احدث الاخبار

وصايا للشباب

وصايا للشباب
اخبار السعيدة - القاهرة (مصر) - دينا سعد         التاريخ : 13-09-2010

وصايا للشباب قبل الذهاب أ. د. محمد سعد عبد اللطيف أدار الحوار دينا سعد مقدمة : الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ انْتَجَبَهُ لِوَلَايَتِهِ وَاخْتَصَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَأَكْرَمَهُ بِالنُّبُوَّةِ أَمِيناً عَلَى غَيْبِهِ وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ [1]

قبل التفكير في كيفية النجاح في الحياة الدنيا لا بد من التفكير أولا في هدف مجيء الإنسان في الحياة ولأي شيء خلق وما هي وظيفته فيها ثانياً ؟؟ فهل جاء إلى الدنيا لأجل اللعب واللهو والتكاثر في الأموال والأولاد والأكل والشرب؟ أو أن هناك هدفا أسمى من ذلك ؟ على الشاب أن يلتفت لذلك في البدء .

والجواب على هذا التساؤل : قد أجاب عنه القرآن الكريم والسنة النبوية وأحاديث أهل البيت بشكل مفصل ، وخلاصته :

1- أن الإنسان خليفة الله في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة:30)، {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (صّ:26) وعلى المستخَلَف أن يستجيب لمن استخلفه .

2- العبادة لله بالمعنى العام {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذريات:56) .

3- الدنيا مزرعة الآخرة .

4- معرفة الله في كل شيء .

فبعد التعرف على هدفه في الحياة عليه أن يتعرف على سر النجاح في هذه الحياة ليتمكن من القيام بوظيفته فيها.

الأسس الأولية للنجاح :

1- الوعي التام والمعرفة .

2- الأدوات والآليات التي يلزمه أن يستعملها للنجاح .

3- السعي للعمل بكل جدية .

هذه الأسس الأولية التي يحتاجها الشاب للنجاح .

يتصور البعض أن النجاح في الحياة الدنيا خارج عن مهمته وإرادته ولا يوجد لديه أي دور فيه إنما هو من باب الصدفة والاتفاق ومن باب الحظ السعيد والنحس؛ فمن كان حظه سعيداً فقد نجح ومن كان حظه سيئاً فقد فشل ، أو ما يعبر عنه بحسن الطالع وسوء الطالع أو البخت وعدمه. فالشاب إذا لم ينجح في الدراسة أو الزواج أو العمل علق ذلك على هذه الأمور ، والفتاة كذلك إذا لم تتزوج أو لم تنجح في زواجها أو تزوج عليها زوجها فإنها سوف تحمل سوء الطالع المسؤولية.

ولهذا يركض البعض وراء العرافين والمشعوذين والسحرة حتى يعينوا لهم حظهم أو يلعبوا عليهم حتى يوقعوهم في متاهات قد تهلك الكثير منهم .

الجواب :

أن هذا التملص والهروب من الواقع ورمي المسئولية على الآخرين أو الحظ والبخت غير صحيح وينم عن عجز الشخص وضعفه فيحاول أن يهرب من الضعف والتقصير الذي لحق به إلى شيء آخر ، إن روايات أهل البيت عليه السلام تؤكد كما في القرآن الكريم {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} (النجم:40) فالإنسان مربوط بعمله .

وحتى فيما يرجع إلى الحظ وأنه حسن أو حظه تعس له أسبابه الخاصة المربوط بعمل الإنسان نفسه وليس خارجا عن قدرته.

وفي هذا الصدد يحمل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هذا الفشل نفس الشخص ويوعز ذلك إلى ضعف نفسه وإرادته ويرجع سر النجاح إلى إعمال الرأي والفكر ومعالجة الأمور بأسبابها الطبيعية فيقول عليه السلام في بعض حكمه: (إذا قويت نفس الإنسان انقطع إلى الرأي و إذ ضعفت انقطع إلى البخت)[2].

فالنفس إذا قويت ولدت قوة الإرادة لدى الإنسان وإذا قويت الإرادة ولدت الرأي وانفتحت السبل لديه حتى يتغلب على كثير من المشاكل والمتاعب حتى ينجح في سعيه .

وإذا ضعفت النفس ضعفت الإرادة وإذا ضعفت الإرادة وفشل في العمل حول سبب فشله إلى البخت فالفاشل يرجع فشله إلى البخت والأمر ليس كذلك.

هل الشاب بحاجة إلى من يساعده ؟  كل شيء في الوجود حادث لا بد له من المساعدة من الغير بما في ذلك الإنسان فالشاب لم يكن خارجاً عن هذا النظام ومساعدة الآخرين لا تكفي ما لم يرتبط بالله سبحانه فالارتباط بالخالق المدبر هو سر النجاح في الحياة .

أهمية الشباب : تكمن أهمية الشباب في أنهم زهرة الحياة الدنيا وروح المجتمع وقوته المدافعة عنه وحيويته التي بهم ينبض وعينه الساهرة ويده الباسطة ؛ فبهم يزدهر وبسببهم قد ينكسر ويفشل . إن كثيرا من الملاحم البطولية التي سطرها الأبطال في ساحات الوغى ضد الصهاينة المعتدين وضد الغزاة إنما قام بها الشباب حتى رفعوا رؤوس الأمة من صدر الإسلام وإلى يومنا هذا كالذي حصل في 73 وجنوب لبنان حتى هزموا إسرائيل التي روج لها أنها لا تقهر ومرمغوا أنفها في الوحل والتراب وألبسوها ذلا لا تنساه طيلة حياتها وحياة الشعوب الواعية .

إن الفترة الزمنية الشبابية من حياة الإنسان فترة لها الأهمية الكبرى فهي فترة جمال الروح والجسد وهي فترة بدء زرع المعارف الإلهية والعلمية والأخلاقية والعرفانية ، وهي فترة الطهارة والسلوك إلى الله فصحيفة الشاب بيضاء نقية طاهرة، عليه وعلى المجتمع أن يحافظوا عليها حتى يستفيدوا منها ولا يلوثها بالمعاصي فيندم وأن يعرف قيمة هذه النعمة الكبرى على الإنسان، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : (شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما الشباب والعافية)[3].

التأثير في الشباب أسرع: الشباب في مقتبل العمر هم طيبوا السريرة والكثير منهم لم يبتل بالحقد والحسد فالزرع فيهم أكثر نجاحاً من الكبار والشيوخ سواء كان في الجانب الإيجابي أو الجانب السلبي ، ففي الجانب الإيجابي تركز الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام على الاهتمام بالشباب ومراعاتهم وبذر بذرة الإصلاح فيهم.

فعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر عليه السلام فِي وَصِيَّةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لِوَلَدِهِ الْحَسَنِ (ع) وَهِيَ طَوِيلَةٌ مِنْهَا أَنْ قَالَ (فَبَادَرْتُكَ بِوَصِيَّتِي لِخِصَالٍ مِنْهَا (أَنْ تُعَجِّلَ) بِي أَجَلِي - إِلَى أَنْ قَالَ - وَأَنْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَةِ الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا وَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ .

وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرْضِ الْخَالِيَةِ، مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْ‏ءٍ قَبِلَتْهُ؛ فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ)[4].

فالإمام يهتم بتربية أولاده بما فيهم الإمام الحسن عليه السلام ويعرفه على أهمية تربية الأب لأولاده مهما حملوا من علم ومعرفة وطهارة مولد ونسب شامخ .

وحتى في جانب العقائد الحقة وتلقيهم يكون الشباب أسرع إلى قبولها من الكهول والشيوخ فعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ[5] وَأَنَا أَسْمَعُ أَتَيْتَ الْبَصْرَةَ ؟.

فَقَالَ: نَعَمْ .

قَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ مُسَارَعَةَ النَّاسِ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ وَدُخُولَهُمْ فِيهِ ؟.

قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَقَلِيلٌ وَلَقَدْ فَعَلُوا وَإِنَّ ذَلِكَ لَقَلِيلٌ .

فَقَالَ عَلَيْكَ بِالْأَحْدَاثِ فَإِنَّهُمْ أَسْرَعُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ.

ثُمَّ قَالَ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}

قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهَا لِأَقَارِبِ رَسُولِ اللَّهِ (ص).

فَقَالَ كَذَبُوا إِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا خَاصَّةً فِي أَهْلِ الْبَيْتِ فِي عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ (ع)[6].

حرارة الشباب والطيش:

كثير من الشباب ممن يتصف بصفة حرارة الشباب والتسرع والطيشان ولا يتروى في عواقب الأمور وذلك :

1- أن طبيعة الشباب هو التسرع والاندفاع حول مختلف الأمور والقضايا حتى يبلغ مرحلة قريبة من الجنون فمن كلام لرسول الله صلى الله عليه وآله: (الشَّبَابُ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ)[7].

2- أن الحالة الشبابية لدى الشاب إذا لم تهذب تصل به إلى حالة الغرور ويفقد توازنه ويكون كالسكران فلهذا يتصرف تصرفا غير متزن وفي هذا الجانب يروي الْآمِدِيُّ فِي الْغُرَرِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) أَنَّهُ قَالَ: (يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْتَرِسَ مِنْ سُكْرِ الْمَالِ ، وَسُكْرِ الْقُدْرَةِ ، وَسُكْرِ الْعِلْمِ ، وَسُكْرِ الْمَدْحِ ، وَسُكْرِ الشَّبَابِ ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ ذَلِكَ رِيَاحاً خَبِيثَةً تَسْلُبُ الْعَقْلَ وَتَسْتَخِفُّ الْوَقَار)[8].فلم تكن الشبابية هي الوحيدة التي تجعل الإنسان في غروره كالسكران بل تعدى ذلك إلى صاحب المال ، وصاحب القدرة وصاحب العلم والممدوح فإن هؤلاء قد يفقدون توازنهم ويكونون في تصرفاتهم كالسكارى

التغرير بالشباب :

من صفات كثير من الشباب التصديق بالطرف الآخر وهذه الصفة وإن كانت حسنة في حد ذاتها إلا أن الإنسان ينبغي أن يكون في نفس الوقت على حذر فلا ينساق لكل ما يقال له وبالأخص في جانب المدح والثناء فلا ينخدع فالفتاة التي تسمع الكلام المعسول من الشاب الأجنبي يلزمها التروي وأن تستعمل العقل مع العاطفة ولا تقتصر عليها ولا تنجرف خلف المدح والثناء فقط ، بل ينبغي لها أن لا تهتم بالمدح والثناء حتى من زوجها وأقاربها فإن مع الأوصاف الحسنة مساوئ في الباطن، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: ( إذا أعجبك ما يتواصفه الناس من محاسنك ، فانظر فيما بطن من مساوئك ، و لتكن معرفتك بنفسك أوثق عندك من مدح المادحين لك)[9].وقال عليه السلام: (من مدحك بما ليس فيك من الجميل وهو راض عنك ، ذمك بما ليس فيك من القبيح وهو ساخط عليك)[10].فالشباب ربما يغرر بهم بأي وجه من الوجوه وبأي حيلة من الحيل الجنسية أو السياسية أو الدينية أو الاجتماعية أو العلمية وحينئذ يقعون فريسة للمغرضين والمنحرفين أخلاقياً أو عقائدياً وإيقاعهم في حبائل الشيطان ومكائده .

غسل الأدمغة :

استغلت بعض الحركات التي تريد أن تتغلب على الأطراف الأخرى بأختراق طيب الشباب ووداعتهم فعملت لهم غسيلا لأدمغتهم وحاولت أن تربط ذلك بالدين وتحولهم إلى قنابل متفجرة يقتلون أنفسهم وغيرهم ومن له شأن في القضية ومن لا شأن له فيقتلون الأطفال والنساء والشيوخ ويهدمون دور العبادة من المساجد ويقتلون من هو متلبس بعبادة ربه ومنقطع إليه .ويحولون الأسواق العامة والمستشفيات المكتظة بالمرضى إلى أكوام من لحوم البشر وتقطع أشلاؤهم وها نحن نسمع في كل يوم العشرات بل المئات الذين يتساقطون في العراق وفي أفغانستان ولبنان وباكستان وغيرها من بلاد المسلمين بأيد الشباب المغرر بهم باسم الدين وإخراج المحتل وتطبيق الشريعة الإسلامية، إنها مهزلة كبرى لم يمر في التاريخ مثيل لها فيقتل من غير المسلمين واحد أو اثنان ومن المسلمين المائة والمائتان.

سر النجاح في نظر القرآن: قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69)، المراد بالجهاد بذل الجهد والطاقة في العلم والعمل من أجل الله . وهو في حد ذاته جهاد في سبيل الله. ولا تقصر الآية على خصوص الجهاد العسكري للعدو الحربي بل هو من أبرز مصاديقها ولكنها شاملة لبقية الموارد الأخرى.

والحاصل أن نجاح الشباب في الحياة يتوقف على ما يلي :

أولا : الوعي التام والمعرفة والتعلم:

لا يمكن لأي أمة من الأمم أن تنجح وتتقدم ما لم تكن واعية في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأن تتقدم في جانب المعرفة فقيمة المرء ما يحسنه وبالأخص فئة الشباب، الذين هم النواة الأولى للمعرفة .

ولا أتصور ديناً من الأديان حث على العلم والمعرفة واكتسابها مثل ما حث الإسلام عليه وجعله من الأمور العبادية المقدسة بل من أهم العبادات وكرم العلم والعلماء وجعلهم في مصاف الملائكة بل الملائكة خدمة لهم وقد وردت الآيات العديدة في ذلك منها قوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجادلة:11) بل أول سورة نزلت في القرآن سورة العلق والتي بدأت بقوله {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} (العلق:1-3)

كما أن قادة الأمة وعلى رأسهم أئمة أهل البيت عليهم السلام حرصوا على العلم والتعلم وحثوا أتباعهم ومريدهم عليهما وأوضحوا لهم أن التمايز والتقدير والاحترام بالتقوى والمعرفة، وانصب اهتمامهم في التعلم على الشباب حيث أن العلم فيهم أثبت من الكبار.

فعَنْ الإمام مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: (مَنْ تَعَلَّمَ فِي شَبَابِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّسْمِ فِي الْحَجَرِ، وَمَنْ تَعَلَّمَ وَهُوَ كَبِيرٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْكِتَابِ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ)[11].

وكانوا يرون أن الشاب غير المتعلم هو في الحقيقة من المفرطين الذي ضيع نفسه ومجتمعه وبذلك يرتكب جريمة دنيوية وأخروية :

1- الجريمة الدنيوية أنه يصبح عالة على المجتمع وعضواً فاسداً ومفسداً فيه وعلامة التأخر .

2- والجريمة الأخروية نتيجة للجريمة الدنيوية فيستحق بذلك التقصير في الدنيا العقاب في الآخرة.

فعَنْ الإمام أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: (لَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَى الشَّابَّ مِنْكُمْ إِلَّا غَادِياً فِي حَالَيْنِ إِمَّا عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَرَّطَ فَإِنْ فَرَّطَ ضَيَّعَ فَإِنْ ضَيَّعَ أَثِمَ وَإِنْ أَثِمَ سَكَنَ النَّارَ وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ)[12].

وشدد أئمتنا عليهم السلام على شباب في التعلم ومن لم يتعلم يستحق أن يؤدب ويضرب حتى يتعلم فعدم تعلم الشاب جريمة يستحق أن يؤدب عليها، فقد روى البرقي في كتابه (المحاسن) عن أبيه عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ [بن مسلم] قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: (لَوْ أُتِيتُ بِشَابٍّ مِنْ الشَبَابِ لَا يَتَفَقَّهُ لَأَدَّبْتُهُ)[13].

قَالَ وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ [الباقر] عليه السلام يَقُولُ: (تَفَقَّهُوا وَإِلَّا فَأَنْتُمْ أَعْرَابٌ)[14] ولا شك أن الأعراب قد ذمهم القرآن لعدم العلم والمعرفة.

وفي بعض الروايات قيد عدم التفقه في الدين حيث يؤدي به عدم التفقه إلى ارتكاب المحرمات وترك الواجبات وهو لا يعلم فقد روى البرقي في (المحاسن) فِي حَدِيثٍ آخَرَ لِابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ رَفَعَهُ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام (لَوْ أُتِيتُ بِشَابٍّ مِنْ الشَبَابِ لَا يَتَفَقَّهُ فِي الدِّينِ لَأَوْجَعْتُهُ)[15].

وفِي وَصِيَّةِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ: (تَفَقَّهُوا فِي دِينِ اللَّهِ وَلَا تَكُونُوا أَعْرَاباً فَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي دِينِ اللَّهِ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُزَكِّ لَهُ عَمَلًا)[16].

والمراد بعدم النظر: كناية عن السخط والغضب فإن من يغضب على أحد أشد الغضب لا ينظر إليه.

والمراد بالتزكية: المدح أي لا يقبل أعماله .

ومن أسباب نجاح المتعلم حسن الأدب مع المعلم منها :

1- الحرص على الاستماع أكثر من القول .

2- حسن الإصغاء لما يقوله المعلم أو مطلق العالم .

3- أن يسأل للاستفادة لا للتعنت أو إسقاط الآخرين من أعين الناس.

4- أن لا يقطع حديث الآخرين .

قَالَ الْبَاقِرُ (ع): إِذَا جَلَسْتَ إِلَى عَالِمٍ فَكُنْ عَلَى أَنْ تَسْمَعَ أَحْرَصَ مِنْكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ وَتَعَلَّمْ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ كَمَا تَتَعَلَّمُ حُسْنَ الْقَوْلِ وَلَا تَقْطَعْ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ [17].

قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لِسَائِلٍ سَأَلَهُ عَنْ مُعْضِلَةٍ: سَلْ تَفَقُّهاً وَلَا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ [18].

فكم من جاهل متعلم هو في أدبه كالعالم وكم عالم متعسف هو شبيه بالجاهل الذي يحتاج إلى التعلم .

ثانياً : أدوات العمل:  من أهم مقومات النجاح هي أدوات العمل وأبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها فلا يمكن لعمل أن يتم إلا بالأسباب الطبيعية له فلابد من تهيئة الأدوات والآليات ، ومن أهم الآليات هو المحافظة على الوقت فإنه رأس مال الإنسان فإذا ضيع الوقت ضاع رأس ماله .

من مظاهر تضييع الوقت السهر في الليل: من آفات النجاح في الحياة والتي تترك الأثر السلبي على نجاح الشاب هو السهر في الليل والنوم في النهار وتعارف كثير من المجتمعات على هذه العادة السيئة وتبدل مصداق الآية المباركة {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} (النبأ:10-11) فتبدل حالة الناس فالليل هو المعاش لجملة من الناس وسهر البطالين لجملة أخرى وأما النهار فجعلوه سباتاً فيقضي الشاب على فرص نجاحه وقد نددت الروايات بالسهر إلا في حالة نادرة منها :

1- سهر العروس في ليلة الزفاف ..

2- التهجد بالقرآن في الليل .

3- السهر في طلب العلم والبحث والتنقيب.

كما جاء عَنِ السَّكُونِيِّ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): لَا سَهَرَ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ مُتَهَجِّدٍ بِالْقُرْآنِ أَوْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَوْ عَرُوسٍ تُهْدَى إِلَى زَوْجِهَا[19].

والمراد بالتهجد: هو مجانبة الهجود أي ترك النوم.

وعَنِ ابْنِ صَدَقَةَ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ (ع) قَالَ: لَا بَأْسَ بِالسَّهَرِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ[20].

ثالثاً : السعي في العمل : المقوم الثالث للنجاح لدى الشباب هو السعي في العمل والمثابرة ولا يركن إلى الكسل أو الملل أو الاستماع إلى المثبطين قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} (النجم:39-40). ومن حكم أمير المؤمنين عليه السلام قوله: (من استدام قرع الباب ولج ولج )[21].

وقال بعض الأدباء : لاستسهلن الصعب أو اطلب المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر

عدو النجاح الكسل: أما الكسل فهو المعول الهدّام للنجاح ويجعل الشاب فاشلا في جميع حياته لذا وردت الروايات الكثيرة المنددة بالكسل والضجر والملل وأن أكبر عدو للنجاح هو الكسل وقد عقد الشيخ الكليني باباً في الكافي بعنوان (بَابُ كَرَاهِيَةِ الْكَسَلِ) جاء فيه:

1- عَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: (عَدُوُّ الْعَمَلِ الْكَسَلُ)[22].

2- عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي خَلَفٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (ع) قَالَ قَالَ أَبِي (ع) لِبَعْضِ وُلْدِهِ: (إِيَّاكَ وَالْكَسَلَ وَالضَّجَرَ فَإِنَّهُمَا يَمْنَعَانِكَ مِنْ حَظِّكَ مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)[23]. فالكسلان لاحظ له في الدنيا ولا في الآخرة ويخسرهما معاً.

3- عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: (مَنْ كَسِلَ عَنْ طَهُورِهِ وَصَلَاتِهِ فَلَيْسَ فِيهِ خَيْرٌ لِأَمْرِ آخِرَتِهِ وَمَنْ كَسِلَ عَمَّا يُصْلِحُ بِهِ أَمْرَ مَعِيشَتِهِ فَلَيْسَ فِيهِ خَيْرٌ لِأَمْرِ دُنْيَاهُ)[24].

4- عن مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: (إِنِّي لَأُبْغِضُ الرَّجُلَ أَوْ أُبْغِضُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ كَسْلَاناً [كَسْلَانَ‏] عَنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ وَمَنْ كَسِلَ عَنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ فَهُوَ عَنْ أَمْرِ آخِرَتِهِ أَكْسَلُ)[25].

5- عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (ع) قَالَ: (إِيَّاكَ وَالْكَسَلَ وَالضَّجَرَ فَإِنَّكَ إِنْ كَسِلْتَ لَمْ تَعْمَلْ وَإِنْ ضَجِرْتَ لَمْ تُعْطِ الْحَقَّ)[26].

6- عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: (لَا تَسْتَعِنْ بِكَسْلَانَ وَلَا تَسْتَشِيرَنَّ عَاجِزاً)[27].

7- عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ رَفَعَهُ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): (إِنَّ الْأَشْيَاءَ لَمَّا ازْدَوَجَتْ ازْدَوَجَ الْكَسَلُ وَالْعَجْزُ فَنُتِجَا بَيْنَهُمَا الْفَقْرَ)[28].

8- عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ كَتَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع) إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: (أَمَّا بَعْدُ فَلَا تُجَادِلِ الْعُلَمَاءَ وَلَا تُمَارِ السُّفَهَاءَ فَيُبْغِضَكَ الْعُلَمَاءُ وَيَشْتِمَكَ السُّفَهَاءُ وَلَا تَكْسَلْ عَنْ مَعِيشَتِكَ فَتَكُونَ كَلًّا عَلَى غَيْرِكَ أَوْ قَالَ عَلَى أَهْلِكَ)[29].

سلبيات الكسل : والحاصل أن مجموع هذه الروايات تحذر من الكسل وأن الكسلان له سلبيات كثيرة :

1- يخسر الدنيا والآخرة .

2- أن الدنيا التي يركض وراءها كل الناس، أما الكسلان فيجلس حتى عن معيشته التي هو بأمس الحاجة إليها.

3- أن من يكسل عن الدنيا فمن باب أولى سوف يكسل عن عمل الآخرة .

4- أن الكسل من معوقات النجاح في العمل .

5- لا ينبغي الركون والاعتماد على الكسلان .

6- لا يصلح الكسلان للمشورة .

7- أن من أسباب الفقر هو الكسل والعجز .

8- أن الكسلان كَلٌ على المجتمع وعلى أهله .

والفاشل في الحياة لم يذق طعمها وكأنه ميت بل هو كذلك .

فاطمة الزهراء القدوة:

فاطمة الزهراء امرأة رسالية تحمل رسالة توصلها إلى أهلها حيث شاطرت أباها وبعلها في تحمل هذه الرسالة فهي تمثل الجانب النسوي في تلك الرسالة لذا أصبحت مثالا للبنت العطوفة على أبيها وهي أم أبيها.وهي الزوجة المثالية لكل النساء في حياتها الزوجية وضربت أروع الأمثلة في هذا الجانب فبالرغم من أنها ابنة رسول الله وسيدة نساء العالمين ولكن لم يمنعها هذا من أن تقوم بخدمة نفسها في بيتها وكانت تطحن الحنطة حتى مجلت يداها وكانت تعجن الطحين وتخبزه لزوجها وأولادها ونفسها فقد جاء في الحديث الصحيح عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَحْتَطِبُ وَيَسْتَقِي وَيَكْنُسُ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْهَا تَطْحَنُ وَتَعْجِنُ وَتَخْبِزُ[30]. وكانت الأم الحنونة على أطفالها حتى ربت الحسن والحسين وزينب .

على نساء المسلمين أن يجعلن هذه المرأة قدوتهن في جميع المجالات . ولهن الفخر بذلك خصوصاً من يدعين محبتها ومشايعتها وولاءها .

وكما كانت هي فاطمة كذلك كان من قبلها أبوها وزوجها، وفي الختام أنقل هذه الرواية لعمل رسول الرحمة كيف كان يعمل بيده ويخدم في منزله مع أنه هو من هو، فعَنْ مُعَاذٍ بَيَّاعِ الْأَكْسِيَةِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عله السلام: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَحْلُبُ عَنْزَ أَهْلِهِ)[31].

فهذا العمل من رسول الله سيد البشر على الإطلاق ومن سيدة نساء العالمين، يؤكد لنا مدى الجدية في العمل والسعي وراءه من الأنبياء والأئمة والعظماء ولا ينقص من قدرهم ولا يحط من كرامتهم والأمثلة على ذلك كثيرة

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

عدد القراءات : 7635
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات