احدث الاخبار

السر المصرفي... السكوت لن يدوم !!

السر المصرفي... السكوت لن يدوم !!
اخبار السعيدة - تحقيق - إعداد مجلة اقتصاد وأسواق - عادل البعوه         التاريخ : 09-04-2010

منذ نعومة أظفارنا وسويسرا يتردد ذكرها على مسامعنا بأنها قبلة الارصدة الشرعية وغير الشرعية ..لكن متى يكشف التقاب عن ذلك ؟!!. من يتذكر معنا قضية إفلاس بنك الاعتماد والتجارة في الثمانينيات ..والقوائم التي نشرت بالارقام والتي تحمل الارصدة التي أودعها التجاروتجار السياسة في ذلك البنك .

 واظهرت القوائم مبالغ خيالية لمسؤولين يمنيين ..فهل يأتي يوم نعرف فية أرصدة اليمنيين في سويسرا . ما يحدث من زلزال للسرية المصرفية في سويسرا لاشك بأنه سيربك اولئك من أصحاب الارصدة السرية . الدول النامية ومنها على وجه الخصوص العربية يشك مواطنيها أن ثرواتهم هي في البنوك السويسرية . فعلى مدى عقود من الزمن ولا زالت الاّ على النذر اليسير ، مازالت السرية المصرفية ، والمصارف السويسرية هي الملاذ الآمن لتلك الارصدة الشرعية منها والغيرشرعية ..وقد كشف النقاب مؤخراً بأن سويسرا اصبحت تسمي " جنة الضرائب في الارض " حيث أن كل من يريد التهرب من الضرائب أو الملاحقة القانونية هذا إن وجدت - نعني في غير دولنا – يفضلون بنوكاً ذات سرية تامة في تحركات الارصدة سحباً وإيداعاً ..ولذلك وجدوا في سويسرا ومصارفها الملاذ الآمن ..فسويسرا لاتعاقب الاعلى المخالفات الجنائية ..والتهرب الضريبي يعتبرة القانون السويسري قضية مدنية وليست جنائية . بعد أن أستفحلت الازمة المالية العالمية بدأ لعبة شد الحبل على سويسرا وتضييق الخناق عليها بالذات اوروبياً وأمريكياً..وممارسة الضغوط للتخلي عن هذه المخالفات التي تعتقد تلك الدول بأن أموالاً كبيرة هُربت الى سويسرا ومصارفها خوفاً من أن تطالهم القوانين المعمول بها في بلادهم . بينما سويسرا تعتبر السرية المصرفية ميزة تنافسية لها في الاسواق المالية وهي لا تحبذ التفريط بها ، وإن اظهرت ليونة في مواقفها ،ولكنة خوفاًمن الملاحقات القانونية لمؤسساتها المالية كما حدث لبنك (HSBC) التي لاحقته امريكا قضائياً للتستر على ارصدة امريكيين ملاحقين ضريبياً. كل الضغوط ويأتي في طليعتها الالمانية والفرنسية آتت اكلها ..وتم التوصل الى حلول مرضية لكل لاطراف وذلك عن طريق توقيع اتفاقيات لتبادل المعلومات الضريبية عن المودعين في البنوك السويسرية ..ولذلك شطبت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سويسرا من قائمة البلدان التي توفر ملاذاً آمناً للمتهربين من الضرائب ..وبتلك الخطوة بدأ السر المصرفي يتهاوى ..ما دعا بالبنوك السويسرية الى تحذير عملائها من تخفيف قواعد السرية المصرفية في سويسرا ليأخذوا حذرهم في ذلك . وبتوقيع تلك الاتفاقيات تعلن سويسرا عهداً جديداً باستعدادها للتعاون مع السلطات الضريبية في الدول الموقعة معها على هذه الاتفاقيات وتقدم المعلومات التي تمكن تلك السلطات من ملاحقة المتهربين ضريبيا ً .

الدول النامية : يقول الدكتور / محمد ابراهيم السقا ..مع الاسف تحتاج باقي دول العالم الى توقيع اتفاقيات مماثلة مع سويسرا كي تحصل على الحق ذاته في الاطلاع على حسابات مواطنيها في البنوك السويسرية . فهل تهتم الدول النامية بالذات حيث تنتشر اشكال الفساد كافة ، بتوقيع مثل هذه المعاهدات ؟ وهل ستجد سويسرا لديها الرغبة في توقيع مثل هذه المعاهدات مع تلك الدول النامية ؟!!. يقول : أشك في ذلك لإن الفساد المنتشر في الدول النامية سيمنع حكوماتها من الاهتمام بالمطالبة بعقد مثل هذه الاتفاقيات مع سويسرا . وستفعل ذلك طبعاً حماية لمراكز القوى فيها . كما أن سويسرا ربما تنظر الى الضغوط التي تمارسها هذه الدول عليها بأنها غير ذات وزن ، ومن ثم تنصاع للدول التي لا تستطيع أن تواجه ضغوطها فتوقع أتفاقيات مماثلة معها .

 الأزمة الألمانية تعود الأزمة في ألمانيا مع إعلان السلطات الألمانية اعتزامها شراء بيانات لنحو 1500 من أصحاب الحسابات في أحد المصارف السويسرية، يُشتبه في أنهم متهربون من دفع ضرائبهم لدى مؤسسات بلادهم، حتى بادر وزير المال السويسري إلى الاتصال مع نظيره الألماني فولفغانغ شويبله محذراً إياه من أن سويسرا لا تتعاون قضائياً، استناداً إلى بيانات مسروقة. نقطة الخلاف نقطة الخلاف الجوهرية بين سويسرا والعالم في القضية، أن القانون السويسري لا يعاقب على التهرب الضريبي وإنما فقط على التحايل الضريبي، بينما تنظر قوانين الدول الأخرى إلى التهرب والتحايل الضريبي كجريمة واحدة يعاقب عليها القانون.

أموال العرب وفيما يتعلق بأموال الدول العربية المودعة في المصارف السويسرية فلا يعني الكثير من تلك الدول مبدأ السرية المصرفية لذا تحاول البنوك الحفاظ على هؤلاء العملاء والحيلولة دون خسرانهم وتحويل أموالهم الى مصارف أخرى، وتعد البنوك السويسرية من اهم البنوك العالمية التي تجذب أموال الأغنياء من دول الشرق الأوسط. وتحتفظ سويسرا بما يقرب من 400 مليار دولار لأثرياء العرب فى مصارفها، أى أكثر من 10% من إجمالى الأموال المتوفرة فى هذه المصارف وتبلغ 3.7 تريليون دولار، وذلك حسب تقديرات مصرفيين سويسريين. وتتمثل أهمية الاستثمارات ورؤوس الأموال العربية والإسلامية بشكل عام والخليجية بشكل خاص في هيكل الاقتصاد السويسري في أن 109 مليارات فرنك سويسري (نحو 109 مليارات دولار) من أصل 846 مليار فرنك تمثل استثمارات بنك يو بي إس، أكبر البنوك السويسرية من حيث الأصول، الواردة من الخارج والتي تأتي من الأسواق الصاعدة التي تشمل الشرق الأوسط ومنطقة الخليج.

محطات: -

بدأ العمل بالقانون الفدرالي حول البنوك ، ومعه مبدا السر المصرفي سنة 1935 - لا يوجد السر المصرفي في المدوّنة الأساسية لهذا القانون، بل في ملحق مستقل، كان الهدف من وضعه في البداية تعزيز الرقابة على انشطة المصارف. - في الستينيات، تحوّل السر المصرفي إلى إجراء اساسي في الحفاظ على الساحة المالية السويسرية، وتمكينها من جذب الودائع المالية بغض النظر عن مصادرها إن كانت مشروعة أو غير مشروعة. - منذ اندلاع الازمة المالية العالمية، واجه السر المصرفي انتقادات شديدة من العديد من المؤسسات الدولية في مقدمتها منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية وأغلب بلدان أوروبا الغربية. السر المصرفي..محطات صعبة - تعرضت سويسرا الفترة الأخيرة إلى هجوم متواصل بسبب اتهام مصارفها بتشجيع حرفاء أجانب على التهرب من دفع الضرائب لصالح بلدانهم. - هذا الهجوم تزامن مع اندلاع الأزمة المالية العالمية الحالية، والتي تسببت في خلق عجز مالي كبير في ميزانيات العديد من البلدان الكبرى. - في أبريل 2009، صنّفت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادية سويسرا ضمن "قائمة رمادية" بالبلدان التي تعد جنان ضريبية غير متعاونة. - في الصيف الماضي، شبّه وزير المالية الألماني السابق بيير شتاينبروك السويسريين بالهنود الهاربين من ملاحقة الخيالة. أما نظيره الإيطالي جيوليو تريمونتي، فقد وعد "بتجفيف دماء"، القطاع المالي بكانتون التيتشينو، الواقع في الجنوب السويسري. - في فبراير 2009، وجهت الإدارة الأمريكية، فيما يعد الحالة الأخطر من نوعها، اتهامات لإتحاد المصارف السويسرية بتشجيع مواطنين أمريكيين على التهرب الضريبي، وفرضت عليه غرامة مالية قدرها 780 مليون دولار بعد أن أقر المصرف بارتكابه مخالفات.

 - في سبتمبر 2009، أجبرت الحكومة السويسرية على تسليم الولايات المتحدة بيانات 4.450 مودع أمريكي لدى اليو بي إس، في خطوة تنتهك بوضوح السر المصرفي لتجنيب المصرف المتابعة القضائية.

 - أصدرت كل من كندا والهند تحذيرا من أنها مح مع المصارف السويسرية التي تقدم دعما للمتهربين في الضرائب في بلديهما.

 - في 2009، أيضا، فرّ احد الموظّفين السابقين بمصرف HSBC الذي يوجد مقره في جنيف إلى خارج سويسرا حاملا معه بيانات حساسة تتعلق بآلاف من المودعين الفرنسيين وغيرهم، وسلمها لاحقا للسلطات الفرنسية.

المصرفيون متمسكون بأسرارهم هذا الجدل لا يبدو أنه قد زحزح المشتغلين في قطاع البنوك عن موقفهم من السر المصرفي أو نال من قدسيته لديهم، فقد اعتبر أورس روث، العضو بمجلس إدارة رابطة المصارف السويسرية في حديث إلى swissinfo.ch أن "المعنى الحقيقي للسر المصرفي هو حماية الخصوصية الفردية، وليس حماية المصارف. فما نلاحظه من خلال تعاملنا اليومي مع الحرفاء ان همّهم الأوّل ليس كيفية التحايل على إدارات الضرائب في بلدانهم، بل حماية خصوصياتهم من رقابة الدولة". وعن أسباب الدّعم الذي يلقاه السر المصرفي من لدن غالبية السويسريين، يضيف روث: "بالتأكيد، حماية الخصوصية الفردية مسألة مهمة جدا، وهي المرتكز الأساسي للنظام القانوني السويسري. فهذا المبدأ لا ينحصر فقط في المجال المصرفي، بل هو يتعداه إلى المجال الطبي، وإلى الحريات العامة، ولهذه الأسباب كلها، لابد من التمسّك به".

الانقسام السويسري: وتنقسم النخب السويسرية على نفسها أكثر من أي وقت مضى حول مستقبل السرية المصرفية، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أنه لا خيار أمام سويسرا سوى إلغاء هذا التقليد لضمان الشفافية في الساحة المالية السويسرية، ترى فئة أخرى أن السر المصرفي ضروري لحماية المعطيات الشخصية، وللمصلحة الوطنية. بين هذا وذاك تبحث الحكومة السويسرية عن حلول تصفها المعارضة "بالهروب إلى الأمام، وافتقادها للجدوى".

معظم السويسريين يؤيدون الإبقاء على السرية المصرفية في الوقت الذي يحتدم فيه الجدل في صفوف الطبقة السياسية حول مستقبل السر المصرفي، أفاد استطلاع للرأي نُشرت نتائجه يوم الاحد 14 فبراير 2010 في أسبوعيتين أن 62% من السويسريين يرفضون إلغاء العمل بمبدأ السرية المصرفية على الرغم من الإنتقادات والضغوط الخارجية. كتبت أسبوعية "لوماتان دو ديمانش" التي نُشرت فيها نتائج استطلاع شمل 602 شخصا "إن السويسريين ليسوا على استعداد للتخلي عن السرية المصرفية"، مشيرة إلى أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والرابعة والثلاثين هم الأكثر اعتراضا على إلغائها. لكن السويسريين يرون أنه ينبغي أن يستمر قانون العقوبات في بلادهم في حماية زبائن أي مصرف عبر منع المصارف والمؤسسات المالية السويسرية من نقل أي معلومة تخص زبائنها إلى طرف ثالث. وأشار الاستطلاع أيضا إلى أن 55% من المستجوَبين يعارضون التبادل التلقائي (أو الآلي) للمعلومات المصرفية، وهو إجراء يقضي بكشف معلومات كل مكلف أجنبي يملك حسابا مصرفيا في سويسرا، أمام مصلحة الضرائب في بلاده. والملفت أن هذا الإجراء المثير للجدل والذي يُفرغ – عمليا - السرية المصرفية من مضمونها، يحظى مع ذلك بدعم 42% من الذين شملهم الاستطلاع.

 swissinfo.ch انقضى عصر السر المصرفي! *ماشا مادورين تتعرض سويسرا لحملة ضغوط مستمرة ومتصاعدة بسبب حسابات بنكية سرية لمتحايلين أجانب على نظم الضرائب في بلدانهم. وتحاول عدة دول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وفرنسا وألمانيا بذل كل ما في وسعها من أجل القضاء نهائيا على السرية المصرفية السويسرية. وبالفعل بدأت هذه الأسطورة تشهد انهيارا تدريجيا. لقد بدا لي منذ عشر سنوات بأن السرية المصرفية السويسرية لن تستطيع الإستمرار في الصمود". فقد سبق أن تمت مناقشة كل هذه التصورات المتعلقة بالمساعدة القانونية أو المساعدة الإدارية ، أو مسالة المنافسة الضريبية عبر قانون الشركات القابضة في سويسرا، في نهاية التسعينات من القرن الماضي من قبل منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية.

كما أن مشكلة التهرب الضريبي عبر المصارف السويسرية كان مطروحا للنقاش في ذلك الوقت في الولايات المتحدة، لكن انتخاب الجمهوري جورج بوش في منصب رئاسة الولايات المتحدة أدى إلى تعطيل البت والحسم في الموضوع مؤقتا. صناديق الدولة فارغة... لكن مع انتخاب الديمقراطي باراك أوباما، أصبح واضحا بالنسبة لي أن موضوع التهرب الضريبي سيصبح ساخنا". وبالفعل، تفاقمت الضغوط المسلطة على سويسرا بل شملت المفاوضات الجارية حاليا بخصوص القضايا الضريبية مع دول الإتحاد الأوروبي. ان من الأسباب التي تدفع الى ممارسة مزيد من الضغوط على سويسرا، "تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية التي كلفت الدول أموالا باهظة". لقد أجبرت الدول على جبي المزيد من الضرائب لملء صناديقها من جديد. ومن هذا المنطلق أصبحت عملية التهرب الضريبي من القضايا الهامة. فسويسرا كانت ستعرف هذه المواجهة حتى ولو لم تحدث الأزمة، ولكن ليس بهذه الحدة. " تحتاج الدول إلى مزيد من المداخيل الضريبية لملء خزائنها الفارغة من جديد. ومن هذا المنطلق ستصبح مسألة التهرب الضريبي مهمة للغاية دول مجاورة غاضبة إذا ما استعرضنا تاريخ المفاوضات الثنائية المتعلقة بقضايا المساعدة القانونية والإتفاقات الضريبية، سنجد أن سويسرا منحت الولايات المتحدة حقوقا أكثر مما منحته للدول المجاورة لها". "فجنيف كانت دوما بالنسبة لفرنسا، وكانتون التيتشينو بالنسبة لإيطاليا، وزيورخ بالنسبة لألمانيا، بمثابة الساحات التي طورت فيها سويسرا خدمات مالية لتهريب رؤوس الأموال وللتهرب الضريبي. لذلك تُبدي هذه الدول المجاورة غضبها وهذا ما دفع اليوم إيطاليا وفرنسا والمانيا الى الرد، معتمدة في ذلك على التجارب المتراكمة منذ عقود والمتمثلة في تشدد سويسري في المفاوضات أكثر بكثير مما تمارسه مع الولايات المتحدة الأمريكية". ثقافة السرية يعتمد نظام السرية المصرفية على ثقافة عريقة تمتد لقرون والمتميزة بالإلتزام بالسرية في الصفقات التجارية التي تقوم بها البنوك الخاصة. ولم يتم ترسيخ ذلك رسميا في سويسرا إلا بعد دخول القانون الفدرالي للمصارف حيز التطبيق في عام 1935. فقد جلب العديد من الأغنياء الأجانب أموالهم أثناء الحرب العالمية الأولى إلى سويسرا نظرا لعدم توفر الإستقرار السياسي في البلدان الأخرى. وأثناء الأزمة الاقتصادية العالمية بدأت كل من ألمانيا وفرنسا في بذل مجهود كبير لمنع تهريب رؤوس الأموال، لكن البنوك السويسرية رفضت تسليمهم المعلومات المطلوبة. وهذا ما دفع في عام 1932 إلى إلقاء القبض في باريس على مدير بنك من بازل كان يحمل معه قائمة بأسماء الزبائن. وهو ما أثار فضيحة في فرنسا، كشفت وجود عدد من المُودعين الفرنسيين لمبالغ مالية ضخمة في البنوك السويسرية. ان "الهدف من قانون البنوك لعام 1935، يتمثل في لجم لسان موظفي البنوك عن الحديث بكثرة عن أسرار المهنة"، أما التعليل الثاني لاستصدار هذا القانون، فيتمثل في تمكين الأحزاب البورجوازية من أداة تسمح بمنع حزب إشتراكي يمكنه الوصول الى الحكومة من الإطلاع على الكثير من التفاصيل الخاصة بالنشاطات المصرفية. وتذكّر السيد مادورين بأنه في عهد جمهورية فايمار (في ألمانيا) تم نقل الكثير من رؤوس الأموال الى سويسرا وهذا لإحباط مشروع دولة فايمار آنذاك. "وكانت سويسرا دوما، وهذا حتى أثناء ثورة اكتوبر (في روسيا) مركزا للصفقات المالية السرية مع البنوك - إلى حد أن السرية المصرفية تحولت إلى عنصر تقليدي في تلك النشاطات". دفن الرؤوس في الرمال لكن هذه السرية المصرفية كانت دوما عرضة للهجمات. فقد أطلق تحالف لتيارات يسارية بعد فضيحة مصرف كريدي سويس في عام 1977 في كياسو (جنوب سويسرا)، مبادرة تهدف لرفع السرية البنكية. ولكن هذه المبادرة رفضت في تصويت عام 1984 بأغلبية 73%. كما أدى توافد أموال الحكام الدكتاتوريين على سويسرا من أمثال دوفاليي (هايتي)، وماركوس (الفلبين)، وأباشا (نيجيريا)، فيما بعد بالحكومة الفدرالية إلى التحرك تحت الضغط الدولي من أجل اتخاذ إجراءات طارئة لاحتجاز تلك الأموال في انتظار إصدار قوانين جديدة. بالمناسبة أن "كبريات البنوك السويسرية تعرضت من جديد للهجمات المكثفة بسبب الأموال المُودعة لديها أثناء محرقة اليهود. ونظرا لكونها كانت بنوك أقطاب نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا في نفس الوقت، تم انتقادها في الولايات المتحدة الأمريكية على عدم تقديم تعويضات لضحايا (نظام) التمييز العنصري". وقد أبدى ستيوارت إيزنشتات، الذي عينته إدارة بيل كلينتن لقيادة المفاوضات مع البنوك السويسرية الكبرى في قضية الودائع المنسية لضحايا الهولوكوست، استغرابا كبيرا لإعلان سويسرا آنذاك بأنها غير مؤهلة للنظر في ذلك، ونرى بأن "سويسرا تصرفت بنفس الطريقة في الصفقات الحيوية المهمة بالنسبة لنظام التمييز العنصري". إن الحكومة السويسرية مارست طوال 50 عاما سياسة دفن الرأس في الرمال، وتصرفت تصرفات نيوليبرالية في مجال السياسة الإقتصادية الخارجية. وما يتم اكتشافه اليوم تدريجيا، هو أن القوانين السويسرية لم تعد متطابقة مع العالم ولم تعد قادرة على تقنين ما يجب تقنينه. " للحكومة السويسرية تجربة في إخفاء الرأس في الرمال تعود لأكثر من 50 عاما " ضغوط كبرى لقد أصبحت كل دولة اليوم مستعدة اليوم لإستخدام كافة الوسائل المتاحة من أجل ممارسة الضغوط على سويسرا. ففي قضية سرقة معلومات بنكية، مثلما هو الحال اليوم مع ألمانيا، "هناك بالطبع مشكلة مخالفة ذلك للقانون بل إن مارك بيت، الخبير القانوني الشهير تحدث في تصريح لسويس إنفو عن القضية المثارة مع ألمانيا باعتبارها "اعتداء دولة على دولة أخرى" ولم يتردد في وصفها "اعتداء على السيادة السويسرية".

 ان المانيا أثارت من ناحيتها منذ مدة موضوع مخالفة القانون في خلاف سويسرا معها، وخاصة "فيما يتعلق بالطريقة التي تحمي بها سويسرا الأشخاص المتهربين من الضرائب في ألمانيا، وهذا يعتبر تحايلا غير أن السويسريين لا يرغبون في النظر إليه كذلك". وإذا ما أقدمت سويسرا - تحت زيادة الضغوط - على التهديد بالتراجع عن إبرام اتفاقية لمنع الإزدواج الضريبي (مع ألمانيا)، ولو كان ذلك فقط من باب ممارسة الضغوط المعاكسة، فإن ذلك يعتبر "خطيرا من الناحية السياسية" لأنه "قد يسهم في عزل سويسرا أكثر في مواجهة الاتحاد الأوروبي".

جهل بالواقع تنتهي السيدة الى خلاصة مفادها أن "كل الذين يرغبون في مواصلة محاولة إنقاذ السرية البنكية بأي شكل من الأشكال، ويعتقدون بأن لسويسرا مكانة تفاوضية قوية على الساحة الدولية، يمكن القول أنهم يعانون من عدم القدرة على إدراك الواقع، لأننا في حاجة الى قوانين جديدة لمساعدة قانونية في قضايا التهرب الضريبي لعملاء البنوك الأجانب". ولن يفيد في شيء القول اليوم بان مصرف يو بي إيس "هو الذي جلب لنا كل هذا بالطبع لقد تصرف البنك بطريقة إجرامية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن على الحكومة السويسرية أن تصدر قوانين جديدة ، لأن ذلك هو السبيل الوحيد القادر على التخفيف من الضغوط الممارسة على بلدنا" (خبيرة اقتصادية سويسرية).

خط أحمر

منذ ان أفصحت السلطات السويسرية عن توجهاتها الجديدة للحد من السرية المصرفية المطلقة ،لعدة عوامل أهمها الضغوط الدولية التي تواجهها لكشف بيانات وحسابات بعض العملاء لأهداف إقتصادية اقترنت بالسياسة ومكافحة الإرهاب ،وكما يعلم الجميع فسويسرا عاصمة العالم المصرفية و""خزينته" و"مخبئ" أموال أثرياءه. كما ان الإعلان بان عهد السرية المصرفية قد انتهى مما مهد الطريق أمام إمكانية الكشف عن حسابات وبيانات ملايين العملاء لأغراض متابعة متهربي الضرائب كما أبدت تضررها في ذلك من أوروبا وأمريكا وغيرها من دول العالم. ولإدراكنا الكبير بأهمية الموضوع وإثراءه ونظرا لحساسيته الكبيرة حاولنا طرح الموضوع على المختصين في البنوك اليمنية والخبراء الدوليين ايمانا منا بضرورة تناول الموضوع من جميع جوانبه ،سواء تلك المتعلقة بجذب الاستثمارات ومنع هجرة رؤوس الأموال او علاقته بعمليات غسيل الأموال والتهرب الضريبي ، لكننا فوجئنا بتحسس الجهات التي ذهبنا اليها من الموضوع ،بل ان بعضها رفضت مجرد الحديث عن مفهوم سرية العمل المصرفي. تلك المواقف التي لم نكن نتوقعها لم تثننا او تحط من عزيمتنا في السير قدما في البحث في أغوار الموضوع ، وحاولنا الاقتراب من الجهة الموكل اليها الرقابة على البنوك اليمنية-البنك المركزي اليمني-لكن محافظه "السماوي " لم يستجب لذلك ،وعلى مضض استطعنا إقناع الوكيل المساعد لقطاع الرقابة على البنوك نبيل المنتصر في الحديث حول مفهوم السرية المصرفية من منظور اقتصادي،مشترطا عدم ربط حديثه او اعتباره موقف رسمي من البنك، بعكس الخبراء الدوليين الذين التقتهم مجلة "إقتصاد وأسواق" والذين ابدوا شفافية ومرونة كبيرة في مناقشة سرية العمل المصرفي من مختلف جوانبه .

 القضاء المخول : وقبل ان نستعرض أراء الخبراء والأكاديميين المحليين والدوليين ووجهات نظرهم تجاه سرية العمل المصرفي ومستقبلها في ظل الأوضاع الراهنة التي يشهدها العالم من أزمات مالية ومحاربة الإرهاب وغيرها ، سنبدأ بعرض وجهة نظر نبيل المنتصر وكيل البنك المركزي اليمني الذي شدد على ضرورة إيجاد حالة من التوازن في السرية المصرفية ، بحيث تضمن حماية سرية بيانات العميل ولايسمح إلا للجهات الرقابية والمخولة قانونا للاطلاع عليها وفقا لصلاحياتها وبما يعزز ثقة المودعين في التعامل مع البنوك وضمان سرية حساباتهم وعدم إفشاء أي معلومات إلا للجهات الرسمية القضائية وأيضا في حالات الاشتباه بحالات غسيل أموال او تمويل إرهاب، وهنا لابد من الالتزام بالقانون المنظم لهذا العمل الذي يجيز للقضاء الاطلاع على بيانات العملاء، كما ان القانون ايضا يحظر خصم أي مبلغ من حسابات العميل إلا بحكم قضائي . واعتقد أن السرية المصرفية ضرورة لحفظ خصوصيات العميل وحماية للمودع من عدم كشف أسراره إلا وفق ضوابط معينة والتي من شأنها منع استغلال العمل المصرفي في القيام بأي عمليات غسيل أموال أو تمويل إرهاب أو تهرب ضريبي.

العمل تحت الشمس : ويرى الدكتور عبد الباري مشعل مدير عام شركة رقابة للاستشارات البريطانية – عضو هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية في الإسلامية في البحرين، أن سرية العمل المصرفي أمر مطلوب من الناحية الفنية وتعد من أساسيات العمل المصرفي.

مؤكدا ان غياب السرية يؤثر على اجتذاب الودائع سواء الجارية أو الودائع الأخرى, ولذلك فالبنوك المركزية تراعي هذا الأمر في تعليماتها وإرشاداتها والبنوك بنفسها أحرص على ذلك من دون مطلبات إشرافية. ويضيف الدكتور مشعل " لكن واقع الحال يبين ان هناك معارضة بين الالتزام بالسرية المصرفية وبين كشف الحسابات للجهات ذات العلاقة للتأكد من عدم وجود عمليات غسل أموال أو عمليات تمويل إرهاب، ومن هذا المنطلق على المجتمع أن يعمل تحت الشمس وعلى البنوك أن تعمل تحت الشمس وكشف هذه الحسابات لمصلحة المجتمع لجهات تلتزم أيضاً بالسرية".

 واستنتج الدكتور مشعل معادلة بسيطة تقول ان " الجهات المهتمة بالجانب الأمني مهتمة بالتسويق المصرفي والحفاظ على السرية، والمجتمع المهتم بالأمن الفكري والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي له مصلحة في ذلك". مؤكدا عدم وجود اي تناقض بين السرية المصرفية المطلوبة وبين كشف الحسابات لجهات ذات علاقة لحماية المجتمع نفسه. وحول علاقة السرية المصرفية بالتهرب او التحايل الضريبي قال مشعل "نحن لا نشجع التهرب الضريبي ولانؤيد ممارسات رجال الأعمال في التهرب الضريبي،لأن الضريبة حقاً للدولة لتمويل احتياجات المجتمع, فإذا لم يكن للدولة موارد كافية ذاتية فيجوز لها شرعاً أن تفرض الضرائب على المجتمع من أجل أن تمول احتياجات المجتمع بشرط أن يكون هناك استغلال كفء لهذه الضريبة والسيولة المتاحة للحكومة حتى تبرئ ذمم الحكومة أمام الله تعالى في التصرف بالأموال المتجمعة من جمهور المجتمع".

وأكد مدير عام شركة رقابة البريطانية أن أغراض الكشف عن التهرب الضريبي هي أغراض مشروعة ولاتتعارض مع السرية المصرفية الموجودة لأنها ايضاً لحماية المجتمع. وحول التوجهات الاقتصادية العالمية التي تدعي ان عهد السرية المصرفية قد انتهى ، يؤكد الدكتور مشعل ان عهد السرية المصرفية انتهى بمنظور تلك السرية التي يمكن أن تمول الإرهاب, ويكمن ان تؤدي إلى حدوث عمليات غسيل الأموال أو التهرب الضريبي، انتهى ذلك العهد لأن المجتمع الدولي أدرك خطورة السرية المصرفية التي لايمكن تكشف عن تلك العمليات،ولذلك فان كشف مثل تلك العمليات لأغراض حماية للمجتمعات لا يتناقض مع السرية المصرفية ، ولكن يجب أن تكون هناك سرية أمام المنافس و أمام النظراء من المجتمع ،وأما أن يتم كشف هذه الأمور من أجل حمايته وحماية المجتمع بالدرجة الأولى فلابأس به لأن ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب.

 لكن الدكتور مشعل عاد وناشد الحكومات على العمل مع المجتمع الدولي للتركيز على الجانب الإيجابي للسرية المصرفية أن لا تستغل للكشف عن السيولة لمحاربة الأنشطة المسموح بها والمتمثلة في دعم الجانب الخيري واحتياجات أمتنا الإسلامية وتفرق بين ما يريده بعض المتنفذين في المجتمع الدولي من تحوير كل عمل إسلامي صالح إلى الإرهاب وبين مكافحة الإرهاب الحقيقي ،وعليها ان تعي هذه المعادلة.

سرية بشفافية : اما الخبير المتخصص في المصارف الإسلامية في الأردن الدكتور عامر طوقان ، فيعتبر ان أهم صفة يتميز بها العمل المصرفي في العالم هي السرية المصرفية لأن عدم وجودها, أي سرية العميل وودائعه ومعاملاته المصرفية يعني فقدان أهم جوهر في العمل المصرفي ، واي عمل مصرفي لا يتمتع بسرية عملائه هو عمل مصرفي فاشل،واستشهد بمصارف وبنوك سويسرا التي وصفها بالأشهر في العالم لأن لديها معدل عالي من السرية والمحافظة على سرية عملائها وأصبحت تطرح خدمة الحسابات السرية الخاصة (الرقمية) لدرجة أن صاحب الحساب قد يموت وعائلته لاتعلم شيئاً عن حساباته.

ويرجح طوقان أن البنوك اليمنية ربما تتمتع بنسبة عالية من السرية - بحكم عمله خلال السنوات الماضية في العديد منها- ، لكن ماتزال دون مستوى الطموح والإنسان يطمح بأن توجد معدلات أعلى من تداول السرية فيها ،وربما يرجع هذا للثقافة المجتمعية التي تتحكم أحياناً في هذا الموضوع وفي اليمن يمكن أن يتم تداول كل الأسرار في المقايل وجلسات "القات" وقد يعلمون أو لايعلمون ومنهم المصرفيين قد يفشون أسراراً دون أن يعلموا لكن الأمور ما تزال تحتاج إلى تطوير الثقافة وتأهيل موظفي المصارف ليكونوا أكثر سرية وأكثر حرصاً. وشدد الخبير الأردني على ضرورة عدم الخلط بين سرية حسابات العميل والشفافية في طرح أعمال البنوك، فالسرية مطلوبة 100% لكن يجب أن تتمتع البنوك بشفافية في نشر ما عندها من معلومات سواء كانت قوائم مالية أو تقارير سنوية.

توجه نحو الحوكمة: بدوره يعتبر الدكتور/ داود الحدابي مستشار نادي رجال الأعمال ان الشفافية والإفصاح يعد مبدأ أساسي في كل الشركات لاسيما البنوك بشقيها التقليدية والإسلامية، بحكم ان التوجه الحالي نحو حوكمة الشركات والمصارف الإسلامية. و يرى الدكتور الحدابي ان للسرية المصرفية مشاكل كثيرة ،في حين ان الشفافية والإفصاح هي من يضمن عدم وجود اختلاسات,و عدم وجود فساد مالي وإداري, وعدم حدوث أي تهرب ضريبي اوخلل في البنية المصرفية، وإذا كان هناك شفافية فستسهل من عملية الرقابة لان الشفافية والإفصاح عامل أساسي للمساعدة في تنمية المجتمع والتهرب من ذلك يعد خللا في البنية المصرفية.

 من أين لك هذا : لكن الدكتور حاتم غومه خبير تمويل في البنك الإسلامي للتنمية في جده اكد ان مسألة السرية أمر هام جداً لنجاح البنوك.. معللا هجرة رؤوس الأموال الإسلامية والعربية إلى سويسرا لأنهم وجدوا السرية التي لم توجد في بلدانهم, ولهذا فالسرية المصرفية مطلوبة للنجاح ولكن يجب أن تكون منظمة ولا تغطي على بعض التجاوزات القانونية أو الشرعية, وبكل تأكيد فسرية العمل المصرفي تعمل على جذب رؤوس الأموال ،وكما نعلم أن رؤوس الأموال هي المحرك الرئيسي للتنمية في أي بلد، ولهذا فان جميع الدول الإسلامية مطالبة بهذه السرية, لكن مع احترام القوانين فمن حق العميل أن لا يعلم أحد بأن لديه أي مبلغ, وبطبيعة الحال مع احترام القانون الذي يمكن له أن يسأله من أين له تلك الأموال. وأضاف غومة" ما أريد أن أؤكد عليه هو أن السرية المصرفية مطلوبة ومهمة جداً للتطور والنمو وجذب رؤوس الأموال, ولكن لاننسي أنه يجب أن تحترم القوانين وتبتعد عن المشاكل والشبهات من غسيل أموال وغير ذلك. وفيما يتعلق بمستقبل الأموال المهاجرة الى بنوك سويسرا،خاصة بعد توجه سويسرا للتخفيف من حدة السرية توقع أن تعود بعض رؤوس الأموال المهاجرة غير الشرعية وغير القانونية, لكن الأموال القانونية ليس لديها أي مشكلة في البقاء في سويسرا أو أي بلد أخر والذي يضمن الحفاظ على السرية. وأما نحن في الدول الإسلامية ما تزال تنقصنا السرية المصرفية بعض الشيء.

 هناك فرق : اما مدير بنك 14 اكتوبر احد فروع بنك التسليف التعاوني الزراعي"كاك بنك" عقيل النمر فيؤكد السرية في العمل المصرفي مطلوبة فإذا انعدمت السرية في هذا الجانب سينعكس سلباً على العملية الاستثمارية والاستثمارات الوافدة الى البلد، وكذا على عملاء البنك في الداخل.

واضاف النمر "شخصيا اعتبر السرية من أساسيات العمل المصرفي, ولا اعتقد أن هناك عمل مصرفي بدون سرية, فمعظم العملاء إذا لم يكن جميعهم يحبذون أن تكون أرقام حساباتهم سرية ولا أحد يطلع عليها أو يكشفها سواء لأعمال تجارية أو لأغراض شخصية وهذا من حقهم, ونحن في اليمن لم نصل بعد إلى مرحلة السرية المطلقة كما في بعض البنوك بالخارج التي خصصت صناديق لحفظ أسرار وأوراق وبيانات العملاء، وعموما يجب على البنك أن يحافظ على سرية العميل سواء طلب منه ذلك أو لم يطلب".

معتقدا ان هناك فرق بين غسيل الأموال وحفظ سرية بيانات العميل, فهناك إدارة للرقابة تعمم بقوائم المشتبهين بالقيام بعمليات غسيل أو تمويل إرهاب أو غيرها, كما أن هناك جهة رقابية تتمثل في البنك المركزي والتي تعمم بأسماء العملاء المتعاملين بهذه العمليات, كما أن عمليات غسيل الأموال تكون مفضوحة ولايوجد ربط إطلاقاً بين السرية المصرفية وسرية حسابات العملاء وعمليات غسيل الأموال. أما فيما يتعلق بكشف الحسابات والبيانات لمنع التهرب الضريبي فلايوجد أي مانع شريطة أن يكون وفق شروط قانونية وبموجب مذكرة من الجهة المخولة بتحصيل الضرائب ويمكن أن يكون هذا بحضور العميل نفسه.

ايجابيات وسلبيات : أما الدكتور صلاح ياسين المقطري أستاذ الاقتصاد والتمويل المساعد بجامعة صنعاء، فيعرف السرية المصرفية " Banking secrecy" بانها قواعد تلزم المصارف بحفظ أسرار العملاء والمعلومات المتعلقة بهم وعملياتهم المصرفية باعتبار ان المصرف مؤتمنا عليها .

 مشيرا الى ان علاقة المصارف مع العملاء تقوم بناء على ثقة وكتمان المصارف لأسرارهم. ووافق الدكتور المقطري على ان السرية تعد احد اهم مقومات العمل المصرفي والتي تزرع الثقة والطمأنينة لدى أصحاب رؤوس الأموال بسرية أعمالهم المصرفية وكافة المعلومات المتصلة بثرواتهم ،وبالتالي فان هذه القواعد توفر الغطاء القانوني الملائم لمنع هروب رأس المال الوطني الى خارج البلاد وتشجع المدخرات الوطنية خاصة لدى تلك الدول التي لاتمتلك موارد طبيعية كبيرة ، هذا من جهة ، وتعمل على جذب واستقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات الاجنبية في المشاريع الوطنية ، خاصة تلك التي لاتتمتع بلدانها بهذه الميزة من جهة اخرى. مؤكدا ان سرية العمل المصرفي تنعكس ايجابا على نمو العمل المصرفي وبالتالي على تعبئة الموارد وتوظيفها وتحقيق نمو اقتصادي. وقال المقطري" على الرغم من عدم صدور قانون خاص بالسرية المصرفية في اليمن ، الا أن هناك مواد وفقرات في قانون البنك المركزي ، وقانون مكافحة غسيل الأموال حددت بشكل غير مباشر حدود اختراق المعلومات وسرية البيانات وكذلك الحالات التي يحق لوحدة جمع المعلومات طلب تلك المعلومات الخاصة بالعملاء وتبادلها. واستشهد بالعديد من النصوص القانونية ومنها ما جاء في المادة رقم (45) من قانون البنك المركزي الفقرة (أ) التي تنص "على ان كل بنك ومؤسسة مالية ان تقدم للبنك في الوقت وبالطريقة التي يحددها أية معلومات او كشوفات يطلبها لتأدية مهامه واختصاصاته" ، والفقرة (ب) تقول "للبنك ان ينشر صورة كاملة أو جزئية في الأوقات التي يقررها المعلومات المقدمة بموجب الفقرة (أ) من هذه المادة ولاتنشر اية معلومات تكشف عن الأصول المالية لاي بنك أو مؤسسة مالية الا اذا حصل البنك على موافقتها الكتابية مقدما"، كما اخضع عدم التزام المصارف او المؤسسات المالية للعقوبات في المادة (46) الفقرة (2) في حال مخالفة الفقرة (أ) في المادة (45) . لكن أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء عاد ليؤكد ان للسرية المصرفية سلبيات ، خاصة انها تعد أهم العوامل المساعدة والتي توفر المناخ الملائم لعملية غسل الأموال والتي يتم خلالها خلط أموال شرعية بغير شرعية ، بالإضافة إلى العوامل المساعدة الأخرى مثل : التجارة الحرة ، تطور وسائل الاتصالات والتسهيلات الضريبية وتدفق الأموال بحرية ، وتسهيلات الإقامة ...)، وما يرتبط بذلك من أنشطة تعود سلبا على الاقتصاد والمجتمع وتتمثل في الاتجار بالمخدرات والرشوة والاحتيال في القطاع الخاص والعام والفساد الإداري والعمولات التي يحصل عليها المسؤولون في أجهزة الدولة وتهريب الأموال العامة وتجارة السلاح والتهرب الضريبي. فتعمل على تبذير أموال المجتمع وما ينجم عنه من تحويلات مالية كبيرة خاصة في الدول سهلة الاختراق التي تتمتع بسرية مصرفية كبيرة والتي تولد ضعف الثقة في الاقتصاد الوطني ، وتساعد على تفاقم القيم الفاسدة في المجتمع وتحمي الفئات الخارجة عن القانون، وتؤثر سلبا على أسواق المال ومستويات سعر الصرف لقدرتهم في التأثير عليها ، وكذلك تعمل على تشويه وتوزيع الثروة بطريقة غير عادلة.

ودلل الدكتور صلاح المقطري على مخاطر وسلبيات غسيل الأموال والناتجة عن السرية المصرية بالخطوات التي اتخذتها مجموعة العمل الدولية لمكافحة غسل الأموال قبل نحو 30 عاما وتحديدا عندما أصدرت 40 توصية عام 1989 متعلقة بهذا الجانب وألحقتها بثمان اخرى ، واهم ما جاء في تلك التوصيات : تجريم عمليات غسل الأموال والتأكيد على مسئولية المؤسسات المالية والمصرفية في التعرف على عملائها والاحتفاظ بالسجلات اللازمة ، كما تم التأكيد على مسؤوليتها (المؤسسات المالية والمصرفية) في رفع تقارير بالعمليات المشبوهة الى السلطات المعنية. وبعدها أصدرت لجنة بازل بيانات وإرشادات ومبادىء أساسية متوائمة مع توصيات مجموعة العمل الدولية ، فمنعت استخدام القطاع المصرفي لأغراض غسل الأموال (1988) وإزالة القيود الخاصة بسرية الحسابات في العام (1995) ولتعزيز الإجراءات المصرفية للحيلولة دون استخدام المصارف كقنوات لأغراض غير مشروعة . وفيما يتعلق بنظرته إلى الوضع في اليمن ،يؤكد الدكتور المقطري ان قانون مكافحة غسل الأموال اليمني الذي صدر مطلع العام الجاري عمل بشكل كبير على الحد من السرية المصرفية ، والتي كانت محدودة أصلا ، فالقانون لم يجز الاحتجاج عن التحقيق او المحاكمة القضائية لمبدأ سرية الحسابات في جرائم غسل الأموال ومعاقبة المؤسسات المالية والمصرفية في حال عدم إبلاغها وحدة جمع المعلومات عن عمليات غسل الأموال. ونصت المادة (50) من قانون مكافحة غسل الأموال " لايجوز الاحتجاج بالسرية المالية والمصرفية في مواجهة وحدة المعلومات او السلطات. ، كما نصت المادة (32) " يجوز للوحدة ’وحدة جمع المعلومات’ من تلقاء نفسها او بناء على طلب وحدات مناظرة لها في الدول الاخرى حق تبادل المعلومات متى كانت ملتزمة بقواعد السرية وشرط المعاملة بالمثل على ان يتم موافاة اللجنة ’(اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب)’ بصور من تلك المعلومات ولايجوز ان تستخدم تلك المعلومات الا في الأغراض المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وبشرط الحصول على موافقة الجهات المقدمة لتلك المعلومات. كما الزم القانون المؤسسات المالية والبنوك من التعرف على هوية عملائها وتوثيق عملياتها المالية ، وهذا ما أوضحته المادة (7) والتي تنص " تلتزم المؤسسات المالية وغير المالية ببذل العناية الواجبة في التعرف على هوية العملاء والمستفيدين الحقيقيين من الأشخاص الطبيعيين او الاعتباريين والتحقق منها وأهمها:

 1-عند القيام بعملية لعميل عابر تزيد قيمتها عن الحد الذي تبينه اللائحة او عند القيام بتحويلات برقية محلية او دولية تزيد عن الحد الذي تبينه اللائحة.

 2-عند وجود شكوك حول دقة او صحة بيانات التعرف المسجلة سلفا.

3-وجود شبهة جريمة غسل أموال او تمويل إرهاب.

كما نصت المادتين الثامنة والتاسعة بان تلتزم المؤسسات المالية وغير المالية بتحديث البيانات والمعلومات والمستندات والخاصة بالحالات المنصوص عليها في المادة السابعة كما تلتزم بالمتابعة الدقيقة والمستمرة للعمليات التي يقوم بها العملاء بما في ذلك مصادر أموالهم عند اللزوم. ودعا المقطري الى إصدار قانون للسرية مصرفية ، يعمل على تحقيق التوازن بين المصلحة العليا للدولة والمصلحة الخاصة للمتعاملين مع المصارف ، بحيث يكفل الأساس القانوني لحماية امن المدخرين والمستثمرين من كشف حساباتهم و أسرار تجارتهم ، كما يضمن عدم استخدام مبدأ السرية لحسابات العملاء ويصبح شعارا لإخفاء عمليات مشبوهة. وخلاصة القول ، فان للسرية المصرفية تأثيرين متضادين ايجابي وسلبي ويجب ان تكون لها حدودها بحيث لاتكون مشبوهة لانه اذا تجاوزت هذه السرية مصالح الناس والمجتمع فيجب تشريع قانون بذلك بشرط ان يتم اختراق السرية ويتجاوزها فيفقد العملاء والمستثمرين ثقتهم بالعمل المصرفي.

*نقلا عن مجلة إقتصاد واسواق - اليمن العدد 82 شهر ابريل2010

عدد القراءات : 8879
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
ازهار
خسرت اموالي و ضاعت احلامي وحسب الله و نعم الوكيل