احدث الاخبار

مجلة (فتاة شمسان) .. أهمية الصحافة النسائية في تاريخ عدن الإعلامي

مجلة (فتاة شمسان) .. أهمية الصحافة النسائية في تاريخ عدن الإعلامي
اخبار السعيدة - عدن (اليمن) نجمي عبدالمجيد         التاريخ : 07-05-2013

 

مرحلة من الوعي الثقافي أدركته مدينة عدن في تلك الحقبة من التاريخ جعلت من حضورها العالمي يقف مع مستويات حواضر الأمم والشعوب التي جاورت تقدم المعارف، فكانت درجات وعيها المعرفي هي من ترسم معالم طريق نحو الآتي.
 
عندما صدر العدد الأول من مجلة (فتاة شمسان) النسائية بتاريخ 1 يناير 1960م كان المستوى التعليمي والثقافي عند العديد من نساء عدن، قد وصل إلى مرحلة من التعرف على الثقافة العربية والغربية وبالذات الانجليزية، إلى قيمة فكرية تجعل منهن صاحبات رأي وحوار وكتابة إبداعية وقراءات متنوعة ورغبة في الاتساع الثقافي نحو مساحات أبعد مما كانت تقف عنده حدود هذه المدينة العالمية.
 
لذلك كان لـ (فتاة شمسان) كمجلة نسائية في تاريخ عدن الثقافي والصحفي، أهمية كبرى لأنها تعطي لنا رؤية عن منزلة المرأة في فترة من عمر عدن كانت فيه صاحبة الريادة الأولى في اكثر من مجال على مستوى الجزيرة العربية ودول العالم الثالث، حيث لعب موقعها الجغرافي الدور الأكبر في ربطها مع حضارات وثقافات العالم وأوجد فيها خصائص لثقافة عصرية.
 
في العدد (1) من مجلة (فتاة شمسان) في باب (بأقلام الطالبات) نشر موضوع تحت عنوان (كيف تكونين مواطنة صالحة) يعبر عن درجة من الوعي والثقافة لنساء تلك المرحلة من تاريخ عدن، تقول كاتبة الموضوع: (إن المجتمع متكون من الأفراد والجماعات، ولبناء مجتمع صالح يجب على جميع هؤلاء التعاون لتحقيق هذا الهدف السامي.
 
يجب علي أن اساهم مساهمة فعالة في هذا الغرض لتدعيم كيان وطني المتأخر بكثير عن ثقافة الأمم الأخرى المتمدنة.
 
علي أن أبذل جهدي لنيل أكبر قسط من الثقافة العالمية الممكنة والموجودة في البلد وذلك كي أتأهل لخدمة وطني في أي مجال علمي، لأنه الطريق الوحيد لتربية الجيل الصالح المثقف المنتظر الذي بفضله سوف يرفع رأس بلده عالياً، أدبياً ومادياً، والطالبة الحاملة بيدها وفكرها سلاح العلم هي الأم التي يترقبها المجتمع لتصلح من شأنه وتحمل لبنات بلدها المجد والعزة والسمعة الطيبة، نعم إنها الأم الفاضلة بل المدرسة الأولى في تربية نشء صالح وجيل جديد إلى طريق المجد متوج باخلاق فاضلة وافكار تنير إدراكها، إنها هي التي تجعل من ابنائها وبناتها اناساً يفخر المجتمع باكتشافاتهم الفكرية والعملية والمادية والأدبية.
 
فمنهم المعلمة والمعلم اللذان يتخرج على أيديهما فوج غفير من الطالبات والطلبة الذين يختلفون في مزاولة اعمالهم في بناء مجتمعهم على وجه اصلح وأكمل.
 
ومنهم المهندس الذي يحول بلده إلى شبه جنة بزخرفة بساتينها وعظمة بناياتها التي تشبه إلى حد ما ناطحات السحاب وتشييد دور متاحفها الأثرية.
 
ومنهم الطبيب والطبيبة الذان يضحيان بحياتهما الغالية في سبيل وقاية البلد من انتشار العدوى الفتاكة التي تقضي على حياة المواطنين وتقعد كثيراً منهم عن مزاولة نشاطهم الاجتماعي، مما يؤدي إلى شلل الأيدي العاملة، وإنما اطباؤنا وطبيباتنا خرجوا إلى الحياة برسالة مقدسة جليلة ونحن إنما نسميهم بملائكة الرحمة.
 
ومنهم الموظف الذي يمسك كذلك بزمام إدارة بلده ويفيد في كثير من النواحي، فبدلاً من أن يديرها الاجنبي كان العدني وهو المواطن، أحق بها منه لأنه يحمل نفس ثقافته بل وأعلى منها.
 
كل هذا الانفجار التمدني في بلدي سوف يحدث في مدة وجيزة إن غذيت فكري بعلم أوسع وتمنطقت بالجد والاجتهاد، وبالشرف والسمعة الطيبة والاخلاق الفاضلة.
 
إن كل هؤلاء الذين ذكرتهم هم البناية الصحيحة لوطن متمدن وأساس هذا البناء هو أنت!
 
انت يا اختي الطالبة، التي تتمركزين على كل هؤلاء بصفتك ست بيت ممتازة تجيدين تربية ابنائك وتشجيعهم على مواصلة الكفاح في الحياة وما الحياة إلا جهاد وفي سبيل الوطن يهون كل غالٍ.
 
لابد أن اضحي يا أختاه ببعض من راحتي في اسعاد بلدي فهذا عمل جليل سوف يقف التاريخ يوماً يشيد بعظمتي ويعدد مزاياي الخالدة في تمدنه وبقفزته الرائعة إلى مصاف الدول العربية المتحضرة. وكما حدث أي اكتشاف في منفعته سيكون الفضل الأكبر لله عز وجل في تنمية عقل المستكشف الذي بفضلي أنا الأم المتعلمة التي كنت يوماً من الأيام طالبة ومواظبة ربيته على طرق صحيحة وسليمة ما شجعه على المضي في التفرج على زقاق الحياة باحثاً عن شيء، يقدمه لي ولوطنه).
 
وتهدف هذه الكلمات إلى تعزيز مكانة المعرفة في حياة المرأة العدنية بل في كيان المجتمع العدني، بل الاسراع نحو المجتمع المدني الذي تعد المعارف والقوانين ركائزه الأساسية، وهذا النوع من التفكير عند نساء عدن في تلك الفترة، يدل على تقدم مستوى الوعي عند المرأة التي كانت عدن بالنسبة لها مدينة تسعى إلى جعل العلم والتعليم من صفات هويتها الحضارية، وإعادة صياغة العقل على أسس عصرية ترتقي بحياة الأمة نحو مراحل من التطور.
 
والمرأة في هذه الرؤية هي جزء فاعل كأم وطالبة وعاملة في مختلف المجالات، وما الدعوة إلى تسلح المرأة بالعلم، إلا إرادة تهدف إلى جعل الدخول في حركة التاريخ عند مستوى قراءة الأحداث، وذلك درجة من الارتقاء الحضاري لا تدركه إلا أمة حددت لنفسها طرق التواصل مع العالم.
 
وكاتبة الموضوع تسعى بطرحها إلى استدعاء المستقبل من ترسيم ملامح اليوم، فإن نالت المرأة حقها من المعارف كطالبة، فإنها في الغد ستكون الأم التي تقدم لبلادها الجيل المتزن الذي يتعامل مع الأحداث بمنطق العقل والتروي لأنه أدرك أن كل خطوة نحو التغيير هي نقلة من حالة متأخرة إلى حالة متقدمة.
 
في العدد (3) من مجلة (فتاة شمسان) الصادر بتاريخ 1 مارس 1960م تكتب رئيسة التحرير السيدة ماهية نجيب افتتاحية العدد بعنوان (فتياتنا اليوم) وقد طرحت نظرتها حول مستوى تعلم المرأة في عدن قائلة: (الفتاة العدنية اليوم غيرها بالأمس فهي مثلاً تعيش في عصر اصبحت فيه العوامل الكثيرة لتنمية ثقافتها وازدياد مفاهيمها متوفرة .. فالتعليم أحسن من أمس والكتب المبسطة التي تتناول كافة العلوم متيسرة في المكتبات، والنوادي والجمعيات أصبحت تكون منتديات مفيدة للفتاة ولأول مرة في تاريخ جنوب الجزيرة العربية جلست ست من فتيات عدن لامتحان السينير كامبردج وإن كنا لم نر إلى الآن البعثات في الخارج ليعدن إلى عدن محاميات ومربيات قديرات واداريات وربما طبيبات للنساء وغيرها من المهن، إلا أننا نتوقع أمثال هذه البعثات العلمية في المستقبل القريب إن شاء الله .. ولكن هذه البعثات لن تتوفر إلا إذا (تقوى) التعليم الثانوي للفتاة .. ونحن نطالب بتقويته وتنظيمه وإعداد فتياتنا لامتحان شهادة الثقافة العامة أو السينير كامبردج نحن نطالب (بتقوية) مادة اللغة الانجليزية في برنامج تعليم الفتاة لأن هذه اللغة اصبحت ضرورية لأن تتعلمها الفتاة حتى تستطيع أن تستوعب الدروس كلها التي سوف تتقدم بها لامتحان شهادة الثقافة العامة أو السينير كامبردج.
 
إن من أوجب واجبات الحكومة أن توفر المال اللازم لتعليم الفتاة حتى يرتفع مستواها التعليمي كالأولاد وعلى نوابنا الشعبيين أن يرفعوا هذه القضية دائماً في المجلس التشريعي أما قول إدارة المعارف بأن المال لتوسيع تعليم الفتاة غير متوفر فإننا لا نستطيع أن نقبله.
 
زوجات وفتيات عاملات كادحات
 
من منا لم يسمع عن مدرساتنا العاملات النشيطات ومنهن المتزوجات ومنهن الأمهات ومنهن المخطوبات ومنهن الفتيات ومنهن اللاتي لم يتزوجن بعد.
 
هؤلاء اللاتي يجب أن نفخر بهن لأنهن يخدمن في مهنة من المهن .. إنهن يعملن بناتنا ويتحملن المشاق لتعليمهن وتثقيفهن.
 
ومن منا لم يسمع أيضاً عن فتيات كادحات يكافحن الحياة من وراء (الحجاب) .. إن أمثال رجاء عبدالمجيد لقمان التي تعمل في إدارة التليفون ونبيهة محمد عثمان التي تدير الأعمال التي كان يديرها أخوها المرحوم نديم كليب تديرها وهي من وراء الحجاب وفريدة حيدر التي عينت أول مفتشة عدنية في مدارس البنات الابتدائية .. أقول إن أمثال هؤلاء وغيرهن يجب ان نعتز بأنهن عدنيات مكافحات.
 
وهناك ميدان آخر دخلته الفتاة العدنية وكلها أمل ألا وهو ميدان التمريض .. ومنهن هانم توفيق عبدالحبيب التي نجحت في الامتحان بامتياز.
 
إنني دائما أقدر واحترم العاملات الكادحات لأنني كأم لستة من البنين والبنات أعرف معنى الكفاح الشاق المرير وأعرف كيف يكافح الإنسان في هذه الحياة ليربي أولاده تربية صالحة. وإلى الأمام أيتها الفتاة العدنية والجنوبية وتأكدي دائماً أن بجانبك صحيفتك الحرة “فتاة شمسان”).
 
كان تاريخ إرسال اول بعثة دراسية من بنات عدن للدراسة في مصر يعود إلى 7 سبتمبر 1947م.
 
وما بين 1946 ـ 1947م بلغ عدد المدارس الثانوية والابتدائية الحكومية والأهلية (17)، غير الكتاتيب وعددها (51) ويبلغ عدد طلاب المدارس الثانوية (495) ولداً و(210) فتيات، وفي المدارس الابتدائية (2081) ولداً و(594) فتاة وفي الكتاتيب (1792) ولداً.
 
في أواخر شهر سبتمبر 1951م افتتحت في ثكنات ليك بجيش محمية عدن مدرسة للبنات، تحت إدارة المعلمة (الست) زينب محمد عبدالله العدني، وكانت من أوائل خريجات مدرسة البنات بالشيخ عثمان.
 
وضمت صفوف تلك المدرسة ما يزيد على (30) طالبة تتفاوت اعمارهن بين السادسة والتاسعة ويعود الفضل في فتح تلك المدرسة إلى عقيلة الجروب كابتن جيلن القائد العام لجيش محمية عدن، وكانت لا تألو جهداً منذ عام 1947م في تثقيف بنات جنود الجيش وتزويد النساء بما يحتجن إليه من دروس في الخياطة والنسالة والتطريز وكافة اشغال الإبرة من مساء كل خميس في النادي الخاص الذي تم انشاؤه لهذا الغرض.
 
وكانت مدينة عدن قد عرفت عدة شخصيات شغلت منصب مدير معارف عدن ومنهم الأستاذ عطاء حسين الذي جاء إلى عدن عام 1921م لشغل هذا المنصب، والدكتور كينا سنن سنل الذي جاء في 2 نوفمبر 1947م من انجلترا للعمل في هذا المجال وكان قد شغل منصب مدير المعارف في ارتيريا.
 
عام 1947م حصلت الست نور حيدر على شهادة شرف من الحكومة البريطانية، وفي عام 1959م حصلت على لقب (M _ B_ E) وهي اول من مارس مهنة التدريس من النساء في مدرسة للبنات في الشيخ عثمان عام 1925م، أما السيدة حليمة خليل اليناعي فكانت من اوائل العدنيات اللاتي تعلمن في مدارس عدن وعملن في سلك التدريس، وقد عينت كمدرسة عام 1941م ورقيت إلى منصب مديرة عام 1949م.
 
منذ صدور مجلة (فتاة شمسان) عام 1960م حتى توقفها عام 1966م وضعت قضية تعليم الفتاة العدنية والجنوبية في اولويات مهامها بل اعتبرتها من القضايا التي لا يمكن اسقاطها من المحاولات الهادفة إلى إحداث نقلة كبرى في عمق الحياة.
 
لذلك كانت صحافة عدن في تلك الفترة مساحات مفتوحة لوجهات النظر المتعددة حول هذه المسألة، ولنا في ذلك إرث غني يعد من المرجعيات المهمة التي توضح صورة عدن كمدينة عالمية عصرية ارتقت فيها المعارف إلى مستويات متطورة اخذت فيها المرأة العدنية الوضع المعرفي الذي وصلت إليه عبر اجتهادها في التعليم والثقافة، ومن كل هذا تركت لنا تلك الحقبة التاريخية حقائق مازالت تمتلك القدرة على ارشادنا إلى غد افضل.
عدد القراءات : 6506
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات