احدث الاخبار

الارتداد النوعي والكمي في الثقافة الوطنية العربية

الارتداد النوعي والكمي في الثقافة الوطنية العربية
اخبار السعيدة - بقلم - محمود عبد اللطيف قيسي         التاريخ : 01-03-2011

بعد الأزمة العراقية الكويتية والحرب العالمية التي قادتها أمريكا ضد الشعب والنظام العراقي البعثي السابق ، بدأ الارتداد والنكوص الشعبي العربي على التنشئة الوطنية الكل عربية ، التي كان جل فلسفتها التحدى والصراع مع العدو الإسرائيلي والتحضير للوصول للنصر النهائي عليه ، ومنع العودة ثانية لماضي الاستعمار الأليم اللئيم الذي حاول النيل من الوطنية والقومية العربية .

فبعد الارتداد والنكوص الوطني الشعبي والرسمي العربي والذي تم بفضل المعارضة العراقية التي جلبت الدبابات والوجود الأمريكي ، قُبل بالثقافة السياسية الأمريكية والغربية من الرسمي العربي لضعفه ولقلة حيلته ، وبسبب الجدار السميك الفاصل بينه وبين الشعبي العربي ، والذي بدوره قبل طوعا أو كرها بالوجود وبالثقافة السياسية ( اليمقراطية الغربية ) وبالفلسفة الأمريكية الاستعمارية الجديدة للمنطقة .

والشارع العربي بشقيه الحزبي ( القومي والوطني والإسلامي ) والمدني ( أطر نقابية وثقافية وعوام الشعب ) ، بدأ بالاستقواء بالغربي وبالذات على النظام الرسمي العربي بأنواعه ، سواء على تلك المصنفة أمريكيا أو من المعسكر العربي الآخر بالمعتدلة بسبب بعدها إلى حد ما عن شعوبها ، أو تلك المنضوية تحت عباءة الممانعة والمقاومة كما صنفت ذاتيا وأقتنع بها أو أقنع بتلك التسمية العالم لاعتمادها على الحزبية الشمولية والأمنية الداعمة والحامية لها ، بدل المؤساساتية الحامية للدولة والضامنة لأمن الشعب ومستقبله ، وفي هذه الحالات والأحوال جميعها يكون المد والغزو الثقافي الأمريكي الذي أعلنه جورج دبل يو بوش والذي عنوانه الحرب والحملات الصليبية الحديثة على المنطقة العربية قد بدأ تطبيقها فعليا ولكن تحت الطلب الثوري العربي بحلته الجديدة .

فلو كات الثورة التونسية ذاتها لم تنجح بإجبار الرئيس التونسي السابق بن علي على التنحي تحت وطأة الخوف من العقاب ، والثورة المصرية لم تنجح بإقناع الرئيس المصري على التنحي تحت عنوان حب مصر والتضحية للوطن والشعب حتى آخر لحظة ، ولو لم يكن الجيش المصري بالحالة الوطنية الرائدة وحالة ضبط النفس الشجاعة التي أظهرها ونشأ عليها ، لطلبت الثورتان التونسية المصرية تدخل مجلس الأمن وما يعني ذلك من مشكلات ومطبات أمريكية ستوضع بوجه المستقبل العربي ، مع المعرفة واليقين أنّ سلاح مجلس الأمن وأهدافه ووسائله هي الخارجية والدفاع والمخابرات الأمريكية ، مع علم الجميع أن تونس ومصر هما من مجموعة دول الاعتدال العربي ، بينما العراق سابقا وليبيا لاحقا هم من محور دول الصمود والتصدي والممانعة والمقاومة .

والسؤال هو ما الذي يحدث في ليبيا أحدى دول الممانعة والمقاومة الهشة ؟؟؟ ، وما الذي دفع دول الممانعة والمقاومة قبل باقي دول العالم للانقلاب عليها توافقا مع ما يريده ويخطط له الغرب ؟؟؟ ، فالثورة الليبية كما يصفها الغرب والمعارضين الليبيين ، أو التمرد كما يصفها النظام الحاكم في ليبيا ، لا شك أنها ومنذ بدايتها كانت صنيعة التدخل والضغط والتفاهم الخارجي الغربي الإيراني القطري مع المعارضة الليبية في الخارج التي تتلمذ بعضها كما العراقية في مدارس ومعاهد المخابرات الغربية ، مع حقيقة وجود تظلمات ومطالب عند الشعب الليبي تم تجاوزها وإدارة الظهر لها على مدى أكثر من أربعين عاما .

فإيران وحزب الله وعموم شيعة العالم أردوا التخلص من النظام الليبي انتقاما منه لاتهامه بإخفاءه مؤسس حركة أمل موسى الصدر ، حيث سارعت مجموعات من خلايا حزب الله العابرة للحدود والمتخصصة بهذا النوع من العمليات الخاصة بدخول ليبيا من جهة الشرق للبحث عنه في السجون الليبية في المنطقة الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة والمظاهرات الشعبية الليبية ، وهي ما زالت عبر وسائلها الإعلامية في بيروت وطهران تحرض الجماهير الليبية والعربية وتغذي النار للوصل لهذه الجزئية تحديدا .

وأمريكا بعد التفاهم مع إيران على دورها في العراق وعلى دور جماعة الإخوان المسلمين القادم في مصر والمنطقة ، وموافقتها على قمع إيران لتظاهرات المعارضة الإيرانية والتعتيم على أخبارها ، مقابل عدم ممانعة إيران على التدخل العسكري الأمريكي في ليبيا ، ونسيان أنه أحد دول الممانعة وحلف المقاومة الجديد الذي اتفق على تشكيله في دمشق 2007م ، وهو ما بدأت أمريكا تحضر له بعد طلب رسمي من المعارضة الليبية وبتحريض من إيران وحزب الله إضافة إلى قطر التي تحتضن غرفة العمليات العليا للمعارضة العراقية ، مع تأكد المتآمرين والمحرضين جميعهم أنّ جميع القبائل الليبية ترفض بقوة التدخل والاستعمار الأمريكي الجديد بل وستقاتله .

أما القيادات العسكرية والسياسية الليبية التي اعتقدت أنّ فرارها من واجهة الدفاع عن الوطن الليبي ، وقفزها من سفينة النظام سيسهمان ببقائها أرقاما هامة في بنية النظام السياسي الليبي المتوقع القادم ، والتي بدأت تعلن انضمامها تباعا للثورة الشعبية الليبية لضمان مقعد لها بدل المحاسبة مستقبلا ، أو لارتباطها بقبائلها التي ربما اتخذت مواقف ضد النظام وهي ترى بنفسها قائدة للمرحلة القادمة بدل قبيلة القذاذفة التي ينحدر منها العقيد القذافي ، أو لتعرضها للضغوط السياسية الكبيرة من القوى الكبرى كما حصل مع مندوب ليبيا في الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم وغيره كثير .

كما وأن المؤسسة الرسمية العربية ومنها جامعة الدول العربية والتي باتت في موقف لا تحسد عليه لبعدها عن الشارع العربي منذ تشكيلها ، فقد أضطرت للتخلي عن نظام القذافي والمساهمة في تقديمة ككبش فداء للمحرقة الأمريكية التي اشتغلت تروسها الطاحنة لطحن النظم والشعوب العربية ، تحت التمني والطلب أن تتوقف عند هذا الحد ، كما ورغبة عمرو موسى الذي يتحضر لرئاسة مصر للإظهار وكأنه حامي الثورات الشعبية العربية التي أجبرته على تبني مواقفها ومطالبها .

اما ما لم يعرفه كل هؤلاء وتلك مصيبة وإن كانوا يعرفونه فالمصيبة أعظم ، هو أنّ المنطقة العربية على وشك التقسيم وفق الخارطة الأمريكية الجديدة والتي جرى عليها بعض التعديلات بعد التفاهم الإمريكي الإيراني الجديد والذي رسم وأنجز في تشيكيا ، وأنّ الشعوب العربية على وشك إدخالها في دهاليز الغزو الثقافي الأمريكي وهي قابلة له ومنادية ومفتخرة به ، وفي قبو المذهب الإيراني الشيعي وأكثرها إما معتنقة له أومسوقة وداعية له

وأخيرا فإنّ الدرس المهم المستفاد من مشكلة ليبيا وأزمتها وما قد تؤول إليه الأوضاع فيها ؟؟ هو أنّ حلف الممانعة والمقاومة الذي جمع سوريا وليبيا وإيران وحماس وجماعة الإخوان برعاية المال والإعلام القطري المنفذ للأجندة الغربية ، هو بالحقيقة تجمع وحلف خرافي ورقي ، قائمة أسسه على خيانة الأطراف المتعارضة استراتيجيا والمتوافقة تكتيكيا لبعضها البعض ، كما حصل مع ليبيا ومن قبله العراق ، وهو ما سوف يشهده العالم قريبا بعد أن تتساقط نظمه وأطرافه الواحد تلو الآخر ، حيث سيكون كل طرف أو نظام مشكل منه هذا الحلف أول من يطالب برحيل الذي يسبقه ظانا نجاته .

وما يهمنا في هذا المنحنى هو حركة حماس التي هي أحد أقطاب الممانعة والمقاومة الورقية ، والتي يجب أن تستفيد من الدروس وتستخلص العبر بنجاح ، فبدل أن تنتظر ماذا سيحل بمصر وترقب ماهية النظام المصري القادم وتراقب موقفه من حكمها ومن قضيتا المعبر والأنفاق ، يجب عليها أن تتأكد أن الشعب الفلسطيني هو الحامي والضامن لها ولغيرها ، وأنه على مقدرة لتجاوز خطاياها بعد أن يقتنع أنها أصبحت تؤمن بمصلحته الوطنية العليا وبقضيته ، وأنّ سوريا وإيران التي وضعت حماس كل بيضها في سلتيهما ، ستكونان أول من يطالب برحيلها عن الواجهة الفلسطينية إن أشر المؤشر نحوها ، ورحيل قادتها عن دمشق وطهران ودوحة قطر ، هذا إنه توقفت جزيرة قطر بوق الإستعمار الجديد والتي باعت اعوانها قبل غيرهم عند هذا الحد ، وما ليبيا عنها ببعيد .

Alqaisi_jothor2000@yahoo.com

عدد القراءات : 3235
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات