احدث الاخبار

لحوم العلماء مسمومة

لحوم العلماء مسمومة
اخبار السعيدة - بقلم - د . محمد عبدالله عايض الغبان         التاريخ : 11-06-2013
هذه العبارة متداولة بين طلاب العلم ويكثر تداولها عند نشوب الفتن ، وتسلط المفتونين على أهل العلم والوقوع في أعراضهم وانتقاص حرماتهم بمناسبة وبغير مناسبة ، وهذه العبارة منسوبة إلى الحافظ ابن عساكر رحمه الله ونصها "لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ..." وذلك لأنهم ورثة الأنبياء والموقعين عن الله عز وجل ، فتناولهم بالانتقاص والذم ينجر على الشريعة ؛ لأنهم حملتها والدعاة إليها ، وليس معنى هذا أن نسكت عن الخطأ ، أوأن نداهن فيه ، أو أن يقفل باب الرد والتحذير على من ثبت انتماؤه لأهل البدع والضلال ودعوته إليها ، فهؤلاء لهم شأن آخر ، وإنما المقصود بهم العلماء الذين عرفوا بالعلم والصلاح والاستقامة على منهج الحق ، ومن قرب منهم فيعامل بحسب قربه من هذا المنهج ، وليعامل غيرهم بما يقتضيه العدل والإنصاف ، مع التحذير من الشطط والمخالفات التي وقعوا فيها حفاظا على دوحة الشريعة من أن يقع فيها ما ليس منها ، أو أن يشتبه الحق بالباطل فيضل أناس بسبب ذلك ، وقد تداول الناس قصصا وروايات مصدقة لكلمة ابن عساكر هذه ، وسأذكر ثلاث قصص من هذا القبيل ثنتان منها وقفت عليهما بنفسي مباشرة ، والثالثة عرفت صاحبها , واشتهرت في أوساط الناس حينها.
 
القصة الأولى حدثت إبان حرب الخليج الثانية ، حيث انبرى أحد المتعثرين في الدراسة الجامعية للرد على بعض أهل العلم ممن كان لهم رأي في مسألة الحرب هذه ، وحفظ بعضا من نصوص أهل العلم في التحذير من البدع وأهلها، وأن كشف حالهم باب من أبواب الجهاد ، فأسقطها عليهم بكل جرأة ووقاحة ، وتصدر المجالس وهو غير مؤهل لذلك على الإطلاق ، ومما زاد غروره هذا أنه صادف هوى عارما حينذاك ، واستقبل استقبال العلماء في مجامع كثيرة ، ونودي بذلك ، وصدق نفسه أنه منهم ، وما هو منهم ، ولا يقرب من ذلك ، ولم يمر على هذا الحال زمن طويل حتى جاءت الأخبار بانحرافه وانغماسه في الموبقات والعياذ بالله ، وجرت بذلك الركبان ، واختفى صوته ، ورفع الله شأن من خاض في أعراضهم " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" .
 
القصة الثانية لأحد طلاب العلم الذين ظاهرهم الحرص على طلب العلم والتمسك بالسنة ، وكان هذا منه بعد انفلات وبعد عن الله حين التحق بإحدى الكليات الشرعية تاركا زمن الجهالة ، لكن بدايته كان فيها شيء من الشدة والغلظة على من يظن فيهم مخالفة للسنة وأهلها ، أو تهاون في تطبيق بعض الشعائر الظاهرة ، وزاد غلوه هذا حين ظل يستمع لبعض المعروفين بالغلو والتنطع ومناطحة الكبار وتتبع أخطائهم بصورة منكرة ، وكان على تواصل معي يستفتيني ، ويعرض علي ما يشكل عليه ، وأنا في نظره في عداد العلماء ، ولست كذلك ، وقد حذرته مرارا من مجالسة ذلك الغالي وبخاصة بعد أن بدر منه ما يستدعي ذلك ، وظهر أمره جليا في تتبع سقطات وزلات الكبار، بغرض إسقاطهم وتهوين شأنهم ، ولم يكن يجرؤ في الدفاع عن شيخه هذا صراحة إلا بعد أن احتُوِي إبان أزمة الخليج لقاسم مشترك بينه وبين من احتواه ، فلما انجلت الأزمة عاد كل منهم إلى صفه ، ولم يدم الوفاق بينهم طويلا ، فكان بمثابة زواج المتعة ، انتهى حيث انتهت المهمة ، في هذا الوقت بالذات ارتفع شأن هذا الغالي فأظهر هذا الطالب إعجابه به ، وانضمامه إلى ما يدعو إليه، وشارك من هو على شاكلته من أكلة لحوم أهل العلم والفضل ، وانتشرت بينهم مقاطعة وهجران من لم يوافقهم على آرائهم ويعتبرونهم مبتدعة ، يُحذّر منهم علانية وبكل صلافة وقوة ، بل الساكت من طلاب العلم نالهم أذاهم ، ولم تسلم أعراضهم منهم ، وحين احتدمت المعركة وكشر عن الأنياب قابلت هذا الطالب في أحد المطاعم فبادرته بالسلام ، فلم يرد فقلت لعله لم يراني ، ثم سلمت ثانية حتى تبينت أنه قصد تجاهلي والإعراض عني ، ومر على ذلك شهور حتى قابلت أخاه في المطعم نفسه ، فسألته عن أخيه فقال بالحرف الواحد ادع الله له حتى صلاة الجمعة لم يعد يصليها ، علما بأنه أصبح مدرسا للمواد الشرعية في المدارس الرسمية ، ولم أسمع عنه شيئا بعدها ، نعوذ بالله من الخذلان ،أسأل الله أن يكون قد عاد إليه ، واستقام على الدين ،وعلى منهج أهل السنة والجماعة منهج الصحابة والتابعين ومن سار على دربهم ، والله المستعان . 
القصة الثالثة لأحد طلاب العلم أيضا ،تعرفت عليه وأنا في مرحلة إعداد رسالة الدكتوراة ، وقد طلب أن يدرس عليّ بعض العلوم التي لم أتخصص فيها ، فاعتذرت له بانشغالي وبعدم تخصصي بما طلبه مني ، علما بأنه وأمثاله أحوج إلى ما هو أقل من هذا التخصص لكن النفخ وزرع الغرور في نفوس صغار الطلبة من بعض المتصدرين الذين يوهمون الناس بغير الحقيقة والواقع ، ويتخيلون أن مجرد قراءة كتاب في أي علم كاف في استيعابه والتخصص فيه ، ومن ثم يكيلون لصاحبه المدح والثناء والألقاب التي لا تصلح إلا لكبار أهل العلم ممن أفنوا أعمارهم في تحصيله والتنقيب عنه كالبخاري وابن المديني والإمام أحمد مثلا ، ظلت العلاقة بيني وبين هذا الرجل متماسكة ؛ لأني كنت أجيد التعامل مع هذا الصنف ، إلى أن حدثت فتنة وشغب في بلده ضد أحد المشايخ الذين أعرفهم بالعلم والصلاح والحرص على نشر الخير ، وقد عم خيره أبناء منطقته ، وأوذي في سبيل ذلك حتى من بعض من كان يدين له بالعلم والفضل، وفي خضم هذه الأحداث أبان لي عن سوأته ودون مقدمات ، وكأنه يرمي حملا أثقله ، وهو مجاملتي منذ أن تعرفت عليه ، أقبل عليّ ذات يوم بعد الصلاة قائلا هل تعرف بماذا أفتى فلان في موضوع سماه لي ، ولا أتذكره ، وهو من موارد الاجتهاد ، وأظن أن الصواب كان معه ، فأجبت بالاعتذار له كونه من أهل العلم ، ولا يلزم أن يتفق الناس على كل شيء ، وأسمعته بعض ما يقال في مثل هذه المناسبة ، فانفعل قائلا لا أعلم أحدا أجرم مثله ، فهدأته وألزمته بلوازم لا يستطع الفكاك منها ، فخفف كلامه قائلا أقصد من طلاب العلم ، فأعدت عليه الإلزام ، فقال أقصد في المدينة ، انصرفنا بهدوء ، لكنه لم يقاطعني كعادة أمثاله ؛ لأنه لا مصلحة له من مثل هذه المقاطعة بحكم علاقتي بمن حوله من طلاب العلم الذين يقدرون كلامي ، ويرجعون إلي فيما يشكل عليهم من مسائل ، وبعضهم درس عليّ شيئا من العلم ، هذا هو تقديري ، مرت الأيام والعلاقة بيننا عادية لكنها أضعف من السابق ، إلى أن حصل منه ما لم أكن أتوقعه ، وهو محاولته المتكررة لارتكاب جرم كبير في مكان معظم ، يتنزه عنه عوام الناس فضلا عن طلاب العلم أو المحسوبين عليهم ، وقفت على هذا الحدث بنفسي ، وقد أحس بأني عرفت القضية ، فأخذ يتخفى عني كل ما رآني بصورة مذلة وأنا لا أزيد على النظر الحاد إليه فتقع نظراتي كالسهام عليه ، ولم أعطه الأمان خلال هذه الفترة ، وحينما سمعت بهذه الجريمة تذكرت كلامه في الشيخ الفاضل وفجوره في خصومته وتلوت قول الحق سبحانه "إن الله يدافع عن الذين آمنوا " ومن لم يعتبر بمثل هذه الوقائع فما أظنه يعتبر بغيرها . 
عدد القراءات : 4479
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات