احدث الاخبار

حمادي الراجحي..الحبيب الراحل

حمادي الراجحي..الحبيب الراحل
اخبار السعيدة - بقلم - يحيى يوسف بلال         التاريخ : 04-05-2012

إنه ذلك الإنسان الاستثنائي النادر في زمن المتشابهات, وكان بالنسبة لي هو الأخ, والصديق, والرفيق, والحبيب الذي عرفته قبل أن يعرفه الإعلام, حمادي هو ذلك الصوت الإنشادي الذي نجح وبقوة في تأسيس وإشهار فرقة الفجر الفنية, في مسقط رأسه في مديرية عبس بمحافظة حجة من خلال تلك الأنشودة التهامية الرائعة التي كتب كلماتها الأديب والصحفي محمد شوقي درمان والتي تقول في مطلعها: 
( صلوا على من زكي عقله محمد مصطفى امكامل ... ذي شيد امدين وملة ودمر مشرك ومباطل)


وقد حقق الشريط الذي احتوى على هذه الرائعة قفزة نوعية لهذه الفرقة وجعلها واحدة من أروع وأشهر فرق الإنشاد في اليمن, كم كان رائعا, ومتميزا عندما جاء الى إذاعة حجة كشاب يريد أن يقدم رسالته ويترك بصمته ويبدء مشواره في هذه الحياة, وعمل حينها بلا مرتب, واستطاع في وقت قياسي أن يحدث نقلة نوعية في أداء الإذاعة, بصوته الجهوري المتميز, وأداءه النادر, ومن خلال الفلاشات, والشارات التي كان يعدها, ويخرجها, ويقدمها, وعندما كنت استمع لذلك  لا أكاد أصدق بأن هذا الإبداع من خلال إذاعة محلية. ولقد عرفته أيضاً من خلال برنامجه الجماهيري الشعري والأدبي الشهير في إذاعة حجة (سرى الليل) والذي قفز بالإذاعة, وجعلها تنافس بل وأفضل من كثير من الإذاعات المحلية الأخرى, وكان معظم من يصل إليهم البث سواء كانوا كبارا أو صغارا يترقبون أسبوعيا هذا البرنامج, ويرابطون بجانب الراديو إلى أن ينتهي البرنامج, بعدها ترك حمادي الإذاعة وانتقل الى التلفزيون, وانتقل معه جزء كبير من جمهوره المحب, وبقى الجزء الآخر البسيط يبكي عليه, ويقول لقد انتهت إذاعة حجة بعدك يا حمادي.
حمادي الراجحي هو ذلك الأخ الوفي الذي كان يبادلنا ونبادله الزيارات الى منزله بعبس وإلى قريتنا التابعة لمديرة الزهرة في وادي مور بمحافظة الحديدة وكنا نعيش ونسهر الأيام والليالي في مرح وفرح.

وكان لقائي ما قبل الأخير به قبل ثلاثة أشهر من الآن, أما اللقاء الأخير فشاء الله أن قريبا فقد وفقه الله لأن يزورنا ليلة رحيله, في الساعة الرابعة عصرا, وكنت حينها جالسا في غرفة المقيل مع عدد من رفاق دربه, وعندما سمعت صوته نزلت مهرولا ومسرعا لاستقباله والسلام عليه, وكانت تخالجنى وتشدني مشاعر شوق وحنين لرؤيته, ولم أدري حينها لماذا؟ ولقد كان يحمل رجله اليسرى حملا كنت أشعر بصعوبتها, فقد كانت قدمه مغطى بالشاش والجبس, فتبادلنا السلام والقبلات, وقلت له لقد غبت عنا كثيرا؟ فابتسم قائلا: ظروف عمل, ومرض, وسفر, وسألته عن سبب اصابته في رجله, فرد علي: كسر بسيط, وأتعافى, ثم صعدنا الى غرفة المقيل, وكان يتكأ بإحدى يديه على كتف أحد الزملاء لصعوبة الصعود عليه بمفرده بسبب اصابته, وبدى لي بأن رجله كانت تؤلمه كثيرا, وجلسنا جلسة كانت من أروع الجلسات التي جلسناها سويا حتى الساعة الثامنة تقريبا ولم ندري أن الله قد أرادها جلسة وداع, وعند وداعه لنا واستعداده للخروج قمت لمرافقته وكان واضعا يده اليمنى على كتفي الأيسر فقلت له ممازحا أنت بحاجة الى رفيقة درب تتكأ عليها فنظر إلي ضاحكاً, وقال: إن شاء الله بعد شهر يكون ذلك , وحتى يطمئنني أكثر قال: الحمد لله كل شي جاهز, ودعته بعدها وعدت الى مجلسي، وما هي إلا ثلاث ساعات تقريبا وجاءنا نبأ يقول: رفيقكم حمادي أصيب بوعكة صحية شديدة في الفندق الذي ينزل فيه دائما وتم نقله الى مستشفى قريب من الفندق, وما هي إلا لحظات حتى جاء الخبر الفاجعة ((لقد مات حمادي)) قالها المتصل وهو يجهش بالبكاء, ولولا إيماني بأن: "الموت حق والحياة حق" وإيماني بأن "لكل أجل كتاب" وإيماني بان "كل نفس ذائقة الموت" لما صدٌقت ذلك النبأ. لقد شعرت حينها بثقل في جسمي, ولم تقوى قدماي على حملي, وكنت أتسآل حينها: هل حقاً مات حمادي؟ أن نلتقي مرة أخرى؟ وماذا عن عرسه؟ أحقاً مات ذلك العملاق في جسمه, والبهي في طلعته, والوسيم في صورته؟ هل مات ذلك الإعلامي المبدع, والإذاعي الرائع؟ هل مات ذلك الشباب المتوثب الطامح؟ ما ذا عن الأحلام والآمال والمستقبل البهي الزاهي الذي ظل ينشده حتى إذا ما بدى له,فارقه؟!!

عادت بي الذاكرة إلى الوراء قليلاً,  إلى الكلمات التي مازال رنينها في أذني حتى الآن, ولم يفارقها بعد, والتي لن أنساها ماحييت: "كل شي جاهز.. السيارة البرادو الجديدة, ومتطلبات الزواج, وسأتزوج بعد شهر".
وبرفقة عدد من زملائه ومحبيه انطلقنا بسرعة وكنت في المقدمة لاستقباله, ولكن هذه المرة لن يكون الاستقبال كما كان قبل ساعات قلائل, لأن حمادي سيصل إلينا جثة هامدة, وقد فارقت روحه الطيبه جسده الطاهر, وعند وصوله لم أتمالك نفسي كغيري من زملائه ورفاقه ومحبيه الذين تواجدوا في مستشفى جامعة العلوم بصنعاء عن البكاء ومنٌا من ظل يبكي بغزارة ليؤكد لنا معنى الفراق, تقدمت إليه بروحي الحزينة المتألمة المكسورة وأزحت البطانية عن وجهة وطبعت قبلة محب مودع لمحبوب مودع بين عينيه, وسألت الله جل وعلا له الرحمة والغفران, ولقاء قريب معه في الجنان.

عدد القراءات : 3733
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
احمد عياش
رحم الله الرائع حمادي والقارئ لما خطت انامل الاستاذ الفاضل يحيى بلال يحس بانها كلمات لم تخطها الانامل فحسب بل شاركها القلب في حزن عميق وفقد لعزيز
علي قرزح
كلنامربلحظات كهذه"فقدعزيز"..وكم شعرناحينهابأنافقدناجزءاًمنالايمكن تعويضه.شخصياًتعاندني الكلمات حينماأحاول أن ارثي بهارحيل عزيزعلي،تمامامثلماعاندها"بلال"وأرغمهالتوديع رفيقه..رحمه الله وأسكنه فسيح جناته