احدث الاخبار

الأزمة في اليمن إلى أين تتجه

الأزمة في اليمن إلى أين تتجه
اخبار السعيدة - كتب - الدكتور/ محمد عبدالله عايض الغبان         التاريخ : 22-09-2011

المجازر البشعة التي تشهدها صنعاء هذه الأيام ، تدل دلالة لا لبس فيها بأ ن مصاصي الدماء والمتربين على الجماجم هدفهم الوحيد تصفية الحسابات، وإغراق البلاد في فوضى عارمة، تأكل الطارف والتليد، وتعود بها إلى سالف عهدها قاعا صفصفا لاترى فيها عوجا ولا أمتا ،خالية من كل مظهر حضاري وتنمية بشرية ،فالتعليم في نظر هذه المجموعات البشرية غير مهم، والخدمات شبع الناس منها، والسكينة والطمأنينة لا تهمهم بقدر اهتمامهم بمصالحهم الشخصية، ومصالح أحزابهم ومنظماتهم وحراسهم وخدامهم، في سلسلة من ميم الجمع التي لاتمت إلى البلاد وأهله بأي مصلحة سوى الدمار والخراب، وأشبه شيء بهؤلاء القوم البعوض والقراد اللذان لايعيشان إلا على مص الدماء، فإذا انقطعت عنهم هلكوا دون أن يكون لهم رصيد من خير أو منفعة جلية ينتفع بها البشر،ويحسب الطرفان أنهم يحسنون صنعا.

ثمانية أشهر مضت على أهل اليمن وهم مهددون بانفجار الأوضاع وتفاقم الأزمات، والأكف على مجامع القلوب مضمومة، والهواجس والقلق ظاهران في وجوه الصغار والكبار، الكل راغب في التغيير وتحسن الحال إلى مستقبل زاهر لهم ولأبنائهم، لكنهم غير راضين عما وصلت إليه الأمور، لإدراكهم بأن مزيدا من تصعيد الأزمة يعني المزيد من سفك الدماء وتردي الأوضاع المتردية أصلا .

لقد نادى أهل العقل والبصيرة الأطراف المتنازعة منذ بداية الأزمة بحرمة سفك الدماء، وضرورة الاحتكام إلى الشريعة وداعي العقل، وتغليب المصلحة العامة للبلاد على المصالح الشخصية، وعلى الثارات والنعرات، وعلى الانتصار للنفس على حساب مقومات الأمة وأمنها واستقرارها، امتثالا لقول الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )، وقوله: ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما )، لكن لغة الغرور والتحدي والرغبة في الانتقام وإذلال الآخر غدت هي السائدة، وعلى المساكين والمغلوبين على أمرهم تدور الدوائر .

وأما رؤوس الفتنة فقابعون في مخابئهم تحت حراسات مشددة, وأموالهم مصونة وجيوبهم ممتلئة، وليمت من مات من أفراد الشعب وهوشهيد على أي حال ويبقى من كتب له البقاء، ولن يلتفت إليه بعد انقشاع الغمة وزوال التوتر، وقد يعود الفرقاء بعد تصفية الحسابات إلى الالتئام والاصطفاف مرة أخرى كحالهم في السابق، وسيقتسمون الكعكة من جديد ،والشعب هو الضحية وصانع أمجادهم.

وهذه الفتنة التي نصطلي بها أقرب تسمية لها هي ( الفتنة الحمراء ) نسبة إلى الرؤوس المتخاصمة (الأحمريون) من الجانبين إذلهم نصيب من هذه النسبة أخلفنا الله خيرا منهم جميعا.

والفرصة لاتزال سانحة لإيجاد حل مناسب لهذه القضية التي عطلت عجلة الحياة، وتضرر عامة الشعب بها، في بلد يعاني أصلا من مشكلات عتيقة ومتفاقمة، وأسلوب إداري فاشل على مستوى الحكومة والمعارضة، إضافة إلى الأعراف القبلية التي تقف دائما عائقا أمام أي تطور إداري أوسياسي أو ثقافي أو اجتماعي، وتعصف بكل إصلاح حقيقي من شأنه أن ينهض بالبلد إلى مستوى مقبول من الاستقرار والبناء.

وليس أمام الجميع إلا الإصغاء لداعي العقل والشرع، والجلوس إلى طاولة الحوار، والاستماع إلى آراء الناصحين، والخروج بحل يرضي الأطراف كلها، ويحقق آما ل الشعب المطحون، أو على الأقل يخفف من آلامه ومحنه المتراكمة طوال الفترات السابقة .

 

ولو قدر أن تغلبت المعارضة فانتزعت الحكم بقوة السلاح فإن الفتنة في ظني ستظل قائمة، إذ لن تقف الحكومة الحالية والحزب الحاكم مكتوفي الأيدي إزاء ما جرى لهم، وستنقلب المعادلة لتصبح المعارضة حكومة، والحكومة معارضة، وسنعيش حينها في دوامة من المآسي والأحزان،ولربما كان ذلك سببا في اشتعال حرب أهلية يصعب التحكم في مجرياتها، وسيخرج الجميع من هذه المعادلة خاسرا،لأن الإمساك بزمام السلطة وحده غير كاف مالم يحصل تغيير جذري في تركيبة النظام، وينقشع عنه جماعات النفوذ الحالية.

وأقترح على السلطة والمعارضة على حد سواء التخلي عن القضية إن كانوا غير قادرين على الحوار، وتسلم السلطة إلى أيد نظيفة بعيدة عن الحزبية والفئوية والمناطقية، قادرة بعلمها وإيمانها وأمانتها وقوتها على الخروج من هذا المستنقع الآسن، وقادرة أيضا على لملمة الجراح والكسور، وبناء نظام متين مبني على شريعة الله، سالكة أفضل السبل للوصول إلى إدارة حديثة تسعى لتقدم البلد وازدهاره وتحفظ كرامات الناس وحقوقها.

وأخيرا أوجه صرختي هذه إلى جميع من يهمه الأمر بأن أس المصاب وآفة كل بلاء هو الإعراض عن الله ودينه، قال تعالى: ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) ،وأن ما أصابنا هو بسبب ذنوبنا وأعمالنا، فلنتب إلى الله حميعا منها لعل الله يرحمنا، ويكشف الغمة والبلاء عن أمتنا، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

m.algabban@gmail.com

عدد القراءات : 2975
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات