احدث الاخبار

العرب تقسيم المقسم

العرب تقسيم المقسم
اخبار السعيدة - بقلم - سامي الأخرس         التاريخ : 17-12-2012

 

هل يوافق عربي واحد على تقسيم فلسطين؟ بدأت مقالي بسؤال هام وحيوي، وأكاد أسمع الأرض تتزلزل والسماء تصدح"لا"، فلا يوجد عربيًا واحد موافق على تقسيم فلسطين، إذن كيف نريد تقسيم أوطاننا العربية؟ وكيف ننتقل من حلم الوحدة والقومية التي غرسها الراحل عبد الناصر فينا إلى دول بالعامية"مهكعة" مهمشة، عبارة عن كنتونات يعيش فيها قادتها برفاهية، وشعوبها تقتات الحسرات، وويلات الانقسامات، وهزل الفقر الذهني والاقتصادي... في عصر تخطو به أوروبا رويدًا رويدًا لإعلان وحدتها الجغرافية، وهي مع تقدمها نحو الوحدة، تتآمر على انقسامنا وتفتتنا، ألَّا يدلل ذلك على حجم المؤامرة التي تحاك ضدنا نحن العرب؟!

مقدمتي تلك ليست مستحدثة في عالم السياسة العربي، ولم تكشف خفايا، بل هي حقيقة قائمة، وماثلة أمام الجميع صغيرنا قبل كبيرنا، مثقفنا قبل الأمي فينا، فكيف لنا إذن أن نفعل عكس المقروء.

هناك بعض الشعوب العربية تسعى جاهدة للانقسام أو إعلان استقلالها وانفصالها عن الآم"الأرض" وهي ترى بذلك خلاصها، وحريتها، وتحررها من ربق النظام المركزي، وعلى وجه التحديد دولة اليمن الشقيقة، أو بالأحرى ما كان يسمى اليمن الجنوبي قبل إعلان الوحدة عام 1990، هذه الوحدة التي حسمتها الآلة العسكرية، بعدما خاب ظن الجنوبيّين بالآمال التي بينت على الوحدة، وخاب ظن رفاقنا الاشتراكيّين من سعوا للوحدة، وأنجزوها مع الجزء الشمالي من اليمن السعيد، والظروف التي عاش بها أهل الجنوب فيما بعد من ظُلم، واضطهاد، وهضم لبعض حقوقهم، وهي حالة طبيعية لا بد  وأن يستشعرها الجنوبيّين بما أنهم انتقلوا من نظام اشتراكي مدني يتخذ من المدنية والتقدمية، والتحرر الأيديولوجي والعقائدي نهجًا، إلى نظام قبلي تقليدي يعتمد وينتهج القبلية منهاجًا حاكمًا، ولذلك اتضحت الفروق الحقيقية في سبل وأدوات الحياة، وخاصة للأجيال التي عاصرت الحكمين فوجدت نفسها تحن للسابق وللماضي، وأن كان على حساب الوحدة الجغرافية، فالإنسان بطبعه يبحث عن رفاهيته وحريته ليستطيع القتال والنضال لأجل الأرض.

هذا الإسهاب والتحليل بشكله الظاهري ربما يوحي أنني مع الانفصال، وهذا غير صحيح، فهو توضيح للمبررات التي تدفع الإنسان للاختيار، وفي مقالات عديدة سابقة أكدت أنني مع الوحدة الجغرافية ليس لليمن فقط، بل لكل وطننا العربي، فلا زلنا ندفع ثمن انفصال الوحدة المصرية-السورية كأول تجربة وحدوية أنجزها العرب، ولذلك كم ثمن سندفع أيضًا مع انفصال اليمن؟!

الظلم والقسوة والتمييز الذي يشعر به ويتعايش معه أهل اليمن في الجنوب هو ليس حالة خاصة، أو حالة حصرية عليهم، بل هي حالة عامة يعيشها المواطن العربي في كلَّ بقاع الوطن العزيز الذي يطلق عليه "الوطن العربي"، وكذلك أبناء اليمن في الشمال، ولذلك انطلقت الثورة ضد النّظام في كلَّ اليمن وليس في جنوبه فقط، وكانت صنعاء رمزية للثورة اليمنية التي لم تحقق أهدافها بعد، ويبدو أنه تمَّ سرقتها، كما سرقت الثوّرات العربية في تونس ومصر.

مع هذه الحالة هناك من يسألني ربما وما الحل؟! لا أتجاهل أن من صاغوا الوحدة اليمنية ارتكبوا أخطاء كبيرة، وخاصة قادة الجنوب حيث أنهم انتقلوا للوحدة مباشرة، دون وضعها تحت اختبارات مرحلية، أو الانتقال بها خطوة خطوة صوب وحدة مثالية، تمنح الكل حقوقه، وربما النموذج الإماراتي يعتبر الأصلح لحالتنا العربية عامة، واليمنية خاصة، حتى تنضج البيئة الكاملة لإحقاق وحدة شاملة، وربما النموذج الأوروبي الحالي الذي يسير خطوة خطوة تجاه الوحدة، هو أيضًا متدارك للتجارب، ويدرك أنّ الوحدة لا بد وأنّ تمرَّ بدورة حياة طبيعية لكي تحقق أهدافها المثالية فهذا ما كان يتطلب من قادة الجنوب، ولكن بما أنه لم يحدث، وتحققت الوحدة، فيجب الآن معالجة آثارها من خلال خطوات وحدوية مدروسة جيدًا، يكون لأبناء الجنوب كلمتهم وصوتهم بها، واستخلاص حقوقهم بل وحقوق إخوانهم في الشمال أيضًا، بما أنّ الظلم لا يقع عليهم لوحدهم، وعليه فالخيارات محدودة الآن، فهي أما انفصال وتدهور أحوال الجنوب والشمال، والدخول في نزاع وصدام يتربص به بعض القوى الظلامية والمتطرفة التي تحاول أنّ تقيم أماراتها، واستغلال حالة التفكك والتشرذم والانقضاض على أحد الجزئين واعتقد أنه سيكون الجنوب الذي يحتاج لسنوات لبناء مؤسساته المدنية والعسكرية، وتوازناته الشعبية المتنازعة بين الانفصال والاستمرار بالوحدة، وهو ما يطيل حالة التنظير للدولة الناشئة، أنّ سمح الشمال لذلك بأن يحدث، ولم يدخل في دائرة الصدام والحسم العسكري كما حدث سابقًا، وبذلك إنهاك قوى اليمن اقتصاديًا وعسكريًا، وهو ما يعتبر الفرصة السانحة للقوى سالفة الذكر للانقضاض على اليمن، أو جزء من اليمن وإعلان ولايتها عليه، وبذلك يصبح اليمن ثلاث أو أربع كيانات، جلها ضعيف وعاجز.

أيّ هنا لا بد من قراءة خارطة عقد التحالفات الداخلية للقوى اليمنية، وتحديد هذه الخارطة جيدًا، والعمل وفقها من أجل استكمال الثورة اليمنية التي تحقق لليمنيّين حياة مدنية حرة تنفتح على العالم المتحضر، عنوانها الأبرز العدالة المجتمعية، وهو الخيار الثاني الذي يمكن من خلاله توحيد قوى اليمن، وتوزيع ثرواتها بعدالة، بين جميع أبنائها واستنهاض اليمن من جديد في مسيرة بناء تعيد الكرامة للمواطن، والعدالة والشفافية للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية.

نعم إنني مع الحّراك الجنوبي اليمني، وكذلك مع الحرّاك الشمالي اليمني، ولكن معهم في إطار التحرر الوحدوي من فساد نظام لم يترك سوى الظلم والاضطهاد خلفه، ولم يحقق لليمن سوى مزيد من التبعية والتخلف والتأخر والتشرذم المجتمعي.

 

15ديسمبر(كانون ثان) 2012م 

عدد القراءات : 2220
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات