احدث الاخبار

حوار علمي أقتصادى -2- مع المفكر أ. د. محمد سعد عبد اللطيف

حوار علمي أقتصادى -2- مع المفكر أ. د. محمد سعد عبد اللطيف
اخبار السعيدة - القاهرة (مصر) - حوار - دينا سعد         التاريخ : 14-10-2010

ما هي مكانة مصر.. وما هو مكانها في عالم اليوم، الآن؟! 1- لم تشهد مصر طوال تاريخها الطويل تدهورًا خطيرًا ومتزايدًا ومتسارعًا في شتى المجالات، وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي، كما شهدته وتشهده خلال الثلث قرن الأخير وحتى الآن، رغم بعض الإنجازات المتواضعة هنا وهناك، من تدني واضح وفاضح في الخدمات الأساسية، ونهب منظم وفاجر للمال العام، وإهدار سافر وسافل، بل متعمد، للحقوق الأساسية للمواطن؛ مما يعني تآكل خطير ومتسارع لمكان ومكانة مصر في عالم اليوم.

فكيف السبيل لوقف هذا التدهور؟ وما المخرج؟

1- 3 بالرغم من البيانات الحكومية وتصريحات المسئولين المتداخلة والغامضة، بل المتضاربة في أحيان كثيرة طوال هذه الفترة، والتي تشدد في مجملها على عزم الحكومات المتعاقبة الجاد على التصدي لمشكلات الاقتصاد والمجتمع بالمعالجة غير التقليدية للخروج من أثار التخلف، وهدر الإمكانية، وذل التبعية، وبالرغم من توافر إمكانات بشرية ومادية ومالية معقولة ومقبولة؛ لإحداث إصلاح سياسي، وتنمية مستدامة، وتقدم ملموس ومحسوس في حياة المواطن ومكانة الوطن، كان وما زال واقع الاقتصاد والمجتمع شديد التخلف سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، ويرجع ذلك الواقع المرير إلى استبداد يئن من قسوته المواطن، وفساد في شتى المجالات يعاني من استشرائه المواطنون، وممانعة لأي تغيير لضمان استمرار الوضع القائم، في تفاعل خطير بين هذا الثلاثي المدمر، نتيجة تزاوج أخطر بين التنظيم الطليعى و السلطة والثروة .

فمتى نجابة هذا الثالوث الشيطاني؟ وما هي السبل الناجحة لتدميره.. لتحرير الإنسان المصري؟

1- 4 لقد ازداد هذا الوضع تفاقمًا خلال السنوات الأخيرة في شتى المجالات، وتولدت عنه الكثير من الكوارث التي عاشها ويعلمها الجميع، ففي المجال السياسي، الذي هو أساس كل عمل مجتمعي عام، تم تخريب مقصود للدستور؛ لترسيخ سلطة الفرد، وأبدية الاستيلاء القصري على السلطة، وفي المجال الاقتصادي بجانب تفريغ الدستور من أي نظام اقتصادي، والتحلل أو التخلص من مجتمع الكفاية والعدل، تكريسًا للفساد، وإسراعًا لنهب القطاع العام باسم عملية (الخصخصة)، وتدعيمًا لاحتكارات رجال الأعمال الجدد للسلع الإستراتيجية باسم اقتصاد السوق وحرية جهاز الثمن، أدَّت السياسات الاقتصادية المغرضة والمتخبطة إلى تفاقم مشكلات البطالة والفقر وارتفاع الأسعار وتدني الخدمات الأساسية وتخريب الدعم، وكانت النتيجة انخفاضًا حادًا في مستوى معيشة المواطن، وإهدارًا متسارعًا في حقوقه الأساسية.

فكيف نوقف هذا التخريب.. ونعالج هذا الخراب؟

2- حدود هذه التساؤلات:

2-1 يرتبط موضوع الدعم بكافة المتغيرات الاقتصادية التي تحكم الحياة المادية للمجتمع من إنتاج ودخل واستهلاك، وادخار واستثمار وتوزيع، وفرص عمالة، وخصائص قطاعية مؤسسية (عام وخاص ومشترك وتعاوني)، وإنتاجية (قطاعات سلعية وخدمية)، وسياسات اقتصادية (نقدية ومالية وتجارية وإنمائية)، كما يتعلق بشكل مباشر بقضايا ومشكلات الفقر وارتفاع الأسعار، والفجوات في الهيكل الاقتصادي من فجوة إنتاجية، وفجوة غذائية، وفجوة حبوبية، وفجوة قمحية، ومن ثم قضايا "الاكتفاء الذاتي"، والفاقد والسوق السوداء، ومستوى المعيشة، ونوعية حياة المواطن، كما يتصل مباشرة، وأخيرًا بالتوازنات المالية وعلى رأسها الأجور والأسعار، والموازنة العامة، والميزان التجاري، ويشكل عجز الموازنة بصفة خاصة هاجسًا دائمًا أمام قضية الدعم وأمام متخذي القرار.

فكيف نخفف من حدة هذه المشكلات، ونعالج هذه الفجوة الإنتاجية والاختلالات المالية؟

2- 2 تعاني عملية التعبير الكمي والقياس الرقمي للمتغيرات الاقتصادية عامة، وبقضايا البطالة والفقر وارتفاع الأسعار وعجز الميزان التجاري وفجوات الهيكل الاقتصادي والفاقد وعجز الموازنة والدعم خاصة، من تخلف إحصائي فادح وفاضح، فلكل متغير من هذه المتغيرات العديد من الأرقام الرسمية في الوثائق الصادرة من جهات حكومية وشبه حكومية، وفي التصريحات المنشورة على لسان المسئولين، فهل البطالة تمثل مليونين من العاطلين أم عشرة ملايين؟ وهل هي (9%) من مجموع القوى العاملة أم (15.5%؟) وهل مشكلة الفقر (20%) من مجموع السكان؟ أم (40%) أم (80%)؟ وهل الأسعار ارتفعت بنسبة (7.5%) أم (11%) أم (20%)؟ وهل رقم الدعم (55) مليار جنيه أم (65)، أم (100) مليار جنيه؟ كلُّ هذه التقديرات وغيرها، عن المتغيرات نفسها، في العام المالي 2006/ 2007م إذًَا، هذا التخبط الإحصائي والتضارب الكمي لا يساعد على تحليل دقيق وأمين للمشكلة، موضوع المعالجة، ومن ثم لا يساعد على معالجة جادَّة لها.

فهل هذا التخلف الإحصائي مقصود؟ أم هو صورة واضحة من صور مشكلة التخلف العامة نفسها؟

3- مدخل تعريفي للدعم:

3- 1 بصفة عامة يشكل الدعم جزءًا من السياسات الاقتصادية التي تتبعها الدولة الحديثة لضمان إنتاج (أو جلب) سلع، وخدمات بأسعار مناسبة وجودة مقبولة عن طريق دفع (إعانات) لمنتجي هذه المنتجات الاقتصادية، التي تعد أساسية أو ضرورية؛ حتى يتسنى عرضها بأسعار سوقية أقل من أسعار تكلفتها، وذلك للحفاظ على حد أدنى مناسب من مستوى المعيشة يليق بمواطنيها الفقراء، ولمحدودية الكميات المتاحة- نسبيًا- من هذه المنتجات، لا تترك حرة لقوى السوق، وإنما يتم توزيعها في أغلب التجارب عن طريق البطاقات التموينية.

ويعد الدعم وفقًا لهذا التحديد إجراءً مؤقتًا يساعد على دفع عملية التنمية إلى الأمام بشكل مستدام ومتصاعد؛ مما يحدث دخولاً إنتاجية كافية لتحقيق حياة طيبة كريمة للمواطن.

فهل حدثت فعلاً عملية تنمية جادة ومستدامة؛ حتى ننظر إلى الصفة المؤقتة للدعم؟ أم أن المشكلة الاقتصادية في مصر ذات حدة؛ مما يجعل البقاء على الدعم أمرًا وجوبيا لبقاء المواطن الفقير بالكاد على قيد الحياة؟

3- 2 يتكون الدعم من نوعين رئيسيين: الدعم غير الرسمي، ويتم تقديمه وإدارته بوساطة الأفراد والهيئات والجمعيات الأهلية، ويعتمد أساسًا على أموال الزكاة والصدقات التطوعية والوقف، ومجالات العمل الخيري لدى المسلمين من خلال الوقف أو ما يعرف بالعشور وبالرغم من صعوبة قياس حجمه كميًّا، فإن هذا النوع يسهم مساهمة جادة في التخفيف من حدة الفقر، كما أنه لا يتسبب في تشوهات الأسعار؛ حيث يتم بصفة عامة من خلال شراء السلع بسعر السوق دون خلق أسعار موازية، أما النوع الثاني فهو الدعم الرسمي، والذي يشمل الإنفاق الحكومي على شبكات الضمان الاجتماعي، والذي يقدر بنحو (100) مليار جنيه في عام 2006/2007م ويتضمن دعم كل من المياه والطاقة والإسكان والتعليم والصحة والمواصلات والسلع التموينية والخبز، إضافة إلى التأمين الاجتماعي والأنشطة التي يتم تمويلها من خلال الصندوق الاجتماعي للتنمية.

فهل الدعم الرسمي يستهدف حقيقة الفقراء، ويعمل بكفاءة معقولة للحد من مشكلة الفقر؟

3- 3 يشمل الدعم الرسمي العديد من الأشكال، والتي يمكن تجميعها في مجموعتين رئيسيتين: دعم رجال الأعمال، ودعم القطاع العائلي ويتضمن الدعم الأول العديد من الإعفاءات الضريبية، ودعم مستلزمات الإنتاج، والقروض الميسرة، وتقديم أراضٍ من أملاك الدولة بالمجان أو بأسعار رمزية، ودعم الصادرات، ودعم الطاقة بينما يشمل دعم القطاع العائلي دعم السلع التموينية، ودعم الخبز، ودعم السلع الإنشائية والصناعية، ودعم الخدمات العامة، ودعم الطاقة للاستخدام العائلي.

وهناك تقسيمات أخرى للدعم الحكومي، منها تقسيم الدعم إلى دعم مباشر، ويشمل كل أنواع الدعم بخلاف الطاقة (المنتجات البترولية والكهرباء) والمياه والصرف الصحي وغيرها من المنتجات التي تقدمها الهيئات الاقتصادية، والتي تمثل دعمًا غير مباشر، ومنها أيضًا الدعم الصريح، ويشمل كل أنواع الدعم السابقة بما في ذلك دعم الطاقة والمياه وغيرها بالأسعار المحلية، والدعم الضمني، ويقصد به الفرق بين السعر المحلي للسلعة المدعومة القابلة للتصدير وسعرها العالمي، وفي رأي البعض إذا تم اللجوء إلى قياس هذا النوع من الدعم، فيتعين احتساب الأجور والمهايا بالطريقة نفسها، وللصعوبة الشديدة في هذا الصدد- بالنسبة للأجور والمهايا- لاختلاف الأسعار وظروف الإنتاج بين الدول لا يؤخذ به والحوار الدائر الآن.. والمسمى (بالمجتمعي) يدور ويركز على الدعم الصريح، المباشر وغير المباشر، والضمني بالنسبة للطاقة، وبالذات العائلي منه، أي دعم السلع التموينية والخبز والطاقة، فهل هذا الدعم حقيقة يصل إلى مستحقيه، وأيًّا كانت الإجابة، والتي ستتصدى لها هذه الورقة، فهل بند الدعم في الموازنة العامة هو المسئول الرئيسى عن عجزها؟

4- جوهر المشكلة:

4- 1 أثيرت قضية الدعم مجددًا وبقوة من قبل الحكومة، بسبب تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة في السنوات الأخيرة من عام لآخر، وكأن بند الدعم في الإنفاق العام للدولة هو المسئول، أو المسئول الوحيد أو الرئيسى عن هذا العجز وتفاقمه، ولكي تغطي الحكومة هذه النظرة إلى الدعم، غلفتها بدعوى حقيقية مؤداها أن الدعم لا يصل إلى مستحقيه وإنما يصل إلى مستغليه، وهذا حق، يشير بشكل جلي لا لبس فيه إلى فشل الحكومة في إدارة الاقتصاد عامة، وفي تنفيذ سياسة الدعم لكي تصل إلى غايتها وهي قدر مقبول من العدالة الاجتماعية باستهداف الفقراء، خاصة فهو حق يراد به كل الباطل، إذ إن الحكومة استتبعت دعوتها باقتراح تحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي، وفي ظل انفلات الأسعار والاتجاهات الاحتكارية المتزايدة التي يعاني منها الاقتصاد المصري.. لا يعني هذا الاقتراح سوى الوصول إلى نتيجة وحيدة وهي إلغاء الدعم، بوصوله بكامله، فعلاً لا قولاً، إلى مستغليه في صورة ارتفاع جامح في الأسعار المرتفعة أصلاً.

فهل تستطيع الحكومة أن تحدد بدقة مجتمعيَّة الشرائح التي تستحق الدعم النقدي؟ وإذا ما استطاعت، والشك كبير في ذلك، هل تستطيع أن تراقب بشكل جاد الأسعار لتحد من ارتفاعاتها الجامحة؟

4- 2 في ظل غابة البيانات المتضاربة حول هذا الموضوع، يصل الإنفاق العام (شاملاً المصروفات العامة، وحيازة الأصول المالية، وسداد القروض، وصندوق إعادة الهيكلة) في موازنة 2007/2008م إلى 269.7 مليار جنيه، وبنسبة 31.8% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، تصل نسبة الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية من هذا الإنفاق إلى حوالي الربع (24.1%) أو نحو 65 مليار جنيه، ولكن في تصريح أخير كان رقم الدعم 100 مليار جنيه، ووفقًا لبعض التصريحات الحكومية، فإن دعم الطاقة يصل إلى 55 مليار جنيه، والخبز 9 مليارات جنيه، والسلع التموينية 7 مليارات جنيه، أما بقية الـ 100 مليار جنيه، فتذهب إلى دعم الصحة والتعليم والزراعة والإسكان والمياه والصرف الصحي والصادرات والهيئات الاقتصادية المختلفة، وتشدد الورقة على أن درجة الثقة في هذه الأرقام محدودة، فهي تمثل الاتجاه العام للأوزان النسبية لبنود الدعم الرئيسية، ولا تعني القياس الدقيق لها، وهنا يثور السؤال حول الدعم الصريح والدعم الضمني، فما هي نسبة الدعم الضمني في هذه الأرقام؟ هل دعم الطاقة دعم ضمني، لا يمثل كما يقول البعض إلا قيدًا للتذكرة؟ وهل ما يجب حسابه في الموازنة العامة ما تتحمله الدولة فعلاً، مثل الفرق بين استيراد القمح وبيعه للمخابز (أي 20 مليارًا ثمن استيراد، 11 مليارًا ثمن بيع للمخابز) أو بين ثمن البوتاجاز المستورد وثمن بيعه للمستخدم المصري، ولا يدخل في ذلك البوتاجاز المنتج محليًا؟!

5- الدعم ومستغلوه:

5- 1 الخبز

5- 1 -1 باستثناء الحبوب الأخرى، وعلى الأخص الذرة، يمثل القمح المستلزم الرئيسى في صناعة الخبز، والفجوة القمحية تصل إلى أكثر من (75%) من احتياجات السوق المحلى لهذه السلعة الإستراتيجية، أي أن أكثر من نصف رغيف العيش مستورد من الخارج، ومصر تستورد قمحًا بنحو (20) مليار جنيه سنويًّا، يحدث هذا، ولدينا خبرة الفلاح المصري، وكنا نصدر القمح حتى عام 1954م، وأمامنا دول كالهند بسكانها الذي بلغ تعدادهم البليون نسمة وقد حققت اكتفاءً ذاتيًا وتصدر، وأمامنا السعودية، وهي دولة صحراوية، وقد حققت الشيء نفسه وصدرت لنا صفقة قمح، أو قل صفعة قمح، يحدث هذا في وقت يؤكد فيه خبراء الزراعة أن مصر لديها إمكانية زيادة الاعتماد على الذات بنسبة كبيرة بل تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه السلعة الإستراتيجية من خلال زراعة القمح الصحراوي المروي بالماء المالح، فلدينا الأراضي الصحراوية، ولدينا المياه المالحة، ولدينا الأسمدة المناسبة، ولدينا الأيدي العاملة الباحثة عن فرص عمل، ويؤكد الخبراء أن ذلك يمكن أن يحدث في غضون سنوات قليلة، قد لا تتعدى السنتين، يحدث هذا في وقت يصل الفاقد من هذه السلعة من خلال أساليب محدودة الكفاءة في الحصاد والنقل والتخزين والتوزيع والتصنيع إلى نحو 25%.

فهل نحن جادون في انتهاج سياسة زراعية تترك الفلاح والمزارع لعملة ولاتسحبة لخدمة الأمن المركزى والأستغلال السئ لمهاراتة وأبداعة فى مجال الزراعة و تقدم حوافز حقيقية للفلاح المصري، بدلاً من دعم المزارع الأمريكي أو الأسترالي أو الكندي؟! وهل نحن جادون في وقت نزيف الاستيراد من الخارج بزيادة درجة الاعتماد على الإنتاج المحلي من الحبوب (الذرة والقمح) من خلال دورة زراعية في أراضي الوادي والأراضي الصحراوية؟ وهل نحن جادون في وقف، ولو جزئي، لهدر ما يقرب من ربع المتاح من هذه السلعة في مراحل الإنتاج والتوزيع والتصنيع والاستهلاك المختلفة؟ إذا تم ذلك، وهو ممكن ستكون النتيجة زيادة حقيقية في القدرة على ترشيد الدعم كسياسة مؤقتة، وفي القدرة على التخفيف الحقيقي من حدة مشكلة الفقر التي طالت أكثر من 80% من السكان.

5- 1- 2 بالنسبة للوضع الحالي، تحصل المخابز على الدقيق المدعم بسعر 16 جنيهًا للجوال، وإذا ما استخدم كل مخبز حصته بالكامل لإنتاج رغيف عيش يؤكل، أي مع الالتزام بوزن ونوعية الرغيف، سيحقق المخبز دخلاً صافيًا لا يقل عن ثلاثة آلاف جنيه شهريًا، ما يحدث فعلاً بسبب غياب الإشراف والرقابة، أن ما يخبر من الحصة عملاً لا يزيد عن 10%، ويباع الباقي في السوق السوداء؛ خاصة لمصانع الحلوى والفنادق بسعر يتراوح ما بين 160 إلى 180 جنيهًا للجوال، بل إن جزءًا من الخبز يتسرب إلى محلات الأكل والمطاعم بالسعر المدعم، كما يتسرب جزءًا آخر إلى مربي المواشي والطيور بسعر يصل إلى 900 جنيه للطن، ومن هنا تظهر الندرة الشديدة في رغيف العيش المدعم، كما تظهر الطوابير الطويلة لمحاولة الحصول عليه!

فهل الحكومة جادة في وقف هذه الفوضى، أو العبث بقوت الغالبية العظمى من الشعب عن طريق إحكام الرقابة على تصنيع رغيف العيش- وزنًا وجودة وكمية؟ وألم يئن الوقت للعودة إلى فصل عملية الإنتاج عن التوزيع؟ وألا يوجد هناك تخطيط لتوفير علف المواشي والطيور عن طريق تشجيع إقامة مصانع للأعلاف؛ حتى لا تنافس المواشي والطيور.. الفقراء على رغيف العيش، الذي يمدهم بأكثر من 40% من السعرات الحرارية لبقائهم على قيد الحياة؟!

5- 1- 3 وعليه، ينصح المتخصص قبل السياسي، والفني قبل الاجتماعي، بعدم الاقتراب من رغيف العيش.. إلا لتحسين نوعيته وزيادة وزنه، وإحكام الرقابة الصارمة على إنتاجه وتوزيعه لكي يصل حقيقة وفعلاً إلى مستحقيه.. وإلا سيجابه النظام بثورة جياع.. تأكل الأخضر واليابس، والعياذ بالله.. وتصغر أمامها ثورة الخبز في السبعينيات من القرن الماضي.. فهل يعي النظام الدرس، ويعمل فعلاً لا قولاً على التخفيف من معاناة الفقراء بتوفير رغيف عيش خالي- إلى حد ما- من الشوائب، وصالح للاستهلاك الآدمي؟!

5- 2 السلع التموينية

5- 2- 1 تشمل السلع التموينية التي توزع عن طريق نظام البطاقات أساسًا السكر والشاي وزيت الطعام والأرز، وكذلك بعض السلع الإضافية كالمسلى النباتي والفول والعدس والمكرونة، وتنقسم البطاقات إلى بطاقات خضراء للأسر الأكثر احتياجًا، ومن ثم تستحق دعمًا أكبر، وبطاقات حمراء للأسر أقل احتياجًا والأقل دعمًا، وذلك وفقًا لعدد أفراد الأسرة المسجلين بالبطاقة وبصفة عامة، تتسم سلع البطاقة بمحدودية الكمية المقررة نسبيًا بالإضافة إلى انخفاض جودتها بشكل واضح عن مثيلاتها في السوق ولقد أشارت نتائج استطلاع للرأي إلى رغبة حاملي البطاقات في زيادة كمية السلع الأساسية وهي السكر والزيت والأرز، مع إلغاء جزئي أو حتى كلي للسلع الأخرى الأقل تفضيلاً، والسؤال الذي يصرخ به المستفيدون من الدعم السلعي من الفقراء هو: متى تراعي الحكومة الاحتياجات الإنسانية للفقراء من هذه السلع الضرورية، فتزيد كميتها بدرجة معقولة، وترفع جودتها بدرجة مناسبة؟!

5- 2- 2 يعاني نظام البطاقات التموينية من اختلالات واضحة، فهناك 48% من البطاقات الخضراء- الأكثر دعماً- يحملها أفراد أقل احتياجًا- يمكن تحويلها إلى بطاقات حمراء- الأقل دعمًا، وهناك 42.8% من البطاقات الحمراء يحملها أفراد أكثر احتياجًا، يتعين تحويلها إلى بطاقات خضراء- أكثر دعمًا، كما أن هناك نحو 32% من الفقراء ليس لديهم بطاقات أصلاً، ويستحقون بطاقات خضراء- الأكثر دعمًا- بينما هناك نحو 15% من حاملي البطاقات لا يستخدمونها، هذا بالإضافة إلى أن نحو 45% من البطاقات التموينية تتضمن أفرادًا متوفين، ومقابل ذلك، فإن هناك نحو 55% من الأسر لديهم أفراد غير مدرجين على البطاقة، وعليه، فتشير هذه البيانات إلى ضرورة معالجة هذه الاختلالات حتى يؤدي نظام البطاقات إلى استهداف حقيقي للفقراء، وتوزيع أكثر عدالة للسلع المدعمة.

وباستخدام متوسط إنفاق الأسرة كمؤشر تقريبي لمستوى معيشة الفرد؛ لصعوبة استخدام دخل الأسرة بسبب الارتفاع النسبي لحجم الاقتصاد غير الرسمي، فهل يمكن أن تسارع الحكومة بتطوير نظام البطاقات من خلال عملية تنقية حقيقية لاستهداف الفقراء، وباستخدام مقترح البطاقات الذكية ترشيدًا للدعم؟!

5- 3 الطاقة

5- 3 - 1 يمثل دعم الطاقة النصيب الأكبر في مجمل الإنفاق على الدعم، إذ يقدر بنحو 55 مليار جنيه، بينما دعم الخبز والسلع التموينية حوالي 16 مليار جنيه، كما أشارت هذه الورقة، ويذهب معظم هذا الدعم إلى المشروعات "كثيفة استخدام الطاقة" مثل صناعات الحديد والألومنيوم والأسمدة والأسمنت والسيراميك هذا بالإضافة إلى دعم المواد الأولية لهذه الصناعات والحصول على أيدي عاملة رخيصة بسبب الدعم السلعي والدعم غير المباشر لمجالات الصحة والتعليم والإسكان والكهرباء والمياه إلى أخره، وأخيرًا بيع منتجاتهم النهائية بأسعار السوق المرتفعة نسبيًّا بينما فلسفة أي دعم هي أن تباع السلعة المدعومة في السوق بأقل من سعر تكلفتها لكي تصل بسعر مناسب للمواطن، وبالذات الفقير وعلى ذلك يحصل أصحاب هذه الصناعات على ثلاثة أنواع من الدعم: دعم الطاقة والمواد الأولية، ودعم العمالة في صورة أجور منخفضة، ودعم تصريف منتجاتها بأسعار احتكارية.

وباستثناء الكهرباء والبوتاجاز والبنزين والكيروسين للأغراض المنزلية يصل نصيب هذه الصناعات من دعم الطاقة إلى أكثر من الثلثين أي نحو 35 مليار جنيه، هنا يتعين تحويل هذا الدعم إلى الفقراء في صورة دعم نقدي، فهل تقدم الحكومة على هذه الخطوة لتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، وذلك برفع أسعار الطاقة المستخدمة من قبل هذه الصناعات إلى مستوياتها العالمية مع المراقبة الصارمة على أسعار منتجات هذه الصناعات؛ حتى لا تحملها في النهاية إلى المستهلك النهائي في صورة ارتفاع أسعار هذه المنتجات.

5- 3 - 2 لا يوجد هناك تفرقة في سعر البنزين بين الفقير والغني، أو قل بين المرسيدس والميكروباص والتوكتوك وعليه لمزيد من العدالة الاجتماعية يتعين تثبيت سعر البنزين وفرض ضريبة على السيارات ذات سعة المحرك الكبيرة تعادل الفرق بين السعر المحلي والعالمي للبنزين، وبالنسبة لأنبوبة البوتوجاز يجب أيضًا التفرقة بين استخدامها للأغراض الاستهلاكية، الاستخدام المنزلي واستخدامها للأغراض الإنتاجية المطاعم مثلاً، فتباع بالسعر المدعم في الحالة الأولى، وبسعر التكلفة في الثانية، ويمكن أخيرًا التفكير في تطبيق سعرين بالنسبة للكهرباء المستخدمة للأغراض المنزلية طبقًا لمستوى الوحدة السكنية أي الوحدات الفاخرة بسعر التكلفة، والوحدات المتوسطة والشعبية بسعر مدعم، والقصد من كل ذلك هو أن يتحمل الغني استهلاكه للطاقة بسعر التكلفة، ويخفف عن الفقير بأن يدفع سعرًا أقل.

فهل تفكر حكومتنا في هذا الاتجاه؛ لمحاولة الحد من مشكلة الفقر ولرفع كفاءتها في إدارة الاقتصاد والمجتمع.

5- 3 - 3 يتمثل المثال الصارخ في هدر الإمكانية وتبديد الموارد في بيع البترول والغاز للخارج وبالذات للكيان الصهيوني بأسعار أقل بكثير من السعر العالمي ولفترات طويلة تصل إلى عشرين عامًا، فلقد تعاقدت وزارة البترول مع الكيان الصهيوني لإمداده بالغاز لمدة عشرين عامًا بسعر دولار واحد للمتر المكعب، بينما السعر في السوق العالمي الآن أكثر من ثلاث دولارات، وقابل بالطبع للزيادة باستمرار نظرًا للزيادة المستمرة في الطلب عليه، فهل تراجع الحكومة هذا الاتفاق على أن يفتح العقد كل ثلاثة أو خمسة سنوات؛ ليأخذ في الاعتبار ارتفاعات الأسعار؟ والأفضل هل تجرؤ حكومتنا الوطنية أن تتمشى مع نبض الشارع المصري وتلغي هذا الاتفاق أصلاً اتساقًا مع عدم التطبيع مع العدو التي يتبناها بقوة المواطن المصري.

6- الخاتمة:

6- 1 عجز الموازنة إذًا لا يمكن إرجاعه كلية وأساسًا إلى بند الدعم ولكن يرجع في حقيقة الأمر إلى سوء واضح في إدارة الاقتصاد وتسيير المجتمع، فالدعم كما أشارت الورقة إجراء مؤقت يتقلص تدريجيًّا من خلال حكم صالح وإدارة رشيدة للاقتصاد، وتنمية جادة وشاملة ومستدامة للقدرة الإنتاجية مع مراقبة واعية وصارمة للأسعار ومحاربة جادة للاتجاهات الاحتكارية والاستغلال، وهذا يتناقض تمامًا مع الوضع القائم الذي يعاني من فساد واستبداد ورفض عنيد لأي تغيير لمصلحة التزاوج الخطير بين التنظيم الطليعى و السلطة والثروة فما المخرج؟!

6- 2 المخرج يتمثل في العمل الجاد على وقف هذا الثلاثي المدمر بشتى الطرق المتاحة وفقا للنظام العام بالإصرار على تحول ديمقراطي حقيقي، وبالإصرار على محاربة الفساد بالكشف المستمر لممارسته؛ خاصة فيما يسمى بعملية الخصخصة والتي ليست فقط بيعًا لمصر بل في الواقع سرقة فاضحة لأصولها الرأسمالية، وأيضا بوقف نهب المال العام وبالذات تخريب الجهاز المصرفي، ووقف التبديد الفاضح لموارد الدولة في إنفاق بذخي إن لم يكن سفيهًا لأمن النظام ورفاهيته لا أمن المواطن، وبالذات أمنه الغذائي، وأيضًا العمل على إصلاح ضريبي حقيقي يجسد عدالة توزيع العبء الضريبي، ويمنع التهرب الضريبي الذي هو سمة بعض رجال الأعمال الجدد. بهذا، وبهذا أساسًا، تحدث التنمية المبتغاة، ويعالج عجز الموازنة، وتتحقق العدالة الاجتماعية.

6- 3: بجانب ركائز المعالجة السابقة يشتمل المخرج المقترح على مرحلتين:

6- 3 -1: مرحلة قصيرة الأجل: خلال هذه المرحلة وأخذًا بنظام دعم مزدوج أي عيني بالبقاء على الدعم السلعي القائم مع ترشيده، ونقدي فيما يتولد من موارد عن طريق رفع دعم الطاقة لقطاع الأعمال مع مراقبة جادة وصارمة للأسعار، يتعين تشجيع الدعم غير الرسمي من قبل الأفراد والهيئات وجمعيات المجتمع المدني، والعمل على تنمية مصادر هذا الدعم من خلال الزكاة والوقف والصدقات التطوعية.

أما بالنسبة للدعم الرسمي العيني والنقدي فيتطلب تحديدًا دقيقًا للفقراء، ولتكن البداية تنقية وتطوير نظام البطاقات ومن ثم يعتبر حامل البطاقة المستحق للدعم بشقيه مع الاسترشاد بمتوسط إنفاق الأسرة؛ لتحديد حاملي البطاقات التموينية، على أن تراجع وتُحَدَّث البيانات باستمرار على الأقل سنويًّا.

6- 3 - 2: مرحلة طويلة الأجل بأحداث عملية تنمية جادة ومستدامة من خلال حشد مقصود للمدخرات والعمل الجاد على تنميتها، وتشجيع مدروس للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وحث منضبط لقيام القطاع الخاص بدوره في قيادة عملية التنمية مع ترشيد أداء القطاع العام خاصة في المجالات التي يحجم عن الدخول فيها القطاع الخاص، وفقًا لأولويات إنمائية واضحة، وتركيز على تنمية سلعية جادة في الزراعة وبالذات الحبوب، وفي الصناعة وبالذات الصناعات الحديثة كالبرمجيات والبتروكيماويات، وتحديث الصناعات القائمة وبالذات الغذائية بعيدًا عن المشروعات غير المدروسة دراسة فنية واقتصادية مناسبة، والمبددة للموارد وإصلاح للهيكل الضريبي بما يسمح بعدالة توزيع العبء وتقليل التفاوت بين الممولين، وتفعيل دور مؤسستي الزكاة والوقف على أن تشمل هذه المؤسسية مجال العمل الخيري لدى الأقباط عن طريق آلية تنظيمية بعيدًا عن الحكومة، وإصلاح حقيقي للأجهزة الخدمية بما يكفل خدمة تعليمية مناسبة بعيدًا عن خصخصة التعليم وبالذات الجامعي، ومعالجة للدروس الخصوصية وخدمة صحية لائقة من خلال المستشفيات العامة بعيدًا عن استغلال المستشفيات الحكومية والاستثمارية، وخدمة مواصلات واتصالات بعيدة عن الاتجاهات الاحتكارية، مع استمرار مراقبة جادة للأسعار وتفعيل حقيقي لقانون حماية المستهلك ومكافحة الاحتكار، مع تفصيل تشغيلي محدد لكل هذه العناصر ليس هذا مكانه في ظل هذه البيئة الإنمائية سيحجم عجز الموازنة إن لم يتلاشى، وسوف يتناقص تدريجيًّا حجم ودور الدعم كسياسة مؤقتة في عملية توفير الحياة الطيبة الكريمة التي تليق بالمواطن المصري، والتي طال انتظاره لها.

وكان وما زال يستحقها بامتياز، وهذه الغاية بالقطع ممكنة بمشيئة الله وتوفيقه إذا صدق العزم، وخلصت النوايا، وتجمع الجهد، وشمرنا جميعا عن سواعدنا في منظومة أو قل سيمفونية عمل جاد مخلص لإحداث النهضة المبتغاة.

فهل يستجيب النظام لهذا النداء أم سيفعل بعد هذا الحوار المجتمعي مثل ما فعل بعد الحوار المجتمعي حول التعديلات الدستورية، والذي شغلنا جميعًا لشهور، ولم يسفر عن تغيير حرف مما اقترحه النظام بشأن هذه التعديلات الخطأ والخطيئة، ومن ثم يصر على الدعم النقدي أي يلغي حقيقة الدعم؟

عدد القراءات : 3043
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات