احدث الاخبار

المطلوب فلسطينيًا ومصريًا وعربيًا بالشأن الفلسطينيِّ

المطلوب فلسطينيًا ومصريًا وعربيًا بالشأن الفلسطينيِّ
اخبار السعيدة - بقلم - سامي الأخرس         التاريخ : 27-10-2012

منذ أنّ انطلقت شرارة الحرّاك العربيِّ الذي أطلق عليه ثوّرات الرّبيع العربيِّ والجدليَّة الفلسطينيَّة كأولوية أولى لَم تَعُدْ قائمة إنّ سلمنّا بالحقائق على الأرض، أما إنّ أردنا الاستسلام للشعارات فهي قائمة كألوية وجدانية، حيث أصبحت الدول العربيَّة وخاصة دول الرّبيع الخمسة" تونس- مصر- ليبيا- اليمن- سوريا" لَم تشهد أيّ استقرار داخلي وكُلّ دولة تغرق بهمومها وأزماتها الداخليَّة وبمظاهر الفلتان الثوّرية المميزة والخارجة عن نطاق الفهم والتحليل البشري لمفهوم الثوّرات، حيث لَم يسجل التاريخ البشري ثوّرات تصاحبها حالات فلتان مستمرة بكُلّ المظاهر السيَّاسيَّة والاقتصادية والاجتماعيَّة إلَّا ثوّرات الرّبيع العربيِّ فقط، الّتي عجزت حتى راهن اللّحظة عن ضبط الحالة الأمنيَّة سواء للدولة كمؤسسة أو للفرد كعضو، فالكُلّ أيّ المجموع مهدد، وتحيط به المخاطر بصعدها الثلاثيَّة الأمنيَّة والاجتماعيَّة والاقتصادية، وعلى وجه التحديد الدول الأربعة الّتي شهدت انتخابات صعدت بقوى الإسلام السيَّاسيِّ إلى مصاف الحكم.

إذن فالحالة العامة لدول الثوّرات الرّبيعيَّة تدلل على أنّ الهم داخلي كأولوية أولى، وأنّ السيَّاسات الخارجية هي البرواز العام الذي من خلاله تحاول السلطات السيَّاسيَّة إثبات قوتها وسيطرتها على الأوضاع، أيّ محاولة لعكس حقيقة ليست كاملة أو مشهد غير واضح المعالم، ضبابيِّ. ولذلك يقع هؤلاء في خطيئة كبرى ألَّا وهي تجاهل القضيَّة الفلسطينيَّة الأكثر زخم في وجدانيَّة الشعوب العربيَّة، والّتي يمكن من خلالها تقديم شهادة الثقة بهذه الحكومات وليدة الميادين الثوّرية، ولفت أنظار العالم إلى قدراتها السيَّاسيَّة، وإمكانياتها. وهي متطلبات أساسيَّة تتطلب حرّاكًا جوهريًا بعيدًا عن الأجندة الحزبية – الأمنيَّة الّتي يقدمها صناع الأمن السابقين حسب معتقداتهم ورؤيتهم لعصر الديكتاتوريات، وبناءً عليه ننطلق من هذه الرؤية في تحديد محاور أساسيَّة تتطلب الحرّاك نحو الشأن الفلسطينيِّ:

أولًا: المطلوب فلسطينيًا:

لا يمكن تصور أيّ حلول جوهرية دون البدء بإشارة واضحة وايجابية من طرفي الانقسام سواء في رام الله الّتي أصبحت تُغرد في معارك أبعد ما تكون عن الهم الأساسيِّ ألَّا وهو الانقسام، فتركت هذا الملف وأهملته، وانخرطت في معركة عضوية فلسطين بالأمم المتحدة، وهي معركة تخوضها القيادة الفلسطينيَّة للخروج من أزماتها السيَّاسيَّة والاقتصادية والاجتماعيَّة والحزبيَّة.

فالرئيس محمود عباس والرئاسة الفلسطينيَّة تعيش أسوأ مراحلها، وتمر بأزمات تكاد تفتك بها لولا وجود قوى دولية وإقليميَّة ترى من الضرورة الحفاظ على السلطة كوجه وعنوان للسلام مع " إسرائيل" ولذلك تقدم لها طوق النجاة كلّما شارفت على الغرق والموت احتضارًا، فـِ " إسرائيل" من جانبها تمارس كُلّ أصناف التهديد والوعيد والضغط على الرئيس محمود عباس محاولة الزج به في مربع اليأس والتسليم لها كليةً كما حاولت سابقًا مع الشهيد ياسر عرفات، فهي عمليًا تقطع أوصال الضفة الغربيَّة وتحاصرها سيَّاسيًّا وعسكريًا واقتصاديًا، وتحدد تحركات مؤسساتها وقيادتها في أضيق نطاق، أيّ في حدود الحد الأدنى لاستمرار الحياة فقط، وبهوامش محددة جدًا، إضافة للأزمة المالية الخانقة أو القاتلة الّتي تمر بها السلطة الوطنية الّتي من أهم أسبابها تجفيف مصادر الدعم والمعونات، وحالة الفساد والعبثية في الأموال العامة الّتي فشلت كُلّ محاولات رئيس الوزراء سلام فياض في تقويضها، بل تعمقت مظاهر الفساد وتعمق هدر المال العام. ولَم تشهد السلطة أيّ محاولات إصلاح جدية وعميقة فالمحسوبية في التعيين للمناصب الكبرى تعتمد على التشريف وليس التكليف، والأزمة الأهم هي فقدان الثقة بين السلطة وأجهزتها الأمنيَّة من جهة وبين المواطن الفلسطينيِّ، وكذلك أزمة الثقة بين السلطة وأجهزتها الأمنيَّة وبين الفصائل الفلسطينيَّة والقوى الرئيسيَّة ممثلة بـِ " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجهاد الإسلامي، وحركة حماس" مع تفشي ظاهرة الفلتان الأمنيِّ الّتي تقودها عناصر مؤثرة في حركة فتح الّتي تعتبر أحد الأزمات المعقدة الّتي تواجه الرئيس وفريق السلطة، ففتح اليوم تقف أمام مشهدين أو تيارين فتح الرئاسة واللجنة المركزية الّتي تحاول السيطرة على مفاصل الحركة، وضبط عناصرها وهو ما فشلت فيه في الانتخابات البلدية الأخيرة في الضفة الغربيَّة، وفتح محمد دحلان الّتي تحاول التأكيد على إنّها رقم مؤثر وثقل كبير على الأرض له تأثيراته في إحداث فِعل وهو تيار يتنامى في ظّل إلقاء المسؤولية على الرئيس بنجاح حماس في بسط سيطرتها على غزة.

 

هذه المشاهد دفعت الرئيس وقيادة السلطة للتحرك عبّر ملفين، الأوّل: عضوية فلسطين في الأمم المتحدة وهو يعتبر معركة للقيادة تريد من خلالها تحقيق عدة أهداف، منها أمام " إسرائيل" المتعنتة في المفاوضات، وأمام الشعب الفلسطينيِّ الذي فقد ثقته بالسلطة، وأمام القوى الإقليميَّة والدوليَّة الّتي ترى بالسلطة كيان ضعيف غير قادر على مسؤوليات المرحلة القادمة، ورغم ذلك إلَّا أنّ إدارة هذا الملف تبدو مرتبكة تعتمد على الفِعل وردة الفِعل حيث لَم تقرر بعد الرئاسة تقديم ملف طلب العضوية للأمم المتحدة حتى راهن اللحظة. أما الملف الثاني: فهو الانتخابات البلدية الّتي أجريت قبل عدة أيام في الضفة الغربيَّة وهي شكّلت مدخلًا لطرح سؤال هام أين غزة من حسابات القيادة الفلسطينيَّة؟

هذا يؤكد على الإرباك السيَّاسيِّ لدى المخطط السيَّاسيِّ الفلسطينيِّ الذي لجأ للحلول البعيدة أو الحلول الّتي يمكن التعامل معها في اللحظة الحالية دون إجهاد أو بعثرة قواه السيَّاسيَّة في ملف المصالحة الذي استنزف الكثير من الجهد دون نتائج، ويبدو إنّه يعبر عن حالة يأس من إمكانية تحقيق المصالحة رغم التدخلات " المصرية- السعودية- اليمنية- القطرية- التركية- الإيرانية" ولكن كلّ هذه الواسطات أو التحركات تبدو كذر الرماد في العيون، وأنّ هناك من يريد لهذا الانقسام الاستمرار لأطول أمد ممكن لاستيفاء المشروع الإقليميِّ متطلباته دون اقحام القضيَّة الفلسطينيَّة الّتي تمثل بانقسامها صك أو شهادة نجاح أو ترياق الحياة لهذا المشروع.

إذن فالمطلوب وطنيًا من الرئيس محمود عباس والسلطة الوطنية هو تعطيل كلّ الملفات والتركيز على الملف الفلسطينيِّ فقط من خلال خيارين، أولهما دعوة كلّ مؤسسات وقيادات السلطة الوطنية والفصائل الفلسطينيَّة ومنظمة التحرير الفلسطينيَّة للعودة جماعةً إلى غزة، وفرض المصالحة رسميًا وشعبيًا على الطرف المتعنت، أو الخيار الثانيِّ وهو الخيار الأصعب والأعقد حل السلطة الوطنية وإعلان انتهائها نهائيًا، وإعادة كُلّ ملف القضيَّة الفلسطينيَّة إلى منظمة التحرير الفلسطينيَّة والأسرة الدوليَّة من جديد.

هذا على الصعيد الفلسطينيِّ المتعلق بالرئاسة وبالسلطة الوطنية، أما على صعيد حركة حماس وحكومتها في غزة، فهي وإنّ نجحت في كسر الحصار على غزة من خلال تثوّير الرأي العام المتعاطف مع القضيَّة الفلسطينيَّة من جهة، واستثمار العدوان الإسرائيليِّ على غزة عام  من جهة أخرى، إلَّا أنّ نجاحها هذا يتأتى على حساب أبناء وشعب غزة الذي يعاني من آثار الانقسام والحصار، فحماس وحكومتها لم تتأثر اقتصاديًا من الحصار ومن الظروف الراهنة، بما إنّها لديها مصادرها الخاصة، وكذلك لديها مصادرها من جباية الضرائب الداخلية من غزة، إلَّا أنّ ذلك لا يعزل حماس عن أزمات سيَّاسيَّة مؤثرة تعيش في خضمها سواء داخليًا أم أمام أبناء شعبها، فحماس رغم الثغرات الّتي أحدثتها في جدار العزلة والحصار إلَّا أنّها لا زالت تعاني من أزمات شديدة استطاعت بفعل قطر أنّ تُحدث اختراق أو فجوة في سيَّاسة العزلة المفروضة عليها، وقد مثلت زيارة أمير قطر وعقيلته لغزة دلالات وقراءات وتأثيرات على مستقبل القضيَّة الفلسطينيَّة، كما أنّ حماس استطاعت أنّ تُخرج حماس من أزمتها الداخلية المتعلقة بالمقاومة من خلال نجاحها في الوصول لاتفاق غير معلن مع حركة الجهاد الإسلاميِّ الّتي حجمت سراياها وخاصة بعد المواجهة الأخيرة قبل عدة أشهر والّتي وضعت حماس في موقف لا تحسد عليه سواء أمام عناصرها أو أمام شعبها، وهو الشيء الذي زاد من أسهم حركة الجهاد الإسلاميِّ شعبيًا على حساب حركة حماس، وهو ما دفع حماس للتحرك بسرعه والضغط على حركة الجهاد الإسلاميِّ والوصول لتفاهمات معينة ستكشف عنها الأيام أو المرحلة القادمة.

في ظّل هذه الحالة تحاول حماس أنّ تخلق كيان قائم بذاته سيَّاسيًّا والاعتماد على الهالة الإعلامية أو الماكنة الإعلامية الّتي تمتلكها هي وجماعة الاخوان المسلمين في فرض واقع جديد أمام الأسرة الدولية عامة والولايات المتحدة الأمريكيَّة خاصة، مع زيادة أسهم حركة حماس مع نجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية المصرية، وهو دافع وحافز لحماس وحكومتها في غزة في ترسيم حدود طموحها وفرضه، بعدما تهيئ لها المناخ المناسب.

إذن أمام هذا الواقع ما هو المطلوب من حماس لإنهاء الانقسام إنّ توفرت إرادة حقيقيَّة؟ حماس حسب الشواهد والمشاهد أبعد في الوقت الراهن عن جهوزيتها لإنّهاء الانقسام، فهي تقود مشروع واضح المعالم يتناغم مع المتغيرات العربيَّة في المرحلة الراهنة لذلك فهي تعتمد على المناورة السيَّاسيَّة، دون الفعل المؤثر لإنّهاء الانقسام، ممّا يتطلب تحركًا فصائليًا وشعبيًا فاعلًا للتأثير على حركة حماس وحكومتها، وهو في حدوده الدنيا غير متوفر بما أنّ التنظيم الرئيسيِّ الذي يمتلك القوة العسكرية والشعبية  الجهاد الإسلاميِّ لا تتوفر له إرادة التحرك على هذا المضمار، بل إنّه أصبح أكثر انسجام مع حركة حماس ويتمتع بمزايا تضاهي مزايا حركة حماس سواء في حرية حركة قياداته وفعالياته الشعبية والعسكرية والسيَّاسيَّة، مقارنة مع هامش الحريات الممنوح لباقي الفصائل، يقابله حالة الترهل والضعف التي عليها الفصائل الوطنية وخاصة فصائل منظمة التحرير الفلسطينيَّة الّتي تعرضت وتتعرض لأقلمة أظافرها وتمنع حتى من تنظيم مهرجاناتها السيَّاسيَّة في الساحات المفتوحة مساواة بحركتي حماس والجهاد الإسلاميِّ.

ثانيًا: المطلوب مصريًا:

مصر هي الراعي الأساسيِّ لملف المصالحة الفلسطينيَّة، كما إنّها الدولة الأكثر اهتمام بغزة بما إنّها جزء من أمنها القومي، وهذه النظرية الأمنيَّة أكدتها جريمة سيناء الأخيرة بشهر رمضان المبارك والّتي راح ضحيتها سبعة عشر جنديًا مصريًا، حيث أنّ هذه الجريمة أكدت الأهمية الحيوية لغزة بالنسبة لمصر، كما إنّها هي الشقيقة الكبرى لهذه الأمة رغم تراجع دورها السيَّاسيِّ في عهد النّظام السابق، وخاصة نحو القضيَّة الفلسطينيَّة الّتي تعاملت معها من جانب أمنيِّ ولّم تمنح دبلوماسيتها أو خارجيتها دورًا مميزًا، ما ترتب عليه فشل ذريع لمصر في منع الانقسام وسيطرة حماس على غزة، والّتي أعقبتها بإجراءات أمنيَّة وسيَّاسيَّة قاسية بحق غزة توحي للقارئ السيَّاسيِّ أنّ مصر كانت متراخية أو موافقة باطنًا على حدوث الانقسام، وهو ما يدفعنا للتساؤل كيف تسمح مصر بسيطرة حماس على غزة وتعريض أمنها القومي للخطر؟ وكيف تسمح مصر بانقسام السودان وتعريض أمنها القوميِّ للخطر؟

رغم أنّ الانقسامين وخاصة غزة لا يصبان في مصلحة مصر لكن هذا المسلك السيَّاسيِّ عبّر عنه ساسة النّظام السابق والإستراتيجية الأمنيَّة المصرية غير المفهومة في تلك الحقبة.

أما بعد الثوّرة المصرية وفوز الإخوان المسلمين بالرئاسة فإنّه وحتى راهن اللحظة لَم تتغير الأمور والسيَّاسات المصرية عن السابق فيما يتعلق بغزة، سوى من بعض الإجراءات الشكلية مثل تخفيف بعض القيود بالمعبر، واستقبال رئيس وزراء الحكومة المقالة في القصر الرئاسي، وهي إجراءات دعائية أكثر منها تأثيرية في مسار السيَّاسة المصرية، ولا تعبّر عن أيّ متغيرات تكتيكية أو إستراتيجية في السيَّاسة المصرية العامة الّتي لا زالت تحتفظ بالخطوط الأساسيَّة للنّظام السابق، ممّا يؤكد أنّ التحديات الداخلية تفر نفسها على السيَّاسة المصرية الرئيسيَّة، وخاصة حوّل القضيَّة الفلسطينيَّة عامة، وغزة خاصة.

فالدور المصري برغم أهميته وحيويته لَم يتحرك بما يتوافق هذه الحيوية بدينامية حول الملف الفلسطيني وخاصة المصالحة، الّتي لا بد وأنّ تخرج من يد جهاز المخابرات المصرية ليد الرئاسة المصرية مباشرة، واستخدام نفوذها القوي لدى كلّ القوى السيَّاسيَّة الفلسطينيَّة لفرض حلول منطقية وواقعية على المنقسمين وأنّ يكون التحرك نحو غزة أسبق من تحرك الأمير القطري الذي هاجم المنطقة بزيارته التاريخيَّة لغزة، وقدم خلالها رؤية وإنّ اختلفنا حولها، إلَّا إنّها تأتي لصالح قطر الّتي لا تشكّل أيّ موازين سيَّاسيَّة مقارنة مع مصر. فكان لابد من أنّ يقوم الرئيس المصري محمد مرسي ومؤسسات الدولة المصرية ممثلة بجهاز الاستخبارات والخارجية بفرض المصالحة من خلال خطوات فاعلة ومؤثرة، كاصطحاب الرئيس المصري للرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السيَّاسيِّ لحركة حماس خالد مشعل ورئيسا وزراء غزة ورام الله، وقادة الفصائل الفلسطينيَّة بكل تياراتها وتوجهاتها إلى غزة والإعلان هناك عن تشكيل لجنة مصرية أمنية – سيَّاسيَّة تتولى الإشراف على حكومة انتقالية فلسطينية مستقلة، وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في مدة أقصاها شهر أو شهران على أكثر تقدير، وبذلك استباق قطر والقوى الإقليميَّة في وضع حد لهذا الملف المعقد الذي يعتبر جزء منه هو من أمن مصر القوميِّ.

 

 

 أكتوبر" تشرين أوّل" 2012

عدد القراءات : 1574
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات