احدث الاخبار

التضليل الإعلامي في أزمة اليمن

التضليل الإعلامي في أزمة اليمن
اخبار السعيدة - كتبه - الدكتور/ محمد عبدالله عايض الغبان         التاريخ : 22-06-2011

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد / لا يخفى أن الإعلام بأشكاله المرئي والمسموع والمقروء يمثل سلاح العصر، وحجر الزاوية في استقطاب المتلقي، وتغيير قناعاته واتجاهاته، وقد طغى الإعلام الإلكتروني على غيره من الوسائل الأخرى، فانضم إليه مئات الملايين بل آلاف الملايين بدرجات متفاوتة، وهذا يدل على أهميته البالغة في التأثير على الناس، ويستوجب من أهل الخير والصلاح أن تكون مشاركاتهم على مستوى الحدث من حيث الدقة في المعلومة والصدق في الخبر والتحليل المنطقي الخاضع للمعطيات الجارية دون تهويل أو تهوين، كما أن رؤاهم الشرعية يجب أن تكون نتيجة إلمام بالأدلة الشرعية المعتبرة وفق المنهج الشرعي الصحيح في الاستدلال، وأن يكون تنزيل هذه الأدلة على الوقائع والحوادث منطبقاً عليها، بعيداً عن التأثر بالجو العام والصخب الإعلامي الجارف والمنحاز إلى أطراف متباينة في المواقف، لأن الكلمة أمانة، وهي لك أو عليك (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ...) وقديماً قالوا : الصدق منجاة، وفي الحديث : «إن الصدق يهدي إلى البر وإن الكذب يهدي إلى الفجور» .

 

والأثر الذي يحدثه الإعلام في النفوس بالغ وينعكس على المجتمع والأمة سلباً أو إيجاباً، وصاحب القضية ليس بحاجة إلى تهويل وتفخيم ولف ودوران وتناول للإشاعات على أنها حقائق ومسلمات، لئلا تضيع قضيته وهو منشغل بالتدرج في أساليب الكذب والخداع محاولاً إقناع الآخرين بقضيته التي قد تضيع نتيجة للصورة التي قد ينكشف للناس زيفه فيها وتضليله، ناهيك عن الإثم العائد عليه، ولست مبالغاً إذا جزمت بأن هذه الأساليب التضليلية تربي الناس على هذا المنهج السيئ وعلى محاولة التبريرات البعيدة عن الواقع والمتحيزة إلى الرغبات والأهواء، دون اكتراث بالحقيقة وما يترتب على هذا الدجل الإعلامي من آثار سلبية على المجتمع .

 

والمتابع لأحداث اليمن منذ أن حصلت القطيعة بين الحكومة والمعارضة، بل وقبل ذلك بفترة يهوله ما وصلت إليه الكلمة من تدن خطير في قاموس الإعلاميين والكتاب من كلا الفريقين، كل يحاول الإمعان والانغماس في تزييف الحقائق والتنكيل بالآخر، بل وللأسف الشديد ترى الاضطراب واضحاً في الموقع الواحد أو الصحيفة الواحدة، بل وفي الخبر الواحد، وهذا في حقيقته يدل على عدم القناعة بالقضية المثارة، وفيه استهتار بين بعقل المتلقي وغش للمجتمع والأمة وخيانة للأمانة .

 

إن الذي يكذب عادة كذبة يتناقلها الناس يتحاشى المجالس والظهور العلني حياء وخجلاً وخوفاً من اللائمة، لكن إعلامنا ليس لديه مانع أن يثبت اليوم ما نفاه بالأمس، وينفي اليوم ما أثبته بالأمس، وكأن القضية لا تعدو أن تكون تسويداً للصفحات أو شغلاً للوقت بأي خاطرة، ولو عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء إلى بداية الأحداث لرأينا عجباً مما نشر وأذيع، ولا يزال ينشر وإن كان بدرجة تهويل أقل، فالمظاهرات في أزقة المعارضة تقدر بالملايين وأنصار الرئيس يقدرهم الإعلام الرسمي بالملايين، وأصبحت سمة المليونية شعاراً وألعوبة تلوكها الألسن دون اكتراث بالواقع، وأعداد الموالاة في نظر المعارضة بالمئات ومأجورون، والمعارضة تدعي أنها الشعب كل الشعب، والحكومة تدعي أن الشعب كل الشعب يدعمها وفي صفها.

 

وأما حبك الصور وتلفيقها فقد وصلت إلى حد يشمئز منه العقلاء ويستهجنه أهل الإيمان، فيصور المئات والآلاف على أنه تكدس بشري هائل، وبصور الآلاف ومئات الآلاف على أنهم أفراد معزولون في شارع من شوارع صنعاء الضيقة، ولا ينكر التهوين من شأن الخصم في العرف لكن أن تزيف الحقائق ويتحرى الكذب عليه حتى يقتنع الآخرون غير مقبول في ديننا وأخلاقنا وأعرافنا .

 

قتل الأحمر ووجد جثة هامدة ومتفحمة في الأنقاض، وقطع أوصالاً، ثم يظهر على الشاشات بعد ساعات من الخبر، قتل الرئيس وكبار أعوانه، ثم يظهر صوته بعد ساعات، خرجت عوائل وأنصار فلان إلى خارج البلاد هرباً وخوفاً، بعد ساعات سيسلم الرئيس الحكم كما صرح بذلك مصدر لم يفصح عن ذكر اسمه، ذكر مراسلنا وعلمنا من جهة موثوقة، ومن جهة مقربة، وصرح مسؤول وعلم من كذا إلخ ... إلى نهاية رقية العقرب المسلسلة بالمجاهيل والمختفين والمستورين الذين لم يولدوا.

ولم أرد الاستقصاء في ضرب الأمثلة فإنها كثيرة وبحاجة إلى استقراء وتتبع، كما أني لا أبرئ أجهزة الإعلام الخارجية من الجنوح إلى المغالطات والتزييف، فإنها ظاهرة مزعجة تخدم قضايا ملاكها، ومن لهم علاقة بها من أصحاب النفوذ والسلطان، لكن ما يجري الآن في وسائل إعلامنا تجاوز الحدود واللباقة الأدبية والذوقية، هذا على الأقل من وجهة نظري الخاصة .

 

ومما يؤسف له ويدل على تبعية عمياء للأجنبي واستقواء بالدوائر الغربية مهما صغر حجمها أن المعارضة والحكومة تستقوي بأي خبر يتعلق بأحداث اليمن صادر عن هذه الدوائر ولو كان خبراً عابراً أو تحليلاً صحفياُ في جريدة سائرة، ولا يمثل جهة رسمية فتراه متصدراً وسائل إعلامنا بكافة أشكالها وكأنهم أولياء أمورنا وكأننا نعيش تحت سطوتهم ونفوذهم في صورة توحي بمدى الهوان والذل الذي وصلنا إليه (ومن يهن الله فما له من مكرم) ولا يحلو ويطيب الجو للمعارضة والحكومة على حد سواء إلا بالاستماع والإصغاء إلى توجيهات السادة السفراء الغربيين على وجه العموم، والسفير الأمريكي على وجه الخصوص، بل تلمح الانبساط والارتياح بادٍ على وجوههم إن هم ظفروا بتصريح يعضد من موقفهم في صورة توحي بتبعية مطبقة (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة)، ومن الغريب العجيب في آن واحد أن المبالغات وتزييف الحقائق تأثر بها بعض الكتاب الإسلاميين والمحسوبين على الدعوة من خلال طرحهم ومشاركتهم في توصيف الأحداث وتحليلها وتنزيل الأحكام الشرعية عليها، وموقفهم الفض الغليظ من مخالفيهم ورميهم بالقصور وعدم الفهم الدقيق لمجريات الأحداث في وضع ينذر بخلل في التفكير وركوب للأهواء تحت مسميات وشعارات كثيرة، يحدوهم الأمل، وتغريهم التصريحات المعسولة المنمقة بطابع السياسة الماكرة العاقة التي تتخذ قاعدة : (الغاية تبرر الوسيلة) منهجاً تسير عليه .

 

ومن أغرب ما يقف عليه الإنسان من منهج استدلالي متعجرف أن البعض قد يستند في رأيه إلى بعض شذوذات فقهية يجعل منها رأياً للجمهور ثم يناقض نفسه بعد أسطر بنقل كلام يسقط فكرته ودليله، فيقول مثلاً : وإن استقر الإجماع على كذا، يعني على ما يخالف مستنده السابق، ثم لا يعرج على ما نقله من إجماع، وكأنه لا يعنيه بقدر ما يعنيه تمرير الفكرة التي تشبع بها و أشربها، والباحث عن الحقيقة يضيع أمام هذه المتناقضات .

 

وكم يتحسر أحدنا وهو يقلب المواقع الإخبارية اليمنية عله يجد ما يسد رمقه ويسعفه بالخبر الصادق الأمين، فلا يرى لذلك أثراً إلا في النادر.

 

والخروج بخبر صادق أو قريب من الصدق يتطلب ذكاء ومهارات لا يملكها عامة الناس الذين يقعون فريسة لمن حولهم لمن يتابعونه وله عليهم سلطة، أو لحزب معين ينتمي إليه، أو لعاطفة متقلبة ومتحيرة، يوم في واد ويوم آخر في شعب، وليت الأمر يقف عند هذه الحدود بل يتعداها إلى مواقف متشنجة وولاء وبراء على هذه المواقف، وقد يصل الحال بهم إلى استباحة الدماء أو إلى التقليل من شأن إراقتها، واعتبار أن من يقتل منا فهو شهيد، ومن يقتل منهم فهو في الناروبئس المصير، وهذه مأساة وفتنة تقشعر منها جلود الذين يخشون ربهم، ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم .

 

ومن المألوف إعلامياً أن وسائل الإعلام تصنف عادة إلى ثلاث فئات: موالاة ومعارضة ومحايدة، وهذه الوسيلة المحايدة ما وجدت سبيلاً للحصول عليها في إعلامنا إلا نزراً يسيراً في بعض المواقع الإلكترونية التي قد تسعفنا ببعض الأخبار المحايدة على سبيل الندرة، ولعلها غير مقصودة، وعامتها منشطرة إلى شطرين موالاة ومعارضة .

وفي مثل هذه الأجواء المشحونة تستدعي الحاجة إلى وسائل محايدة وكتاب معتدلين يقاربون بين وجهات النظر ، ويظهرون الحقيقة لعامة الناس، ويؤلفون القلوب، ويسددون الخلل الحاصل من كل الأطراف، ويتوجب على الإعلاميين والكتاب أن يكون شعارهم الصدق، وهدفهم الحقيقة التي تثمر إصلاح المجتمع، وتوجيه الناس إلى ما فيه خيرهم ونفعهم، ولا يجعلون أنفسهم أداة للتفريق ونشر الطائفية والحزبية والتنكيل بالأفراد والجماعات، وتمزيق الأوطان ونشر الكراهية والبغضاء في المجتمع، ويغفل الجميع في خضم هذه الفتن أننا أمة واحدة، يجب أن ننطلق من قول الله تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).

 

إن الخروج عن هذا المنهج الرباني القائم على العدل والقسط والإصلاح بين الناس فساد في الأرض وجريمة في حق الأمة .

 

والتثبت في الأخبار والتحقق منها خلق إسلامي أصيل، قال صلى الله عليه وسلم : «بئس مطية الرجل زعموا» وقال : «كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع» .

لقد آن الأوان أن تراجع وسائل الإعلام منهجها وأهدافها، وأن تقوم بالواجب الملقى على عاتقها في مهنية عالية صادقة مستشعرة عظمة الله عزّ وجلّ ساعية إلى إصلاح النفوس ونهضة الأمة إلى ما فيه عزها وكرامتها، قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً) ولم أتعرض هنا إلى ما أصاب لغة الضاد من قبل الإعلام بكافة أطيافه، من تطاول وتطفل عليها وانتهاك لحرمتها ومساس بأبسط قواعدها، فذاك شأن آخر مبكٍ ومضحك في آن واحد بل الجرأة على الكتابة بعد هذا الانفتاح الإعلامي الكبير وصلت إلى حد خطير يستدعي من الجميع استشعار المسؤولية ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه .

 

وفقنا الله جميعاً إلى السداد والصلاح .

 

m.algabban@gmail.com

عدد القراءات : 3568
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات