احدث الاخبار

الأطماع الأسرية والشخصية ومستقبل اليمن

الأطماع الأسرية والشخصية ومستقبل اليمن
اخبار السعيدة - كتب - الدكتور/ محمد عبد الله عايض الغبان         التاريخ : 28-06-2011

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله , وبعد: أشرت في كلمة سابقة بعنوان ( نداء إلى أهل اليمن ) إلى خطورة ما يجري من أحداث متتابعة في عموم اليمن , وأنها تخدم أعداء الأمة المتربصين بها الدوائر , وأن الحرب أولها كلام , وهو ما بدأت به الأحداث الأخيرة التي توجت بقتال شرس بين عيال الأحمر وأتباعهم , وبين الرئيس وأنصاره من الأمن والجيش وغيرهم , وهي على ما يظهر اقتتال على السلطة.

إلا أن عيال الأحمر شكلوا رأس حربة لما يسمى بالثورة السلمية, وترفعوا عن الفساد الإداري والمالي , والظلم , والنهب المنظم الذي تتبناه عناصر في الحكومة الحالية , وكأنهم بترفعهم هذا وركوبهم لموجة التغيير بريئون من هذا الفساد ومخلفاته براءة الذئب من دم يوسف , وصدقوا أنفسهم بل وصدقهم الناس أنهم رجال الغد وحماة العدالة وأصحاب المبادئ الخيرة , وأنهم يطمحون إلى قيام دولة مؤسساتية تعتني بأبناء الشعب كل الشعب دون تحيز إلى طائفة أو حزب أو قبيلة أو منطقة في جوٍّ ديموقراطي حرٍّ ونزيه, وهذا يعني تخليهم عما بنوه من امبراطوريات المال والجاه والقبيلة والمنصب .

إلى هنا ربما انطلت اللعبة على البسطاء وأشباههم, لكن ما حدث في الآونة الأخيرة من مواجهات مسلحة بينهم وبين الحكومة دليل على أن العقلية الحالية هي نفس العقلية السابقة , وإلا قل لي بربك من أين أتوا بهذه الجموع الغفيرة المدججة بكافة أنواع الأسلحة التي لا تملكها إلا دول؟ وكيف استطاعوا أن يكوِّنوا هذا الجيش داخل العاصمة ؟ ولماذا التمترس داخل المدينة , وإشعال الحروب داخل الأحياء؟لماذا لا تكون المواجهة في معسكرات الجيش والأمن إن كان ولا بد من المواجهة؟ ثم من المستفيد من تدمير المؤسسات الحكومية ونهبها؟ وهل هي السبب في كل ما يحدث؟ أم أنها عقلية التدمير والحقد على كل منجز حضاري؟ لنفرض جدلا أن الدولة هضمتهم حقوقهم أو ظلمتهم , فهل يكون الرد بتدمير المؤسسات المدنية التي هي ملك الشعب؟ أم أنهم يعتقدون أنه بسبب نفوذهم من حقهم تدمير ما رغبوا في تدميره؟ وأن هذا طريق إلى إقامة الحكومة الرشيدة المنتخبة من قبل الشعب بحرية ونزاهة؟ ولي ولغيري أن يتساءل ما مصير هذه الجيوش الجرارة؟ وما يتبع ذلك من أسلحة وأموال تنفق على هذه الجهود الحربية بعد هذه المرحلة , هل ستبقى بعد قيام الدولة المنشودة ؟ أم أن الدولة ستبقى لا سلطة لها على المتنفذين وزعماء القبائل؟ وسيظل سلاحهم وقواتهم يشكلان رأس حربة لمن يعترضهم أو يحاول إخضاعهم للقانون؟ وبالمناسبة فإن هذه القوات ليست الوحيدة على الساحة , وما أمر الحوثيين عنا ببعيد , ولكن اللافت أن عيال الأحمر أصبحوا ثوريين بل في مقدمة الثوار نصرة للحق زعموا , أو نصرة لمواقعهم ومصلحتهم في الحقيقة والواقع .

أنا وغيري كذلك لا نستغرب مثل هذه التصرفات من شركاء الأمس الذين كان لهم نصيب الأسد من كل المميزات الممنوحة لهم من قبل الدولة المادية منها والمعنوية , ولكن الاستغراب من مواقف الجموع الغفيرة التي صدقت بأن عيال الأحمر مصلحون وثوار يسعون إلى انتشال البلاد من واقعها المؤلم إلى سماء الحرية والتقدم والازدهار , وفي المثل السائر: ( إنك لا تجني من الشوك العنب ) , ومن الغريب أنك لا تكاد تجد أقلامًا حرةً من صفوف المعارضة توضح بجلاء خلفياتهم وتاريخهم , ومدى تقبلهم للنظام والقانون , وهل هم مؤهلون فعلا لقيادة البلاد , أو المشاركة في ذلك دون أن يكون لذلك أثر سلبي على الحكومة المزمع إقامتها , وهل المعطيات الحالية تجيب عن مثل هذه التساؤلات بصورة إيجابية .

من جهة أخرى أصبحت الحكومة في هذه المرحلة حريصة على استتباب الأمن وتطبيق القانون , وإخضاع عيال الأحمر الفاسدين في نظرها إلى النظام والقانون . لم هذا اللعب بالعواطف والعقول؟ وأين كان هذا النظام والقانون فيما سلف من الأزمنة؟ وهل هذا الفساد طارئ أو ناشئ معهم؟ فإن كان ناشئًا معهم , كيف جاز لكم وسمحت ضمائركم بالسكوت عنهم طوال هذا الوقت؟ وما الذي استجد في أمرهم؟ ألأنهم وقفوا في وجوهكم أصبحوا فاسدين في ماضيهم وحاضرهم؟ لا شك أن حمل السلاح في وجه الحكومة فساد وبلطجة , وليس له مبرر لكن أن ينجر الكلام إلى فساد سابق تحت مرأى ومسمع منكم , ثم لا ينكر إلا بعد تضرركم منه , هذا ما لا يقبله الناس , وهو قصور منكم قبل أن يكون منهم.

القبيلة وزعامتها مكون من مكونات اليمن , وليس بمستنكر أن يكون للناس قبائل وشيوخ يقودون هذه القبائل , لكن المستنكر أن تكون هذه القبائل بمنأى عن النظام , ولا يجري عليها ما يجري على غيرها , وقل مثل ذلك في المشايخ والنافذين.

إن الله تعالى قال: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) , وإن كان هناك من تمييز فليس مجاله إلا ما قال الله تعالى: ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) , ومع هذا التمييز فإن الحق فوق الجميع قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: ( لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) وهل أحد فوق نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

الإسلام وإن اعترف بمبدأ التفضيل بين الناس بحسب الجنس فضلا منه وكرمًا , لكنه لم يراع ذلك في الحقوق والواجبات , بل هي منوطة بالجميع دون استثناء , والجزاء يكون على قدر العمل ( من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) بل الواجب على من فضل على غيره آكد , والنسب إذا لم يقترن بمقومات أخلاقية وأدبية فإنه يصبح عبئًا على صاحبه  ( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) .

إن مكونات المجتمع يجب أن تتعاضد على الخير والصلاح وأن تقف في وجه الفساد والمفسدين أيًّا كانوا بل الواجب على من تبوَّأ مكانة اجتماعية أعلى من غيره أن يترفع عن كثير مما يقع الناس فيه من المباحات أو المشتبهات صونًا لعرضه , وحماية للأخلاق الرفيعة والقدوة الحسنة من أن تدنس أو تنتهك , والملاحظ في مجتمعنا أن الكبار تكبر مفاسدهم , ويتسع بطشهم بقدر سعة نفوذهم , وهذا ما أدى إلى مشكلات متراكمة يعجز العقلاء عن حلها , وكل من استمرأ الباطل والفساد يصعب عليه بعد ذلك الإقلاع عنه , وكأنه حق يعطاه دون ضابط أو مساءلة , إننا بحاجة إلى تربية جادة إيمانية وأخلاقية بعيدة عن الموروثات التي تتعارض مع مبادئ الشريعة والأخلاق الرفيعة العالية , إن الكفاءة والأمانة هي المقوم الأساسي لاختيار الأفراد العاملين في المؤسسات بعيدًا عن المحسوبيات والمقامات الاجتماعية , وإن الإبداع والتميز يجب أن يتاح للجميع بقدر واحد إذا أردنا بناء دولة حديثة تقوم على شؤون البلاد , وتبنيه للحاضر والمستقبل في عالم أصبح لا وجود فيه للضعفاء والفوضويين .

بلادنا ما زالت بمنأى عن الترف والميوعة و شبابنا كثير منهم لم تدنسه الحضارة بقاذوراتها الأخلاقية والفكرية , وهو يسعى للعمل الجاد المثمر , ويحتاج إلى إدارة علمية قوية , وتخطيط سليم يقودانه إلى عالم الإنتاج والبناء , وليس أدل على ذلك من النجاح الباهر الذي يحققه خارج بلده , فتراه كالنحل وكالنمل دائب الحركة مثابرًا على عمله , صبورًا في كسب لقمة عيشه بعرق جبينه , ألا يستحق أمثال هؤلاء أن يؤخذ بأيديهم , وتستغل طاقاتهم ؛ فيعمروا أوطانهم بدل أن يضيع شبابهم في المهجر.

شعبنا شعب متدين بالفطرة , والدين أساس حياته , ولا عزة لأمتنا إلا بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه ففيهما الهدى والصلاح والفلاح , فلنسعى جميعًا جاهدين إلى إقامة شرع الله على الوجه الذي يرضي الله تعالى , وحينها سننعم جميعًا بالأمن والأمان, والرقي والتقدم , والعيش الكريم ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) , لقد سئمنا الحروب والفتن على مدى عقود من الزمن , والتاريخ يعيد نفسه , وإذا تأملنا أسباب هذه الحروب والفتن لوجدناها تعود في معظمها إلى أسباب شخصية , ومطامع لفئات محدودة تفرض نفسها وخططها على المجتمع تحت مسميات لامعة تستهوي الرعاع من الناس , وهي في حقيقتها مطامع , أو تصفية لحسابات بين أطراف متنازعة .

السلاح وإن كان ميزة لأهل اليمن لكنه وللأسف جرَّ علينا الويلات الكثيرة, فكلما بدت ظواهر نزاع قبلي أو عائلي كان السلاح هو الحكم , وكلما أرادت فئة أو طائفة أو قبيلة تحقيق مطلب ما استخدمت السلاح لتنال مبتغاها في صورة يترفع عنها العقلاء فضلا عن أهل الإيمان والحكمة .

وللقضاء على هذه الظاهرة لا طريق لنا إلا بتحقيق أمرين اثنين :

1. إقامة العدل بين الناس دون تمييز لأحد كائنًا من كان , فبالعدل تقوم الدول , وبالظلم تقوض.

2. نزع السلاح الثقيل والمتوسط من أيدي القبائل والأفراد , وليكن السلاح الخفيف مرخصًا بضوابط تمنع من استخدامه إلا في الضرورة القصوى حماية للمجتمع من الاصطدام والاحتراب عند حدوث أي فتنة , ولن نعدم من وسيلة نحقق بها أهداف الشباب الراغب في اكتساب مهارات الرماية , وتحقيق الرجولة والشجاعة , وذلك من خلال معسكرات مفتوحة تلبي مثل هذه الرغبات بطريقة منظمة تؤدي الغرض , وتحافظ على أمن وسكينة المجتمع.

الحزبية والطائفية والقبلية والمناطقية والسلالية مصطلحات أصبحت أداة لتفكيك المجتمع وانصهاره , رغم أن بعضها مشروع لكن مشروعيته تضمحل إذا ما خرج عن الإطار الذي قام عليه من نصرة الحق , والتعاضد والتعاون على البر والتقوى , والبعد عن الإثم والعدوان , و الديموقراطية الغربية زادت المجتمع شروخًا وتشرذمًا , وأصبحت ظاهرة ممقوتة تعايشنا في كل زمان ومكان تحل به , بل فرقت بين الابن وأبيه , والأخ وأخيه , والقريب وقريبه في صورة مزرية وقبيحة.

هذا العبث وهذا التدمير الذي يطال ربوع البلاد لا بد من إيقافه , والأخذ على أيدي السفهاء والاحتكام إلى منطق العقل والشرع.

وإذا تمادت الأمور وتفاقمت فإن الخرق قد يتسع على الراقع , وحينها سيندم الجميع على تفريطهم , أوعلى حماسهم غير المدروس , القائم على حب الانتقام , والانتصار للأهواء تحت مبررات كثيرة , فلنتق الله في أمتنا , ولنفكر بعقولنا مستلهمين الرشد من الله , وإلا فإننا نخشى أن تدور علينا الدوائر , ونصبح في خبر كان .

( ألم تر إلى الذين بدَّلوا نعمت الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار )

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى

m.algabban@gmail.com

عدد القراءات : 3055
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات