احدث الاخبار

بلطجة معمّمة

بلطجة معمّمة
اخبار السعيدة - كتب - جمال أنعم         التاريخ : 04-10-2011

وإذن صالح ولي أمركم الحاكم بأمر الله, تدينون له بالطاعة المطلقة, وفاءً ببيعتكم له, بحيث يحرم عليكم عصيانه والخروج عليه, ففي ذلك مخالفة لأمر الله وكفر بالكتاب والسنة وهدم للشريعة وفساد في الأرض كبير.

أين نحن يا قوم ومن أي أزمنة غابرة أنتم؟ أفي خلافة بني العباس نحن؟ نحن في الجمهورية اليمنية وفي القرن الحادي والعشرين وتحديداً في أواخر سبتمبر 2011 م بعد 50 سنه من ثورة 26 سبتمبر التي قامت ضد الإمامة والحكم الكهنوتي في اليمن, والجمهورية اليمنية قائمة على شرعية مختلفة عما تدينون به وهي الشرعية الدستورية بمرجعيتها الإسلامية الواضحة, حيث ينص الدستور على أن الإسلام مصدر التشريع، وبموجبها يعد الدستور هو ولي أمر الجميع, معبراً عن السيادة العامة, وعليه يعد الحاكم موظفاً عاماً يجئ بموجب الانتخاب ليؤدي مهام دستورية محددة وإذا أخلّ بمسؤولياته وتجاوز في سلطاته وجبت مساءلته وعزله إن اقتضى الأمر, وفي حال أصر على البقاء مغتصباً السلطة وجب خروج الشعب عليه لاستعادة سيادته وسلطته الممنوحة له وفق الدستور الذي يمنحهم هذا الحق.

أنتم لا تؤمنون بذلك كله, تكفرون بمبدأ سيادة الشعب, تكفرون بالدستور وتنكرون الانتخابات, وتعدون الديمقراطية والتعددية السياسية كفراً.

أنتم أيها المعممون بالزيف، والمتلفعون أردية الباطل، تنطلقون في فتاواكم من تصورات موغلة في العمى والقدم, لا صلة لها بنا وبأيامنا وحياتنا، أنتم تفتون لولي أمر لا وجود له في قاموس الجمهوريات المعاصرة, ولي أمر يتمدد في عقولكم الجامدة, وأفهامكم المغلولة والمغلقة بإحكام على كل بالٍ وقديم.

الحاكم لديكم كائن مقدس متعالٍ لا يُسأل عما يفعل, هو فوق المحكومين, وفوق الشرع, وفوق كل شيء, له حق السمع والطاعة وإن عصى وتجبر وعاث فساداً, وأوغل في العدوان والطغيان.

تعدون حماية المنشآت جهاداً, في حين ترون الخروج من أجل التغيير حماية للإنسان وحفظاً لحقه في الحياة بعدل وحرية وكرامة بغياً يستوجب القتل, تالله إنها فتوى بغي ودعوة بغاة.

ما كان إلا محفل إثم, ومؤتمر شرور حشر إليه الشيطان, ونادى وحضر آمراً بكل منكر, وناهياً عن كل معروف مبرأً القاتل مجرّماً القتيل, حاكماً بالموت على من يطلب الحياة.

العلم يا هؤلاء بتعريف أهله نسق متنام من المشكلات, وليس منظومة من المتون والمقولات الجامدة, العلم ليس اجتراراً للفهوم والأفكار والاجتهادات, هذه النظرة للعلم محض تحقير وانتقاص, هم وعاظ سيؤون في أحسن وصف.

لهم من فراغ الروح والعقل ما يجرئهم على الادعاء والتبجح, يتجاسرون على تسمية أنفسهم بالعلماء, ولا عطاء يشهد لهم بإضافة أو تفرّد، يكفي أن تحفظ بعض الحواشي والمتون, يكفي أن تلقي ببعض خطب محفوظة كي تزاحم أهل العلم في التصدر, يكفي أن تلبس عمامة وجلباباً كي تجلب لتدبيج بيان فاجر يفجر في وجهك اللعنات.

هذا قنص بالفتوى, قتلٌ معمم، عمل إجرامي لا يقل بشاعة, ممارسة الجريمة باسم الدين والدفاع عن المجرمين وتجريم الضحايا من أفظع الكبائر والآثام.

هذا بيان لا يمكن أن يصدر عن أناس أسوياء, لهم حظ قليل من التدين، لا دين لمن ينتصر للظالم، لا دين لمن يدعو لسحق المظلوم، هذا بيان يخون الحق وفاء للباطل.

أنتم سبة وعار على الدين والإنسانية، ورثة جهالة وحملة طواغيت وعبدة أصنام هي صنع الأفهام السقيمة والقراءات العقيمة.

شدد بيانكم مرتين على إجراء تحقيق في حادثة جامع النهدين, ولم تطلبوا التحقيق في عشرات المجازر التي ارتكبها الرجل الذي تتباكون عليه وتتملقونه بدينكم وأرواحكم وبدماء إخوانكم الذائدين عنكم والمدافعين عن شرف وكرامة الوطن.

لا وقار في حضرة الفجور المتعالم، لا أدب مع كذبة مخادعين لا يتورعون عن اقتراف أحط الموبقات، وباسم كل جليل لإرضاء سفلة الحكم ومجرمي السلطة. لا توسط مع متحيز متطرف يأمر بالشر وينهى عن الخير.

في بحوثكم المزعومة وأنتم تغوصون في الكتاب والسنة, بحثاً عما ينقذ قوماً مغرقين، اسأل كيف لم ترتطموا بجبل من الأحكام والوصايا والأوامر الحاضّة على دفع الظلم ومقاومة الظلمة, وعدم الخضوع والاستسلام لشروط القهر والجور؟ جاء الإسلام حرباً على الطواغيت, ثورةً ضد العبودية للأصنام والحكام, ضد كل ما يسلب الإنسان الحرية والكرامة, ضد كل ما يسلبه الخيار والقرار, ضد القسر والإكراه, لا أدري من أي آبارٍ معطلة تمتحون؟ تقهرون المقهور, وتقمعون المقموع، تقبلون يد السارق, وتفتون بقطع لسان المسروق ويده, يخرج الحاكم على الشعب فتخرجون معه ضد الخروج عليه, تنهون معارضيه وتوصون بإنهائهم.

تحرمون الاشتغال في السياسة, وتشتغلون مع الحاكم دعاة تعبيد وإخضاع, لا نسمعكم إلا عندما يفقد الاستبداد صوته ومنطقه, لا نرى جمعكم إلا حين تحتشد في وجه السلطة دواعي التبدد والزوال تفرّ بقبحها وعريها إليكم, لتخيطوا لها وجهاً يُديم القبول, وجُبّة من فتاوى واسعة فضفاضة, تبدي المحاسن وتستر القبائح، مفصلة حسب الطلب, ومحاكة بخيوط من أوهى الأقوال, جُبّة مطرزةً بالآيات والأحاديث الموجبة للطاعة وحسن المعشر. هذا سوق فاحش للغش والخداع يعاد فيه تسويق المدنس بالمقدّس.

لا طائل من مناقشة باعة الفتوى هؤلاء, في ذاك إهدار للوقت والجهد والقيمة, لا أساس من دين أو علم أو عقل, لا علاقة للأمر بحق الاختلاف والقبول بالرأي الآخر, موقفهم قائم على إنكار هذا الحق, مؤسسٌ على تجريم المخالفة وتأثيم المخالف وإعدام الآخر.

هذا البيان الانقلابي رقم واحد لإمارة السبعين التي يجاهد أمير الخراب لإقامتها على أنقاض الجمهورية اليمنية وجماجم اليمنيين المطالبين بالتغيير.

يدرك العالم الآن من يحتضن التطرف والإرهاب, من يرعى ثقافة التكفير، من يستخدم الدين في حربه ضد بلده والعالم, الآن يستريح القتلة من عبء الشعور بالذنب.

فتواكم تطلق الرصاص الآن, تقتل بأريحية, هي في فوهات البنادق، في جيب القناص, وبيد البلطجي, تدركون الفرق الذي يترتب على فتواكم بالنسبة للقاتل والقتيل, بإمكانكم العودة لممارسة الوعظ والإرشاد بسلام، واصلو إنقاذ الناس من أنفسهم, علموهم كيف يتصالحون مع خطاياهم وذنوبهم, كيف يكفون عن تغيير أنفسهم وواقعهم, ويتعايشون مع جبنهم وضعفهم, كيف يخرسون عن قول الحق, كيف يمارسون الصلوات ويتلقون الصفعات, ويصبرون على عيش الضعة والهوان, علّموهم كيف يعصون الشيطان ويطيعونه في السلطان.

أيها القوم: لا علماء خارج هذه الساحات الثائرة.

عدد القراءات : 2710
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
جابر الثائر
لا سمع ولا طاعه الا لمن صب دمه فى خدمه القانون والدستور لالمن سحقه وتجاوزه واضاعه واغفله الله يحفضك يا جمال انعم
عادل الشعيبي
متى يكون واجب علينا طاعة ولي الامر؟ الجواب عندما يكون ولي الامر يطيع الله فينا