احدث الاخبار

مليون شهيد للدفاع عن «مرسي»!

مليون شهيد للدفاع عن «مرسي»!
اخبار السعيدة - بقلم - شريف عبدالغني         التاريخ : 10-12-2012

 

كنت أتحدث مع كاتبة معروفة، سألتها عن سر كل هذا العداء الذي تكنه لجماعة الإخوان المسلمين، والرئيس محمد مرسي، فقالت «بسبب تاريخهم الأسود»، هذا السبب نفسه سمعته من كاتب صحافي ومسرحي كبير، سألته: لماذا ترفضون الدعاوى المستمرة من قيادات «الإخوان» بالحوار حرصا على مصلحة مصر، ولماذا لا تشاركون في الاستفتاء على الدستور الجديد، وتصوتون بـ «لا».. فأجاب: «خلاص.. لا حينفع حوار ولا كلام ولا مناقشة ولا استفتاء.. لا قانون ولا شريعة ولا أخلاق ولا ذوق ولا عفة لسان ولا نظام ولا نظافة ولا شرف ولا ضمير.. خرج القتلة من جحورهم وبدؤوا ينتقمون من بلد عظيم كل جريمته أنه تركهم يتوالدون ويتكاثرون دون أن يقطع دابرهم من البداية.. تماما كما يحدث عندما تستهين بقلة من الحشرات ولا تخنقهم منذ لحظة الظهور، فيذهبوا ليكمنوا في الشقوق وبين أكوام القمامة ليعودوا بملايين الملايين كالوباء»!!
 
هذه هي المشكلة الحقيقية في الأزمة الحالية بمصر.. إنها لا أزمة دستور ولا خوف على وطن.. الأزمة أن من يدعون الديمقراطية والليبرالية لا يؤمنون حقا بها، إنهم يحتقرون كل فصائل التيار الإسلامي، الفكرة الشائعة لديهم عن الإسلاميين أنهم حفنة «حشرات» يجب إبادتهم مثلما ذكر الكاتب المسرحي، أكثرهم رقة في اللفظ قال لي: إن «الإخوان» والسلفيين كائنات غريبة همجية متخلفة هبطت من الفضاء لتعيد الأرض إلى القرون الوسطى، كلهم يعيدون ويزيدون في حكاية «التاريخ الأسود» للجماعة، ويوجهون اتهامات بالعمالة والماسونية للإمام حسن البنا وقيادات «الإخوان» طوال التاريخ، يكررون ما ظل إعلام مبارك يحفظه للمصريين طوال 30 سنة من حكمه الفاسد للذمم المفسد للعقول.
 
لكن هل الإمام البنا مؤسس «الإخوان» كان يهدف بالفعل إلى إنشاء جماعة إرهابية، تؤمن بالرصاص لا الحوار، وتكفر الناس وتقصي الآخر.. لن أعرض تاريخ الرجل والجماعة من منظور شخصيات تنتمي للتيار الإسلامي، لكني أورد شهادات شخصيات محايدة عن حسن البنا ليس لهم علاقة فكرية بـ «الإخوان».
 
الأديب الكبير الراحل أحمد حسن الزيات صاحب مجلة «الرسالة» التي أضاءت الحياة الفكرية في مصر والعالم العربي أكثر من ربع قرن، كتب ذات يوم عن حسن البنا: «وجدت فيه ما لم أجد في أهل جيله: من إيمان بالله راسخ رسوخ الحق، لا يزعزعه غرور العلم، ولا شرود الفكر، وفقه في الدين صاف صفاء المزن، لا يكدره ضلال العقل، ولا فساد النقل، وقوة في البيان مشرقة إشراق الوحي لا تحبسها عقدة اللسان، ولا ظلمة الحس، إلي حديث يتصل بالقلوب، وجاذبية تدعوك إلى أن تحبه».. ثم قال الزيات: «والفطرة التي فطر عليها حسن البنا والحقبة التي ظهر فيها، تشهدان بأنه المصلح الذي اصطنعه الله لهذا الفساد الذي صنعه الناس».
 
هل مرشد «الإخوان» متزمت ويرفض الآخر؟ الإجابة عند مكرم عبيد باشا أشهر الزعماء المسيحيين في مصر في الربع الثاني من القرن العشرين، يذكر له التاريخ كلماته الشهيرة وهو يعزي «الإخوان» في البنا أثناء جنازته: «فإذا كنتم أيها الإخوان المسلمون قد فقدتم أخاكم الأكبر الخالد الذكر، فحسبكم أن تذكروا أن هذا الرجل الذي أسلم وجهه لله حنيفاً قد أسلم روحه للوطن عفيفا.. حسبكم أن تذكروه حيا في مجده كلما ذكرتموه ميتا في لحده، وما من شك أن فضيلة الشيخ حسن البنا هو حي لدينا جميعا، بل كيف لا يحيا ويخلد في حياته رجل استوحى في الدين هدي ربه وفي الدنيا وحي قلبه».
 
هل البنا هو مروّج العنف وداعي الإرهاب؟ إليكم هذه الشهادة من صلاح عيسى، أحد كبار منظّري اليسار بمصر، والذي يقف على خط النقيض من التيار الديني، ونشر عيسى شهادته بعنوان: «حسن البنا.. لا عنف ولا تزمت» عام 1999 في عدة صحف قال: «الذين يضعون فأس اتجاهات التيارات الإسلامية في مصر والعالم العربي نحو التزمت ثم العنف في عنق الشيخ (حسن البنا)، يسيئون عن عمد قراءة وقائع التاريخ.. وما يتجاهله الذين يحملونه المسؤولية عن نشأة تيار العنف هو أن تشكيل المنظمات شبه العسكرية كان موضة لدى كل التيارات السياسية في الثلاثينيات في إطار النتائج الإيجابية التي حققتها نظم الحكم في ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية التي نجحت استنادا إلى عسكرة المجتمع في استعادة ما أضاعته الحرب العالمية الأولى من حقوق البلدين الوطنية، وأن فرق الجوالة التي أنشأها (البنا) وعرفت بفرق القمصان الكاكية لم تكن الوحيدة في الساحة، فقد كانت هناك فرق القمصان الخضراء التي شكلتها جماعة (مصر الفتاة)، وكان من أعضائها (جمال عبدالناصر)! بل إن (الوفد) وهو الحزب الديمقراطي العتيد قد شكل هو الآخر فرق القمصان الزرقاء، وكل الشواهد التاريخية تؤكد أن (جوالة الإخوان) كانت أكثر هذه الفرق انضباطا سواء من الناحية الأخلاقية أو من ناحية الالتزام بالقانون».
 
وأضاف الكاتب الكبير: «والذين يضعون فأس المسؤولية عن العنف الديني الذي تفشى منذ ذلك الحين في أنحاء مختلفة من المنطقة العربية في رقبة (حسن البنا) يتجاهلون أن المسؤول الأول عن ذلك هم الذين شجعوا، بل تآمروا على إقامة دولة دينية (إسرائيل) في المنطقة عن طريق العنف».
 
بعد هذه الشهادات، هل يعتبر أولو الألباب ويدركون أن إصرارهم على إسقاط الرئيس محمد مرسي، والانقلاب عليه دون الاحتكام لصناديق الانتخاب، يمكن أن يدفع مصر إلى تكرار سيناريو «جزائر التسعينات»، لقد انقلب الجيش حينها على «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» الفائزة بأغلبية ساحقة في الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية، وبث الإعلام وقتها اتهامات مشابهة للإسلاميين شبيهة بما يحدث في مصر هذه الأيام، النتيجة بعد سد الأبواب الشرعية لممارسة العمل السياسي، وتطبيق «ديمقراطية الانتقاء والفرز» والترحيب بالنتائج لو أتت بمن أريد، ولعن سنسفيل جدودها لو أفرزت ما لا أحب، أن دخلت البلاد لعقد أسود من الدماء، لا أعني أن جماعة «الإخوان» ستحمل السلاح في حال الانقلاب على «مرسي»، فالجماعة تلتزم المنهج السلمي رغم استفزازات خصومها، وحتى في عز اشتداد عمليات الإرهاب في مصر قبل 20 عاما لم يتهم أي من أعضائها، في أي قضية من هذا النوع، أما من يمكن أن يلجأ للسلاح فهي الجماعات التي سبق وحملته ضد الدولة أيام مبارك، ثم تخلت عن هذا المنهج بفتح أبواب العمل العلني أمامهم، واقتناعهم أن الصناديق أفضل وأجدى من العنف، ولعل أولى بشائر دخول مصر في دوامة لا يعلم إلا الله مداها إعلان قوى إسلامية أمس الأول، السبت، استعدادها تقديم مليون «شهيد» للدفاع عن شرعية الرئيس محمد مرسي.
 
احذروا أيها المعارضون المستبدون ومن يساعدونكم في مؤسسات الدولة.. لو حرمتم فصيلا مهما من الشعب من حقه في الاحتكام لرأي الشارع، والحلم بالوصول للسلطة عبر الصناديق، فلا تلوموا إلا أنفسكم!!
 
*نقلا عن العرب القطرية
عدد القراءات : 2338
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات