احدث الاخبار

الحوثيون ومبررات وجودهم

الحوثيون ومبررات وجودهم
اخبار السعيدة - كتبه - الدكتور/ محمد عبدالله عايض الغبان         التاريخ : 08-12-2011

ظاهرة الحوثيين في اليمن حديثة نسبيًا , ويتمركز الحوثيون أساسًا في محافظة صعدة ذات البعد الزيدي , فقد كانت صعدة مقرًا لإمام الزيدية في عصره الهادي يحي بن الحسين بن القاسم الرسي الذي قدم إليها في نهاية القرن الثالث الهجري , ونشأته أساسًا في المدينة النبوية , وقد قدم إلى اليمن لإجراء صلح بين قبيلتين متخاصمتين فطاب له المقام هناك, والتف بعض الناس حوله كونه ينتسب إلى أهل البيت , ومن ثم انتشر المذهب الزيدي في اليمن على يديه في هذه البقعة وما جاورها , وبعض أهل العلم يرى أن الهادوية مذهب مستقل عن مذهب الزيدية , وجرت على يديه ومن خلفه من الحكام المنتسبين إلى أهل البيت على مدى عصور متعاقبة حروب كثيرة بين أتباعه لاعتبارات مذهبية , وكذلك بين أتباعه من جهة وغيرهم من الدويلات والقبائل التي لم تعتنق هذا المذهب من جهة أخرى , وقامت لهذا المذهب الجديد دويلات في صعدة وما جاورها , وتمتد أحيانًا إلى مناطق أبعد , وأصبح للدولة القاسمية في العصور المتأخرة نفوذ أكبر على معظم مناطق اليمن , و كانت السلطة السياسية لهذا المذهب سببًا محوريا في تحول مناطق بأكملها من مذهب أهل السنة إلى مذهب الزيدية , رغبة ورهبةً , وجهلا في حالات كثيرة , ومن المعلوم أن المذهب الزيدي هو أقرب المذاهب إلى أهل السنة , بل وتعتبر الرافضة الاثنا عشرية المنتسبين إليه من النواصب المعادين لأهل البيت , فلا فرق بينهم وبين أهل السنة في نظرهم , إلا أن فرقة من فرق المذهب الزيدي غلت في التشيع إلى حد الرفض التام هي الفرقة الجارودية التي تكفر الصحابة رضي الله عنهم لتركهم بيعة الامام علي رضي الله عنه , وممن نشأ على هذا المذهب من المعاصرين بدر الدين بن أمير الدين الحوثي الذي رحل إلى طهران , وأقام بها سنوات عدة تأثر خلال هذه الفترة بالمذهب الاثناعشري , فأخذ يغمز المذهب الزيدي لتقصيره في حق آل البيت وعدم منحهم حقهم الإلهي في الحكم , وسار على نهجه أولاده فأسس ولده الأكبر حسين بن بدر الدين الحوثي مع مجموعة ممن يعتنق مذهبه (حزب الحق) بعد قيام الوحدة اليمنية في عام: 1990م وتبني الحكومة للديمقراطية منهجا للحكم ففتح الباب على مصراعيه لإنشاء أحزاب سياسية كمتطلب من متطلبات الحكم الديمقراطي , وأسس أخوه محمد بن بدر الدين الحوثي مع بعض رفاق دربه ( منتدى الشباب المؤمن ) هكذا أسموه , ثم حصل تصدع وانشقاقات داخل المنتدى الذي تحول على يد حسين بن بدر الدين الحوثي إلى حركة سياسية ذات شعار: ( الله أكبر الموت لأمريكا , الموت لإسرائيل , اللعنة على اليهود , النصر للإسلام )، يردده أتباعه أدبار الصلوات , وهو شعار مقتبس من الثورة الخمينية الإيرانية .

وتقوت العلاقة بينهم وبين دولة إيران الرافضية وحزب الله اللبناني التابع لها , وأخيرًا كان لرافضة العراق تواصل كبير مع الحوثيين بعد سقوط النظام السابق في العراق , وقيام دولة الرافضة على يد أمريكا وحلفائها .

هذه الحركة احتدت لهجتها , وقويت شوكتها , فرفعت السلاح في وجه الحكومة , ودخلت في حروب ستة مع الجيش ثبت من خلال ذلك أن الدعم المقدم لها غير محدود , فكل أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة استخدمت في معاركهم , وساعد على ذلك أن منطقة صعدة على وجه التحديد لا تخضع للدولة خضوعًا تامًا منذ قيام النظام الجمهوري على إثر النظام الإمامي الذي يعتبر صعدة الخلفية الاستراتيجية لنظامه وللمذهب , فبقيت منهم ومن أتباعه فلول يتحينون الفرص لاستعادة الحكم الذي كان حقًا ثابتًا لهم يتوارثه السادة المنتسبون لآل البيت على مدى العصور السابقة , والقبائل في هذه المنطقة خاضعة لهم , وتأتمر بأمرهم , وفي الحرب السادسة الأخيرة حاول الحوثيون جر المملكة العربية السعودية إلى الصراع الدائر بينهم وبين الحكومة اليمنية , فشنوا هجومًا على الأراضي السعودية من أجل خلط الأوراق , وكنوع من الضغط على الحكومة السعودية التي تعيش حالة توتر مع دولة إيران الصفوية , لكنهم لُقِّنوا درسًا لن ينسوه على يد الجيش السعودي , وظلت آثار الهزيمة في نفوسهم ملتهبة مع عجزهم عن الأخذ بالثأر , وغسل العار الذي أصابهم على حد النظرية القبلية التي استطاع الحوثيون ضم بعض هذه القبائل إلى صفوفه نتيجة الإغداق عليهم بالأموال القادمة إليه من خارج الحدود , ونتيجة للجهل والأمية المتفشية في تلك المناطق , إضافة إلى الحميّة القبلية , والبعد الزيدي للمنطقة , فالحوثيين يوحون إلى أتباعهم المغرر بهم بأنهم ينافحون عن المذهب الزيدي المظلوم الذي كان في يوم من الأيام هو السائد في المنطقة , لكن الزيدية الحقيقية تتبرأ منهم , ولا تراهم يمثِّلون المذهب إطلاقًا.

بعد الحرب السادسة التي شكلت ضربة قاضية لهذا التنظيم بدأ الحوثيون بتنظيم صفوفهم من جديد , وبنفس الأساليب السابقة , وصادف في هذه الفترة قيام ثورات على الحكومات في بلدان عديدة منها اليمن التي شهدت مظاهرات واعتصامات بدرجة أقل من البلدان الأخرى , شارك الحوثيون في هذه المظاهرات والاعتصامات , واعتبروها فرصة سانحة لهم للأخذ بثأرهم من الحكومة التي خاضوا معها حروبا عدة , وأملا منهم في نشر الفوضى التي قد تكون سببًا في ركوبهم الموجة , والحصول على ما يأملون من تولي زمام الحكم في عموم اليمن كحق إلهي مكتسب في نظرهم , أو اختزال منطقة صعدة وما جاورها من الأقاليم , ولو في الظرف الراهن على الأقل لإنشاء دولة لهم في هذا الشريط الحدودي المجاور للملكة العربية السعودية ،تخفيفا للضغط الحاصل على إيران وترصدا لأهل السنة , والشواهد على أرض الواقع دليل على ذلك , فمنذ بداية أحداث ما يسمى بالثورة السلمية حاول الحوثيون بسط سيطرتهم على مناطق في الجوف , وجرت اشتباكات دامية بينهم وبين حزب الإصلاح الذي يحظى بحضور كبير في هذه المحافظة ,أدت هذه الاشتباكات في النهاية إلى تقاسم الغنائم التي نهبوها من المعسكرات الحكومية وإلى تقاسم مناطق النفوذ بينهم بعد صراعات مريرة , ولا يزال الوضع هناك قابلًا للانفجار في أي لحظة كون الحوثيين يعتبرون حزب الإصلاح ممثلًا لأهل السنة , رغم ما أبداه هذا الحزب من تعاطف كبير معهم في حروبهم الأخيرة مع الدولة , بل لا يجاهر هذا الحزب بعدائهم , ويحاول قدر المستطاع تقبُّلهم وعدم إثارتهم كنوع من التعايش السلمي , والتعاون القائم بين أحزاب المعارضة في الإطار الديمقراطي ونكاية في الحكومة التي دخلت في قطعية مع حزب الإصلاح بعد تحالف دام طويلا, لكن الحوثيين لا يجيدون اللعبة السياسية , ولا يؤمنون إلا بالقوة , وبأنهم الأحق في قيادة البلاد والعباد , وفي الآونة الأخيرة قاموا بزج مجاميع من المسلحين إلى مناطق في محافظة حجة في محاولة منهم للسيطرة على هذه المناطق وما جاورها والحصول على منفذ بحري يتمكنون من خلاله على جلب الأسلحة والتواصل بحرية تامة مع حلفائهم في إيران وغيرها , وخاضوا عدة اشتباكات مع القبائل ومع حزب الإصلاح على وجه التحديد , لكنهم منوا بالهزيمة أيضًا ؛ لأن مجاميعهم المسلحة مقطوعة من قواعدها ولا يملكون سببا مقنعا في تواجدهم في هذه المناطق, وفي نظري أن هذا الأسلوب الذي يتبعونه أسلوب يائس , وقائم على نظرية حربية قديمة لم تعد صالحة في مثل هذه العصور, لكن الجهل والغرور دفعهم إلى مثل هذه التصرفات بعد فشلهم في التمدد , ولأنهم ليسوا أصحاب قضية تجدهم دائمًا يسعون إلى افتعال المشكلات هنا وهناك حتى تكون هذه المشكلات مبررًا لوجودهم , وبمثابة المغذي لأتباعهم ومناصريهم.

 

بعد الانتكاسات المتتالية التي منوا بها لجؤوا إلى الاحتكاك بمنطقة دماج الواقعة تحت نفوذهم , ويقطنها مجموعة من طلاب العلم المنتسبين إلى أهل السنة والجماعة , ولهم مركز لدراسة العلوم الشرعية أسسه الشيخ/ مقبل بن هادي الوداعي رحمه الله قبل أكثر من ثلاثين عامًا، استقطب هذا المركز طلابًا من عموم أنحاء اليمن , وأفرادًا من بلدان شتى , وليس لطلاب المركز أي علاقة بالسياسة , وهم مسالمون جدًا , ويتسمون بالزهد والورع والإعراض عن الدنيا , فلا يسعون إلى مال ولا إلى منصب , وإنما كل همهم تعلم العلم الشرعي , ومن ثم القيام بنشره عن طريق الوعظ والإرشاد , وإقامة الدروس في المساجد , ويتسمون بالحدة والغلظة على مخالفيهم , ولكنها لا تتجاوز الكلام , ولهذا لا يعرف عنهم حمل السلاح أو استعمال القوة في نشر ما يعتقدون , ولهم آراء خاصة بهم قد نختلف أو نتفق معهم عليها, لكنها في إطار الخلاف الذي لا يخلو منه أي فكر أو منهج , والحوثيون يدركون هذا جيدًا، لكنهم حاولوا صرف الأنظار عن هزائمهم في الجوف وفي حجة وانصرفوا إلى محاصرة طلاب العلم في مركز دماج كنوع من الانتقام لما جرى ونكاية في السعودية , وتصوروا خطأً أن الناس مشغولون بالثورة وترتيب الانتقال السلمي للسلطة , شكل كل هذا في أذهانهم أسبابًا كافية في الانقضاض على هؤلاء العزل من السلاح , وتخيلوا أنهم لقمة سائغة وفرصة عظيمة لطردهم من هذه المنطقة الواقعة تحت نفوذهم حتى يخلولهم الجو فتصبح صعدة برمتها رافضية تابعة للنظام الصفوي العنصري في إيران ورافدة له ، وهي تجربة مستوحاة من حليفهم الرئيسي حزب الله اللبناني الرافضي , وقد أظهروا في هذه المحاصرة قساوة بالغة يترفع عنها اليهود وعتاولة الطغاة , فمنعوا عنهم الغذاء والدواء والماء , ولم يمكنوا أحدا من الدخول أوالخروج من دماج , ولم يرحموا طفلا رضيعًا بحاجة إلى حليب , أو مريضًا كسيرًا يطلب دواءً أو علاجا أو امرأة في حالة نفاس , أو جائعًا يطلب سد رمقه , وبلغت القسوة ذروتها بعد طول حصار حين سلطوا أسلحتهم الثقيلة والخفيفة لدك حصون خصومهم الطينية التي لا تتحمل الرصاص العادي ناهيك عن قذائف الهاون والدبابات التي حصدت أرواح الأبرياء لا لذنب اقترفوه إلا أنهم يخالفونهم في مذهبهم , وينتمون إلى أهل السنة والجماعة الموصوفين لدى الحوثيين بالوهابيين , وقد وقف العالم بأجمعه متفرجًا على ما يحدث , ولم يحرك ساكنًا , وكأن الأمر لا يعني أحدًا وبرزت أخيرا بعض المحاولات الضعيفة لكسر هذا الحصار الجائر من قبل بعض الوسطاء باءت جميعها بالفشل باستثناء إدخال بعض المواد الغذائية عن طريق الصليب الأحمر الدولي , وهي غير جاهزة للاستخدام كونها بحاجة إلى طحن , وإلى وقود , وهذا غير متوفر بسبب الحصار , وقد أظهر طلاب المركز والقبائل المناصرة لهم جلدًا ظاهرًا وشجاعة نادرة رغم الحصار المفروض عليهم , فاجأت هذه الشجاعة مجامع الحوثيين لعلمهم بأن طلاب المركز ليسوا من المحاربين , ولا يسعون إلى شيء من ذلك لكن هذه الحادثة قد تشكل منعطفًا لهذا التيار المسالم المنشغل بطلب العلم ونشره , وبوادر ذلك بدت في المراكز الأخرى المماثلة في عدة مناطق حيث تداعت هذه المراكز إلى نصرة أهل دماج , وهم في إطار توحيد الصفوف , وإيجاد الوسيلة لنصرة إخوانهم المعتدى عليهم , وهو حق مشروع لهم لا ينكره أحد , قال تعالى : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل )، بل إن عدوان الحوثيين على أهل دماج دون ذنب اقترفوه إيذان بالانتصار عليهم , ودحرهم تحقيقا لوعد الله القائل:

( ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ) .

وهذا التصرف من الحوثيين يدل على غباء وحمق فهم بحاجة في هذه المرحلة إلى تحسين صورتهم الملطخة بالدماء , وبدلًا من ذلك استعدوا أناسًا منصرفين كليًا عن مواجهتهم ليضيفوا إلى رصيدهم أعداء مسلحين بعد أن كان التناوش بينهم لايعدو أن يكون نقدا كلاميا , ولو فرض أن تبنت هذه المراكز حمل السلاح دفاعا عن النفس في ظل غياب الحكومة عن واجبها في الدفاع عنهم فإن عدوهم الأول سيكون هؤلاء المعتدون , وفي ظني أن هذا سيشكل خطرًا على وجودهم , وقد تشتعل الفتنة الطائفية في مناطق أخرى مشابهة , وحينها ستعم الفوضى , وسيصبح السلاح هو سيد الموقف , ولهذا من الخير للحوثيين أن يتوقفوا عن هذا التهور , والا ندفاع الطائش , وأن يراجعوا حساباتهم ويبتعدوا عن غلوهم , وارتباطهم بالصفويين الإيرانيين , والعود إلى الحق خير من التمادي في الباطل , فكفى أمتنا مآسي وحروبًا , والحق ظاهر أبلج لمن سعى إليه وطلبه ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .

عدد القراءات : 2297
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
امير المامنين
لا تعليق علا هاذاء اتفاااهه