احدث الاخبار

الزحف .. كُلفة تفوق ثمن الرحيل !

الزحف .. كُلفة تفوق ثمن الرحيل !
اخبار السعيدة - كتب - عبد الحبيب العزي         التاريخ : 25-05-2011

حين انطلقت ثورة شباب 25 يناير في الشقيقة مصر ، كنا نصب – حينها - جام غضبنا على الفرعون المصري ، وقلنا بأنه أتعبنا نحن البعيدين عن الحدث ونحن نترقب خطاب تنحيه ، فما بالكم بشعبه ذاك المرابط  في ميادين التحرير ، كنا نقول ذلك مع أن الفترة الزمنية التي استغرقتها ثورة الشباب في مصر بكاملها لم تتجاوز الثمانية عشر يوماً فقط ، إلاَ أننا اليوم بتنا نترحم عليه ونحمل له بعضاً من الاحترام - ولو على سبيل المجاز-  إذا ما قارناه بـ "صاحبنا" اللي ماسك على الكرسي "سع الشلك".

ولأن شباب الثورة في اليمن – كما في غيرها من الأقطار العربية ، التي لا زالت تشهد ثورات مماثلة – كانت أعناقهم مشرئبة نحو الشاشات ، تتابع فصول ذاك المشهد المثير، وذاك الفعل الثوري العظيم - بكل تفاصيله وأحداثه - في قلب ميدان التحرير بالقاهرة ، فقد استلهموا - قبل غيرهم - تلك التجربة  بكل مفرداتها وتفاصيلها ، ولم يطيقوا الصبر حتى سقوط الصنم المصري ، ونزلوا إلى الساحات والميادين في الحادي عشر من فبراير، حاملين ذات اللافتات ومرددين ذات الشعارات ، لتبدأ بعدها فصول نموذج رائع لفعل ثوري حضاري أدهش العالم بأسره ، ذلك العالم الذي كان - إلى ما قبل أربعة أشهر فقط - لا يرى في اليمن إلا قاعدة للتخلف والإرهاب ، وهو الحصاد المر الذي جناه اليمنيون من نظام التخلف والفساد طوال الثلاثة عقود الماضية .

ولأن الثورة في اليمن قد استلهمت التجربة المصرية بحذافيرها كما أسلفت ، فقد أطلقت ذات المسميات حتى على أيام الجمعة خلال مسار الثورة كـ "جمعة الغضب" و "جمعة الرحيل" و .... و ... الخ ، لكن الشيء الذي لربما غاب عن أذهانها أن "فرعون" اليمن سيفوق "فرعون" مصر في العتو والعناد ، وسيجعلها تضطر للبحث في مفردات اللغة عن مسميات جديدة - لجمعات قادمة ستتوالى تباعاً - تناسب واقع الحال في مسار الثورة , حتى بلغت الثلاث عشرة جمعة أو تزيد ، ولم يتبق سوى "جمعة الزحف " هي الوحيدة التي ينتظرها جموع المتحمسين الذين يميلون للاستعجال دائماً ويحبون " القِطَّاف " في كل شيء ، متناسين بأنها "ثورة" تحتاج إلى المِراس السياسي مع كثير من الصبر والمصابرة ، الذي ينهك الخصم ويستنزف قواه ، ويحشره في أضيق زاوية ممكنة يسهل معها اقتلاعه ، أكثر من حاجتها إلى الاندفاع الثوري ، الذي قد يضر بالثورة أكثر مما يخدمها ، بل وقد يفتح للخصم فضاءات واسعة لإشباع نهمه و رغباته في ارتكاب كل الحماقات التي قد لا تخطر على بال أولئك المتحمسين ، والذين يتوجب عليهم أن يضعوا نصب أعينهم الهدف الأكبر الذي قامت لأجله الثورة وهو " إعادة الحياة للوطن " وليس " السير بالوطن نحو الموت " .

البعض منا يُلقي باللائمة على أحزاب المشترك ، أو بالأحرى على قيادات المشترك بسبب اعتقاده بأنها هي من يقف حجرة عثرة أمام فكرة الزحف وأمام القطف السريع لثمار الثورة ، والبعض الآخر يرى أن تلك القيادات التي تتفاوض مع النظام حول المبادرة الخليجية أو غيرها من المبادرات ، لا تمثل في حقيقة الأمر إلاً نفسها أو جزءاً من الساحات فقط وليس كل الساحات ، وبالتالي كان يتوجب عليها توفير الوقت الذي تهدره في مفاوضات عبثية ، ومع أنني أتفق جزئياً مع هذا البعض الآخر في أن تلك الأحزاب لا تمثل كل الساحات  بشكل مطلق ، إلا أنني - وعلى وجه العموم - أرى بأن ذلك الاعتقاد هو خاطئ بالأساس ، لأنه – بتقديري - لم يستطع قراءة المشهد السياسي في اليمن بشكل دقيق ومتابع لسير الأحداث بين السلطة والمعارضة منذ قيام الوحدة وحتى اليوم ، ولم يدرك - أو أنه يتعمد عدم إدراك - الحقيقة التي تقول بأن تلك الأحزاب هي من يحرك الساحات في حقيقة الأمر ، من خلال أنصارها المسيطرين تقريباً على كافة اللجان الناشطة والفاعلة في تلك الساحات ، وهذه حقيقة ليست بخافية على أحد .

أرى أن من يقول بأن أحزاب المشترك لا تمثل إلا نفسها ولا تمثل الساحات في مفاوضاتها  لم يدرك بعد لعبة " القط والفأر " - إن جاز لنا تسميتها بذلك - بين علي صالح وخصومه في اللقاء المشترك ، وخاصة منذ العام 2006م ، حيث جرت أول انتخابات تنافسية حقيقية على كرسي الرئاسة ، الأمر الذي رأى فيه صالح على ما يبدو خروجاً عن "بيت الطاعة" من قبل أحزاب المشترك ، وكان يجب على صاحب ذاك الاعتقاد أن يدرك أيضاً و"بالفطرة السياسية " أن اللقاء المشترك عندما قرر المضي قدماً في التعاطي السياسي مع المبادرة الخليجية ، كان على يقين راسخ بأن ضوءً أخضراً قد منحه سلفاً لأنصاره المتواجدين في الساحات برفض هذه المبادرة أو أي مبادرة غيرها لا تلبي المطلب الرئيسي لشباب الثورة والمتمثل برحيل صالح وإسقاط نظامه ، وهو ما ينسجم تماماً مع مطالب تلك الأحزاب .

باعتقادي أن قيادات المشترك تُدرك تماماً أنها إن أعطت الضوء الأخضر لأنصارها بالإقدام على خطوة  تصعيدية خطيرة كـ "الزحف" نحو القصر فإنها بذلك تكون قد منحت الرئيس صالح شيكاً مفتوحاً يضع فيه المقابل الذي يريد ، وهو بالتأكيد سيضع ثمناً باهضاً وانتقامياً ، لأنه حينها سيتصرف كإنسان "مُودّع" أيقن بقرب نهايته ، وبالتالي سيحاول إيقاع أكبر ضرر ممكن بخصومه ، ولن يتردد في قتل المئات ولربما الآلاف على أبواب قصره . 

يبدوا لي كمتابع لهذا الحراك الدبلوماسي الذي شهدناه في الأيام القليلة الماضية ، وكذلك من متابعاتي للتعاطي السياسي لأحزاب اللقاء المشترك طوال الأشهر الثلاثة الماضية ، أن هذه الأحزاب وكأنها تقول لصالح رسالة مفادها " نحن يا "صالح " ندرك أنك على يقين بقرب رحيلك أكثر منا ، وأنك تتمنى أن يتم الزحف صوب قصرك ، كي تجبرنا على دفع الثمن الذي تريده أنت لرحيلك ، وهو سيلاً من دماء الشهداء ، الذين تنوي قتلهم على أبواب قصرك قبل الرحيل ، ولكننا لن نحقق لك تلك الأمنية ، ولن نمنحك تلك الفرصة ، لأن ثمن رحيلك بات - بنظرنا – أقل بكثير من تلك الكلفة التي تريدها .  

*كاتب – ومستشار للتحرير بمجلة المرأة والتنمية

الصادرة عن الاتحاد النسائي العربي واتحاد نساء اليمن

عدد القراءات : 2759
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات