احدث الاخبار

نظام حياتنا منظومة

نظام حياتنا منظومة
اخبار السعيدة - إعداد - أ. د. محمد سعد عبد اللطيف         التاريخ : 06-07-2010

يتساءل البعض عن الطريق الأفضل والأقرب إلى تنمية الايمان؟ وعن التزود في هذه الدنيا بالتقوى لضمان العاقبة؟ ذلك ان التزود بالتقوى هو الوظيفة الأولى والمهمة الرئيسية التي يتوجب على الإنسان إنجازها في الدنيا؛ فالدنيا مزرعة الآخرة، ومن استطاع النجاح في انجاز مهمته فهو في خير ما فوقه خير، ومن تثاقل عنها فهو في خسران ليس دونه خسران.

والله سبحانه وتعالى أقسم بالعصر بأن الإنسان في خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، فغير هؤلاء الذين حدَّدهم القرآن الكريم أحاط بهم الخسران المبين إحاطة السوار بالمعصم.. شاؤوا أم أبوا؛ فالحقيقة الالهية وسر الوجود والخلقة يفرض نفسه فرضا على بني البشر.

إن التساؤل المطروح تكمن فيه الخطورة مجسمةً تمام التجسم، إذ في الاجابة عليه يتحدد مصير الإنسان.

ولتسليط مزيد من الاضواء على ذلك، نؤكد بأن قرار ومصير الإنسان لا ينبغي أن يشوبه التهاون والضِّعة، ولا أن يقاس بمقاييس التمني والتظني، بل لابد لذلك من رغبة حقيقية صادقة في تبيين الأمور، ومعرفة الطرق الكفيلة بنجاح القرار المتبنى على اسس معرفية مستقاة من التعاليم الدينية الأصيلة التي أوضحتها لنا الآيات القرآنية الكريمة وسنة أهل البيت المطهرة.

فالطريق السليم والمستقيم لا يرسمه الإنسان، والوسائل الصالحة لا يوجدها هو، بل هي مرسومة من قبل الشريعة البيضاء والدين الحنيف. والوسائل بدورها بمثابة النعمة الربانية على الناس، وهؤلاء ما عليهم إلا التبيّن في الطريق والانتخاب في الوسائـل. والله قد قال في كتابه المجيد: (لَيْسَ بِاَمَانِيِّكُمْ وَلآ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَاب( (النساء/123).

إذن؛ فالدين ليس تلاوة القرآن بقدر ماهو العمل به، وليس هو ترديد الأذكار والاوراد الخالية عن الفهم العقلي والتضامن القلبي والسلوك الحسي. حيث قال صلى الله عليه وآله: "رب تال القرآن والقرآن يلعنه". (14) وربما يكون الإنسان كما الحمار الذي يحمل أسفاراً، لا يعي ما فيها، بل ولا يدرك سبب حمله إياها...

وهذه هي العبرة العظيمة التي ينبغي أن نتبصرها من خلال توجيه الرسول صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام، حينما رآه قد أجهد نفسه بالعبادة فقال له: "يا علي إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق..". (15)

وهكذا المثل في بقية أئمة أهل البيت عليهم السلام، الذين كان الواحد منهم يتبتل إلى ربه تبتيلاً في الليل طلباً لمرضاته، وفي النهار كان يصل الرحم ويهتم بالفقراء والمساكين ويعلم الناس ويقف بوجه الظالم ويطالبه بكل ما أوتي من قوة بتحقيق العدالة.

ولقد كان الإمام زين العابدين عليه السلام يصلي في الليلة الواحدة ألف ركعة خالصة لوجه الله تعالى، فإذا أصبح الصباح مشى إلى فراشه حبواً، لأن ركبتيه ما كانتا تحملانه إلى الفراش من كثرة ما تعبد وأجهد نفسه بالعبادة. ولكن لم تكن هذه الصلوات حركته الوحيدة في حياته، وإنما كان من سيرته الطاهرة المباركة أنه أخذ على نفسه الزكية أن يعتق كل عام مائة من العبيد، بعد ان يشتريهم ويعلمهم ويزكيهم بانتخاب وانتقاء بالغين. فإذا بالواحد منهم يصبح بمفرده أمة صالحة، قادر على أن يكوّن البنية التحتية للمجتمع. وكان عليه السلام يعارض ويقاوم الطغاة من خلال نشر رسالة وأهداف الإمام الحسين عليه السلام، وغيرها من الأعمال الفذة التي تعجز الأقلام والألسن عن حصرها.

ومن هنا؛ فإن القضية الأولى في حديثنا تتجسد في القول بأن الدين نظام شامل للحياة بكل تفاصيلها.. ومن الخطأ القاتل بأن يؤخذ الدين أو يفهم من زاوية واحدة. أو أن يعمد الناس إلى تقطيع أوصال الدين، كل يكتفي بقطعة.

فالدين كل لا يتجزأ أبداً، والدليل الأكبر على ذلك هو ما تعيشه المجتمعات البشرية من مآسٍ وويلات. فالشيطان الرجيم إختط لها طريقة بلهاء تمثلت في عزل الدين عن حياتها، إلا ما يساعد على تحقيق مصالحها أو ينعدم تأثيرها فيها. ففصل الدين عن السياسة والتجارة والتربية والعلاقات، ولم يبق منه سوى لقلقة اللسان والرسوم المشوهة. وهذا ما بينه الأئمة المعصومون فيما يتصل برواياتهم حول أشراط الساعة وأحوال آخر الزمان.

فالدين هو الدين الذي ينفع الحياة، هو الدين الذي لا يفرق بين بعض الكتاب وبعضه، ولا يتّخذ القرآن عضين. فالدين الذي لا بد وأن يطبقه الناس والحكومات في السياسة والاجتماع والتاريخ وخطط الحاضر والمستقبل وكل بعد من أبعاد الحياة، انما يجب أن يحكم حتى يسمو بالإنسان إلى الدرجات الرفيعة التي وعده الله تعالى.

ولقد استطاع المسلمون في صدر الإسلام أن يفتحوا العالم في فترة قياسية جداً على رغم صعوبة المواصلات ووعورة الطرق وانقطاع الاخبار شبه التام، فوصلوا إلى الصين شرقاً والأندلس غرباً، لأنهم تعاملوا مع التعاليم الدينية تعاملا واسعا وشاملا. والآن وقد وضع الناس دينهم وراء أظهرهم، فقد ابتلوا بما لم يكن في حساباتهم، وهو الأمر الذي حذرهم منه القرآن الكريم نفسه، حيث قال:( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً( (طه/124)؛ أي إنه سيفتقر إلى المنهج القويم فيكون كمن يركض وراء سراب، وبذلك تكون معيشة في تعب وضنك دائمين.

عدد القراءات : 2969
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات