها، كوائل البيطار الذي آوى الشهيد شهاب النتشة في منزله، قبل أن تغتاله قوات الاحتلال، وتعلن مطاردتها له بتهمه المشاركة والتخطيط لعملية "ديمونة" البطولية، وبالرغم من عجز سلطات الاحتلال أكثر من مرة في إلقاء القبض على المجاهد البيطار، إلا أن أجهزة (عباس - دايتون) وتحديدًا جهاز المخابرات تمكنت من اختطافه مع المجاهد أحمد العويوي في عام2008م، ليتعرض الاثنان إلى جولات مريرة من التحقيق القاسي لدرجة كسر عظامهم، كما قامت أجهزة عباس بتهديدهم بأنهما إن لم يعترفا فسيتم اتهامهما بالعمالة وتشوِّه صورتهما وفعلاً اتهمتهما بالعمالة، وادَّعت أن اعتقالهما جاء لهذا السبب، بيد أن هذه الأكاذيب لم تنطلِ على المواطنين، وفشلت أجهزة عباس في ذلك، فعادت وتراجعت عن اتهاماتها، وقالت إنها اعتقلتهما لأنهما مطلوبين للاحتلال وخارجين عن القانون.

وبنفس الطريقة تقريبا، اختطف الشاب مجد البرغوثي قبل عامين، ليتعرض خلال فترة اختطافه لمراحل تحقيق شديدة ذاق فيها أقسى أنواع التعذيب شملت الشبح على الكراسي وعلى الأبواب والحرمان من النوم وسحب الفراش والأغطية برغم الجو البارد، بالإضافة إلى المنع من النوم والمنع من الزيارة والإهانات والشتائم بشكل مستمر.

كما اختطفت هذه الأجهزة في ذات الفترة الشاب مهند نيروخ، وتم اختطاف كل من والده وأخويه محمد ومصعب في نفس الفترة، حيث قضى والده عدة أيام وأخوه مصعب 4 شهور عند "المخابرات"، ومن ثم شهرين عند "الوقائي"، وتعرض مهند خلال فترة اختطافه لمراحل صعبة من التعذيب، مما تسبب في أصابته بغيبوبة استمرت لعدة أيام وأصيب بنزيف حاد، ما أدى إلى نقل عدة وحدات من الدم له، كما أصيب بعدة كسور بأصابع يديه وقدميه وجروح بالغة بالجسم.

مما سبق يتبين كذب الحجج والأباطيل التي تسوقها هذه الأجهزة فهؤلاء الشبان كمئات غيرهم ذاقوا مرارة الملاحقة والتعذيب في سجون السلطة، ومنهم العديد ممن لم يكن الاحتلال يعلم عنهم شيئا حتى اعتقلتهم أجهزة فتح وأصبحوا مطلوبين للاحتلال، كما أن حمايتهم من الاحتلال لا تكون بالتعذيب والمنع من الزيارة والتحقيق القاسي، وعدم العرض على النيابة وتوجيه أي تهمة، ولا بمحاولة تشويه صورتهم وسمعتهم باتهامهم بالعمالة، وأخيرا الضرب بعرض الحائط قرارات "محكمة العدل العليا" التي أصدرت قرارات عدة بالإفراج عنهم، سيما بعد تردي حالتهم الصحية بصورة بليغة.

إن كل ما يحدث على الأرض بشكل يومي يؤكد على أن الاعتقال السياسي، كان ولا يزال وصمة عار في جبين سلطة رام الله ، وممارساتها اليوم تذكرنا بالماضي في غزة بكل تفاصيله، وقسوته ومرارته من قتل وقيام إسرائيل بإعادة اعتقال المعتقلين في سجون السلطة من حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية وقتلهم، وفضيحة اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية احمد سعدات ورفاقه ما تزال ماثلة أمامنا وتشكل نقطة سوداء في تاريخ هذه الأجهزة، كما كانت من قبل خلية صوريف، ومعتقلي حماس في مقر الوقائي ببيتونيا.

وهكذا ستبقى هذه الدماء بغض النظر عمن باشر القتل، سدا منيعا في طريق تحقيق أي مصالحة وطنية بين فتح ولا أقول حماس فحسب، بل الشعب الفلسطيني، ما لم تتنصل هذه السلطة مما كبلت به نفسها من التزامات لا معنى لها في ظل التعنت والاستهتار الإسرائيلي بالدماء الفلسطينية وبما يسمى عملية السلام، وهو ما يتطلب إعلانها إنهاء ظاهرة الاعتقال السياسي ووقف ملاحقة المقاومين، فهل تفعلها السلطة؟!

عدد القراءات : 2138
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات