احدث الاخبار

"اخبار السعيدة " تنشر نص كلمة الرئيس السابق علي ناصر محمد في الحفل التأبيني لأربعينية الدكتور عبد القدوس المضواحي

اخبار السعيدة - صنعاء (اليمن)         التاريخ : 26-02-2012
  • تيار المستقلين الجنوبيين يسعده جدا تعميم فائدة الكلمة التي القاها السيد الرئيس علي ناصر محمد في الحفل التأبيني لفقيد اليمن عبدالقدوس المضواحي-مع تحيات طاقم العمل برئاسة العميد الخضر الحسني‎

الرئيس / علي ناصر محمد

                                 القاهرة 25/2/2012

 

السادة الحضور الأكارم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

نجتمع اليوم بعد أن شهدنا عاماً محفوفاً بالتطورات النوعية التي تحمل اسم الربيع العربي ، والتي أدت إلى سقوط أنظمة عربية ما كان لها أن تسقط لولا إرادة الشباب والشعوب في التغيير  وتعطشهم للحرية والعدالة، بالرغم من محاولات جرهم إلى الماضي الغارق في تفاصيل لم تعد لها من قيمة في رقميات الحداثة وأبجديات المستقبل..

 

نجتمع إذاً ونحن أمام مشهد غير مكتمل لمستقبل هذه الثورات ، ولعل تواجدنا هنا هو نوع من الإقرار الضمني بنجاح بعضها في تحقيق الأهداف الأساسية ، إضافة إلى أننا نجتمع اليوم لمناسبتين لاتنفصلان عن بعضهما من جهة ، ولا عما يحدث حولنا وارتباطه بماضي المنطقة وحاضرها ومستقبلها من جهة أخرى : ذكرى وحدة مصر وسوريا و وقفة وفاء في ذكرى صديقنا الراحل الدكتور عبد القدوس المضواحي رحمه الله.

 

فبقدر ما وفرت الثورة المصرية المباركة في 25 يناير ، والتي احتفل المصريون والعرب قبل أسابيع بذكراها الأولى،  فرصة للتأمل في عبر التاريخ وسنن التغيير ، وفرت أيضاً فرصة لا تقل أهمية في إعادة ولو جزء من الاعتبار لمكانة مصر عربياً وإسلامياً ، واستعادتها لدورها القومي الحاضن للثورات وحركات التحرر في المنطقة ، والمتبني لقضايا الأمة ، والدافع باتجاه التفكير مجدداً في الوحدة ، ليس بالضرورة الوحدة العربية سياسياً ، بل الوحدة بعموميتها ، وفتح آفاق جديدة ورحبة لها بعد أن تلاقحت الثورات الشبابية الشعبية السلمية في عدة أقطار عربية وعززت لغة المحاكاة بأوضح صورها.

 

في ذكرى الوحدة المصرية – السورية 1958م ، أذكركم أن فك الارتباط هو الخيار الوحيد الذي أمكن القائد الراحل جمال عبد الناصر فعله بشجاعته المعهودة ،بعد أن أدرك حتمية فشل الوحدة بسبب عدم توفر الشروط الموضوعية الملائمة لاستمرارها ، إضافة إلى الأخطاء التي رافقتها والمؤامرات الاقليمية والدولية التي تعرضت لها ، كان يعرف أن لا مكان للوحدة بالقوة أو الدم .. و الأمر ذاته يذكرنا بالوحدة اليمنية ، التي اندفع الموقعون عليها في العام 90م دون دراسة ، ولا رؤيا واضحة ولا استفتاء شعبي ، فتعثر المشروع العظيم للأسف بعد أربع سنوات فقط من قيامها ..

كان يفترض قبل إتمام خطوة كهذه تحقيق الوحدة الوطنية على مستوى الدولتين اللتين كانتا قائمتين آنذاك : الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، ومن ثم الاستفتاء على الوحدة شعبيا وهو ما لم يحدث . ومع ذلك فقد باركت جماهير الشطرين قيام الوحدة ، لكن هذا الحلم الوطني العظيم سرعان ما فقد بريقه لأن القيادة التي وقعت على اتفاقية الوحدة لم تكن في مستوى المسؤولية التاريخية ، و قادت ممارساتها إلى سلسلة من الاخطاء القاتلة أدت إلى الاقتتال والانفصال في صيف العام 1994م ، وبدلا من أن يعالج الطرف المنتصر في الحرب تلك الأخطاء ويعمل على تجاوز آثارها، أمعن في ممارسات الضم والإلحاق والفيد والنهب وإقصاء الجنوبيين ومصادرة حقوقهم الوظيفية والمالية دون وجه حق ، حتى خرج الشعب غاضباً وبصورة حضارية مشرفة، في أول ثورة سلمية في المنطقة بانطلاقة الحراك الجنوبي السلمي 2007م ، الذي لايزال حاملاً سياسياً وميدانياً للقضية الجنوبية العادلة ، ومن ثم انطلاقة شباب التغيير في ساحات الشمال.

 

الحفل الكريم:
نتحدث عن الوحدة المصرية السورية وعن الوحدة اليمنية، وفي خاطري من كان يجدر أن يكون معنا الآن لأنه ارتبط  دائماً بها جميعاً، صديقنا الدكتور عبد القدوس المضواحي رحمه الله ، فهو الناصري القومي المخضرم ، ورجل الفكر الإسلامي المعتدل ، وصاحب الرؤية والبصمات الوحدوية العروبية والإسلامية ، وطالما كان له دوره في تقريب وجهات النظر وتعزيز الروابط، كما كان للرجل النبيل بصماته التي لا تنسى  في الوحدة اليمنية منذ وقت مبكر.

 

لم أكن أعرف في آخر مرة التقينا...  قبل وفاته ببضعة أيام..أنها ستكون المرة الأخيرة التي أقابله فيها ... صديقي العزيز عبد القدوس...صديق السنوات الطوال... أكثر من ثلاثين عاماً ..تراكم علاقة إنسانية عظيمة...وصداقة  فريدة كان عمادها  وفاءه الكبير وأُلفته التي لم أعهدها في كثير من البشر غيره ...

  كان يوما قاهرياً  بارداً من نهاية ديسمبر الماضي، و كنت في طريقي إلى مطار القاهرة متوجهاً إلى دمشق، اتصلت به لأودعه هاتفياً نظراً لضيق الوقت، لكنه – وكأنه كان يشعر أننا لن نلتقي ثانية – أصر على اللقاء.

 

  تأثرت كثيرا وأنا أراه مقبلاً علي ببشاشته ووده المحببين، حاملاً معطفه وقبعته ليقدمهما لي وهو يقول برجاء صادق: "أخاف عليك برودة الجو في الشام، أرجوك أن تأخذهما معك... لن تسافر بدونهما"...

 

حضنته يومها،  وقد أعطاني الدنيا بمجرد اللفتة، ولم تكن غريبة عليه هو الذي عوّد من حوله دائماً على أن يكون شلال ود وعطاء.

تعرفونه جميعاً و كل من حضر هنا اليوم من خيرة الشخصيات الوطنية السياسية و الفكرية و الإعلامية ، أصدقائه و أحبابه وأفراد عائلته، أتوا من كل مكان في أربعينية هذه القامة اليمنية الشامخة، التي قل نظيرها وصح فيها قول المتنبي:

 

وَأَفجَعُ مَن فَقَدنا مَن وَجَدنا *** قُبَيلَ الفَقدِ مَفقودَ المِثالِ

يُدَفِّنُ بَعضُنا بَعضًا وَتَمشي *** أَواخِرُنا عَلى هامِ الأَوالي

كلنا راحلون، وتبقى أعمالنا وكذلك الذكريات، ولا أعتقد أن أحداً يذكرك إلا محباً و كريماً وصديقاً ومناضلاً... لم تتغير أبداً منذ عرفتك أول مرة في عدن قبل أكثر من ربع قرن... وجدتك أنت ذاتك في كل مكان ، صنعاء و دمشق والقاهرة وبيروت ، وفي كل ظرف ومؤتمر، وفي كل المحطات، كنت دائماً صافياً كجدول رقراق وثابتاً على مبادئك كجلمود صخر، حضور سمح واسع الآفاق عميق الخبرة...


عبد القدوس أفتقدك... كلنا نفتقدك ... يعزيني أن أراك في وجوه عائلتك ومحبيك ... وفي بصماتك الدافئة حيث عبرت... في استمرارك عبر منجزات نضالك الطويل...   لكن فراغ غيابك لا يملؤه أحد ...

والسلام عليكم ورحمته وبركاته

عدد القراءات : 2246
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات