احدث الاخبار

الوسواس مرض أم شيطان ؟

الوسواس مرض أم شيطان ؟
اخبار السعيدة - كتب - أ. د. محمد سعد عبد اللطيف         التاريخ : 03-07-2010

لتوضيح بعض أبعاد الالتباس الواقع عند الكثيرين بين مرض "الوسواس القهري" الذي هو مرض نفسي له أعراضه وأسبابه وعلاجاته المعتمدة، وبين "الوساوس الشيطانية" التي تأتي للمؤمن تحاول أن تعكر عليه صفو حياته الإيمانية.

هناك ثلاثة أنواع من الأفكار التي تخطر على ذهن الإنسان بشيء محرم:

النوع الأول:

فكرة أو أفكار تدعو الإنسان لفعل شيء محبب للنفس مثل الزنا أو غيره، وهذه الأفكار يكون مصدرها حديث النفس، أو وسوسة الشيطان، أو تأثيرات الواقع المحيط بالإنسان الذي يزين له الوقوع في هذا الأمر، وغالباً ما تتنوع هذه الأفكار في أشكالها وتفاصيلها، وترتبط بالمستوى الإيماني للإنسان، وصحبته الخيرة، وانشغال ذهنه بهذا الأمر المحبب للنفس، أو بغيره من أنشطة تصرف الذهن عنه، وعلاج هذه الأفكار أساساً يكون بالاستعاذة، واستثمار الطاقة النفسية والفكرية والاجتماعية في صداقات واهتمامات نافعة.

أما النوع الثاني:

فهو وساوس في العبادة مثل الزيادة أو النقص في الصلاة وهو من الشيطان، ولا يتكرر إلا بمعدل متقطع، وعلاجه الاستعاذة، والخشوع والتركيز في أداء العبادة.

وكلا النوعين السابقين يمكن التحكم فيهما، والسيطرة عليهما ببذل بعض الجهد.

والنوع الثالث:

وهو الوسواس القهري وهو "بتبسيط" نوع من تسلط فكرة محددة وكريهة ومرفوضة على ذهن الإنسان، وتأتي هذه الفكرة بشكل متكرر جدًّا، وتقتحم على الإنسان حياته لتفسدها تماماً، وهذا النوع لا يمكن التحكم فيه أو السيطرة عليه مهما بذل الإنسان من جهد في الاستعاذة أو محاولة صرف التركيز الذهني عنه.

ومحتوى هذه الأفكار أو "الفكرة الواحدة المحددة البغيضة المقتحمة المتسلطة" يتنوع فقد يكون محتوى دينيًّا أو دنيويًّا في العقيدة أو في غيرها من شئون الحياة، ولا تأتي هذه الفكرة بسبب الالتزام، وإنما هي تعبير عن المرض الذي يصيب الملتزم وغير الملتزم، المؤمن والكافر بنفس الكيفية والأعراض والمواصفات بغض النظر عن اختلاف محتوى الفكرة من شخص إلى آخر، كما أن هذا المرض لا علاقة له بالجن أو اللبس أو غيره، فهذا مرض تتضافر فيه بعض العوامل الوراثية، والاضطرابات البيولوجية الكيميائية الجسدية، والاختلالات النفسية الفردية، وبعض التأثيرات الثقافية والاجتماعية لتنتج الأعراض التي يشكو منها المريض.

ومن باب التأثيرات الثقافية والاجتماعية يأتي أحياناً المحتوى العقائدي للفكرة البغيضة المتسلطة، وقد يتلاقى الاستعداد المرضي الوراثي/البيولوجي/النفسي مع خاطرة شيطانية من هنا أو هناك لتكون هي "مجرد" المحتوى للفكرة المتسلطة.

ونحتاج إلى الاستعانة بالله على كل حال، والأخذ بالأسباب في كل الأحوال، ومن الأخذ بالأسباب أن النوع المرضي الأخير يحتاج إلى علاج بالعقاقير، وعلاج نفسي قد يطول، ويستحسن أن يبدأ فوراً إذا صح التشخيص أن هذا هو مرض "الوسواس القهري، أما إذا كانت المسألة متعلقة بخواطر سوء متنوعة تأتي وتذهب، تشغل التفكير حيناً ثم تنصرف بالاستعاذة، وذكر الله سبحانه، ويمكن وقفها، والانتهاء عنها ببذل بعض الجهد والإرادة؛ فإن الأمر يكون أبسط.

الحكم الشرعي للوسواس القهري

لا يضيرالمريض هذا المريض ولا يؤاخذ الله عليه؛ لأنه خارج عن الإرادة، وقد قال الله - تعالى -: " لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا " الآية، [البقرة : 286] وقال: " لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا مَا آتَاهَا " الآية، [الطلاق : 7] وقال: " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " الآية، [ التغابن : 16] وقال - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة:" إن الله تجاوز لأمتي عما حدَّثتْ به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم"، أخرجه البخاري (6664)، ومسلم (127).وهذا في الحالات العادية؛ فكيف بالمبتلى بالوسواس الذي قد توسوس له نفسه أنه تكلم أو عمل فيدخل في متاهة لا قرار لها.

و الحل : أولاً: الاستمرار بقراءة القرآن، والأذكار، والأوراد، والصلوات، والأدعية، ونحوها من الأسباب الشرعية، التي تحصن الإنسان من الشيطان، وتعينه على مقاومة الأمراض النفسية،

ثانياً: متابعة العلاجات النافعة التي يصرفها لك الأطباء الموثوقون،

ثالثاً: الحرص على الانهماك والانشغال بالأعمال المختلفة، و المشاركة في المجالس الطيبة، من حلق العلم والذكر، والجلسات الخيرية، ومثلها تجمعات الأقارب، والجيران، والأصدقاء، ولعل ذلك أن يصرف التفكير بعض الشيء عن هذه الأفكار .

عدد القراءات : 2658
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات