احدث الاخبار

ورقة عمل مقدمة في ندوة " الإسلاميون والثورات " بمركز الجزيرة.. شيخان الدبعي يكتب :الإصلاح وإدارة العلاقة مع مكونات العملية الانتقالية

ورقة عمل مقدمة في ندوة
اخبار السعيدة - الدوحة (قطر) متابعات         التاريخ : 05-03-2013

 

قدم رئيس الدائرة الفنية، القائم بأعمال الأمين العام المساعد للتجمع اليمني للإصلاح، الأستاذ شيخان الدبعي، صباح أمس، ورقة عمل بعنوان "الإسلاميون وإدارة العلاقة مع مكونات العملية الانتقالية"، في ندوة : الإسلاميون والثورات العربية .. تحديدات الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة بمركز الجزيرة للدراسات بدولة قطر .
 
" الصحوة نت " تنشر نص الورقة وشبكة اخبار السعيدة تعيد نشرها :
 
توطئة :
 
في ظل أنظمة الاستبداد والفساد عانت معظم التيارات والقوى السياسية الوطنية- بمختلف مشاربها الفكرية- من الاضطهاد والقمع والإقصاء والتهميش والملاحقات الأمنية غيرها. ونال التيار الاسلامي في بعض أنظمة الإستبداد العربية النصيب الأوفر من هذه المعاناة, ومع ذلك فإن بزوغ الثورات العربية لم يكن إلاّ تعبيراً حقيقياً عن رفض الشعوب لهذا الظلم والاستبداد المتراكم لعقود من الزمن. وقد تمثلت أزمة نُظم الحكم العربية في غياب الدولة الوطنية المؤسسية لصالح الحكم الفردي المستبد.
 
إن النخب الحاكمة المستبدة لم تكن- وفقاً لكثير من المراقبين- مستعدة لقبول أي مشاركة في إدارة الشأن العام, أو السماح بانتقال السلطة إلى قوى إجتماعية أخرى. وهو ما يعني سيادة منطق الإقصاء والعزل وترسيخ مفهوم الاستقرار بالاستبداد. وقد تبدّى هذا الأمر حين عمدت أنظمة الاستبداد إلى استئصال التيارات الإسلامية, واستخدمت فزّاعة الإسلاميين عند الغرب لتبرير بقائها واحتكارها للسلطة والثروة, ومنع التحول الديمقراطي الحقيقي. وقد مثل ذلك صراعاً حقيقياً بين نخبة السلطة المتسلطة وبين قوى المجتمع السياسية بكل تياراتها. فقد كان واضحاً أن الأنظمة الدكتاتورية تسير بشكل متسارع نحو مزيد من السلطة المطلقة, والاستحواذ عليها بتأبيدها وتوريثها للأبناء. واتخذت لتحقيق ذلك وسائل واستراتيجيات شيطانية, منها إشاعة ثقافة منحطة تقوم على مقولة التلازم بين الاستقرار والاستبداد, والذي يقتضي تلازم الاستقرار مع تأبيد السلطة وتوريثها للأبناء. إضافة إلى بناء مؤسسات أمنية قهرية عائلية, وإضعاف واحتواء المؤسسة العسكرية.
 
الإسلاميون والمشروعية الشعبية
 
كان من نتائج ثورات الربيع العربي ضد الأنظمة المستبدة أنها دفعت بالتيار الإسلامي إلى واجهة المشهد السياسي الثوري. لكن ذلك لم يكن يعني بالضرورة أن الاسلاميين أخذوا تفويضاً شعبياً بتقرير مصير تلك الثورات وقيادتها بمفردهم, أو الاستفراد بها وحدهم كحق مكتسب. بل إن مجريات الأحداث برهنت بما لا يدع مجالاً للشك استحالة استفراد طرف سياسي أو تيار بعينه بإدارة الثورة الشعبية, أو استكمال أهدافها بمفرده. ومن هذا المنطلق, يؤمن الإسلاميون بأن المرحلة القادمة تستوجب تعزيز مبدأ الشراكة السياسية, وقيم التعايش مع الآخر, وتكريس قواعد الممارسة الديمقراطية، وبخاصة فيما يتصل بالتداول السلمي للسلطة.
 
لقد عمّدت الثورات العربية المشروعية الشعبية وكرستها كأمر واقع, وأزاحت من طريقها كل الشرعيات المستمدة من خارج سلطة الشعب ومشروعيته. وبالتالي لم يعد بوسع أي نظام سياسي قادم تجاهل هذا التحول السياسي الهائل الذي طرأ على المشهد العربي, والذي أعاد للشارع العربي دوره المفقود. إذ صار هو الأساس الذي ينبغي البناء عليه. بعبارة أخرى, فإن المشروعية الشعبية- التي رسختها الثورات العربية- غدت أصل المشروعيات الأخرى, وأساس شرعية أي نظام سياسي جديد, وبدون ذلك يغدوا التحول الديمقراطي الذي نحن بصدده لا معنى له. وبناء عليه, يتوجب تعزيز المفاهيم والممارسة السياسية للسلطة والمعارضة معاً وفق هذا المفهوم. وهو ما سيقود بالتالي إلى تحول جذري لمفهوم الصراع السياسي بين مكونات العملية السياسية, من صراع للاستحواذ على السلطة إلى صراع للاستحواذ على الجماهير نفسها صاحبة السلطة ومانحتها. فإذا ما ترسخت مثل تلك القناعات في أوساط النخب والأحزاب السياسية المتطلعة لممارسة دورها وأخذ فرصتها في إدارة شئون الحكم, فإننا بذلك نكون قد تخلصنا من عبء ثقيل وإرث ماضوي متخلف كان يفرض شرعيته السياسية من أعلى- عبر الإنقضاض على السلطة- ولا يجيء معها من أسفل حيث الجماهير صاحبة الحق والمصلحة والشرعية الحقيقية. إن عصر إرادة الشعوب يعني أن خيارات الشعب الحقيقية قد حلت محل خيارات المستبد والدكتاتور. فالشعب هو المرجع ولا وصاية عليه من قبل أي نخبة أو فكرة أو تيار أو حزب أو جماعة.
 
تبديد المخاوف
 
نرى لزاماً علينا, ونحن في سياق الحديث عن إدارة المرحلة الانتقالية من قبل مكونات العملية السياسية, تبديد تلك المخاوف المثارة من قبل البعض بشأن توجهات التيار الإسلامي إزاء شكل الدولة, وعلاقته بمكونات العملية الانتقالية, ومن هذا المنطلق, فإن ثمة منطلقات وقضايا رئيسية يطرحها التيار الإسلامي الإصلاحي, ويعدها ذات أولوية قصوى لمرحلة بناء الدولة, بما في ذلك تأسيس علاقات تفاعلية مطمئنة مع أطراف المنظومة السياسية في المرحلة الانتقالية. وهي تمثل امتداداً لرؤية هذا التيار فيما يتعلق بتوجهاته السياسية بصفة عامة, وأبرز تلك القضايا والمنطلقات:
 
1- العمل على تضييق فجوة الاختلاف بين التيار الإسلامي والتيارات الأخرى، والبحث عن القواسم المشتركة لبناء وتعزيز أرضية العمل المشترك.
 
2- التأكيد على تمسك الإسلاميين باحترام حقوق الإنسان كأحد تطبيقات الحرية والعدالة، ويأتي في مقدمة ذلك حقوق المرأة، بما يكفل دورها في كل مجالات النهوض الحضاري. كما أن تعزيز مبادئ الحكم الرشيد يمثل بالنسبة للإسلاميين أهم أهداف التحول الديمقراطي وبناء الدولة.
 
3- يرى التيار الإسلامي الإصلاحي أن تطبيق الديمقراطية الحقيقية- كثمرة لثورات الربيع العربي- أضحى حقيقة في ظل عصر الشعوب, وركناً أساسياً في القطيعة مع تراث الاستبداد. فالديمقراطية الحقيقية هي التي تكفل بناء نظام سياسي يقوم على التعددية السياسية والحزبية, والتداول السلمي للسلطة, وفقاً لنظام إنتخابي حر ونزيه وشفاف, ويقوم كذلك على أساس المواطنة المتساوية وصيانة الحريات وسيادة القانون.
 
4- وفي الشأن الاقتصادي يؤكد التيار الإسلامي تبنيه لنهج الاقتصاد الحر الاجتماعي، وتكامل قطاعات الملكية الاقتصادية- الخاص- العام- المختلط- التعاوني، مع دعم القطاع الخاص, والتأكيد على دور فاعل للدولة كضابط لإيقاع النشاط الإقتصادي, وحافظ للدور الاجتماعي، وضامن للتوزيع العادل للثروة والدخل. ويعطي التيار الإسلامي أهمية قصوى للقضاء على الفساد بكل صوره السياسية والاقتصادية والمالية والإدارية. ويرى في مكافحة الفساد ركناً أساسياً لقيام الحكم الرشيد.
 
5- يعتقد التيار الإسلامي الإصلاحي أن التحول إلى النظام البرلماني بدلاً من النظام الرئاسي سيمثل ضامناً للحريات العامة واستقلال القضاء وحرية الإعلام والتداول على السلطة, كما يضمن قوة واستقلال المجتمع المدني, ودفع التنمية الشاملة, والنهوض بكافة فئات الشعب. ويتفق مع هذا التوجه البرنامج الوطني لأحزاب اللقاء المشترك في اليمن.
 
6- يؤكد الإسلاميون أن الدولة المدنية أضحت قضية جوهرية بالنسبة لتوجهاتهم السياسية, إذ في إطار المفهوم العملي لمدنية الدولة, تستطيع كل التيارات السياسية ممارسة دورها ونشاطها بحرية, في إطار احترام قواعد اللعبة الديمقراطية الحقيقية, ومرجعية الشريعة والهوية الحضارية للأمة, التي تمثل مرجعية أغلبية الشعوب العربية, دون انتقاص لحقوق غير المسلمين.
 
7- يؤمن التيار الإسلامي بحق كل القوى السياسية في الوصول إلى الحكم, وفقاً لإرادة الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة.
 
8- يؤكد الإسلاميون على أهمية تحييد المؤسسة العسكرية, والنأي بها عن الصراعات والخلافات السياسية, ليقتصر دورها على حماية الخيارات الشعبية الحرة, وصيانة مكتسبات الشعب.
 
9- يشدد الإسلاميون على أهمية استقلالية المؤسسة الدينية, وعدم إقحامها أو توظيفها سياسياً للنيل من أطراف العمل السياسي, التي من المفترض أن تحتكم في خلافاتها السياسية إلى الدستور.
 
10- استقلال القضاء وتوسيع حرية الصحافة والإعلام يعد ضامناً أساسياً لنمو العملية الديمقراطية وازدهارها، كما أن إفساح المجال لمنظمات المجتمع المدني للعب دور أكبر، وعقد شراكة مجتمعية معها وإعطائها مساحة عمل أوسع، سيعزز من دور المجتمع في صناعة المستقبل وتحديد ملامحه.
 
11- الوطن قاسم مشترك بين جميع أبنائه ومواطنيه, فليس من حق أي حزب أو جماعة أو أسرة أو قبيلة امتلاكه والاستئثار به من دون الآخرين .
 
12- المشاركة في السلطة وصناعة القرار. وفي هذا السياق يرى التجمع اليمني للإصلاح أهمية بقاء أئتلااف تكتل أحزاب اللقاء المشترك- الشريك في السلطة- لخمسة عشر عامة قادمة, كشرط لازم لتعزيز المسار الديمقراطي وبناء الدولة المدنية الحديثة.
 
13- إن تبادل المنافع والمصالح وتعميقها بين كافة الأطراف الداخلية والخارجية مبدأ استراتيجي, بل  منطلق أساسي للمستقبل .
 
14- الإيمان بالحوار كمنهج آمن وخيار وحيد لحل كافة الإشكاليات والخلافات مع الغير, ورفض النزوع إلى العنف تحت أي مبرر كان.
 
15- إن سيادة القانون يجب أن  يترسخ في المجتمع باعتباره الضامن الحقيقي للأمن والاستقرار بين كافة المواطنين .
 
16- المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات السياسية والقانونية منطلق أساسي وهام .
 
17- عدم اللجوء إلى الترهيب والإكراه في نشر الأفكار والثقافات والمعتقدات مهما كانت الأحوال والظروف.
 
وفي ما يتعلق بالثورة الشعبية التي ما تزال تواجه الكثير من الصعوبات والتحديات, يتعين خلق رؤى وتوجهات مشتركة ضمن مكونات العملية الانتقالية لكيفية التعامل مع قوى الثورة المضادة التي ما تزال تجهد لإعاقة تقدم الثورة، وتعمل لاحتوائها بل وحتى اختطافها.
 
الأساس النظري للعلاقات بين الإسلاميين وبقية مكونات الثورة
 
باعتبار أن التجربة التي تشهدها المنطقة, والتي عبر عنها الربيع العربي، تأتي بعد مرحلة من تصحر العلاقات  بين القوى السياسية في الاقطار العربية وصلت الى حد القطيعة بل والصراعات فإن من المهم، والشعوب العربية تعيش مرحلة تحولات عميقة عبرت عنها ثورات الربيع العربي,  وحتى نستثمر اللحظة التاريخية في اتجاهات اخراج شعوبنا من مرحلة الهامش التاريخي والسياسي، أن نقوم بتحديد الأرضية الفكرية التي ستعين القوى السياسية على عدم تكرار حالات الصراع السابقة وتدفعها في اتجاه بناء الدولة التي ستبقى المهمة الصعبة والامتحان الكبير الذي سيواجه قوى الثورة وتختبر مستوى الوعي الذي وصلت إلية، لاسيما وعيها بأخطائها السابقة التي سيُسهل لها سعيها نحو المستقبل, وهي أرضية فكرية يمكن ان تضمن  حدا أدنى من التوافقات السياسية، وصولا إلى استقرار سياسي يُمكننا جميعاً من المشاركة الفاعلة في بناء الدولة، وأهم هذه النقاط هي:
 
أولاً: عدم جر الدولة إلى مأزق التسميات الفئوية
 
الدولة دولة الشعب وهو ما يجب ان تعززه ثورات الربيع من حيث المفهوم ومن حيث التطبيق كحل عملي لمعالجة المأزق التاريخي الذي أوقعتنا به المسميات الفئوية والأيدلوجية للدولة, فمنذ قرن تقريبا ونحن وفي كل مرحلة نطلق عليها مسمى مختلف من دولة  ليبرالية الى اشتراكية الى علمانية الى ... ومن ثم,  وكلها مسميات ترتبط بهذا الفصيل أو ذاك ممن يسيطرون على مقاليد السلطة في مرحلة التسمية, على ان هذه المسميات تتجاهل وبشكل واضح ارتباط الدولة بالشعب وليس بالفئة الحاكمة وقد حان الوقت لإعادة الاعتبار للشعب الذي كان هو الغائب الأكبر في الفترات الماضية. وبالنسبة لنا نحن الاسلاميون فإننا نرفض أن يتم  تحويل مذهبنا السياسي الى اسم لصيق بالدولة, وهو الأمر الذي  ندعو شركائنا في الثورة ان يساعدونا في الالتزام به, فالدولة دولة الشعب, والاحزاب السياسية ليست الا صاحبة فرص يمنحها الشعب لأي منها لتطبيق البرامج الذي يكون قد ارتضاه الشعب نفسة وكشف عن هذا الرضى انتخابات حرة ونزيهة , نحن بحاجة في الفترة القادمة من حالة التحولات التي تشهدها المنطقة أن نكف عن صياغة المسميات التي تفقد الدولة عمقها المجتمعي والشعبي وتحولها إلى اداة للفئة صاحبة التسمية.
 
ثانياً: ضرورة استكمال بناء الدولة
 
إن الدولة ليست اجهزة الامن ومؤسسات تقديم الخدمات فحسب, فالتوقف عند هذه النقطة يجعلنا نقبل ان يدير هذه الاجهزة أي جهة تستطيع السطو عليها وتشغيلها كالعسكر مثلا, فأياً ما كان الشعار الذي ترفعه الجهة المسيطرة على الاجهزة ولم تكن قد جاءت عبر منافسة حقيقية فإنها ستبقى مجرد عصابة فرضت نفسها بحكم الامر الواقع حتى لو رفعت شعار الدولة العلمانية أو الاشتراكية أو الاسلامية حيث الهدف من رفع الشعار ليس سوى توقف النضال في مسيرة بناء الدولة فبعد بناء هذه الاجهزة كأحد عناصر الدولة نحتاج ان نجيب على السؤال الهام وهو من يدير هذه  الاجهزة وماهي الطريقة التي يتم بموجبها تحديد هويته واسمه وسنهتدى حينها الى ضرورة تشكل الدولة ثانيا كبعد سياسي تفرز الجهة التي ستدير تلك الاجهزة وفق برنامج يقره الجمهور الانتخابي في عملية انتخابية تكشف عن هذا القبول الشعبي بتلك القوة التي سيقع عليها الاختيار على ان الامر لم ينتهي عند هذه النقطة اذ يجب ان لا يترك للجهة التي ستفوز بالانتخابات امر تحديد واقرار القيم العامة للمجتمع وللشأن العام فعي  ليست مخولة بأمر تحديد مبادئ الاجتماع السياسي وقواعده العامة اذ هنا يتحدد العمق الاخلاقي للدولة وبعدها القيمي الذي لا يحق لأي قوة سياسية الاضرار به وهذا البعد غالبا ما يحظى بالاستقرار الشبة الدائم ولا يخضع للمتغيرات التي تخضع لها السياسة اذ ان السياسة نفسها لا تستطيع تبرير نفسها الا في ضوء هذا العمق الهام للدولة فالسياسة التي تتجاهل العمق الاخلاقي للدولة تتحول الى ديكتاتورية ايدلوجية لا تكتفي بان تطبق على الشعب برنامجها الانتخابي وانما تتعدى ذلك الى تحديد القيم والمبادئ الذي تراها لإدارة العلاقات داخل الدولة.
 
ثالثاً: تنحية الانتماءات الأيديولوجية جانباً
 
إن التحدي الأهم أمام قوى الثورة هو مقدرتهم على تنحية  انتماءاتهم الايدلوجية جانبا وهم يتجهون صوب استكمال بناء الدولة، ولا ينبغي ان يقعوا في فخ العسكر الذين طالما وضعوا أنفسهم في موقع الحارس على القيم المدنية فقط ليمزقوا العلاقات التي قد تتشكل بين قوى اليسار والقوى الإسلامية, خاصة وأن بقايا الأنظمة السابقة قد أعادت تنظيم نفسها في مواقع جديدة, وهي تراهن في عودتها للسلطة على الخلافات التي ستنشأ بين قوى الثورة التي فيما بينها خصومات كبيرة يمكن من خلال اثارتها إحداث شروخات  في جدار معسكر الثورة.
 
رابعاً: تعزيز متانة الشخصية الوطنية
 
إن الصراعات داخل بنية الوعي والضمير للشخصية الوطنية افقدها إمكانية تحديد أهدافها بدقة بل أنة قد جعلها تعيد رسم إحداثيات الصراع باتجاه مكوناتها الداخلية مهملة قضايا أمنها القومي الذي لا يمكن أن تحصل تنمية سياسية أو اقتصادية من دون إعطاء هذا الملف أولياته,  وضاعف من هذا المأزق أن الدولة- ولأنها لم تكن قد تكونت بعد بشكلها النهائي بكل أبعادها السياسية والأخلاقية- كانت مهيأة لتكون جهاز ردع مستخدمة من قبل القوة التي تسيطر عليها, وضد مخالفيها من الفصائل التي تتبنى الأجزاء الأخرى من الهوية الواحدة, فلقد انعكس  التشظي في وعي مكونات الهوية الواحدة على عملية التشكلات السياسية حيث صار للإسلام تنظيماته, وللعروبة تنظيماتها, وللمكونات المناطقية ممثليها, بل لقد أدى هذا التشظي إلى إعاقة بناء الدولة نفسها حيث أدى الأمر بالفئة المسيطرة أن تنفي العنصر الثاني من عناصر الهوية فاستهدف الفكر الإسلامي في الثقافة والتربية بسبب موقف السلطة الحاكمة من الإسلاميين, مع أن الإسلام ليس ملكا للإسلاميين وإنما هو عنصر أول من عناصر بناء الشخصية الوطنية, وهكذا كان الصراع السياسي يقود إلى تهديد  هوية المجتمع في العمق.
 
إننا هنا ومن موقع المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا كأحد المشاركين في هذه اللحظة التاريخية, لندعو الجميع إلى ضرورة وضع حد لهذه التمزقات غير المبررة, فالإسلام الذي نراه قاعدة عامة للاجتماع السياسي ليس إسلام الأمويين ولا العباسين ولا المماليك ولا الأتراك, إنما هو إسلام القيم الإنسانية الجامعة, حاملة الخلاص للبشرية من أدواء الأنانية والاستئثار السياسي الاقتصادي والاجتماعي, والمعبرة عن روح العدالة الاجتماعية والحريات العامة, وهو الإسلام الذي يتسع حتى لغير المسلمين كقيم حضارية وإنسانية,  ثم إن العروبة لساننا الذي ننطق به ونعبر به عن هويتنا وخصوصيتنا الحضارية والثقافية وغير القابلة لان تعيش حالة تنافر مع الإسلام, إذ لا إسلام بدون عروبة,  انه الحل الوحيد الذي سيمنحنا القدرة على التصالح مع الذاتي الداخلي في سياق التعامل مع الموضوعي العالمي بل إننا لنشعر أن الاستمرار بالتجييش المستمر باسم الإسلام او العروبة من جهة أو بين المعطى الداخلي والمعطى العالمي سيفقدنا إمكانية استثمار اللحظة التاريخية في بناء الذات العربية في سياقات الدولة القطرية ومن ثم السعي للتشكل في سياقات التعاون الإقليمي العربي والإسلامي وعلى النخب أن تساعد الشعوب في انجاز هذه المهمة.
 
الإصلاح وتجربة الشراكة
 
يشرفنا في التجمع اليمني للإصلاح ان نشير الى تجربة الشراكة التي جمعتنا مع اخواننا من الاتجاهين اليساري والقومي, والتي عبرت عنها تجربة تكتل احزاب اللقاء المشترك التي كانت حالة اصطفاف سياسي مبكر ضد النظام الحاكم وبشراكة متنوعة.
 
لقد حسم التجمع اليمني للإصلاح خياراته باكرا في الذهاب نحو المعارضة السياسية التي كانت تعيش قواها حالة من ضعف في القوى السياسية والاجتماعية  وحالة غبش في الرؤى التغييرية نتيجة لما تعرضت له من استهداف الفئة الحاكمة لها بالتنكيل بها والتمزيق ...غادر الاصلاح السلطة مختارا رغم عروض الحزب الحاكم حينذاك للإصلاح بان يبقى في السلطة شريكا على انها شراكة ضد الشعب وعلى حساي اهدافه والتي اهمها هدف الخلاص من الحكم الفردي الذي كان على راس قائمة اهداف ثورة 26/سبتمبر /1962م ومنذ ذلك الحين بدأت الاحداث السياسية تقود الاصلاح وقوى المعارضة من اليسار والقوميين نحو تشكيل تكتل سياسي جديد يكون هو الحامل السياسي والاجتماعي للأهداف السياسية التي قامت لأجلها الثورتين ومبادئ التعددية الحزبية والحريات السياسية والتداول السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثورة التي قامت لأجلها الوحدة ... وقد كان على هذا الحلف السياسيى الجديد وفي سبيل تثبيت وجوده في المعادلة السياسية وفي مواجهة سلطة تبرأت من كل الارث النضالي للشعب اليمني وتنكرت لأهدافه التحررية واتجهت نحو صياغة نمط حكم فردي عائلي تسنده شبكة من الولاءات المصلحية كان عليه ان يواجه جمله من التحديات التي تعترض طريق تشكله, وهذه التتحديات تممثلت بالاتي:
 
1- الماضي العدائي بين الاتجاهات التي كونت اللقاء المشترك لا سيما الحالة الصراعية بين الاتجاه الاسلامي الذي يمثله التجمع اليمني للإصلاح وبين الاتجاه اليساري الذي يمثله الحزب الاشتراكي بالإضافة الى الاتجاه القومي المتمثل بالتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري.
 
2- الخبرة الواسعة لأجهزة الامن اليمنية في اعاقة اي تقارب بين القوى السياسية باعتبار ان مثل هذا العمل يعد تهديدا خطيرا لنظام حكم مثلت الصراعات السياسية والنزاعات المسلحة السبب الرئيسي لاستمراره على راس سلطة فردية ترى في فكرة المعارضة اصلا عملا انقلابيا وتهديد للسلم الاهلي.
 
3- الارث العدائي داخل التنظيمات السياسية المكونة لأحزاب اللقاء المشترك والتي تراكمت على طول فترة الصراع الذي شهدته اليمن منذ عقود.
 
4- طبيعة السلطة المسيطرة في اليمن والتي تم بنائها وفق ما يتطلبه استمرار الحاكم الفرد وبما يجعل موقع الرئاسة هو القوة المركزية الوحيدة في البلد والمتحكمة في السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية التي لم تكن قادرة على التأثير على الحياة العامة بشيء.
 
ورغم هذه التحديات الكبيرة, إلاّ أن الوعي الذي تسلح به أطراف اللقاء المشترك, وإدراكهم لمخاطر نظام يسعي لإبعاد الشعب عن التأثير في الحياة السياسية وعزلة عن الحياة العامة, من أجل التهيئة للتوريث السياسي, هذا الوعي مكن أطراف اللقاء المشترك من ابداع مسلك في النضال السياسي مفتوح لجميع القوى السياسية, كما مكنة من إنهاء حالة التنازع السياسي بين مختلف القوى السياسية, والذي كانت تصب في اتجاه تقوية مركز الحاكم الفرد وإضعاف مركز المجتمع الذي كان يفقد قدرته على الحضور السياسي كلما أوغلت القوى السياسية في الصراعات, مهملة مسؤوليتها الوطنية في التعبير عن ارادة الشعب العامة ضد الارادة الفردية الغاصبة للسلطة والثروة.
 
دولة الشعب وتهديدات دويلات الطوائف
 
نعلم جميعا أن الأنظمة الحاكمة في فترة ما قبل الربيع العربي قد بلغ بها حالة الغرور السلطوي حدا أحالت معظم القوى السياسية الوطنية الى عالم النسيان وهمشت أدوارها, ومن ثم قامت باستدعاء القوى القبلية والطائفية والجهوية وجهزتها لتكون قوة الاحتياط الأخيرة في حال فشلت أجهزة القمع والتنكيل في القضاء على خصوم النظام السياسيين,  مهددة  بذلك ليس فقط خصومها بل أنها تضع  بنية الدولة وأساسات المجتمع ونسيجه الاجتماعي على طاولة مقامرة فاجرة,  وقد شهدنا في أكثر من بلد عربي  صور مختلفة لتعميق الشروخات المجتمعية وتوظيفها في سياق مواجهتها لمطالب الإصلاح السياسي من قبل,  ومن ثم لمواجهة ثورة الربيع العربي من بعد,  وفي الغالب فإن الوضع بعد ثورات الربيع سيكون ملئ بالتشظيات الاجتماعية والعرقية والمذهبية التي خلفتها أنظمة عاشت على  التلويح بالمخاوف واعتاشت على لعبة إحلال الخاص محل العام, والمصلحة الفئوية محل المصلحة الكلية,  وهنا نطرح ضرورة أن تعي قوى الثورة الربيعية خطورة هذا الأمر كواحد من أهم محددات التعاون من أجل دولة وطنية عابرة لتلك التحيزات وراعية للجميع, وعلى قاعدة المواطنة المتساوية والوطن الذي تتمدد السيادة فيه على جميع ساحاته وفوق كل اراضيه
 
تحديات عملية عاجلة
 
وتتصل بدرجة أساسية بعلاقة مكونات العملية الانتقالية وإدارتها لهذه المرحلة, وهو ما يفرض عليها توخي الأمور التالية:
 
1- تجنب الوقوع في فخ المحاصصة المبكرة .
 
على قوى الثورة ان لا تنظر الى المرحلة الانتقالية كفرصة للحصول على مكاسب تخص كل طرف, وعليها ان تركز على عملية الانتقال من الوضع الهش الذي خلفته الانظمة السابقة الى حالة الدولة, ومن ثم سيكون من الممكن لكل طرف ان يسعى وبشكل قانوني للحصول على حصته السياسية, وعبر آليات العمل السياسي  والتنافس الانتخابي, فمن الخطورة ان تتعامل القوى السياسية داخل معسكر الثورة- والتي تقود عملية التحول والانتقال إلى حالة الدولة- مع المرحلة وكأنها فرصة للحصول على مكاسب خاصة, حيث سيؤدي بها هذا المنظور الى اعتماد التجييش الثوري ضد العملية السياسية الحالية, وهو ما سيمنح قوى الثورة المضادة الاستفادة من الثغرات التي قد تنشأ داخل معسكر الثورة لإحباط الثورة نفسها.
 
2- ضرورة تمكين مؤسسات الدولة من السيطرة على كل أرجاء البلد. لأن من المخاطرة بمستقبل الدولة ان تضل بعض مناطق الدولة خارج سيطرتها. وقد يكون جزء من المناطق قد سقطت في ايدي بعض قوى الثورة, وعليهم سرعة تمكين الدولة من التمدد الى هذه المناطق التي تحت سيطرتهم, من أجل تقلص المشكلة الامنية ومحاصرتها.
 
3- ثمة مشكلة أخرى مهمة, وهي قله الموارد في مجتمع ما بعد الثورات, ما يجعل الادارة الانتقالية غير قادرة على تلبية  التطلعات الشعبية المتصاعدة والمتعددة, لا سيما في المجال الاقتصادي, وهو ما يجعل قوى الثورة المشاركة في عملية ادارة المرحلة الانتقالية تتحمل مسؤوليتها وبشكل جماعي في توظيف الامكانات المتوفرة  قدر الامكان, هذا من  ناحية, ومن ناحية اخرى, على جميع هذه القوى الفاعلة والمشاركة في تنمية الحس العام داخل المجتمع رفع مستوى الشعور بمسؤولية المجتمع تجاه اللحظة التاريخية التي تعيشها البلد وهي تتحول نحو الدولة, وسيكون من المعيب ان تحاول أي قوة سياسية اقتناص حالات الندرة في الامكانات التي هي حصيلة موروثة من العهد السابق الى فرصة للتجييش الشعبي ضد الادارة الانتقالية.
 
4- سيكون على الكيانات الثورية مسؤولية العمل على تمكين الدولة الناشئة من ادارة علاقات متوازنة مع الاطراف الاقليمية، لاسيما وهي تسعى لسد العوز الاقتصادي كملف ملح وعاجل يشكل النجاح فيه الاختبار الاول للإدارة الانتقالية, وهو ما يستوجب من القوى المشاركة في المرحلة الانتقالية ان لا تستدعي الموروث العدائي الذي تشكل لديها اثناء الصراعات الايدلوجية الماضية وهي تدير هذا الملف.
 
5- سيكون على قوى الثورة وهي تدير شؤون اقطارها ان تحذر من مورثات  العداء الذي قسم المنطقة العربية الى اكثر من محور في المراحل السابقة, وزج بالعلاقات العربية في مهاترات كانت الانانية السياسية للأنظمة الحاكمة هي الدافع الاكبر, ولأجل عدم الوقوع في هذا الفخ يتوجب ان يتم ادارة العلاقات مع الدول العربية على ضوء مصلحة البلد والشعب.
 
وفي الشق اليمني تحديداً، فثمة جملة من التحديات التي تواجه سير العملية الانتقالية، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
 
أ ـ التحدي السياسي : و يتمثل في استكمال عملية نقل السلطة, وإقرار وتنفيذ قانون العدالة الانتقالية, والتئام مكونات العملية الانتقالية في مؤتمر الحوار الوطني القادم المقرر انعقاده في نوفمبر 2012م, والاتفاق حول شكل الدولة ونظامها السياسي والانتخابي, وحل قضيتي صعده والجنوب .
 
ب ـ التحدي الأمني : ويتمثل في إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس وطنية ومهنية, وفرض سيادة القانون وهيبة الدولة على كامل الأرض الوطنية, ومكافحة الإرهاب مع شركائنا الإقليميين والدوليين دون الانتقاص من السيادة الوطنية .
 
ج - التحديات الاقتصادية : وتتمثل  في شحة الموارد, وتدني دخل الفرد, وارتفاع نسبة الفقر والبطالة والأمية في أوساط المجتمع, وحاجة البلد بشكل دائم للمساعدات الخارجية التي تحمل في جوانب منها أثار سلبية على البلد.
 
د - التحدي الخارجي : ويتمثل في زيادة رقعة التدخلات الخارجية, وتحول اليمن إلى ساحة صراع وتصفية حسابات إقليمية ودولية. علاوة على زرع خلال تجسسية تعمل لحساب أطراف خارجية. وتقديم تلك الأطراف دعم مباشر للفصائل والجماعات المسلحة كالحوثيين والحراك الانفصالي المسلح، وحتى القاعدة، بغرض زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة ككل، وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي .
عدد القراءات : 4224
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات