احدث الاخبار

عبير, كاميليا ووفاء.. أو ذرائع الفتنة !

عبير, كاميليا ووفاء.. أو ذرائع الفتنة !
اخبار السعيدة - بقلم - محمد خرّوب         التاريخ : 11-05-2011

قد يكون من المبكر التأكد من مدى قدرة الحكومة المصرية, على تنفيذ تهديدها «الضرب بيد من حديد على كل من يعبث بأمن الوطن وكل من يحرّض على اثارة الفتن الطائفية».. فالمسألة أبعد من ذلك وأكثر تعقيداً مما يظن البعض, لأن تحريك قطعات من الجيش واصدار الاوامر الى العساكر بالضرب بالمليان, تفاقم من الأزمة المتفاقمة اصلاً, وتزيد من هشاشة الاوضاع التي هي على أعلى درجات الهشاشة, بعد أن وجد المصريون, جيشاً وثواراً ونخباً سياسية وحزبية وثقافية ومؤسسات مجتمع مدني, انفسهم امام مشهد مفاجئ لم يعتادوه, فقد سقط (وفي سهولة نسبية) من ظنوا انه لن يغادر موقعه «ما دام فيه عرق ينبض» على ما قال الديكتاتور المخلوع, وقبل أن تضمن «ماما سوزان» المقعد الرئاسي لولدها الأصغر, الذي ومنذ سطع نجمه اواخر تسعينات القرن الماضي, بدا مالئ أرض الكنانة وشاغل الناس, ليس في مصر وحدها بل عواصم القرار الدولي وخصوصاً واشنطن, بعد أن بدأ يلعب دوراً محورياً في رسم السياسات (...) ويرافق والده في زياراته ويُكْسَرُ له البروتوكول الاميركي على المستوى الذي يلي الرئيس, بدءاً من النائب وليس انتهاء بأعضاء الكونجرس (بمجلسيه) وخصوصاً في الالتقاء بزعماء المنظمات اليهودية ولوبيات الضغط وعلى رأسها «ايباك»..

قد يكون عصام شرف رئيس الوزراء المصري, الذي اضطر لالغاء زيارته الى بعض دول الخليج الاكثر تعبيراً عما ينتظر مصر من مخاطر واستحقاقات, عندما قال محذراً «... مصر قد تكون أمة اصبحت في خطر»..

هنا تكمن المسألة, فالعبارة مخيفة اكثر مما هي موجزة ومباشرة, وبعيداً عن اللغة الخشبية والمفردات المتيبّسة التي واظب السياسيون وقادة الاحزاب وخصوصاً رجال الدين «ضخّها» في «الجسد المصري» المثخن بالفقر والبطالة والقمع, والواقع في أتون اليأس والاحباط والاستغلال, من قبيل «لعن الله الفتن ومن ايقظها», ومن قبيل «أن مصر ليست دولة نسكن فيها بل هي دولة تسكن فينا», هنا يتساوى الشيخ مع القس, وهنا يسقط «الحجاب» عن الجميع, فمنذ أن نفخ السادات في كير الفتنة أوائل سبعينات القرن الماضي ودشّن عصر الاقتتال الطائفي (أحداث الدرب الاحمر) ومنح الضوء الاخضر لجماعات السلفيين والاسلام السياسي للتحرك كيفما يشاءون, تمهيداً لاستخدامهم في ضرب اليساريين والناصريين والقوميين, كنا نسمع مثل هذه الشعارات التي واصل «كبير العيلة» والرئيس المؤمن رعايتها, فارغة من المضمون وخالية من مقاربة أو تطبيق عملي لمفاهيمها النبيلة, بدءاً من الاستمرار في تنفيذ القرار الهمايوني, الذي لا يسمح ليس فقط ببناء الكنائس إلا بأمر جمهوري, وهو غالباً لا يحدث وان حدث فعلى نحو تفاخري لا يلبي المطلوب والانساني المتفق مع الزيادة الطبيعية للمسيحيين, ناهيك عن المسافة الزمنية الكبيرة التي تفصل موافقة عن أخرى, وانما أيضاً في عدم السماح باجراء أي ترميم أو اضافة على أي كنيسة حتى لو كانت آيلة للسقوط إلا بقرار جمهوري..

ولأن السادات انتشى بانتصار (...) اكتوبر 73 وعقد العزم على تسريع مشروع الصلح المنفرد, الذي توصل اليه مع العزيز هنري (كيسنجر) خلال وبعد اتفاقيات الفصل التي اعقبت مفاوضات الكيلو (101), بين الفريق عبدالغني الجمسي والجنرال الاسرائيلي اهارون ياريف, فإن هذه الجماعات وجدت فرصتها سانحة فاهتبلتها, ولم يكن حادث المنصة (بكل ملابساته) سوى تعبير ميداني عن مدى القوة التي باتت عليها هذه الجماعات, التي واصلت صعودها في عهد حسني مبارك وإن على شكل علاقة «زبائنية» مع جهاز مباحث أمن الدولة, الذي واصل الى جانب قمعه ومطاردته للاحزاب والشخصيات الوطنية, العمل بلا كلل على ابقاء الاحتقان الطائفي على رأس جدول الأعمال «الشعبي» المصري, كي يحتفظ لنفسه بالتفسير والتنفيذ وصب الزيت على نار الفتنة, وواصلها-قبل السقوط-بكفاءة عالية تجلّت في تفجير كنيسة الصدّيقين في الاسكندرية عشية الاحتفال بعيد الميلاد المجيد..

ليس مفيداً المضي قدماً في سرد المحطات «التاريخية», التي واظب السادات ومبارك (واجهزتهما القمعية والقوى الظلامية المتحالفة معهما) على النفخ في كير الفتنة والايحاء بأن مصر توشك على الانخراط في حرب اهلية بين عنصري الأمة, بل إن الاضاءة على حكاية «الاخوات المتحولات» من المسيحية الى الاسلام, تُبْرِزُ على نحو أكثر اثارة (...) مدى خطورة هذا المشروع الذي اسقطته ثورة 25 يناير, ثم انبرى السلفيون (على اختلاف تسمياتهم) احياءه, ليس في وصف التصويت بـ (نعم) على التعديلات الدستورية بأنها «غزوة الصناديق», وانما دائماً في التخفي خلف «قميص» المسيحيات اللاتي قيل أنهن «اسلمن» وتَقَصّدِهم الذهاب الى الكنائس في مظاهرات غاضبة ومرتبة, تطالب بالافراج عن «الاخوات» المسلمات, كانت اشهرهن وفاء قسنطنطين في العام الماضي, ثم ما لبثت ان تحولت كاميليا شحاتة الى «ايقونة», اظهر السلفيون عضلاتهم قبل اسبوعين أمام كنيسة العباسية للمطالبة بإطلاق سراحها وها هم «يفجّرون» في حي امبابة الشعبي قنبلة ثالثة اسمها «عبير طلعت خيري» زعم احدهم انه تزوجها عرفيا وان كنيسة مارمينا تحتجزها، وتحولت «الاكذوبة» الى حرب طائفية, سقط فيها العشرات بين قتلى وجرحى، وانطلقت فيها شعارات تفيض حقدا وسموما دفينة, ما كان لها ان تكون هكذا بعد ان اظهر المصريون سلوكا حضاريا راقيا اثار اعجاب العالم باسره في سلمية ثورتهم وتعبيرات الوحدة الوطنية التي كانت بلا زيف او ادعاء او تكاذب.

 

صحيح اتهام فلول النظام السابق, كما يسهل اطلاق وصف الثورة المضادة والخفافيش التي تعمل في الظلام، لكنه صحيح دائما القول ان ثمة هشاشة ظاهرة في نسيج المجتمع المصري, آن الاوان لأن تتضافر قوى الثورة, المستنيرة منها على وجه الخصوص, كي تضع حدا لكل هذه الاحتقانات التي لن تسهم -إذا ما استمرت- إلاّ في اجهاض الثورة واخذ مصر وشعبها الى الهاوية ليس لان فلول النظام ما تزال لم تفقد الامل بامكانية عودتها الى السلطة وانما ايضا ودائما لان اميركا واسرائيل لن تسمحا لمصر بالخروج من فلكهما, وبغير ذلك - يقولون ويخططون - فلتذهب مصر وشعبها الى الفوضى والمجهول.

فهل يسمح المصريون بذلك؟ أم يؤسسوا لدولة مدنية تقوم على مبادئ المواطنة والعدالة وسيادة القانون ؟

هذا هو السؤال..

Kharroub@jpf.com.jo

عدد القراءات : 2052
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات