احدث الاخبار

ضحايا و أوطان (!!)

 ضحايا و أوطان (!!)
اخبار السعيدة - كتب - سام عبدالله الغباري         التاريخ : 30-06-2011

منذ متى و نحن نتحدث عن الثورة ، و التغيير .. حتى أكلتنا الثورة ، و صار اقتصاد الثوار أكثر ازدهارا من معيشة ملايين الناس التي بدأت بالتناقص المريع و خلق أسباباً حقيقية لأزمة تقضي على مدخرات البخلاء منهم ، و تأكل صافي رأس المال المقدس للدولة .. بينما لا يشعر المعتصمون الثوار بما يجري ، يأكلون و ينامون مجاناً (!!) ، شعورهم الفريد بهذه الحياة السهلة كان مفقوداً قبل أن يجدوا جيباً سخياً ، و مكاناً ملائماً لتفريغ شحنات الغضب و السخط الكبيرين .

أعرف أن أحلام "ماوتسي تونغ" كانت إعادة الأمل للشعب الصيني الفقير .. فرسم ما ينبغي له أن يفعله و بعد أن حقق ثورته الثقافية أولاً .. وجد الصينيون أن هذا الرجل لم يرتق بثورتهم المأمولة .. أصيبوا بخيبة أمل ، لكن وفاته مثلت إعلاناً صادماً لمراجعة تاريخ هذا الأب الصيني الضخم و تقديس دوره كمحافظ على هوية الشعب الصيني متعدد الأعراق و الطوائف ، لم يسمح هذا الرجل في غمار ثورته أن يتخلى عن مفهوم الوحدة أو يتنازل عن مستعمرة "هونج كونج" بل كانت أحلام اليقظة تدعوه لتذكر الحق التاريخي في "تايوان" ، لم يكن "ماو" يسمح بانهيار الصين و فشل شعبها في الحياة الكريمة و لو في حدودها الدنيا ، كان ثائراً حقيقياً في زمن الثورات الخالدة ، و القيم الأصيلة التي نتذكرها اليوم كجزء من التاريخ الذي لا يقرأ .!!.

في ثورة بعض أهلنا يُـباح كل شيء ، مزاعم الحفاظ على الوحدة كهوية تسويق مكتوم في ظل مشاريع أدنى مما تحقق قبل 21 عاماً ، منها الوحدة الاتحادية التي أعادها إلى السطح الدكتور يس سعيد نعمان و هو أحد الموقعين على قرار إنفصال الجنوب اليمني عن شماله بعد وحدة دامت 4 سنوات في 94م ، أعقبها هروب الانفصاليين الكبير إلى دول مختلفة ، و انشطار مشاريعهم الخارجية – كان يس واحداً من هؤلاء – بيد أن عودته الأخيرة إلى وطنه حملت مشاريعاً مؤذية للوطن اليمني ، وكان بإمكانه حمل صفة الثائر الحقيقي و الملهم الفعلي للقيم النبيلة التي تعود إلى أصلها حين يرى الفعل الغاضب يُـدمر اقتصاد الناس و يطيل عمر أزمة ليس لها أن تنجلي بفعل القوة و النزع الخيالي .

ياسين الآن يسخر من إمكانية المعيشة الضائقة لدى المواطنين بغيابه عن دور المرشد الثوري و رحيله إلى جزر أسكتلندا اليانعة يحاول استلهام أسطورة الثائر الاسكتلندي الشهير "ويليم والاس" أول منادً للحرية في تلك الأراضي الشاسعة التي لم تعرف هذا المصطلح إلا بوجود "قلبها الشجاع". لكن الحديث عن "والاس" حديث متكرر عن تاريخ محترم من الثورات الخلاقة ، و التضحية السامية بالروح كأغلى ما يحمل الثائر لشعبه المرهق الضعيف .!!.

حين أقرأ ما تحمله كتب السير الذاتية و وقائع الثورات المرتبطة بذوات محددة أصاب بخيبة أمل ، أشاهد ما يجب أن يشاهده الثوار التواقين للمعرفة و الحقيقة .. أتلمس طريقاً بدأه غيري بالخروج على الفساد و البحث عن حياة كريمة ، فإذا به يفسد ذائقتنا الثورية ، و يقلص معيشتنا السابقة بكثير من الإرهاق و الصداع المزمن.

ليس ثم جناح على من يعتصم سوى أنه لم يفكر بما يمكن أن يحدث لو شُـلّت مطالبه ، و سرقها غيره . جاء من هو أقوى و أكثر إنفاقاً ليتحد معه في خندق التغيير و كل منهما له هدفه . كان تفكير الشباب النزيه في ضرورة إيجاد مستقبل لا يعتمد على العائلة الحاكمة ، و خلق عالم أنيق و شفاف يحكمه القانون و يظلله الدستور بغمائم الإنفتاح و التطور . عالم يدان فيه اللص أخلاقياً قبل أن تطاله يد العدالة . و فضاء يحلق فيه الشاب المتوهج ليضيء قناديل السماء بأفراح الإنجازات المتوالية . و الذكاء الخارق . و الأهداف التي تحقق للأمة مكانتها بين أمم العالم المتزاحمة . كان الحلم كبيراً و لم يكن مستحيلاً .. إلا أن من قذفوا الرعب في أتون الأفكار الثورية كانوا أكثر قدرة على جعلها تنسلخ من وجوبيتها إلى تشتيت محاورها باستدعاء الفاسدين لساحتها و تعميق الشعور بإعادة إنتاج ذلك النظام المأساوي الذي لا يستطيع سوى الانتصار للحمقى و توليتهم في مناصب الرق و العبودية المذلة .!!.

حين أشمخ وحيداً في تباب المدينة تهزني مناظر البؤس المتراكم على أحيائها المتلاطمة ، ينتابني شعور العاجز عن فعل شيء ، و عن تنبيه القاطنين بمستقبل مشوه لمدينتهم الصغيرة .. كنت أريد لهذه الأشياء أن تتحقق في ثورة الشباب ، أن يصلوا إلى القدرة على تخطيط أحيائهم على الورق و تنفيذها كما يشاء المهندس البارع في واقع فسيح لا يحتمل مجرد الندم على ما يقرره من جماليات الذوق و النحت و الزخرف المشيد .

كنت أرجو أن تكون كل الأماكن متساوية ، و لا أرى معها شيخاً يحمل بندقيته و جنوده ليسطو على أرضك و يستبيح فيها لغط القذارة التي تمزق الضلوع حين ترى أرضك يعبث في ترابها رجلٌ أمي بينما لا تسعفك رجولتك لإثبات أنك المالك القديم ، ورجال الأمن يحرسونه و لا يحموك . المحافظ يسمع و يشهد و يشاهد ، و نائبه يحمل عصاه الغليظة يوقعها على رأس "جهران" كولي لعهد "الراعي" الجريح ، و ينظم طوابير السير في محطة البترول خاصته و فيها لا ينقطع مدد النفط و الديزل و تنساها خيوط الظلام فتتوهج بالنور و الكهرباء .!!

على هذا كان لنا أن نثور .. نمزق أضلعنا و نجعلها سلالماً لإخوتنا يرفعون في شاهقها علم التغيير و اليمن الجديد .. نخرج إلى ميادين الفضاء الرحب نتذوق النضال الحقيقي و السلام الذي رفعناه بأيدينا ، و شاء لسموه أن ينتصر على مؤلفات الغدر و حكايا الفساد .. على هذا وغيره من الآفات الكبار كان لنا أن نتحدث و بصوت جهور .. كل ما يجب أن يقال و بثورية الصراخ في وجه الدمامة و القبح ، غير أننا أستعرنا أقنعة تشبه أخطاء النظام و عالجنا القبح بالأدنى ، و الفسق بالكفر ، و القبيلي بالشيخ ، و الظالم بالطاغية ، و الأحمر بالأسود ، و العائلة بأخرى .

لم يكن أحدٌ من معتصمي الحرية يعرف أن وطنه سيصبح هكذا ، و أن الأزمة التي أوجدها كيانه العاري قد تعدته إلى إمكانية حدوث كارثة اقتصادية مؤلمة لا يحتمل وقوعها شهر فضيل كرمضان الذي يدخل علينا و في جعبتنا عتاب الشهور الماضية ، و أنين ما سيلحق بنا ، يختلط الإفطار بمرارة كل السيئات المرافقة لأعمال التقطع و السلب و النهب ، و كيف يمكن لمدينة كـ"تعز" أن تنام على سحور أسود و طعم مختلف بنكهة البارود .

هي رسالة لا تتكرر : إن كان في المعتصمين خيرٌ لهذا الوطن فليحموا بلادهم من مزالق الفوضى و الخراب ، إن جاد فيهم عرق وطن نابض فليتذكروا دعاؤنا المخنوق في بهيمة الليل الحزين ، و يدركوا أننا بهم و عليهم و هم سبب ما يكون و ما سيحدث ، فلا يرهقونا بأكثر مما نحن عليه ، لا خبز و لا ماء و لا وقود . نورنا مظلم ، ليلنا أسود و حياتنا توقفت عند صلاة المغرب ، يغلفنا الأسى أكثر مما كان يستفزنا النظام ، يحاصرنا شيخ مخضب و يقول أنه معكم و قد حاصركم قبل أن يحاصرنا .

يا أحرار من يعتقدون في الحرية ملاذاً لأرض ظامئة ، لقد تحققت مكاسبكم .. كفى ما ترون غير ما يرى شيخكم ، لا تقاتلوا بسيف قائدكم ، ستكون الطعنة نجلاء ، ولن يعود السيف إلى غمده إلا بعد أن يشبع دماً و عويلاً و صراخاً و أسى .. يكفي ما فعلناه بكم ، و ما فعلتوه بنا و بالوطن . فكروا من أجلكم لا من أجلنا .. و مرة أخرى : كفى .

Samgh4u@yahoo.com

عدد القراءات : 2673
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات