احدث الاخبار

الطب والعلاج من المنظور الأسلامى للـ أ. د. محمد سعد عبد اللطيف

الطب والعلاج من المنظور الأسلامى للـ أ. د. محمد سعد عبد اللطيف
اخبار السعيدة - عرض وتحليل : دينا سعد         التاريخ : 31-08-2010

تقول الدكتورة سيجريد هونكة تحت عنوان "مستشفيات مثالية وأطباء لم ير العالم لهم مثيلاً"، - وذلك في وصف الطب والعلاج في المستشفيات الإسلامية منذ ألف عام -: إن الأوضاع كانت تشبه إلى حد بعيد ما نراه اليوم في قرننا العظيم العشرين، فقد كانت المستشفيات تبنى بكثرة في كل المدن العربية الكبيرة الواقعة ما بين جبال الهملايا، وجبال البيرينية، وكان في مدينة قرطبة وحدها خمسون مستشفى في أواسط القرن العاشر، وكانت المستشفيات تتمتع بموقع تتوافر فيه كل شروط الصحة والجمال، وتقدم خدماتها للفقراء والأغنياء بدون تمييز... إلخ".

 

والمسلمون أول من بنى مستشفيات متخصصة للمعوقين والمجانين؛ لأن الإسلام اعتبرهم مرضى وغير مسؤولين عن أفعالهم، فالله تعالى يقول: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61]، والشريعة الإسلامية تعفي المجنون والمعتوه من أي مسؤولية، ولا يقام عليه الحد.

 

وقد جاء في صك الأوقاف التي حبس ريعها لصالح مارستان النوري في حلب أن كل مجنون يختص بخادمين، فينزعان عنه ثيابه كل صباح، ويحممانه بالماء، ثم يلبسانه ثيابًا نظيفة ويحملانه على أداء الصلاة، ويسمعانه القرآن، ثم يفسحانه في الهواء الطلق، ويسمح له بالاستماع إلى الأصوات الجميلة والنغمات الموسيقية المطربة.

 

أما في أوربا في نفس الفترة فكان المجانين يُحرمون من دخول المستشفيات، ويُقَيَّدون بالسلاسل في بيوت الجنون، وهي أقرب إلى السجون، وكان الدواء الوحيد الذي يقدم إليهم أن يحضر الكاهن كل يوم ليضربهم بالسياط لإخراج الشيطان منهم، وهذه الصورة المقابلة من كتاب تاريخ الطب لأول طبيب في أوروبا في القرن الثامن عشر يعلن بطلان هذه الأفكار، ويأمر بفك السلاسل عن المجانين، ومنع ضربهم فيما اعتبر في وقتها ثورة ضد أفكار الكنيسة وتعاليمها.

 

مفهوم المرض والعلاج في التوراة والإنجيل والقرآن:

كانت تلك مقدمة لا بد منها؛ لكي نفهم الفارق الكبير بين الأديان الثلاثة في مفهوم المرض والعلاج.

- فالإسلام يختلف اختلافًا جذريًّا في نظرته إلى هذه القضية.

- فالمرض في نظر اليهودية والمسيحية عبارة عن شيطان يدخل جسم الإنسان؛ بسبب معصية يرتكبها في حق الله، في حين أن الإسلام يعتبر أن المرض من قضاء الله وقدره، يصيب الطيب والشرير، والمخطئ والمصيب، وأنه لا علاقة له بالشيطان، وأن الشيطان لا يستطيع التأثير على جسم الإنسان، أو التسبب في مرض معين.

 

وبناء على هاتين النظريتين المختلفتين؛ فلا بد أن يحدث اختلاف بَيِّن في أسلوب ومفهوم العلاج:

- ففي اليهودية والمسيحية يعتمد العلاج على الصلاة والدعاء لطرد الشيطان.

- بينما في الإسلام يعتمد العلاج على الطب والدواء.

- وفي الحالة الأولى يقوم بالعلاج الكاهن أو رجل الدين.

- وفي الحالة الثانية يقوم بالعلاج الطبيب المختص، ولا علاقة لرجل الدين بذلك.

 

وهذه مقارنة بين ما جاء في التوراة والإنجيل والقرآن في هذه القضية:

ففي العهد القديم: نسمع قصة نبي الله سيدنا أيوب الذي أصابه الشيطان بالأمراض المختلفة، فقد جاء في سفر أيوب الإصحاح الأول: فقال الرب للشيطان: هل جعلت قلبك على عبدي أيوب؛ لأنه ليس مثله في الأرض، رجل كامل ومستقيم، يتقي الله ويحيد عن الشر؟ فأجاب الشيطان الرب، وقال: هل مجانًا يتقي أيوب الله؟ أليس أنك سبحت حوله وحول بيته، ثم يقول الشيطان للرب: ولكن أبسط يدك الآن، وامسس كل ما له فإنه في وجهك يحدق عليك، فقال الرب للشيطان: هو ذا كل ماله في يدك؛ وإنما إليه لا تمد يدك، ثم خرج الشيطان من أمام وجه الرب. "الكتاب المقدس" أيوب الإصحاح الأول 8 ص 792.

 

وبناء على هذا الإذن من الله، أخذ الشيطان يتلف كل شيء عند أيوب فحرق الزرع، وقتل الغنم والبقر، وجاء بريح قوية هدمت زوايا البيوت؛ فتهدمت على أولاده وبناته فقتلتهم، ومع ذلك فقد صبر أيوب، ولم يكفر بالله، فعاد الشيطان يطلب من الله أن يأذن له ليصيب أيوب في جسده بالأمراض، ثم تقول التوراة: فخرج الشيطان من حضرة الرب، وضرب أيوب بقرح رديء من باطن قدمه إلى هامته، فأخذ لنفسه شقفة ليحك بها وهو جالس في وسط الرماد، ومع ذلك فلم يكفر أيوب بالرب وصبر على بلائه، فأمر الرب الشيطان أن يترك أيوب فشفي في الحال.

 

فارتباط المرض بالشيطان واضح لا لبس فيه، وهو ارتباط عضوي، وليس مجرد وسوسة ولا إيحاء.

أما في المسيحية فإن الارتباط بين المرض والشيطان والخطيئة أقوى بكثير، فالمسيحية تعتبر أن المرض شيطان يدخل جسم الإنسان؛ بسبب ارتكابه للخطايا في دنياه، وبذلك يكون العلاج الوحيد للمرض هو الصوم والصلاة، فإذا لم يأت هذا بنتيجة فمعنى ذلك أن إيمان الرجل ضعيف، وأن ذنوبه كبيرة فلا يقبل الله له الغفران، ولا بد في هذا الحالة من تدخل رجال الكنيسة؛ لكي يقرؤوا عليه الصلوات، ويدهنوه بالزيت المقدس.

 

وفي الإنجيل نجد دائمًا ارتباطًا وثيقًا بين المرض وتلبس الشيطان، وبين المرض والخطايا وضعف الإيمان، فقد جاء في "متَّى" 8 / 14: "وعند حلول المساء أحضر إليه الناس كثيرين من المسكونين بالشياطين، فكان يطرد الشياطين بكلمة منه، وشفي المرضى جميعًا".

وجاء في "متَّى" 9/ 32: "جاء بعضهم بأخرس يسكنه شيطان، فلما طرد الشيطان تكلم الأخرس، فقال الفريسيون: إنه يطرد الشياطين برئيس الشياطين.

وجاء في "مَتَّى" 12/ 22: "ثم أحضر إليه رجل أعمى وأخرس يسكنه شيطان، فشفاه حتى أبصر وتكلم".

 

وتحت عنوان "عودة الروح النجس"، يتحدث الإنجيل عن عودة المرض إلى جسم المريض بعد شفائه منه، فقد جاء في "مَتَّى" 12/ 43: "مَتَى خرج الروح النجس من إنسان يسكنه يهيم في الأماكن القاحلة طالبًا الراحة، فلا يجد؛ فيقول: أرجع إلى مسكني الذي فارقته فيجده فارغًا مكنوسًا مزينًا، فيذهب ويحضر معه سبعة أرواح أخرى أكثر منه شرًّا فتدخل جميعًا، وتسكن ذلك الإنسان فتكون آخرته أسوأ من حالته الأولى".

 

أما عن ربط أسباب المرض بالخطايا وبضعف الإيمان: فقد حاول تلاميذ المسيح أن يشفوا طفلاً مصابًا بالصرع بالقراءة عليه ففشلوا، فجاء المسيح وزجر الشيطان، فخرج من الصبي وشفي من تلك الساعة، فسألوه: "لماذا عجزنا نحن أن نطرد الشيطان؟ فأجابهم: "لقلة إيمانكم".

وجاء في "متَّى" 17/ 21 عن المرض: "أما هذا النوع من الشياطين فلا يطرد إلا بالصلاة والصوم".

 

الطب والعلاج في نظر الإسلام:

لقد جاء الإسلام بمفاهيم جديدة تختلف كل الاختلاف عن المسيحية في نظرته إلى المرض، فنفى أن يكون المرض شيطانًا أو روحًا نجسة تصيب الإنسان، وأنكر أن يكون المرض بسبب خطيئة يرتكبها الإنسان بحق الله، ونفى كل الطقوس المسيحية التي يقيمها الرهبان لشفاء المرض وإخراج الشيطان من جسم المرض؛ بل إنه نفى أن يكون هناك رجل دين أصلاً بالمفهوم المسيحي؛ ليكون واسطة بين الله والإنسان، ومن حقه غفران الذنوب أو شفاء المرض.

 

والمفهوم الإسلامي عن المرض يساير النظرة العلمية الحديثة، ويسبقها بعشرات القرون، فالإسلام يعتبر أن المرض هو قضاء الله وقدره، وأنه لا علاقة له بالذنوب والخطايا؛ بل هو يصيب الإنسان الصالح كما يصيب الشرير، لا فارق بينهما في المرض، وأنه لا بد من وسيلة للشفاء يعرفها أهل الذكر، وهم هنا العلماء والأطباء، أما عن دور الدعاء والصلاة فهي لرفع معنويات المريض وتقوية عزيمته على مقاومة المرض؛ ولكنها لا تغني عن الطب والدواء.

 

وكثيرًا ما كان الصحابة يأتون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكي يشفي مرضاهم، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور المريض، ويدعو له بالشفاء، ثم يقول لهم: ادعوا له الطبيب، فكانوا يتعجبون من ذلك، ويقولون له: "وأنت تقول ذلك يا رسول الله؟"؛ أي أنت أيضًا تطلب منا استدعاء الطبيب، ولا تشفي المريض بيدك، فيقول لهم - صلى الله عليه وسلم -: ((نعم، تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له الدواء، علمه من علم، وجهله من جهل، فإذا أصاب الدواء الداء برأ المريض بإذن الله))؛ رواه الترمذي، والدرامي، وابن ماجه، وابن حنبل.

 

وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه يمرض ويزوره الأطباء؛ كأي بشر، ويكتبون له الإنعات؛ أي الوصفات الطبية، ويتناول الدواء حسب أوامرهم، وكان الصحابة يسألونه: أتمرض مثلنا يا رسول الله؟، فيقول لهم: ((إني أوعك - أي أعاني من المرض - مثل رجلين منكم)).

والإسلام يرد بكل صراحة ووضوح على القدريين الذين يدعون أن اللجوء إلى الطب والدواء معناه: محاولة الهروب من قدر الله، فقد جاء جماعة من الصحابة يسألون الرسول - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، هل في دواء نتعاطاه ووقاية نتخذها، هل تمنع هذه من قدر الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((بل هي من قدر الله))؛ رواه الترمذي، وأحمد، والحاكم.

 

ومن أعظم الإنجازات في ميدان العلاج التي انفرد بها الإسلام عن كل المفاهيم السابقة له، أنه أعلن لأول مرة في التاريخ الإنساني أنه لا يوجد أي مرض يصيب البشر إلا وله دواء لمكافحته، وأن على العلماء والمختصين في كل عصر أن يجتهدوا حتى يكتشفوا الأدوية الجديدة الفعالة. وفي ذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء))؛ رواه النسائي، وابن ماجه، والحاكم، وروى مسلم: ((لكل داء دواء علمه من علم، وجهله من جهل، فإذا أصاب الدواء الداء برأ المريض بإذن الله))، فهذا المبدأ الذي جاء به الإسلام منذ عدة قرون أصبح شعار الطب الحديث في عصرنا الحاضر، وتتبناه الدول المتقدمة، فترصد ميزانية ضخمة للأبحاث العلمية والمعملية لاكتشاف علاج جديد لكل مرض مستعصٍ، تحت شعار أنه لا يأس من الشفاء، حتى آخر لحظة من عمر المريض.

 

وخلاصة القول: إن الاختلاف بين الإسلام والديانات الأخرى حول مفهوم الطب كبير جدًّا، وهذا يقودنا إلى النتيجة الحتمية وهي: أنه في العصور الوسطى التي سادت فيها المسيحية، وحكم الكنيسة في أوروبا، وطبقت هذه المفاهيم، تأخرت مهنة الطب وتخلفت؛ بينما نجد في نفس الفترة عندما طبقت المفاهيم والتعاليم الإسلامية، أنه قد ارتقى الطب في العالم الإسلامي حتى بلغ الذروة.

 

الإسلام ومفهوم الشيطان: علاقة الشيطان بالمرض:

رأينا في الديانات الأخرى أن الشيطان يستطيع أن يفعل بالإنسان أي شيء يريده، وأن تأثيره مادي ومباشر، فهو يدخل جسم الإنسان فيحدث به الدمامل، والقرح، والحمى؛ كما جاء في التوراة، وهو يستطيع أن يحرق الزرع، ويقتل الماشية والأطفال، وفي الإنجيل نجده يسبب الأمراض كلها من برص، وعمى، وشلل، وجنون، والإنسان إزاء هذا كله لا حول له، ولا قوة أمامه إلا أن يصلي ويصوم ويدعو الله.

 

أما في الإسلام فإن تأثير الشيطان على الإنسان لا يتعدى الوسوسة، والإيحاء بالشر، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 1 - 6].

 

وقوله تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} له دلالة كبيرة وهي أن وسوسة الشيطان لا تختلف عن وسوسة أي إنسان آخر يحرض غيره من البشر على الشر، وفي جميع آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن تأثير الشيطان على الإنسان، نجد أن هذا التأثير المعنوي معنوي وأخلاقي فقط، وليس تأثيرًا ماديًّا، فمن ذلك قوله تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [النمل: 24]، وقوله: {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف: 42].

عدد القراءات : 4571
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات