احدث الاخبار

تؤكد سبق اليمنيين في شق الأنفاق .. مدينة « بينون » .. من هنا مرَّ الحميريون

تؤكد سبق اليمنيين في شق الأنفاق ..  مدينة « بينون » .. من هنا مرَّ الحميريون
اخبار السعيدة - ذمار (اليمن) - محمد ناصر الطويل         التاريخ : 04-09-2010

- تحوي المدينة بقايا قصر رائع البناء يقع في قمته حصن منيع يحيط به أكثر من سور - تقع في أعلى جبل منحوت ومستطيل ولازالت المدينة حصناً من حصون حمير الشهيرة على بابي النفق نقش بالمسند الحميري تبينه الضرائب على الحمائل التي تعبره

- آثارها تعرضت لسرقات عدة و بها نقوش مسندية مبعثرة كما لو أنها مجرد أحجار وفضلات أثرية كانت الرحلة شاقة والمهمة أيضاً..

في إحدى صباحيات عيد الفطر وصلنا حصن "بينون" التاريخي، الواقع في مديرية الحداء، عزلة ثوبان- محافظة ذمار.. منطقة جبلية صعبة تحيط بالحصن الذي أصبح مهجوراً إلا من عدد من الحراس الأهالي يسكنون منطقة جبلية مقابلة، ويتملكهم الخوف من رؤية أي غريب.. باعث الخوف قيام عدد من الغرباء في الفترة السابقة، بسرقة آثار من الحصن.

تربض مدينة "بينون" الأثرية على أطلال ماضٍ عريق، محاطة بأكثر من سور حجري، أصابها التساقط من أماكن عدة.

ما إن بدأنا مهمة الصعود إلى الحصن، اعترضنا أشخاص قالوا أنهم حراس، عرفّناهم بهويتنا فشاركونا الرحلة. وقال أحد الحراس أن هذه المدينة كانت مليئة بالآثار، غير أنها تعرضت لسرقات عدة من قبل عصابات تهريب (مجهولة!!) نقلت إثرها إلى الخارج.

تقع في بطن أحد الجبال الشاهقة التي تحيط بمحافظة ذمار من الناحية الشرقية وتبعد عنها بمسافة نصف ساعة بالسيارة، وتعد من أشهر المعالم الأثرية التي شيدت في الزمن الحميري.. والمدينة التي لا زالت حصناً من حصون حمير الشهيرة تقع في اعلى جبل مستطيل منحوت، في وسطه طريق يحكي عن قدرة اليمنيين القدماء وسبقهم في شق الأنفاق، نفق في جبل صخري تآكل مع الوقت..

منقار الصخر

هذا الجبل متوسط بين جبلين يفرق بين أرض فيها مزارع وكان في سطح الجبل الشمالي عين تسمى غيل "نماره" تسقي الأرض التي بينه وبين بينون وفي الجبل الجنوبي طريق منقورة في بطنه على طول "مائتي ذراع" تقريباً يمر منها الجمل بحمله وفوق باب الطريق من الجانبين نقش بالمسند الحميري يبين الضرائب على الحمائل التي تدخل هذ الطريق. وهذا تأكيد على اعتماد اليمنيين الأوائل على أنظمة الخدمة الاقتصادية على سبق اليمنيين في شق الأنفاق والتفنن في تشييد المعالم الأثرية.

من عين "نماره" تكونت ساقية كانت تصل غيل هجرة أسبيل بالأرض الواقعة بين حصن بينون والجبل اليماني "أي الجنوبي".

الساقية تهدمت ولم تعد غير ذكرى لزمن اندثر، آثار بينون تدل على أن اليمنيين قد برعوا في العمل الهندسي خاصة في مجال الري والزراعة، فالنفقان الموجودان فيها يدلان على صخور الجبلين لغرض إحكام مجرى تحويل السيول من واد إلى آخر، ويعتبر الهمداني في كتابه (الإكليل) ذلك القطع في الجبل من عجائب اليمن التي ليس لها أي مثيل في بلاد أخرى.

وتأتي المياه من وراء جبل النقوب عبر النفق إلى وادي الجلاهم لتجري إلى النفق الآخر عبر جبل بينون باتجاه وادي نمارة.

وتصب في سد يقع في أعلى وادي نماره الذي تمتد أراضيه الخصبة لمساحات شاسعة.

حديقة نقوش

نفق جبل بينون مسدود بسبب انهيار مدخله، أما نفق النقوب فمازال على أوثق حال وفي داخل النفق فتحات جانبية يعتقد أنها لتنظيم سرعة تدفق السيول وتخفيف اندفاع المياه قبل أن تخرج من النفق إلى ساقية الوادي.

توجد في بينون نقوش مكتوبة بخط المسند بخط غائر وتضمن أن النفق شق لري وادي نماره وفي مدخله نقشان آخران أحدهما مطموس أما الثاني فيمكن قراءة معظمه ويدل محتواه على أنه دون نذراً من أحدهم واسمه "كيث بن زعيم" إلى معبوده "عثتر" بمناسبة افتتاح النفق.

إلاّ أن أهم النقوش التي عثر عليها في بينون تذكر اسم "شمر يهرعش" ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات وقد جاء في النقش ذكر سنة البناء بالتقويم الحميري المعروف وهي 420 وتوافق هذه السنة بالتقويم الميلادي حوالى 305 ميلادية.

تحوي المدينة بقايا قصر كان يمثل أروع مبنى في المدينة ويقع في قمته حصن منيع يحيط به أكثر من سور وتدل آثار القصر على أنه كان مشيداً بحجارة مستطيلة مهندمة ومتعددة الأنواع والألوان.

ويذكر بعض الدارسين أن نهاية المدينة كانت في حوالى عام 525 ميلادية عند دخول الأحباش اليمن. حيث قضيا على دولة حمير في حين ظلت بينون بقعرها وأنفاقها وشواهد حية على روعة إنجاز الإنسان اليمني وعلى هندسته البديعة.

يمكن أن تصبح "بينون" مدينة سياحية من الطراز الأول، تدر على البلد آلاف الدولارات، ما تحتاجه هذه المدينة هو مجرد لفتة وعملية إنقاذ مستعجلة هذه عظمة ماض، إحدى كنوز هذا البلد التي لا زالت تحت طائلة الإهمال.

لكن كيف نأمل ممن عجزوا وتكاسلوا عن حمايتها- لا تزال عملية الحماية أهلية- أن يستثمرون هذه الفاتنة كرافد سياحي!! وهكذا في معظم المدن الأثرية في بلادنا.

مدينة البرد والنكات

في الطريق إلى مدينة ذمار ترافقك أرض زراعية خصبة واسعة ابتداء من قاع جهران وحتى أسوار جامعة ذمار: لكن فصل الشتاء قد أتى لأكلها.

تستقبلك هذه المدينة بسورين عن يمينك وشمالك هما سورا الجامعة ثم يستوقفانك إلى برج تحت الإنشاء هو برج "ذمار علي" الذي سميت ذمار نسبة إليه وهم ملك حميري تم العثور على تمثاله في عام 1931م في النخلة الحمراء وهي قرية من قرى الحداء تقع إلى الشرق من ذمار إلى جانب تمثال آخر لابنه وهذين التمثالين من البرونز وتذكر كتب التاريخ أن "ذمار علي" قرر أن يقدمهما إلى أنصاره ورجاله من أسرة بني "ذرانح" وذلك لكي ينصبان على مدخل المنتدى أو بهو الاستقبال والجلوس والمداولات أي "المسود" الخاص ببني ذرانح وعليه فقد جاءت فكرة وضع نسخة من تمثال "ذمار علي" على مدخل ذمار حتى تتحقق رغبة للملك الحميري "ذمار علي" كان قد حققها في دولته السابقة والآن يوضع تمثاله في مدخل مدينة ذمار سور يستقبل كل الزائرين للمدينة.

على بابي النفق نقش بالمسند الحميري تبين الضرائب على الحمائل التي تعبره

أربطها بحبل

تشتهر ذمار بسوق الربوع الذي يقام يوم الأربعاء من كل أسبوع ومن العجيب أن هذا اليوم يعتبر يوم تسوق في المحافظة كاملة حيث يوجد سوق في مدينة معبر "مديرية جهران" وثاني في عتمة وآخر في وصاب العالي تقام كلها في يوم الأربعاء.

ويعتبر سوق الربوع قلب مدينة ذمار النابض فهو المحطة التي يتوافد إليها قبائل الحداء وعنس وآنس لعرض ما تجود به أراضيهم الزراعية من حبوب ومحاصيل أخرى.

أزقة ضيقة تسوقك إلى أقسام السوق ابتداء بسوق الخضروات ومروراً بسوق الحب والقماش والمحدادة وأسواق الفضة والذهب وسوق الحطب والجنابي والعسوب وانتهاء بسوق البقر والغنم.

مبانيه متلاحمة ومتداخلة معمورة بالحجر الأسود "الحبش" السائد في العمارة الذمارية.

وكما هو مشهور عن أصحاب ذمار بالتنكيت وروح الدعابة فقد باشرني الحاج "علي حسين" صاحب محدادة في سوق الربوع بنكته عندما كنت أبحث عن مكان مناسب لتصوير صومعة جامع المدرسة الشمسية قائلا "إذا كانت الصومعة بعيدة عليك ياولدي اربطها بحبل وقربها إلى عندك".

منزلة البردوني

وإلى جانب هذا السوق الأثري توجد المدرسة الشمسية وهي من الآثار الإسلامية في مدينة ذمار وتعد من أهم المعالم الأثرية التي لا تزال عامرة وتقع في حي "الجراجيش" وقد بناها الإمام المتوكل "يحيى شرف الدين بن المهدي احمد" الذي حكم في الفترة (912-965 هجرية) (1506- 1557 ميلادية) وسيمت الشمسية نسبة إلى أحد أبنائه وهو الأمير شمس الدين.

تتألف المدرسة من بيت الصلاة تحيط به أبنية لسكن الطلاب ويتكون البيت من خمسة بلاطات يتوسطها أعمدة رشيقة تحمل عقوداً مدببة وفي الناحية الجنوبية لبيت الصلاة فناء مكشوف تتوسطه بركة مياه يقابلها مساكن الطلبة إضافة إلى المئذنة والمطاهير التي بنيت في عهد الوالي العثماني محمد علي باشا سنة (1155 هجرية).

وقد درس فيها الشاعر الكبير "عبدالله البردوني" وكانت له فيها منزلة لا زالت تعرف إلى الآن بمنزلة البردوني وكانت هذه المدرسة صرحاً من صروح العلم حيث كان يغدو إليها طلبة العلم للدراسة في كل عام من شتى المناطق.

وقد تخرج منها كوكبة من العلماء والفقهاء في شتى العلوم ومن هؤلاء يحيى بن محمد بن يحيى العنسي، عبدالله بن احمد بن علوان الشماحي، وحسن بن عبدالله بن حاتم الريمي وغيرهم.

الجامع الكبير

الزائر للمدينة وسوقها لا بد وأن يشده جامعها الأثري الذي يعد من المساجد القديمة في اليمن.

وهو مشيد بأحجار الحبش وبأحجار بلق مهندمة نقلت من خرائب قديمة يظهر على بعضها كتابات بخط المسند ونقوش عربية متباينة.. وللجامع مدخلان مقببان يتوسطه فناء مستطيل الشكل مرصوف بالحجر الأسود تحيط به أربعة أروقة.

ويمتاز الجامع بمنارة تشغل الزاوية الجنوبية الغربية للجامع وهي في حد ذاتها قطعة معمارية فنية على جانب كبير من الأهمية حيث تقوم على قاعدة حجرية مربعة ومرتفعة يعلوها حوض متسع.

وفي الجنوب الغربي للجامع يوجد قبر الإمام المشهور المؤيد "يحيى بن حمزة" الذي حكم في الفترة "979-947 هجرية"- "1329-1348 ميلادية" كما يوجد في الجهة الشمالية الشرقية لبيت الصلاة غرفة تحوي تابوت قبر الأمام وإطار القبر مصنوع من الخشب المحفور وعلى الجوانب توجد كتابات قرآنية.

تحوي المدينة بقايا قصر رائع البناء يقع في قمته حصن منيع يحيط به أكثر من سور

وعلى الجانب الشمالي يوجد تاريخ وفاة الإمام 749-1348 ميلادية" وهذه الغرفة منفتحة نحو الشرق وعلى مقبرة صغيرة يوجد فيها بعض القبور مع شواهد تاريخية.

ثلاجة اليمن

لا يزال البرد هو الحاكم الفعلي لهذه المدينة فعند خروجك منها تلاحظ مزارع الطماط والبطاطا والقات قد غطيت بالأقمشة من كل الجوانب لحمايتها من الصقيع فهي كما وصفها أحد السياح "ثلاجة اليمن".

ومن الملفت للنظر أن هناك إهمالاً في عدم الاهتمام بالآثار فتجد أحجاراً منقوشاً عليها بالخط المسند مبعثرة في أماكن شتى قد تجدها في خرائب في الأسواق والأحياء القديمة، أيضا نظافة المدينة فهي تسبح في بحيرات سوداء وكل شوارعها الداخلية تزيد الأنوف زكاماً إلى جانب البرد الذي يجعلك في انكماش مستمر.

* الصور خاصه بشبكة اخبار السعيدة حصريا

عدد القراءات : 10207
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
عصام الوضاحي
السلام عليكم انا احب الله ثم اليمن ثم اي شئ في الوجود ارجو ان ترسلو لي رساله الئ ايميلي عن التعليق او اي شي اذا تريدو اي احتياجات ممكن ترسلو رسلتي الئ الرئيس علي عبدالله صالح حفظه الله اذا اعجبتكم باي