احدث الاخبار

كفانا تضليل وكذب وخداع

كفانا تضليل وكذب وخداع
اخبار السعيدة - كتب - أ. د. محمد سعد عبد اللطيف         التاريخ : 25-08-2010

أهدى هذا المقال للأستاذ الدكتور أمام عبد المبدئ أحد القمم العلمية فى مصر ولة مدرستة العلمية ومن أشد الوطنين اللذين خدموا هذا الوطن . لا أظن أن هناك قضية لعب فيها الخداع والجهل والنيات السيئة‏,‏ واستخدمت فيها أساليب غير أخلاقية لترويج أفكار غير صحيحة‏,‏ وعم فيها الكذب والغش ليحل مكان الصدق والحقيقة‏,‏ ولعبت فيها الصحافة دورا سلبيا في إشاعة أفكار ومصطلحات غير صحيحة وغير علمية‏,‏ شكلت رأيا عاما خطيرا لم يجرؤ أحد علي تحديه حتي الآن‏,‏ مثل قضية استخدام المبيدات في الزراعة المصرية‏,‏ التي تشبه المسرحيات السوداء التي تنتج ضحكا هو البكاء لكثرة ما بها من مفارقات صعبة‏,‏ تؤكد قدرة البيروقراطية المصرية علي تزييف الحقائق والوقائع في معارك تكسير العظام التي يخوضها القائمون علي نسق الإدارة العليا ضد بعضهم البعض إذا ما لاحت في الأفق إشارة خضراء‏!‏

وأظن أن إحلال الحقيقة محل كذب وخداع ترسخت مفاهيمه الخاطئة في الرأي العام طويلا‏,‏ يحتاج إلي قدر وافر من الشجاعة الأدبية التي لا يقدر عليها سوي أشخاص ثقات‏,‏ يصعب التشكيك في صدق مواقفهم‏,‏ ولهذا السبب ربما كان اختيار العالم المصري النابه د‏.‏ مصطفي كمال طلبة رئيسا للجنة مراجعة استخدام المبيدات في الزراعة المصرية التي تتشكل من‏15‏ عالما لا مصلحة لأي منهم في التستر علي الكذب والخداع بمثابة ضربة معلم‏,‏ لأنه الأقدر بين الجميع علي أن يقدم للرأي العام المصري حقائق جديدة‏,‏ تكاد تكون بمثابة الصدمة لأنها تنسف اعتقادات سابقة ترسخت كذبا في الأذهان‏.‏

أولاها‏,‏ أنه ليس هناك علي وجه الإطلاق ما يمكن أن نسميه مبيدات مسرطنة دخلت مصر علي امتداد الأعوام العشرين الماضية‏,‏ لأنه ما من مبيد يتم استخدامه في مصر لم يكن يتم استخدامه في جميع دول المفوضية الأوروبية العشرين وفي الولايات المتحدة‏,‏ حيث تخضع كل المبيدات المسجلة ل ا لأبحاث علمية وتجارب معملية‏,‏ تتم تحت رقابة وكالات حكومية وجامعات علمية‏,‏ تتكلف الواحدة منها ما بين‏200‏ و‏300‏ مليون دولار علي الأقل‏,‏ وتستغرق ما بين خمسة وسبعة أعوام تجري خلالها تجربة المبيد علي جيلين متتابعين من حيوانات التجارب مثل الكلاب أو الفئران لتقويم احتمالات سمية هذه المبيدات مع الالتزام بعدم الترخيص باستخدام المبيد إذا لم ينطو علي ضمانات علمية تؤكد أن الكمية التي سوف يتعرض لها الإنسان نتيجة استخدام المبيد أقل‏10‏ آلاف مرة من الجرعات التي تم استخدامها مع حيوانات التجارب‏,‏ وثبت من التشريح المعملي لأجساد جيلين منها أن أجسادها لم تنتج بؤرا سرطانية نتيجة تجرعها المبيد‏,‏ كما تنطوي ضمانات سلامة الاستخدام علي تأكيدات قانونية وعلمية بأن الشركات المنتجة قد التزمت جميع القواعد والنظم في تجاربها العلمية‏.‏

ورغم هذه الحقائق العلمية المؤكدة شاع في مصر استخدام تعبير المبيدات المسرطنة حتي دخل في روح الرأي العام المصري أن هناك مبيدات مسرطنة دخلت إلي مصر بالفعل‏,‏ ومع الأسف سايرت الصحافة المصرية في جانب كبير منها اتجاه الريح‏,‏ وجعلت من المبيدات المسرطنة حقيقة واقعة وخطرا حالا يحاصر حياة المصريين‏,‏ الذين أصابهم الفزع ولم يعودوا يعرفون كيف يعيشون وماذا يأكلون إن كانت كل زراعات مصر ملوثة بمبيدات مسرطنة‏!‏

وثانية هذه الحقائق أن مصر منذ بداية التسعينيات وبعد قرارات تحرير تجارة المبيدات كانت تستورد ما لا يتجاوز أربعة آلاف طن من‏192‏ نوعا من المبيدات لجميع محاصيلها الزراعية غير ألفي طن تستوردها وزارة الزراعة وتبيعها مدعمة للفلاحين لمقاومة آفات القطن‏,‏ ولأن نسبة المواد الفعالة في المبيدات تكاد تصل في المتوسط إلي نصف حجمها‏,‏ كان نصيب الفدان في مصر من المواد الفاعلة في المبيدات لا يتجاوز ربع كيلو جرام وهي نسبة أقل‏44‏ مرة من معدل استهلاك الفدان الواحد في ولاية كاليفورنيا الأمريكية الذي يصل إلي‏11‏ كيلو جراما من المواد الفاعلة‏,‏ واعتبرت مصر خلال هذه الفترة من أقل دول العالم استخداما للمبيدات ثم جاء قرار وزير الزراعة السابق المهندس أحمد الليثي رقم‏(719)‏ لسنة‏2005‏ ليرفع من قوائم المبيدات المستوردة‏47‏ نوعا من المبيدات هي الأكثر فعالية في مقاومة آفات الزراعة المصرية بدعوي أنها مبيدات مسرطنة‏,‏ وكانت نتيجة القرار الذي تم تنفيذه فورا أن ارتفع حجم استيراد مصر من المبيدات‏3‏ مرات ليصل إلي حدود‏12‏ ألف طن من المبيدات الأقل فعالية وجدوي بما ضاعف من تكلفة الفدان الواحد من المبيدات أربع مرات‏,‏ وضاعف من أسعار المبيدات ثلاث مرات‏,‏ في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار المبيدات المحظورة في السوق السوداء إلي أرقام فلكية وصل بعضها إلي حدود جاوزت مائتي جنيه للتر الواحد‏,‏ الأمر الذي أغري كثيرين علي غش هذه المبيدات في مصانع تحت السلم حقق أصحابها أرباحا طائلة‏,‏ وكانت النتيجة أن ابتلعت السوق السوداء السوق الحقيقية وساد الغش سوق المبيدات‏,‏ وتكبد المزارعون تكاليف باهظة لم يكن لها أي مبرر‏.‏

لماذا أصدر الوزير قراره وهو أعلم الجميع بأنه ليس هناك ما يمكن أن يسمي مبيدات مسرطنة‏,‏ وأن أيا من هذه المبيدات التي تم تسجيلها واستخدامها في مجموعة الدول الأوروبية والولايات المتحدة قد خضع لتجارب علمية عديدة‏,‏ تحت رقابة صارمة‏,‏ ومن هم أعضاء الهيئة التي قدمت له هذه النصيحة الخاطئة‏,‏ ولماذا ضمت مستشارين لشركات المبيدات التي وافقت علي حظر المبيدات الأكثر فعالية وفي حسابها أن حجم استيراد مصر من المبيدات الأخري سوف يتضاعف حجما وسعرا؟‏!,‏ ولماذا صمت الوزير إزاء إشاعة استخدام تعبير مبيدات مسرطنة في الصحافة والإذاعة والتليفزيون رغم علمه بأنه ليس هناك ما يمكن أن نسميه مبيدات مسرطنة ورغم أن وزارته لا تكتفي بالوثائق العلمية والعالمية التي تصاحب عملية تسجيل أي مبيد في مصر‏,‏ بل تصر علي تجربة المبيد المسجل في المنظمة الأوروبية لثلاثة أعوام في حقول إرشاد تتبع الوزارة قبل التصريح باستيراده إذا لم يكن مسجلا في مصر؟‏!‏ وهل كان المقصود من كل هذه الإجراءات الجديدة إزاحة الدكتور يوسف والي عن منصبه الأخير بمحاولة تلويث سمعته؟‏!‏

أسئلة كثيرة تتكشف إجاباتها الحقيقية الآن داخل أعمال لجنة مراجعة استخدام المبيدات في مصر التي يرأسها العالم المصري د‏.‏ مصطفي طلبة التي أعادت السماح باستيراد‏17‏ نوعا من هذه المبيدات التي كان قد تم رفعها من قوائم الاستيراد بقرار وزير الزراعة السابق المهندس أحمد الليثي‏,‏ وعلقت استخدام‏14‏ نوعا آخر من المبيدات يتم استخدامها في بعض الدول الأوروبية دون الدول الأخري في انتظار قرار أجهزة الرقابة علي استخدام المبيدات داخل المفوضية الأوروبية‏,‏ كما أقرت استمرار حظر‏17‏ مبيدا لا يتم تداولها لا في دول الاتحاد الأوروبي ولا في الولايات المتحدة الأمريكية‏.‏

ومع أنني أعتقد‏,‏ علي المستوي الشخصي‏,‏ أن الدكتور يوسف والي وزير الزراعة الأسبق واحد من أهم وزراء الزراعة المصريين الذين يتميزون بالنزاهة الكاملة رغم فساد بعض معاونيه‏,‏ وقد لقي الرجل جزاء سنمار رغم أنه قدم للزراعة المصرية خدمات جليلة‏,‏ علي امتداد عقدين‏,‏ نتيجة تشجيعه البحث العلمي الذي رفع إنتاجية الفدان المصري من الحبوب‏:‏ القمح والذرة والأرز‏,‏ إلي معدلات قياسية‏,‏ ولأنه حرر الزراعة المصرية من قيود التسويق الإجباري وأعطي للفلاح المصري حرية زائدة في اختيار المحاصيل التي يزرعها ربما لا تتناسب في بعض الحالات مع التفتيت الشديد في الرقعة المنزرعة‏,‏ إلا أن المقصود من هذه الحقائق ليس تبرئة ساحة يوسف والي من قضية المبيدات المسرطنة‏,‏ لأن القضية مفتعلة ومختلقة تم خلالها استخدام كل ألوان الغش والكذب والخداع للتأثير علي الرأي العام وإفهامه أن هناك مبيدات مسرطنة رغم عدم وجود ما يمكن تسميته بالمبيدات المسرطنة‏..‏ ولكن المقصود من هذه الحقائق التساؤل عن أسباب غياب معايير موضوعية ملزمة يقوم علي إقرارها خبراء متخصصون من العلماء الثقات لا مصلحة لهم في التربح من عمليات استيراد المبيدات‏,‏ يملكون قدرة القرار المستقل عن أجهزة الدولة التنفيذية‏,‏ شأنهم شأن أجهزة مراقبة جودة الأغذية في الولايات المتحدة‏,‏ كي يطمئن الناس إلي قراراتهم‏,‏ ويصدقونها‏,‏ ويراعون التزام السوق المصرية بالمعايير التي أقرتها المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة التي لا يشك أحد في نزاهتها وموضوعيتها‏,‏ ويتأكدون من التزام الدولة بكل الاتفاقيات الدولية وملاحظات منظمة الصحة العالمية التي تنظم عملية استخدام المبيدات بصورة تحمي الإنتاج الزراعي وتحافظ علي صحة الإنسان المصري‏.‏

وأظن أنه قد آن الأوان لكي تتحول لجنة مراجعة المبيدات التي تشكلت أخيرا إلي عمل مؤسسي مستمر‏,‏ تقوم عليها هيئة علمية تتولي وضع معايير استيراد المبيدات‏,‏ وتراقب عمليات الغش في الأسواق‏,‏ وترعي حسن استخدام المبيدات في توقيتات مناسبة‏,‏ وتعمل علي صيانة القرارات والتدابير التي من شأنها أن توفر لكل المصريين غذاء آمنا وصحيا‏.‏

عدد القراءات : 3252
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
محمد عبد العظيم
لقد ظهر في الاونه الاخيرة مجموعة من مهندسي تصنيع بعض الشركات الكبري للمبيدات وقدموا لمصر مبيدات من نفس نوعية تلك الشركات الا انها اقل في الاسعار بشكل كبير مثال ذلك السوبر فرتيمك 3.6%بسعر 35ج فقط هل هذ