احدث الاخبار

كي لا ننسى

كي لا ننسى
اخبار السعيدة - بقلم - جمال أنعم         التاريخ : 26-09-2012

تحتفظ الجدران بآثار القذائف والطلقات , الواجهات المدمرة على حالها لم تزل ,شاهد إثبات بانتظار التعويضات , تبدو الأحجار أكثر قدرة على مواجهة النسيان , أكثر قدرة على إبقاء جراحاتها مفتوحة في حين يفتقر الإنسان لتلك الإمكانيات , يبدو أقل صلابة , وأكثر قابلية للتناسي , بمقدوره تدبر أمره , ومُواراة الجراحات والتصدعات , وشروخ الروح والجسد .

قضايا الشهداء والجرحى أكثر أوجاعنا إيلاماً رغم كل المعالجات والحلول المسكنة , ما كنا ننتظر أن تت

ناسل الثورة جمعيات ومؤسسات خيرية لكفالة أسر الشهداء وإعانة الجرحى ,أبطال وفرسان اليمن الكبار , كنا ننتظر تعاملاً ثورياً مختلفاً مع قضية الشهيد والجريح , كأن تكون أهم أولويات المرحلة الانتقالية كونها تمثل المؤشر الأبرز للإنتصار لروح الثورة .

إن الإنتكاسة - في رأيي - تكمن في اللواذ بالوسائل القديمة للمجتمع المهزوم , ونحن في قلب ثورة شعبية هائلة قلبت كل المعادلات والموازين , لم يخرج الشهيد من أجل أن يتحول إلى موضوع شفقة أو سؤال , لم يخرج باذلاً روحه رجاء العيش على فائض كرم الباذلين والمحسنين , خرج الشهيد من أجل وطن يكفيه , يسع الشعب بأسره , لو كان فكر على هذا النحو الذي يحكم أداء الجمعيات ما كان أقدم على هذه التضحية .

أنا لا أنتقص من النوايا الطيبة والجهود النبيلة , لكني أنكر الإنتقاص المتلفع بأردية الخير , أكافح نقص العقل , وغبش الرؤية .

يروعني نشوء واجهات بهدف رعاية أسر الشهداء , في حين لو فتشت في العمق لوجدتها تتبرأ من كل ما ناضل الشهداء لأجله . للبعض مبرراتهم في نكران السياسة , في إغفال البعد الثوري من عرائض المناشدات والتوسلات وطلبات التبرع والدعم , يسوغون التضحية بقضية الشهيد الكبرى من أجل إستجلاب الفتات , يغدو الشهيد مشروع صدقه , قضية جمعية خيرية تتولى وضع الشهيد في الصورة التي تراها مناسبة لإنجاح مشاريعها , يتم تخفيض وتقزيم قضيته , إماتة المعنى الكبير الذي عمل على بعثه وإحيائه.

يفرض الواهبون معايرهم ومحاذيرهم ومصالحهم كلوائح منظمة للعمل ومحددة للخطاب , يصير الأمر مجرد إعالة بائسة تبخس قدر الشهيد ومن يعول .

أنا لست ضد المبادرات الحاضنة في هذا الجانب , إنها مهمة شرط أن تتوجه لرعاية أحلام الشهداء وكل ما ضحوا بأرواحهم من أجله , دعم أسرهم يأتي تبعاً لهذا الشرط , مع التأكيد على ألا تكون على حساب الدفاع عن حقهم على مستوى الدولة , وأن لا تنشأ كبدائل دائمة , تسقط مسئولية النظام وإلتزاماته الوطنية تجاههم .

لا شيء يبدو واضحاً في قضية الشهداء , كل ما هنالك وعودٌ سخية وعملٌ فقير, وجهود ترقيعية تمزقنا بأكثر مما ترقع , وتخصم من مجد الشهادة بأكثر مما تعطي وتمنح , لا شيء سوى الإرتباك وقلة الحيلة , التردد والإهمال القاتل.

ما زال الشهداء يقودون الثورة , هم في المقدمة أبداً , كلنا خلفهم ,يتشبث بأرواحهم وطنٌ يغالبُ موتاً كثيراً في الطريق إلى الحياة .

نقتل الشهيد مرة ثانية , حين نحوله إلى مادة للبكاء , إلى مأساة إنسانية مجردة , إلى قصة فقر وفاقه وجوع وأحتياج , يفجعني الإنكشاف المرير الذي تعيشه كثير من عوائل الشهداء , شعرت بالصدمة وأنا أستمع للعزيز شوقي الميموني مؤخراً وهو يتحدث عن صورٍ صادمة من المعاناة التي وصلت حد إنقذاف أُسر إلى الشارع نتيجة عجزها عن دفع الإيجار .

من المهم مواجهة هذه القضايا بصورة جادة وعاجلة ضمن رؤية وطنية شاملة تتجاوز الأداءات الخيرية المجتمعية المحدودة .

قضية الجرحى تمثل مأساة أخرى , موجعة وباعثة على الأسى والشعور بالخزي , ينكسر كبرياء الأوطان بترك هؤلاء الأبطال العظماء لقدرهم ومصائرهم .

إن الألم طريقٌ إنفرادي يسلكه الإنسان وحيداً , ومن المخجل أن يصير جرح التغيير جرح الثورة جرحاً شخصياً , عاهة خاصة , إعاقة ذاتية , تسكن الروح والجسد .

كم من مألآتٍ سيئة , أحالت التضحيات الجسام , إلى مجرد ندم ويأس وحسرة وخيبة ثقيلة الوطأة.

ملفات جرحى الحروب المتلاحقة مازالت تنز دماً وصديداً و دموعاً , وشكاوى لاهبة , آلاف سُلبوا الحياة , وشرف الجندية , فقدوا إمكانات العيش , تناستهم الأوسمة , ووسِموا بالإعاقة , كم من إعاقاتٍ صارت مشاريع تسول وإستجداء .

لدينا آلاف الجرحى ممن لم يحظوا باحتضانٍ واهتمامٍ لا ئقين , وحين تكون الوسائل قاصرة عن إستيعاب المشكل برمته يتركز العبء على الفرد .

يغدو الأمر مشكلته الصرفة وعلاجه مرهونٌ بقدرته على المزاحمة والوصول إلى العافية , وحين لا يكون لك من يسندك فقد تنقطع بك الأسباب والأنفاس في الطريق .

أكتب ويوسف محمد على الفاشق على كرسيه المتحرك في خيمةٍ بساحة التغيير بصنعاء , يحاول بصعوبة خنق مواجعه وفجيعته بما آل إليه من الوحشة والحزن وألم الترك , هذا الشاب إبنُ شمير و شرعب , ذو الـ 24 سنة , قصة فداء

ونبل وجسارة وإباء , نزهو بها ونفاخر .

من القوات الخاصة إنضم باكراً للثورة , أصيب بشظايا في تعز إخترق بعضها مثانته , خطأٌ طبي ضاعف فاجعته , ثم شهورٌ من المكابدة في طلب العلاج والإهمال والإنهاك أوصلته إلى شلل نصفي مقعد .

ثمة مذكرةٌ مرفوعة للأستاذ محمد سالم باسندوة رئيس الوزراء بتاريخ 2 أغسطس 2012 م تضم 22 جريحاً يتصدرهم يوسف , لم تصل بهم إلى شيء مات 3 منهم والبقية ما زالوا ينتظرون توجيهاً يضع حداً لمعاناتهم .

يوم الأحد المنصرم إعتصموا أمام رئاسة الوزراء وقابلتهم في إطار سلسلة من الإعتصامات المرهقة دونما طائل .

لن نشفى أبداً مادامت هذه الجراحات مفتوحة , لن نبرأ من الشعور بالإهانة والهزيمة , لا يليق بأن نتركهم يعيشون داخل جراحاتهم , إنها جراحاتنا , إنها جراحات وطنٍ ثائرة .

الصحوة نت
عدد القراءات : 1654
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات