احدث الاخبار

حراس القيم : استرداد وطن

حراس القيم : استرداد وطن
اخبار السعيدة - بقلم - عبده عماد         التاريخ : 03-03-2012

عندما كان صوت الفنان القدير الثائر ايوب طارش - الذي يعتبر بحق السجل الحي الفني للثورة في الماضي والحاضر - يصدح في جميع ساحات التغيير وعلى رأسها ساحة الحرية بتعز , اول ساحات الثورة ,,, وبالذات انشودة السلام الوطني ( رددي ايتها الدنيا نشيدي ) وغيرها من الاناشيد والأغاني الوطنية , توجهت بهذا السؤال الي اخي الشقيق وهو قادم من الريف , كما وجهته الي كثير من الثوار من قبله .. هل كنت تجد وقعا لهذه الاغاني الوطنية او صدا او تجاوبا او نكهة قبل هذه الثورة ؟
 فكانت اجابته لا تختلف كثيرا عن بقية اجابات اخوانه الثوار وزملاءه , اجاب ( بالطبع لا ) مع اهات وزفرات وحنين , وكأنه يريد ان يقول لم نفتقد فقط لوقع هذه الاغاني وإنما افتقدنا وطن ,,
حيث ان السامع لهذه الاناشيد والأغاني الوطنية قبل الثورة كان لا يرى فيها إلا صوتا منقطع من الماضي السحيق البعيد الذي كان له فيه يوما ما وطن ,, وهكذا هو شعور المثقفين والأحرار والثوار وغالبية ابناء شعبنا اليمني قبل هذه الثورات , الذين عاشوا مهاجرين في وطنهم , مغتربون بين اهليهم , مطاردون في منازلهم , في قراهم , كلمة غرباء قليلة عليهم , تائهون وصف قريب الي الحقيقة ,,
 صار الانسان اليمني الحر العزيز الكريم المعروف بحبه الي درجة التعصب لوطنه وأهله اينما وجد ,, اصبح حالهم خلال هذه الحقبة الظالمة المظلمة , لا يلتفت ان رأى خارطة الجمهورية اليمنية , وان التفت كانت التفاتة المختلس الخائف الحزين المستحي الخجول , الذي يحس ان هذا البلد لم يعد له سكنا ولا امنا ولا عزا , ,,
والذي كان يقلب قنوات التلفاز يعبر مسرعا فوق قناة الفضائية اليمنية , التي كانت من اشد رموز التطبيل والترويع والترهيب , ولا اعتقد ان احد كان يتشوق لحظة لسماع هذه القناة إلا اذا كان هناك برنامجا فكاهيا قريبا من برنامج عبده الجندي , الذي كان يجبرنا على الضحك بعدما فقدنا الضحك ,,
والذي كان يرى صور العروض العسكرية كانت تنتابه نوبات من الاشمئزاز والخوف والقلق  , لأنه يعرف ان اكباد ابناء اليمن ( دق الارض دقه لا تمشي دلا ) تسخر من اجل رموز وأشخاص ,, كما ان هذه العروض تعزز عنده ان هذا الجيش هو ايضا آلة من آلات مصادرة وطن , ,,
وهكذا تحدث عن الصحف الرسمية التي لم تكن إلا وسيلة من وسائل نشر الكهنوت والجهل , إلا ما ندر من بعضها او بعض المقالات فيها , كانت تتبدى كشموع في ليل مظلم حالك ,, وهكذا كل ما هو رسمي ,,
, كان اليمني اذا حلقت به طائرة الجابو اوالرباص او البوينج  , فوق مطار صنعاء متجه الي بلد اخر يشعر كأنه ولد , او حرر من سجن كبير , او اطلق من بين انياب مستعمر بغيض ,, هذا اذا قدر له ان يركب طائرة ولم يمت على الحدود سيرا على الاقدام ,,
 ورغم هذا الفضاء الذي يعيش فيه اليمني في هذه اللحظة , لحظة عبور الاجواء إلا انه مسكون برعب لحظة العودة الي هذا السجن الكبير , وكأنه يختزل كل سنين غربته التي سيعيشها في عواصم ومدن الدول المتحضرة , التي طالما اشتاق اليها وهو يسمع عنها او يراها ,,
اما لماذا هذا الاختزال في رحلة الذهاب والإياب , لان اليمني عاشق لوطنه بفطرته , ولكنه مكره اخاك لا بطل ,, ( والله انك لأحب البقاع الي قلبي , ولولا اهلك ما خرجت ) ,, ولن نتحدث عن اليمني خارج وطنه , بل سنعيش معه في رحلة الاختزال وهو مازال في الاجواء مغادرا الخارج وعائدا الي وطنه  ,, فإذا غادرت طائرته البلدان العرائسية الجميلة ,, وما ان يقال له ان الطائرة على ارتفاع كذا من مطار صنعاء ,, فتطل عليه تلك العاصمة اليتيمة الحزينة الكئيبة مقارنة بعواصم العالم ,, اضواءها خافتة مبعثرة في مساحات صغيرة , والبقية في حالة انطفاء ,, هي اقرب الي المقبرة مقارنة بالرياض او القاهرة او عمان او حتى اديس ابابا ,,
 اما اذا نظرت الي رجل الامن الذي يستقبلك في المطار ولن اتحدث هنا عن بقية المحطات ما بين قاعة المغادرة في أي عاصمة وصالة الاستقبال في مطاراتنا ,, اتحدث عن رجل الامن الذي يستقبلك بذلك الوجه المتورم , اوداجه المنتفخة , ووجه البشع , ونظراته المخيفة الموحشة التي لا تستطيع ان تفرق بينه وبين اكابر السجانين , وما ان تناوله جوازك كي يبحث عن كشوفات تحت سترته يدقق فيها , ان كان اسمك من الخطرين لديه , ثم يذهب ويعود , ويذهب مرة اخرى ليعيد لك الجواز فتحس انك تجاوزت اخطر وأبشع مرحلة في مرورك الي السجن الكبير ,
الافاعي فيه منتشرة في كل مكان في البوفيه والي جانب كبينة الاتصال , وفي الترانزيت , التي طبعا محرمة على اليمني ان يبيت فيها رغم ما فيها , اذا كنت ستواصل رحلتك الداخلية والخارجية , ينام امامك شخص غريب , والمنظف غريب , والذي يمر يتفقد امتعة المسافرين ايضا غريب , اناس الوحوش تبرا من مناظرهم , وملابسهم , ومنطقهم , وإذا خرجت من المطار بأمان دون ان تتشاجر مع احدهم واستقبلك سائق التاكسي الذي هو اكثر بشاعة وبلادة من غيره , يفتح لك شريط لسانه الذي يصم به اذنك ويعكر مزاجك المعكر اصلا  بحديث لا ينقطع , عن انجازات النظام حتى ولو كان مابين سفرك والعودة اسبوع , ولا يتحرج ان يتحسس جهازه الرسمي او مسدسه الدال على اهميته ..
استطاع هذا النظام ان يجعل البلد وكل ما يدل عليها موحش , كئيب ,, حتى علم اليمن بين اعلام البلدان تراه علم متسول يحكي لك تاريخ قاس من المتاعب والأهوال والأحزان ,, وإذا ما نظرت الي العملة الوطنية بين بقية العملات وجدتها شاحبة مريضة وسخة ميتة رخيصة في ارضها , اما الخارج فلا قيمة لها ولا يعترف بها ,,
 نعم كانت عصابة الحكم افظع مليون مرة من عصابة المستعمر الاجنبي ,, لم تدع قيمة للوطن ولا رمزية وشموخ للعلم , ولا قيمة او وزن او احترام للعملة , ولا هيبة لرجل الدولة , ولذلك فقد اليمني قبل هذه الثورة الطعم والذوق لكل شئ ,, لا حرية في سجن كبير كل شئ فيه مصادر ,, لا اثر للنشيد الوطني , لا قرة عين للعلم ,, لا راحة للخارطة , لا حضن دافئ من القريب او البعيد ,, وهكذا لو بحثت وخطوت خطوة خطوة , لوجدت كل شئ مصادر مع ثلة من المخربين والمستعمرين والمستخدمين مصاصي الدماء ,ولن تجد مكان تأنس اليه او تامن او تستبشر فيه , لا فندق ولا المستشفى ولا المدرسة ولا الجامعة ولا المؤسسة الرسمية , لا قسم الشرطة ولا حتى فرزة السيارات , وحتى بيوت الله ومنابرها لم تسلم من جرائم هذه العصابة ابتداء بسرقة الاحذية وانتهاء بسرقة الافكار والعقول والأرواح , ,
ولذلك كنت من ضمن هؤلاء الكثير الذي حاول النظام ان يفقدنا الشعور بالانتماء للوطن ,, وأعادني حنيني الي وطني لكل اتشرف بالمشاركة مع اخواني الثوار في هذه الثورة التي اشعرتني من اول يوم فيها اني  مازال لي وطن , وازداد هذا الشعور يوما بعد يوم حتى  بعد نجاح الاستفتاء الشعبي لعبده ربه منصور هادي رئيسا جديدا لليمن , مبشرا بميلاد جديد لوطننا , الذي ستعود فيه خارطة اليمن الي القلب والروح بكل  الرموز التي تدل عليها ,,, غدا يوم ان  نرى اهداف الثورة قد تحققت بكاملها ,
 يوم ان يخيم الامن الحقيقي على ربوع كل اليمن , ويستظل كل يمني تحت راية العدل , وتعود رمزية وقدسية كل شئ الي وضعها الطبيعي , برؤية رجل الدولة المتحضر المدني المثقف الخلوق في كل موطن من مواطن العطاء والإنتاج وبناء اليمن من جديد ,,
وحتى  لا يسرق منا الوطن او يصادر او يحدث ضعف بالانتماء للأجيال القادمة ,  فأننا ندعو كل يمني وكل حر وكل مكون على ظهر هذا الوطن ان يعمل ليلا ونهارا حتى لا نستعمر ثانية , ولا نحكم بوحوش الخوف السري , ولا يصح لنا بعد اليوم ان  نسمح لأي قوة كانت حزبية او قبيلة او عسكرية او عائلية ان تصادر وطننا الغالي الذي بدأنا نتنفسه , ولا ينبغي لنا ان نستغفل او ننام مرة اخرى حتى لا يعيش الابناء هذه الجرائم التي هي ضد الانسانية وقيمها ,,
وبذلك  نكون  قد عملنا جميعا من اجل استرداد الوطن بشكله النهائي ,, يوم نرى كل مواطن متمتعا بالحقوق والحريات , له الحق في المشاركة في صناعة مستقبله , له الحق في ثروة بلاده , يوم نرى كل طفل يمني قادرا على تحصيل علمه بدون شقاء وبدون مدارس اهلية , يوم نرى كل مريض قادر على الحصول على علاجه ,, يوم ان لا نرى عاطل عن عمل , يوم ان نرى كل صاحب حق يصل الي حقه دون الحاجة الي وساطة او رشوة او اعطاء الدنية في دينه , يوم ان نرى صاحب كل فكرة او مساهمة ثقافية يعبر عن فكرته في أي مصدر اعلامي وثقافي دون ان يكفره احد او يخونه او يتجسس عليه او يلاحق بشتى انواع الملاحقات ,, عند كل ذلك تكون ثورتنا قد حققت كل اهدافها باسترداد الوطن  كل الوطن ,,     

 

عدد القراءات : 2155
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات