احدث الاخبار

رمضان… في قفص الإتهام

رمضان… في قفص الإتهام
اخبار السعيدة - كتب - الشيخ / الحسين بن أحمد السراجي         التاريخ : 10-08-2011

الصوم عبادة روحية ، ومدرسة ربانية جعل الله مراتبها عالية , وأسرارها عظيمة , حتى كان الهدف الأسمى منه هو التقوى , كما في قول العلي الأعلى : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " ، ومن الآية يتبين الهدف الرباني العظيم , ومن الحديث القدسي : "  كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " , فما أعظم الصوم , وما أرفع مكانته وقدره عند الخالق جل وعلا .

في هذا الشهر الكريم، وخلال هذه الدورة الروحية العبادية تكثر المشاكل والفتن وتزداد العداوات وتضطرم الحروب والمنازعات لأتفه الأسباب وأحقرها والسبب في ذلك كله – في نظر الصائمين واللائمة على الصوم :

كم من الدماء تسفك وكم من الأرواح تزهق وكم من الأعراض والحرمات تستباح وكل ذلك بسبب الصيام ؟

كم من الأسلحة تُشْهَرُ وكم من الهراوات تظهر وكم من الوسائل المحرمة تُستخدم . فلماذا ؟

  ألم يُطَهِّرِ الله القلوب بالإيمان وينزع الغل والحسد والشقاء بآداب القرآن والسنة ؟

ألم يبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرمة سفك الدماء وهتك الأعراض واستباحتها بقوله :

" دماؤكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا " ؟.

 ألم يُجَرِّم النبي (ص وآله) هذه الأفعال الشنيعة بقوله : " سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر " ؟.

  ألم ينه عن ذلك ؟

ألم يقبض النبي (ص وآله) يوماً بتلابيب الكعبة وأستارها ويصرخ : " والذي نفسي بيده لهدمك حجراً حجراً أهون على الله من هتك عرض مسلم بغير وجه حق " ؟

فما الذي بقي وما الذي سيردع ؟

هذه أقوال وتعاليم وشريعة سيد الكائنات وليست نظريات سقراط أو أفلاطون أو مُنَظِّر بشري يصيب ويخطئ وإنما هو البشير النذير " إن هو إلا وحي يوحى " .

إنها أقوال من لا ينطق عن الهوى .

نظرتنا لرمضان : -

أيها المؤمنون الصائمون : دماء المسلمين وأعراضهم عند الله مُكَرَّمة محترمة , ولا يحل سفكها وانتهاكها إلا بأحكام شرعية , وذلك والله هو الفارق الكبير والبون الشاسع بين الماضي والحاضر ، لأن الماضي بالحاضر لا يُقاس من خلال التطور التكنولوجي والفضائي والتقدم المعلوماتي طالما أن الدمآء مهدورة والأعراض مباحة فالمقياس والمنظار الذي نرى من خلاله هو السلوك وذلك الذي كان في الماضي يناطح عنان السماء واليوم يكاد يندر أو لا وجود له .

هل ترى اليوم جماعة إلا وهم يتباغضون ويتنازعون بصدور موغورة وأنفس مغرورة وألسنة ألِفَت السباب والشتائم , وكل ذلك في نظر من يدَّعون الصوم بسببه , وصدق المعلم العظيم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله حين قال : " رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ، ورب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه " وأنواع السب في رمضان كثيرة وأساليب الشتم عديدة والفاسق ماهر بجرح العواطف وتدنيس أعراض الأبرياء وصدق الله العظيم : " بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون " .

نسي الناس بجهلهم وصية نبيهم الصادق المصدوق الأمين (ص وآله) : " ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " ألا يعلم من يُشْهر سلاحه في وجه أخيه وهو يدَّعي الصوم أن رسول الله (ص وآله ) قال : " لا يُشِرْ أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار " .

وقد رأيت في رمضان قتيلا ً يسبح في بركة من دمائه بأحد الأسواق بسبب خمسة ريالات يمني فقط ، وقتيلا ً آخر قبل أذان المغرب بسبب ثلاثين ريالاً فقط ، فما هذا الذي يفجع ويصيب الإنسان بالذهول والخوف ؟ هل صار الصوم مُتَّهَمَاً إلى هذه الدرجة في نظر الصائمين وهم من الصوم بعيدون والصوم منهم براء ؟.

سلوكيات شائنة : -

في شهر الله الكريم ، وأثناء الدورة الربانية يُفترض بالناس أن تتطهر نفوسهم وتتسع صدورهم وتفتح قلوبهم ويزداد ورعهم وتقواهم والصوم بوابة مفتوحة لولوج الأخلاق ومحاسنها ولكن الحاصل هو العكس , تضيق الصدور وتصغر النفوس وتموت القلوب وتزداد قساوة الصائم وغلظته ويظهر جفاه وشدته وكأن المثل القائل : لا تُكَلِّم صائماً بعد العصر يعطيك كلاما ً ماله أصل . حقيقة تكاد أن تكون واقعاً ملموساً في رمضان .

في شهر الله الأغر وفي أيامه المباركة ما أكثر إشهار الأسلحة في وجوه المسلمين لأتفه الأسباب : كلمة قالها فلان النمام أو صُرِفَت من شخص بحسن نية ، أو بسبب مشاكل الأطفال إلا وترى الجنابي وقد خرجت من أغمادها والأسلحة صُوِّبت نحو الصدور والهراوات تحركت من مخابئها والكلام الفاحش البذيء قنابل من أفواه أصحابها واستعراض القوة والعضلات ، والحقيقة والواقع شبيه بقول الشاعر : أسد عليَّ وفي الحروب نعامة .

ومهما يكن فرسول الله (ص وآله ) يقول : " من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي , وإن كان أخاه لأبيه وأمه " وقوله : « من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق أخافه الله يوم القيامة " .

وصلوات الله وسلامه على النبي العظيم الذي أُتِيَ برجل ترتعد فرائصه خوفا ً من النبي فقال له رسول الله : " هَوِّن عليك " وفي رواية : " هَوِّن على نفسك , فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد " .

لماذا ينام الناس ويغفلون عن هذا وهم يدَّعون الصيام ؟ ولا قدوة لهم ولا تأسٍ برسول الله الذي حذَّر وأنذر : " أخوف ما أخاف عليكم الحالقة ، ألا لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين سوء ذات البين " .

فاحذروا أيها الصائمون : إحذروا إثارة الفتن , وزرع الشر وبذر الفتن فعن ابن عباس أن النبي (ص وآله) قال : " ألا أنبئكم بشراركم " ؟ قالوا : بلى إن شئت يا رسول الله . قال : " إن شراركم الذي ينزل وحده ويجلد عبده ويمنع رفده ، أفلا أنبئكم بشر من ذلك ؟ " قالوا : بلى إن شئت يا رسول الله ، قال : " من يبغض الناس ويبغضونه قال : أفلا أنبئكم بشر من ذلك ؟ " قالوا : بلى إن شئت يا رسول الله ، قال : " الذين لا يُقيلون عثرة ولا يقبلون معذرة ولا يغفرون ذنبا ً. قال : أفلا أنبئكم بشر من ذلك ؟ " قالوا : بلى إن شئت يا رسول الله . قال : " من لا يُرجى خيره ولا يؤمن شره " . 

عذراً وعفواً منك يا رمضان وحاشاك من هذه التهم الشنيعة التي تُرتكب بدعوى الصيام . حتى صار الصيام متهما ً والصائم مُتَّهِمٌ وحاكمٌ في آن واحد .

فعجباً لمن جعل الصيام سبباً لسفك الدماء , وإزهاق الأرواح ، وهتك الأعراض , والسب , والشتم وخصوصاً بعد العصر وقبل المغرب متناسين مدرسة الصيام الروحية الأخلاقية التهذيبية التعليمية وما هذا حاله فهو بريء من (الضبح) والنزق وضيق النفوس .

نصائح رمضانية :

 يا من( يضبح) وينزق بالصيام : إذا كنت سترتكب المحرمات تحت غطاء الصيام فأفطر فإن الله غني عن صيامك ، ولا تضحك على نفسك وتمكر على الناس فإن الله خير الماكرين فاحذر عقوبته .

أيها (الضابح) النزق يا هاتك الأعراض وسافك الدماء : كم دعاك الله إليه فتوانيت وكلما دعتك المواعظ إلى الله أبيت وتماديت ، نهاك مولاك عن غيك فما انتهيت ، ألم تشاهد كم أزعج الموت نفوسا ً من ديارها ؟ وكم أباد البلاء أجساداً منعمة لم يدارها ؟ أما آن الأوان كي ترتعد من جبار السماوات والأرض ؟

إن الله تبارك اسمه ينظر إلى العباد من خلال قلوبهم , فإذا كان المرء نقياً من الغش والضغينة بريئا من العوج والغل أقبل عليه برحمته وضاعف نصيبه من بركته , وكان له بكل خير أسرع , وأما إذا كان محصورا ً في مطامعه وعدوانه وشره ، ضائقاً بخير الله عند خلقه فهيهات أن يصلح له عمل ، أو ينجح له أمل .

وفي الأخير نسأل الله تعالى العفو والعافية , وأن يتقبل منا جميعاً  صلاتنا وصيامنا وقراءتنا ورواتبنا وجميع طلباتنا ويجنبنا نزغات الشيطان .

عدد القراءات : 2495
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات