احدث الاخبار

الشاعر صالح الحامد والنقـاد

الشاعر صالح الحامد والنقـاد
اخبار السعيدة - بقلم - الدكتور/ ابوبكر محسن الحامد         التاريخ : 28-06-2011

يعتبرالاديب العراقي هلال ناجي من اوائل الادبـاء العرب اللذين لفتوا الانظارالى ان الشاعر صـالح الحامد هو "طاقة شعرية ضخمة" (ناجي 271). كما ابدى الكاتب هلال ناجي ملاحظة هامة حين اشارالى وجود "النفس الرومانسي الجزين" في شعر الحامد. ولكني ارى ان ناجي لم يضع اصبعه على اهم القصائد الرومانسية التجديدية للحامد ولو انه اشار الى اربع منها ضمن اربع وعشرين قصيدة ذكرت في الفصل الخاص بالحامد في كتابه"شعراء اليمن المعاصرون". هذه القصائد الاربع هي "المنـزل الـحـزيـن"، "علـى ربـوة الـمنـى “، "ليـالي المصيـف او ذكـريـات الـحـب " ، و "الشـاعـر."   أما بقية القصائد التي اشار اليها ناجي فلاارى انها من روائع الشاعر. وارى ان الحس الايديـولوجي الوطني القومي الثوري السائد في فترة الستــيـنـيـات هو الذي جعل ناجي يغفل عن روائع الشاعر ويركز على القصائد التي تتنـاغم مع تلك الفترة, كقصـائد العيـديـات ("العيـد" ، "الحياة جهاد" وهي ايضا قصيدة في العيد , "تحية العيد" ، و"ذكريات العيـد") او قصيدة "زعيـم" وهذا مثال منهـا نختاره من قصيدة "الحياة جهـاد" احدى قصائد العيديـات:

يكـر عليـك اثر العيـد عيـد     وانت على جمودك لاتحيــد

سـدى ياتيك عام بعد عام       ولاعـــــــــــمل ولاأثرجديـد

اذا لم تعل عامك وهو آت        بآثـار يحـق لها الخــــــلود

فكيف تـظل مغتبـطـا سـرورا    بأن ودعــت عـامـا لايعـود؟!

أفاق الشرق بعد النوم دهـرا   فقا م الصين وانتفض الهنــود

وثارت للعـلا امـم وهـبـت     تجمــّـع شمــــلهــا حتى اليهــود

ونحن حيـالهم نحيـا سوامــا   نعيش مع الزمـان كمـا يـريــد

ضحى العصـر الجديد ونحن فيـه  نغـط على مضـاجعنـا رقـود

ولكن ناجي اختار ايضا من روائع الشاعر كما اشرنا فاختار مثلا قصيدته "على ربوة المنى" ومن ابياتهـا:

. . .

 كان غرا مدللا جامـح اللـــــــــهو والصبــا

 يحسب الكون كالــــــــبلابل ملهى وملعبــا

 نشد اللهو في الرياض وطوراعلى الربى

 كاسه الزهرفي الغصون وقــــيثاره الصبا

 كان لا يعرف البكاء و لم يدر مالانـــــــين

اترى الدهـر غار منه فأغرى به السنيــن!!

. . .

وأرى ان ناجي لم يركز على الخصائص الجمالية والفنية الادبية للقصائد بقدر ماكان ينـّشـد الى النبرة الوطنية في شعر الحامد، ولو انه ركز على الخصائص الجمالية لقدّم لنا من وصفه بـهذه "الطاقة الشعرية الضخمة" – الحامد – في اروع قصائده، وهي كما ارى: القصائد الاربع التي اشار اليها ناجي وقصائده الاخرى: "،"الغصن الشاحب"،"الجمال المقدّس"،"زودينا"،"سمراء"،"الاوبة"،"ليالي المصيف"،"اللحن الساري"،"من صميم الحياة"،"هات منقارك"،"العقل والضميـر"،"ظمـأ شاعر"، و"دوحة الوادي"."ليتها معي"،"الغصن الشاحب"،"اللحن الساري"،"ظمـأ شاعر"،"هات منقارك"، . "سمراء"،"زودينا"،"الاوبة"، "من صميم الحياة"، "العقل و الضمير"، و"الجمال المقدّس". بهذا أكون قد اخترت ست عشرة قصيدة هي اجمل قصائد الشاعر صالح الحامد كما ارى ويمكن تقسيمها الى ثلاثة انواع: رومانسية متجّددة ومثالها "الغصن الشاحب"، ورومانسية تقلـــيدية ومــثالها "الشاعر"، ورومانسية فلسفية ومثالها "الجمال المقدّس".  1

وفي اليمن بدأ الالتفات الى شعرالحامد في وقت متأخر وبالذات بعد قيام الوحدة اليمنية. وممن ساهم في دراسة شعرالحامد الناقد عبد الله حسين البار والذي بيـن ان الحامد هو"اكثر شعراء جيله اتصـالا بحركات التجـديـد". 2 واشار البار ايضا الى اهمية العوامل  الدينية في شعر الحامد، ولكنه لم يربط ذلك بالبعد الصـوفي في شعر الشاعر والذي نلمسه واضحا في شعره كما في مقطوعته "فتنة" و في قصائده: "صباح الشاعر"،"ملك"،"دوحة الوادي"،"على الشاطىء او تيه حسنــاء"،"الصباح الوليد" (نسمات الربيع)، وفي"الاوبة"، و"المنزل الحزين" (ليالي المصيف)، والطريف ان هذا البعد يختفي من ديوانه الاخير "على شاطىء الحياة." ولعل هذا يعود لاسباب معينة نؤجل مناقشتها للدراسة القادمةز ولكني اقدم مثالا لهذا البعد الصوفي من قصيدته ليالي المصيف .. من ذكريات الحب!"  "ليالي المصيف" (20) وهي قصيدة في متع الحياة وجمال الطبيعة ولكن الشاعر يعبر فيها عن هذا البعد ببيتين يلخصان رؤيته الشعرية كما ارى، هذان البيتيان همـا:

ماعلى قلب شاعر   هام بالكون وانبهر

يشهد الله جهرة  في المــعاني والصور

وقبلهمـا نقرأ:

                   ياحبيـــبي هيـا اليّ   فقد  اسفـر القمـر

                                          اي حسن ترى تنسـق في الكون وانتثر

..

يالها من مفاتن   تملأ القــلب والبصـر

حلم ايقـظ الطيـــــــور فغــــنـّت ولازهر

والناقد عبد المطلب احمد جبـر يؤكـد مااشار اليه ناجي من قبل"النفس الرومانسي"، كتب جبر عن شعر الحامد بأنه "بداية انعطاف شعراء الاتجاه التقليدي المتجدد"، وهو يقصد بهؤلاء الشاعر ابن عبيداللاه السقاف، والشاعر ابوبكر بن شهاب على سبيل المثال, "نحو الافق الرومانسي" (98).3 ولان دراسة جبر كانت شاملة للشعراليمني الحديث فقد اتسمت وقفته امام شعرالحامد بسمة التلخيص اكثر منها بسمة التحليل، بل لم يورد امثلة من هذا "الافق الرومانسي" الذي مثل انعطافا في الشعراليمني الحديث.  والناقد السوداني مبارك الخليفة  يرى مايراه ناجي وجبر "النفس" او "الافق" الرومانسي في شعرالحامد. الا ان الخليفة  وقد خصـّـص كتيبا اصدرته جامعة عدن عن الحامد حاول ان يحـلل اتجاهين وجدهما في شعرا الحامد كما وجدهما من قبل ناجي والبار وجبر، هذان الاتجاهان هما الاتجاه التقليدي والاتجاه المتجدد. كتب الخليـفة: "والشـاعر صالح الحامد جمـع في شـعره بين المعـجـم السـائد في . . . الشـعر التقـليـدي والمعجم السـائد في الشعـرالـتجديـدي . . . وفي قصـائدالطبيـعة، والـحـب، ووصـف الجمـال، والتجارب الذاتيـة يغلـب المعجم السـائد في الشعـر التـجـديدي" بل ان القارىء ربما اشتم مما كتبه الخليفة  اشارة الى مواضيع الحداثة في شعرصالح  الحامد العلوي "بدأ (الـعلوي) يكـتب في  . . . موضوعـات الحيـاة اليوميـة  التي اصبـحـت اتجاها عـند شعـراء الـتـجديد في الشـعــرالاوربـي"   واذا ماوجد ناقد آخر في المستقبل ملامح لشعرالحداثة في شعرا الحامد فسيكون الخليفة هو اول من اشار الى ذلك وله في ذلك فضل الريادة.  ويختم الخليفة دراسته باعتبار ان الحامد  "رائـــــد مـن رواد (الشـــعر الـتـجـديدي) في الــيـمـن" (19).  4

لعل هذه هي اهم الاراءالنقدية منذ الستينيات في شعرالحامد، وما كتب قبل ذلك انما هو عبارة عن مقالات صحفية لم يكتمل لها المعيارالادبي النقدي او ماكان يسمـى بتقاريظ يحيـي فيها بعض الادباء الاعمال الجديدة تحية  شعرية او نثرية كما نقرأ في مفتتح الديوان الاول لصالح الحامد مقطوعة شعرية يحيـي فيها الشاعر المصري احمد رامي الديوان الا ول للشاعرالحامد (نسمات الربيع) 5  وكما نقرأ قصيدة الشاعر علي احمد باكثيـر التي نجدها في مفتتـح الديوان الثالث للشاعر (على شاطىء الحيـاة) 6 وكما نقرا للشاعر السعودي محمد حسـن عوّاد في قصيدته التي نشرها الشاعرالحامد في ديوانه الثاني (ليالي المصيف) ونشر رده عليها ايضـا. 7    ولابأس ان نشـير هنا الى ماكتبه بعض المفكرين عن اعمال الحامد عامة فقد كتب الناقد محمود الخفيف في عدد الرسالة عن بيت من قصيدة الحامد "الشاي" :

لولا انتصاف الكأس خيـّـل أنها     في كف ساقيها تقوم بذاتهـا

  يرى الخفيـف ان هذا البيت من قصيدة "الشاي" قمـة "في التصوير الشعري الفني" 8 ، ولاغضاضة ان نشير هنا الى ماكتبه المحققان التاريخيـان الحبشي والمنجد. فقد كتب المنجد وهو يقدم احد اعمال صالح الحامد التاريخية (تاريخ حضرموت) يقول:                                                                                 

  "احسست اني اقرأ لعالم احاط بالمصادر التاريخية القديمة، مخطوطها ومطبوعها، اعظم احاطة . . .ثم اني شعرت اقرا لعالم يحسن انتقاء الحوادث وربط بعضها ببعض . . . ثم رايتني اقرا التاريخ الاسلامي كله من خلال تاريخ حضرموت، فقد عرف المؤلف كيف يسرد حوادث بلاده بتفصيل، دون ان يهمل حوادث الاقطار الاسلامية الاخرى"  (المنجد المقدمة لـتاريخ حضرموت الصفحة "و") 9  كما كتب الحبشي وهو يقدم كتاب الحامد  (رحلتـي الى جاوة) قائلا: "رحلة الاديب اليمني الكبير صالح بن على الحامد من الرحلات الادبية القيمة، وهي تتميز بالجمع بين الاسلوب الوصفي الحديث .  .  . واشراق البيان، ولاغرابة فكاتبها احد الادباء الكبار اللذين كتبوا الشعر الحديث، وجاروا فيه اصحاب الــــــــمدرسة الحديــــــثة في مصر والشام، ورحالتـنا هو الرائد لهذا النوع من الادب " (284). 10

وارى ان مكانة الشاعر صالح الحامد "ان مكانة الشاعر الحامد في الشعراليمني تشبه مكانة الشابي في الشعر التونسي، ومكانة علي محمود طه في الشـعر المصري، ومكانة التيجاني في الشعرالسوداني .والـعلـوي مـثل هـؤلاء الشـعـراء يـعـتــبـر واحدا من الشـعراء الرومـانســيــيـن الــبارزين في الــشعـر الــعـربي المـعــاصـر." 11

يشار أن هذا النشر للمقالات العلمية والابحاث والملخصات العلمية يأتي في إطار عملية الإشهار الإعلامي لأبحاث ودراسات ومقالات أساتذة جامعة عدن وطلابها، التي تتولى الإدارة العامة للإعلام بجامعة عدن تنفيذها، واستلام الملخصات المطولة للأبحاث على البريد الالكتروني التالي: bnraabb@gmail.com  - على أن يتم إرسال المقالات العلمية أو ملخص موسع يتضمن نتائج وتوصيات الدراسات والأبحاث بطريق مستند نص وورد 2003 مع صورة شخصية للباحث والصور ذات العلاقة بالبحث.

-------------------------

الهوامـش

 

 

1-  الحامد، ابوبكر محسن. "صالح الحامد شاعرا رومانسيا". دراسة تحت الطبع في مجلة اليمن العدد القادم  1426 هـ  2005 مـ .

2- البار, عبد الله حسين. "صالح الحامد رائـد الرومانسية " مجلة المنتـدى، المكـلا، جضرموت، 02000

3-  جبـر، عبد المطلـب.  "التجديد في الشعر اليمني الحديث" مجلة  اليمن.  14 شعبان 1422 هـ ، نوفمبر 2001 مـ  81-107.

4- الخليفة، مبارك حسـن. صالح الحامد بين التقليد والتجديد. عدن. مطبعة جامعة عدن. 1995.

5- يقول احمد رامي في مقطوعتـه "الى صاحب نسمـات الربيـع"  الديوان: نسمات الربيع 1355 هـ ، 1936 مـ:

رجّــــع الشـــعر ايها الغريد     قد شجاني من ثغرك التغريد                       

وادركاســـــــــــه علــــي تـبــاعا     انني من سلافه مستزيد           

اسكــرتنـــي منه حسان المعأني      والمعاني سليلها العنقود           

شعـرك الروض حاليا يتناغى طاب منه الجنى وطاب النشيد           

فاســـــقه من نمير فكرك ينمـو      مثمرا فيه غصنه الاملود           

وتنــــــقل ما بـــــين افنانه الخضـر    تلاقيك بالعبير الورود            

  وتـــــناجــــــيك ورقه صادحات      ويحيـــــك ظله الممدود

6- عنوان قصيدة باكثير: " يا شاعر الاحقاف"

صالح هاجـــتني الحانك!     رحماك ماشاني! ما شـأنك! 

قد كنــــت اسلو عهد ذاك الحمى    حتى جلاه لي ديوانك   

فخلــــــتني ادرج في ربعه      طفلا غريرا ولداتي معي

نجري حفـاة لانخاف الاذى   على ثراه الابيض الانصـع

وانـــــــــت يا صالــح نــعم الـــــــــــنديم    في فتية غر ميامينـا

تــــــــــســاقـــوا  الشعر وصفو النعيـم   في غفلة الدهربسيونا!

اهــــــــــــا لســــــــــيون وايامهـا  هيــهات ياصـالح ان تنسـى

اذكــــــــــــرها الــــــــــــيوم فابكيها    وكانت البهجة والانسـا

يـاشـــــــاعر الاحــــقاف لا أقفـرت  تلك المغاني من اغاريدك

غــــــــــرد على العـلآت فيـــها فقـد  تـــبعث يوما من اناشيدك

غـــرد وان غرّك ذاك الطلب وضاع فيها منك صوت وصوت

حسـبك ان تصغي دنيا العرب للشاعر الصدّاح من حضرموت

7-من قصيدة عواد "الى صاحب نسمات الربيـع"  مخاطبا الحامد نقرأ مثلا:

الربــــــــيـــــع الذي تشـــــير اليه  وبثـــثت الجمــال في نسمـاته                

             . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وهـو هذا الخروج في شعرك السهل على النظم في قديم صفاته

ومن رد الحامد على قصيدة عواد نقرأ:

  . . . وهو في الحق عاجز ان تراه  راسما دمعه ولا بسماته                          

ومتى طارت النسور مضى يكدح  في صخره  وفي عقباته (ليالي المصيـف 95-96)

8-  الخفيـف، محمود. مجلة الرسالة. العدد 63، سبتــمـبر 17، 1934.

9- المنجـد, صلاح الدين. مقدمة ( تاريخ حضرموت) للحامد. صنعـاء. مكتبة الارشاد ومكتبة تريم، حضرموت.  1432 هـ , 2003 مـ.  الصفحة: (و).

10- الحبشي، عبد الله. الرحالة اليمنيون.  صنعاء. مكتبة الارشاد. 1409 هـ.

11- الحامد، ابوبكر محسن. اطـروحة دكتوراة "العلوي وفروسـت: الـرؤيـة الشعرية" كولومبيـا: جامعة كارولاينـا الجنـوبيـة. الولايات المتحـدة. 1426 هـ،  2005 مـ

    * ادب مقارن، الولايات المتـحـدة – استاذ بـجامعة عدن

عدد القراءات : 7525
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات