احدث الاخبار

البردوني..أيقونة الحياة وجلال العطاءات الفكرية الخلاقة

البردوني..أيقونة الحياة وجلال العطاءات الفكرية الخلاقة
اخبار السعيدة - عرض - طارق حنبلة         التاريخ : 01-09-2012

الحديث عن الشاعر (النابغة) عبدالله البردوني هو حديث عن هرم فكري ثقافي سياسي مرصع بماسات العطاءات الإبداعية الخلاقة..التي تسمو بالروح نحو أفق العمل الفكري الهادف والبناء جسدته عبقرية الرجل إلى حد لا يمكن وصفه فهو لم يؤثر في الواقع الفكري اليمني فحسب بل امتد في تأثيره إلى كل بلادنا العربية الحبيبة من الفرات إلى النيل وكان من الأعلام والرموز الفكرية التي غادرت الحياة وخلف إرثاً فكرياً عظيماً وحضارة شعرية لغتها العمق الإنساني والفلسفي ومبانيها الشفافية والجمال وجلال الأعمال البردوني ولد سنة 1348هـ في قرية البردون في اليمن من أبوين فلاحين،أصيب بالعمى بسبب الجدري في الخامسة عشر من عمره وأسعفته الظروف بالدراسة في مدارس (ذمار) عشر سنوات ثم انتقل إلى صنعاء حيث أكمل دراسته في دار العلوم تم عين أستاذاً للآداب العربية في المدرسة ذاتها.

له من الشعر ديوان (من أرض بلقيس) وديوان( في طريق الفجر)و(مدينة الغد)،عاش ضريراً مع الفلاحين.

حرم من أمه صغيراً وأخفق في حبه إخفاقاً مؤلماً ولذلك اتسم شعره بمسحة من الحزن الكئيب،وفقدان بصره جعله يؤثر الصور المسموعة أو الصوتية على الصور المتطورة أو المرئية،ومولده ونشأته في بيئة فقيرة كادحة محرومة طبع شعره بطابع العطف والحنان الشديد على الفقراء المحرومين والمعدمين من أمثاله فهو شديد الإحساس بشقائهم،ولذلك نجده يلمح في ديوانه إلى التناقض الطبقي ويحمل على ترف القصور التي تبني على استنزاف جهد الكادحين..وحرمانه من القلب المحب كان سبباً لنبوغه.

ونجد في شعره الوطني تعبيراً عن إيمانه العميق بوحدة اليمن الطبيعية وبالوحدة العربية،ويشيد بالتعاون والمساندة الأخوية بين مصر واليمن.

أعتقد بعضهم أنه شيوعي اشتراكي ونجد عنده ظلالاً باهتة لقضية فلسطين وذلك كله بوشاح من الأسى والحزن العميق مع سلاسة وعذوبة في وجدانياته وجزالة في حماسته ووطنياته.

والبردوني يحسن رسم الصور وابتكارها وهو مولع كثيراً بالإيحاء والرمزية وتشخيص التجريدات فللفجر شفاه وللمروج صدور وللربى أجفان وللربيع قلب.

مختارات من قصائده

لص في منزل شاعر

شكراً،دخلت بلا إثارة،وبلا طفور،أو غرارة

لما أغرت في رجليك ضوضاء الإغارة

لم تسلب الطين السكون،ولم تدع نوم الحجارة

كالطيف جئت بلا خطى،وبلا صدى،وبلا إشارة

أرأيت هذا البيت قزماً،لا يكلفك المهاره؟

فأتيته ترجو الغنائم أعرى من مغاره

للبردوني نظرة فلسفية فيما يخص الموت وهو القدر المحتوم على البشرية،فقد أصيب بالجدري وهو طفل وكلن يسير هائماً في شوارع صنعاء لا يدري متى تدهسه سيارة أو تطأ جسده بهيمة لذ1لك تعامل مع مقابلة الموت على طريقه الشاعر الذي يعي الوجود دنيوياً وأخروياً:

كل غصن له مذاق جديد *** كالمليحات كل أخرى جديدة

كيف ليست الذي قصفت صباها *** وصباه أن المنايا عديدة

تسبق القتل أو تليه وأنا *** تمتطي صهوة الحروف المبيدة

يا حميتي من ذا يميت المنايا *** كالقوى تأكل الأشد الشديدة

لقد كان البردوني أسير الواقع الحرماني المباشر وكان يرتدي رداء شفافاً من الرومانسية،وكان على رأس هذه المدرسة الرومانسية حيث جسد الواقع اليمني في فترة من فترات حياته بشكل يكاد ينطق من خلال هذه التهويمة الرومانسية.

من هذه الأم الحنون والحبيبة الحسناء من هذه الفاتنة الراقصة على القلوب من هذا الفردوس الأرضي،من هذه الحبيبة الغارقة في العطر والنور.


من أرض بلقيس هذا اللحن والوتر

من جوها هذه الأنسام والسحر

من صدرها هذه الآهات،من فمها

هذي اللحون،ومن تاريخها الذكر

من (السعيدة) هذي الأغنيات،ومن

ظلالها هذه الأطياف والصور

أطيافها حول مسرى خاطري زمر

من الترانيم تشدو حولها زمر

من خاطر(اليمن) الخضراء مهجتها

هذي الأغاريد والأصداء والفكر

أن الشاعر رغم فقدان بصره،استطاع أن يتلاعب بالمفردات وينشئ حواريته الشعرية التي تصل إلى مستويات مختلفة،مسرحية أو تمثيلية أو مسلسلة مسموعة.

من أنت واستبقت جوابي

لهب يحن إلى التهاب

من أنت عزاف الأسى

والنار قيثار العذاب

وعلى جبينك قصة

حيرى كديجور اليباب

إن بعض المحسنات البديعة والأساليب البيانية التي أسرف فيها الشاعر وكذلك الجمع بين المتناقضات قد أكدت حيوية صوره الشعرية وقدرته على إعادة تخضيب تربته الشعرية بعد أن حدث علاقة مع الألفاظ من خلال رؤيته الشعرية الخاصة وفلسفته ونظرته للحياة.


ليس بيني وبينه شيء قرابة

عالمي غربة زماني غرابة

ربما جئت قبل أو بعد وقتي

أو أنت عني فترة بالنيابة

طرائف البردوني


تقبيل وجنة الكلب


في نهاية السبعينات جاء أحد الشعراء إلى منزل البردوني زائراً وفي أثناء الحديث أراد الشاعر أن يلفت انتباه البردوني فقال:لقد اتجهت أخيراً وعن قناعة إلى كتابة الشعر الحديث.

وأسمعه بعض مقاطع وكان منها مقطع يقول(الشمس تقبل وجنة حبيبتي)

فقال له البردوني يا عزيزي ليس في ما أسمعتني أي شيء جديد.

فقال الشاعر(الشمس تقبل وجنة حبيبتي) هذه صورة فنية حداثية إبداعية! فرد عليه البرد وني:ليس في هذا أي جديد،فالشمس تقبل حتى وجنة الكلب!

فصعمي

كان البردوني ذات مرة في حلقة نقاش على الطائرة فتعجب من اللهجة التي يتحدث بها المثقفون والتي هي مزيج من الفصحى والعامية فعلق عليها بالقول أنها تمثل الفصعمي.

تركي

قال له الشاعر الشاب عبد المجيد تركي:لقد حفظت يا أستاذ أكثر من خمسين قصيدة من قصائدك!

فأجابه:إذن ما عادكش تركي!!

وجهاً لوجه

في مطلع الثمانينات وفي إحدى فعاليات المهرجان الثقافي اليمني بالسعودية اختير البردوني مقدماً لصباحية شعرية شارك فيها عدد من الشعراء اليمنيين وقد تصدر الصباحية شاعر دبلوماسي وكان داكن البشرة،وبعد أن أتم قراءة قصائده جاء الدور على الشاعر/عبد الكريم الرازحي الذي بدأ قصيدته قائلاً:

ايها الأسود الخبيث

أيها الأسود القدر

فعلق البردوني :مش هكذا يا رازحي وجهاً لوجه!

فضجت القاعة بالضحك والتصفيق وأول الضاحكين الدبلوماسي الشاعر الذي كان يعرف أن الرازحي يقصد بالأسود النفط وليس ما قصده البردوني ضاحكاً.

ميلاد البردوني
سئل البردوني عن تاريخ ميلاده فقال:

قالت أمي أنني ولدت يوم ولدت بقرة جيراننا وأنجبت تبيعاً(عجل).



أحسن مرق

استضاف الأستاذ أحمد الجرموزي في منزله بتعز الأستاذ البردوني وبعد ساعات رأى الجرموزي الشرطة وهي تجر الجزار الذي أشترى منه اللحم فقد أكتشف أنه يذبح حميراً فرجع إلى بيته مسرعاً يطمئن على صحة البردوني وقال له يا أستاذ كيف صحتك؟الجزار خدعنا وباع لنا لحم حمار.

فرد البر دوني ساخراً(والله يا أحمد أنه أحسن مرق شربناه).

ذاكرة

كان أحد الشعراء يأتي إلى البردوني ويزعم أنه أقوى ذاكرة،فذات مرة سأله البردوني في مجلسه من هي نخلة بنت عامر فأجاب الشاعر:هي صحابية جليلة شاركت مع الرسول في أكثر من غزوة وعندما خرج الشاعر أنفجر البردوني ضاحكاً وهو يقول:نخلة بنت عامر هي أمي.

 

*نقلا عن صحيفة 14 اكتوبر نت

عدد القراءات : 3865
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات