احدث الاخبار

الجمعيات الخيرية وانعدام المراقبة القانونية

الجمعيات الخيرية وانعدام المراقبة القانونية
اخبار السعيدة - بقلم - د/بيدر الحسن         التاريخ : 03-03-2014
عمل الخير من الأبواب التي حثت عليها الأديان السماوية والأعراف الإنسانية العريقة، ولقد كان لديننا الإسلامي القدح المعلى في هذا السبيل، بل إن الله سبحانه وتعالى حصر الخيرية في ثلاثة أمور كان من ضمنها فعل الخير ومساعدة الأخرين، قال الله سبحانه وتعالى " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس".
 
فقد رتب الله سبحانه وتعالى الخيرية في هذا المنظور الإنساني الرائع الحاني على الفقير والمسكين والمحتاج واليتيم، وبقدر ترتيبيه الخيرية في هذا السبيل بقدر ما مقت المتسلقين على هذه الأصناف للوصول إلى مآربهم الخاصة، قال سبحانه وتعالى في المقابل " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا".
 
فبقدر ما أعطى من الأجر والمثوبة لمن يتصدر لفعل الخير بماله وجهده وسعية، بقدر ما عاقب وذم وعاتب الذين ساقتهم أطماعهم وجشعهم للتعدي على حقوق الضعفاء والأيتام والمساكين، ومن هذا المنطلق الذي حرص عليه الإسلام في تقديم أروع الأمثلة في التكافل الاجتماعي الإنساني بين أفراد المجتمع، ننطلق أيضا إلى المحافظة عليه من خلال المراقبة لمن يتقدم في عمل الخير بشكل مؤسسي.
 
ولقد سعت كثير من الجمعيات الخيرية إلى هذه الأعمال من خلال مؤسساتها الخيرية والتي يتم من خلالها التسويق للمشاريع الخيرية لدى التجار والميسورين من أهل الخير، وتقديم لهم البيانات اللازمة سواء كان ذلك في مجال كفالة الأيتام أو مساعدة المعوزين أو بناء المساجد أو غير ذلك من أبوب الخير التي نحبها جميعا.
 
لكن ومع هذا الزخم الكبير للجمعيات الخيرية في الوطن العربي والإسلامي، على اختلاف توجهاتها الأيدلوجية والفكرية، فإنه يجدر بنا أن نناقش في المقال مجموعة من القضايا التي تتعلق بالعمل الخيري المؤسسي والتي تضطلع به هذه الجمعيات الخيرية.
 
القضية الأولى: الجمعيات الخيرية تسوق لمشاريعها لدى الموسرين دون النظر في خلفيتهم الأيدلوجية أو الفكرية، وتأخذ منهم الأموال بناء على فعل الخير على عمومه، فمن المفترض عند تنفيذ هذه المشاريع أن توصل المساعدات لكل من يستحقها بغض النظر عن جنسه أو لونه أو مذهبه أو فكره أو دينيه، لكون الإسلام أمرنا بالإحسان حتى إلى الحيوان، وقد دخلت أمرة الجنة في كلب سقته، ودخلت أخرى النار في قطة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
 
فما بالنا نرى بعضا من هذه الجمعيات تقتصر في مساعداتها على فئة معينة من الناس وهي التي توافقهم في الفكر والمنهج، ويضربون صفحا عن كل محتاج لا يكون تابعا لهم في المنهج والفكر، إضافة إلى إنفاق الأموال الطائلة في نشر مشروعاتهم الفكرية أوساط المجتمع.
 
إن هذه القضية تحتاج إلى وقفة جادة للتصحيح، لأن الأموال التي أخرجها أهل الخير لم يعينوا صنفا من الناس يحملون أفكارا ومذاهب معينة، وإنما أنفقوها لكل محتاج من المسلمين أو من غير المسلمين إن وجد، إلا إذا عين المتبرع شخوصا بأعيانهم دون غيرهم فهذا أمر مقبول ولا بأس به، ولكن المعروف أن أغلب المتبرعين بأموالهم من هم عامة المسلمين، والذين لا ينتمون إلى جماعة أو حزب أو طائفة، وعلى هذا فتبرعاتهم عامة لكل من يستحقها من المحتاجين والمعوزين بغض النظر عن انتمائه وميوله الفكري أو العقدي.
 
لكن بعضا من هذه الجمعيات تسخر الأموال في الإنفاق على المحتاجين من أتباعها دون غيرهم، إضافة إلى تسخير الجزء الأكبر من هذه الأموال في سبيل نشر مشروعات فكرية معينة في المجتمعات وكسب مزيدا من الاتباع.
 
القضية الثانية: أن بعضا ممن اضطلعوا بالأعمال المؤسسية الخيرية كانوا في بداية عهدهم من الناس البسطاء في مستواهم المادي، بل ربما كان بعضهم لا يملك مسكنا يعيش فيه مع أبنائه، وفي فترة وجيزة ظهر فيهم الغني، وتكاثرت أموالهم وبيوتهم وسيارتهم، وهذه ليست تهمة تطلق في الهواء المعكر في سماء الفقراء والمساكين والمحتاجين، والصافي في سماء العاملين عليها، وإنما هي حقيقة مشاهدة يلاحظها الأمي قبل المتعلم.
 
والاشكالية ليست هنا، الإشكالية الكبرى في عدم خضوع بعضا من هذه الجمعيات لأي نوع من المراقبة المالية والمتابعة القانونية المستمرة لكيفية دخول الأموال وكيفية صرفها، في حين أن مسؤولي هذه المؤسسات والجمعيات كانوا ولايزالون يطالبون الحكومات بالشفافية المالية والمساءلة القانونية من أجل حفظ أموال الدولة، وهذا أمر معلوم باليقين والمشاهدة لمن يقرأ أو يتابع، في حين أن بعضا من هذه المؤسسات الخيرية قد استشرى فيها الفساد بشكل غير مقبول لعدم وجود أي نوع من المراقبة أو المساءلة القانونية، وهذه هي الفاجعة التي تجعل الحليم حيران حينما ترى، البعض يدعي محاربة الفساد، والفساد مستشر في مؤسسته وجمعيته ولا يبادر إلى استئصال شأفته من محيطه، فهو كما قيل يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه، فكيف يمكن أن تصلح أمة إذا كان بعض من يعدون خواصا بين الناس بهذا القدر من عدم المسؤولية التي يحتمها الدين والخلق القيم والمبادئ الإنسانية.
 
القضية الثالثة: لا نشك أن أهل الخير والصلاح ممن كان لهم قدم السبق في نشر الخير بين الناس ومحاربة الفساد موجودون في الأمة وهم كثر، وهذه القضية الحساسة تعد من أبرز المسؤوليات التي يجب عليهم أن يعيروها اهتماما خاصا، كون الفساد المتعلق بها يستخدم فيه الدين والدعوة من أجل تحقيق أغراض أخرى فكرية أو مصالح شخصية لأناس معينين.
 
ولذلك يتوجب علينا جميعا العمل في تصحيح مسار كثير من الجمعيات الخيرية التي انحرفت عن مسارها المعلن عنه إعلاميا إلى مسارات أخرى غير مرضية، وذلك إما لأسباب فكرية فتركزت اهتماماتها في هذا الجانب، ومن ثم الانفاق عليه من أموال عامة أهل الخير من المسلمين التي أدوها من أجل سد رمق الجائع والفقير والمحتاج، فاستخدمت في بناء مشروعات فكرية تخدم الجماعة والقائمين عليها.
 
وإما لمجرد الطمع والجشع، فتصبح الجمعيات الخيرية أرض خصبة لنهب الأموال، بتحويل الجمعيات الخيرية إلى قناة تعبر من خلالها الأموال من أيادي المحسنين إلى جيوب الفاسدين والذين بدورهم تقمصوا ثياب أهل الصلاح، وربطوا عمائم أهل العلم، وطالت أيديهم إلى أموال غيرهم من الفقراء والأيتام والمساكين.
 
ولذلك فإنه يجب على المصلحين من هذه الأمة على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم وتخصصاتهم أن يسعوا جاهدين إلى العمل على مراقبة هذه الجمعيات، والتي ضربت بابا بين المحسنين من أهل الخير والفقراء ظاهره الرحمة بالمحتاجين والمعوزين وباطنه الفساد.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
عدد القراءات : 2482
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات