احدث الاخبار

دموع المهاجر يسلم بن علي

دموع المهاجر يسلم بن علي
اخبار السعيدة - بقلم - الدكتور/عبدالعزيز صالح بن حبتور*         التاريخ : 04-03-2012

شعرت بسعادة غامرة عندما سمعت بصدور ديوان جديد للشاعر الجميل يسلم بن علي باسعيد ""دموع المهاجر"" والشاعر أعرفه أسماً وعلماً منذ أن كنت طالباً بالإعدادية في المدرسة الإعدادية عزان م/ شبوة، في مطلع السبعينيات.

حينها كنت استمع باهتمام لصوت شجي وعذب ينساب اللحن بعذوبة صافية من حنجرة أحد زملائنا (رحمة الله عليه) وهو المرحوم /علوي صالح حوشب بن فهيد، كان يترنم بكلمات الشاعر وبأبياته الجميلة وكان يمتعنا بروعة أدائه وصوته الرخيم الساحر، وهي ذات الأبيات والقصائد التي تغنى بها كبار الفنانين الذين غنوا وأطربوا محبيهم لردح ٍ طويل ٍ من الزمان، بل أن هذه الأغاني لا زالت حتى يومنا هذا نتذوقها ونستمع إليها بشغف متى ما تسنى لنا سماعها.

فلا غرابة أن تلحن وتغنى قصائد الشاعر يسلم بن علي من قبل العديد من الفنانين الكبار أمثال:ـ

غنى الفنان المرحوم / طلال مداح للشاعر عددٍ من القصائد أبرزها:

(1) في سلم الطائرة (2) ياعسكري فك الإشارة (3) معاد لي نفس.

وغنى الفنان الكبير جداً/أبو بكر سالم بلفقيه له ـ

(1) وأنا مالي إذا قالوا رفع رأسه (2) سرقت النوم من داخل عيوني (3) إلى هنا وانتهينا

(4) قوت العاشقين.

وكذلك الفنان المرحوم / أحمد يوسف الزبيدي غنى له :ـ

(1) إشاعة حب (2) قر ياطير (3) كم راسي قالك .

كما غنى الفنان المرحوم/ فيصل علوي له :ـ

(1) نصحتك (2) سقوك المر(3) الحبيب المثالي

كما غنى له العديد من الفنانين الآخرين على سبيل المثال علي العطاس  وعلي الصقير والعيدروس والجفري ومحمد عمر وصالح السيد وعبدالله النجار وسعد جمعة  وناصر السعد وعلي العمودي والفنانة عتاب .. الخ من فنانين الجزيرة العربية.

فلا غرابة أن يبرز شاعر بهذا العمق في المغنى والغزارة في المفردات والمخزون الهائل من الحنين للوطن "" لجنة الدنيا عماقين".

الشاعر ينحدر من قرية صغيرة تسكن في أحضان جبال شاهقة هي جبال (لصفر ودحان) والمتوازية مع وادي سحيق وطويل يسمى وادي عمقين تتناثر حوله القرى والبلدات والمدن ، وهذه الجبال الوعرة والقاسية وأحياناً الموحشة تنمو فيها أجمل الإبداعات النثرية والشعرية وجبال شبوة وصحاريها وأوديتها تزخر بهؤلاء الشعراء الذين يقرضون الشعر بتلقائية وسرعة متناهية وأظن ان الاعتزاز بالذات وصفاء النفسية ونقاء السريرة وهمس الجبال هي مصدر إلهام هؤلاء الشعراء ، فلشبوة وجبالها وأوديتها وهضابها وسواحلها سحر لا يقاوم وهي بيئة خصبة للشعراء منذ القدم.

بيئة الشعر وخصوبة الخيال وثراء المفردات وجزالة اللغة وصدق المشاعر ونقاء السريرة هذه مخرجات الجبال والأودية وأشجار العلب والمشط والسمر والقتاد والقرض ومجاني النوب في ممالك العسل الثبوي الأصيل.

هذه مخرجات بل وإفرازات تربية الأصالة للإنسان اليمني النابت من قرى وسواكن وشعاب وقمم جبال السوط وكدور، ريدان ، عيلان ، رهوان ، كور العوالق وسهول المبرك قرى ترعرع فيها نخبة عجيبة من أساطين الشعر البدوي في ذاك الزمان " القبلي" ولكنهم تواصلوا مع أنغام وألحان عمالقة الفن في حاضرنا .

لقد أنجبت تلك القرى النائية الفقيرة مدرسة متأصلة لشعر قوي يتردد صداه في مسامع المتذوقين حتى يومنا ولقد برزت من تلك القرى والشعاب النائية مدارس شعرية قوية لفحول الشعر البدوي الأصيل ، فمن واد جبان برز الشاعر علي بن يسلم بن لعور ومن الصعيد برز الشاعر مذيب بن صالح بن فريد العولقي ومن قرية (عزان – العطف) برز السيد محسن بن أبي بكر البغدادي الهاشمي ومن بيحان القصاب برز الشعراء ناجي المعصبي  وعبدالله الكدادي وعبدالله علي لحول والشاعر علي مهدي الشنواح (ابا جميلة) (شاعر الفقراء والاقنان والعواصف) ومن غيل حبان الشاعر/ أحمد بن حيدره بن حبتور ومن لماطر الغناء الشاعر الشهيد/ محمد بن صالح باسرده.

ومن ارض لقموش برز الشاعر عبدربه بن صالح القميشي. وبرز منها العديد من الشعراء الغنائيين أمثال:

-       الشاعر أحمد بن سعيد الواحدي (رحمة الله عليه).

-       الشاعر أحمد أبو مهدي (رحمة الله عليه).

-       الشاعر عوض عبدالله المسلمي (رحمة الله عليه).

-       ومعالي الأستاذ /الشاعر أحمد مساعد حسين أبو مالك ( حفظه الله)

-       والشاعر الجميل/ حسن عبدالله عبد الحق (حفظه الله).

هؤلاء الشعراء استمدوا واستلهموا شعرهم من تلك الروابي والجبال الشاهقه التي تتحدث لغة الأساطير والأمجاد ولغة المفردات الموحشة إحياناً يهيم معها المهاجر " المفارق" إلى أن يعود إليها  وإلى تضاريسها بفعل الطبيعة الإنسانية عودة الفرع للأصل عودة الفرد للجماعة وعودة الاهتمام الوجداني بين الإنسان والطبيعة بين المهاجر وجليسه في البراري والأفياء ليجلس مع أشجار( العلب والمشط والقتاد ونخلة السقطرى والعزاني والبقول) ، هذه المعايشة ربما لايدرك معانيها إلا من يلتحم بالتجربة ويكون جزء منها شأنه شأن ""الدوعني"" الذي يغادر قراه وجباله لعشرات العقود ولكنه يحن لأرضه وأهله فيعود وكذلك ""الحضرمي"" يحن لجبال تريم وشبام و""اليافعي"" يحن لجبال يهر ولبعوس وجبال حرير والمهاجر ""الأبي"" يشد الرحال مرة كل عام ليزور بعدان والشعر وخبان وروابي أب الجميلة و""الضالعي"" يشده الشوق لجبال الشعيب وحردبه والمقطري لروابي جبال المقاطرة.

أن الحنين الأسطوري الذي يعرفه الشعراء ومنهم شاعرنا الجميل يسلم بن علي باسعيد الذي ترجم بنبرة العاشق حبه للوطن اليمني ولقرية "عماقين" قرية المبدعين والشعراء.

لقد تنوع شاعرنا في اشعاره ونثره فعندما كتب للوطن والوحدة كانت قصيدته قوية جزله واضحة البيان وبأن ماضي التشطير ولى ولم يعد لها مكان لا في الواقع ولا في الوجدان لأن الوحدة اليمنية  إعادة الاعتبار للإنسان اليمني.

وعندما  كتب في رثاء الشاعر الكبير/ حسين أبو بكر المحضار أظهر مقدرة هائلة على تكثيف وحشد المفردات لقامة شعرية عالية ، أظهر حزنه وحزن القوافي ومدارس الشعر وطهر كل ذلك بدموع المحب للمحضار.

أما شعر الغزل فقد كان شلال من العواطف المرهفة وهي تشبه ( السيل المروس) القادم من رؤوس جبال رهوان والمبرك والعناب وغيرها من قمم اودية عماقين.

هذا الشاعر أثرى بشعره حقول عديدة من فنون الكلمة ولكنه أهمل لفترة طويلة دون أن يكترث بأدبه وشعره أحد برغم كل علاقاته الواسعة وعطائه الجزيل.

لأنه كالشجرة المثمرة يحلقون حولها لأخذ الثمار أما إذا فات الموسم فقد انفض من حوله السمار.

هذا حال العديد من المبدعين الذين يتوارون دون اهتمام كل الجهات لكن يبقى عزائه أنه أهدى للوطن أجمل إشعاره ولعماقين أحلى قصائده ولنا المتذوقين أجمل إبداعاته.

نسأل الله له بالصحة وطول العمر

والله من وراء القصد،

 

*رئيس جامعة عدن

عدد القراءات : 7576
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات