احدث الاخبار

خيارات الرئيس المتناقصة المتآكلة

خيارات الرئيس المتناقصة المتآكلة
اخبار السعيدة - بقلم - احمد صالح الفقيه         التاريخ : 01-03-2011

قرار مجلس الامن ضد القذافي وعياله ونظامه تحت الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوه هو تحذيرضمني قوي جدا للرئيس علي عبدالله صالح. وقد دعت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل الزعيم الليبي الاحد الى التنحي مؤكدة "ان القرار الصادر عن مجلس الامن ضد نظامه هو رسالة الى جميع 'الزعماء الاستبداديين.

علي صالح وكل رئيس وملك يهتز كرسيه مستعد لاغراق البلاد في حمامات دم من اجل البقاء على الكرسي. المشايخ الذين طالما اعتمد عليهم اخذوا ينفضون من حوله وهم اقوى مشايخ اليمن (حاشد وبكيل) وحتى العلماء الذين طالما نافقوه حتى استحقوا لقب ذيل بغلة السلطان اخذوا يملون شروطهم عليه ويطالبونه باقالة اقربائه من قيادة مفاصل الدولة والقوى المسلحة والامنية.

واخذ البرلمانيون من حزبه يستقيلون زرافات زرافات من مجلسي النواب والشورى في عملية تبشر بالتصاعد مع تنامي الاحتجاجات الشعبية. ومع هذا التأكل المستمر في قواعد قوته.اتجه الى الجيش والامن واكد الرئيس على قادة الجيش والامن يوم الاحد الماضي الدفاع عما اسماه بالوطن ووحدته ومكتسباته، وهو يقصد في الحقيقة الدفاع عن شخصه وسلطته.(ضد الشعب المحتج والمعارضة).

ولا يزال هناك شرفاء في الجيش اليمني والجيوش العربية (وهي قوى جذرية في غاية الاهمية جالسة على الرصيف تراقب، حسمت الامر في تونس ومصر) سيوقفون كل حاكم عند حده ولن يستمروا في الخنوع له ولاقاربه وابناء قريته فهم مهما كان عددهم قلة ضئيلة جدا سيتمكن شرفاء القوات المسلحة من تحييدهم عند اللزوم. وسيؤدي تصاعد المظاهرات واستمرارها الى ذلك عاجلا اوأجلا كما يحدث الآن في ليبيا التي تظهر علاقات القوة فيها شبها كبيرا بنظيرتها في اليمن.

وفي خضم هذه المعمعة يبدي قادة الثورة الشباب حصافة سياسية كبيرة فقد ادركوا ان اكبر حلفائهم هو الجنوب باسره فهم يتوجهون بخطابهم اليه ويلتصقون به والعكس صحيح فيما يتعلق بشباب الجنوب..وقد تمكنوا في الجنوب من تحييد الخطاب الانفصالي الى حد كبير فتوحدت شعارات المتظاهرين من صعدة الى المهره. وقد ادركوا ايضا ان الدخول في صراع ميداني ومبكر وقطيعة مع القوى القبلية والحزبية المناوئة لرئيس النظام هو بمثابة التحالف الموضوعي مع الرئيس.  ولكنهم في الوقت ذاته تمايزوا عنهم وينافسون على المنابر ويستغلون الحالة الثورية الى ابعد مدى.

كان النظام قبل ظهور اللقاء المشترك يحكم براحة اعتمادا على خلافات خصومه. ويضرب بعضهم ببعض ويستخدمهم ككروت كما في لعبة الورق أو بيادق كما في لعبة الشطرنج حد تعبيره في أكثر من خطاب.

وبعد أن توحد الخصوم، فإن نزوعهم إلى البحث عن الأمن بعدم التحرك، وخلطهم بين انعدام إرادة التحدي وانعدام القدرة، جعلهم يعودون إلى وضعية البيدق والكرت. فنكصوا عن المشاركة في ثورة الشباب والاعداد لها. ولكنهم وبعد أن رأوا مقدار استجابة الجماهير لها ابدوا توجها نحو الاستحواذ عليها وتصدر منابرها. ولكنهم ووجهوا خلالها بصد قوي من الشباب فاعلنوا انهم سيقدمون يد العون النزيه الى الحركة الاحتجاجية وأنهم وجهوا قواعدهم للالتحاق بها مساندين لا قادة.

وكان موقف قادة ثورة الشباب أنهم اذا كانوا يريدون تقديم الدعم والمساندة لثورة الشباب دون محاولة للاستحواذ فاهلا بهم. اما محاولات الاستحواذ والهيمنة فستجعل منهم اكثر خطرا من البلاطجة وسيواجهون بالرفض وسيجنون الكراهية والخيبة.

وفي هذه الاحداث المتسارعه يبدو ان الرئيس لم يبق معه الا الزوكا والبركاني ومعياد وبلاطجتهم.وامثالهم من الاسوأ سمعة في البلاد كلها،.فقد تضاءلت خياراته الى درجة يظن معها المرء أنه سيتلفت ذات يوم يمينا وشمالا فلا يرى احدا، وينادي فلا يجيبه احد!!

يلجأ الرئيس في صراعه مع الشعب المحتج إلى مختلف أنواع التصرفات غير المشروعة و المستهجنة والتي تؤدي إلى تآكل مؤيديه فمن ذلك الاتهامات الباطلة التي لا سند لها والمكشوفة والمفضوحة تماما مثل تصريحاته التي يصف بها الواقع على غير ماهو عليه والتي يتضح بطلانها على الفور، فقد قال في لقائه بأعضاء كتلة حزبه البرلمانية أن وسائل الإعلام الأجنبية منحازة وأنها تتجاهل مظاهرات الملايين من انصاره في مختلف المحافظات التي سماها بينما تركز على ثمانية أو عشرة الآف بباب الجامعة.

ومن ذلك ماتناقلته مواقع الفيس بوك عن أن اعتصام المنصورة يرفض إستلام منشورات واعلام انفصالية جلبتها سيارات مجهولة ثم لاذت بالفرار وتم ضبط منشورات ضد الوحدة و تهديدات من قبل مجهولين بـاغلاق المحلات ويعتقد المعتصمون أن الاعلام والمنشورات مصدرها الحزب الحاكم.

وكانت المواقع قد تناقلت ايضا نبأ يقول "اتهم المعتصمون التوجيه المعنوي بطباعة أعلام شطرية وملكيه لخلط الأوراق والصاق تهمتي الانفصاليه والملكيه بالمعتصمين جريا على عادة النظام في اتهام الناس كذبا وزورا وقد بدأ الرئيس نفسه الترويج لحملة الاتهامات هذه في لقاءيه مع الضباط ثم مع قيادات المؤتمر".

ومن جهة أخرى يلجأ إلى البلطجة لضرب المحتجين المسالمين واطلاق النار عليهم. اما في الجنوب فيوجه باستخدام الرصاص الحي عليهم من قبل القوى الامنية والعسكرية. ويبدو أن توحد شعارات الجنوبيين وهتافاتهم مع نظرائهم في باقي الوطن قد اقض مضجعه فلجأ الى خديعة الاعلام والشعارات الانفصالية واستخدام العنف المفرط كما فعل ضد المتظاهرين يوم الجمعة في خورمكسر والمعلا بغرض دفع الناس الى ردود فعل انفصالية ولكنهم لم يقعوا في الفخ.

في الأمثلة المذكورة أعلاه يبدي الرئيس كما يفعل في خطاباته كلها استخفافا بذكاء الشعب وقدرته على التمييز بين الحقائق والاكاذيب. وتلك حالة مزمنه لدى الحكام العرب فحصها كل من الاستاذ محمد المهدي في احدى مقالاته والاستاذ عز الدين العلام في كتابه "الآداب السلطانية"الصادر عن دار المعرفة حيث يقولان :

الجماهير او الشعب في الخطاب السلطاني العربي هي الرعية. ولها من الاسماء والنعوت ما يفصح عن دناءتها وحقارتها، فهي: العامة والدهماء.... والسوقة والرعاع..... والسفلة والعصابة المنحرفة.... والأوباش والزعار والزعران. وهي بعد قاصر غير راشد يخشى ...عليها من المنحرفين والمضلين ومثيري الشغب والمتمردين والعصاة والفسقة الخارجين على طاعة السلطان. والرعية في احسن احوالها مرآة ينعكس على صفحتها عدل السلطان وحكمته ورحمته وعفوه ورعايته. وبمراجعة غيره من الكتب ذات العلاقة نرى تباينا واضحا في المساحة التي تشغلها السلطة الحاكمة والمساحة التي تشغلها الرعية لدرجة تكاد تنعدم فيها مساحة الرعية أو تستدمج في ذات السلطان وتصبح جزءا منه وليس العكس.

وفي كتاب "الأحكام السلطانية" السلطان هو الرأس والمركز ،وهو الأساس والوجهة. "فهو الذي يقيم الحق والعدل والعمران" ويحمى سياج الدولة", والرعية تشكل ساحة للعمل السلطاني "فهي مورد للمال والبشر يسخره السلطان لتحقيق الأهداف المرجوة له وبه". "فالرعية "موضوع لـ "ذات السلطان", ويصورها أبو بكر الطرطوشي "جسدا مآله الموت" لولا "الروح السلطانية" . و "أرضا ظمأى بدون ماء" و "ظلاما حالكا " لولا "سراج الملوك ". وعند الماوردي "يتيم تضيع حقوقه من دون ولى" و "أمانة في يد السلطان المؤتمن عليها. "

ويصفها الشيزرى بـ"الغنم السائبة إن تعذر راعيها", و"نبتا يتوق إلى قطرات الغيث". ويصورها بن عبدربه "إبلا" تحتاج إلى من يقودها و"ولدا" يتعلق وجوده بأبيه. وهى عند الثعالبى بمنزلة "الخشب" المتهرئ لن يقوم أوده من دون "نار". ويصورها ابن رضوان وابن طباطبا وأبو حمو الزيانى وابن الأزرق كائنا "مريضا" يحتاج لاسترداد عافيته إلى "الدواء السلطاني". ويراها ابن قتيبة "جيفة" أمام "النسر السلطاني", وابن عبد ربه يصورها "حصاة يجرفها السيل" و"تفاهة" تحت رحمة "عاصفة".

والرعية في نظر الكثيرين "مجبولة على الفساد وأتباع الهوى وقلة السداد" وأن "جور الرعية أشد من جور السلطان". ويتضح من هذه الأوصاف في التراث العربي الصورة السلبية لما يسمى الآن الجماهير أو الشعب أو المجتمع المدني, ويبدو أن هذه الصورة متجذرة في اللاوعي الجمعي للحكام والمحكومين على حد سواء ويبدو أنها تشكل قانون العلاقة بين السلطة والشعب في كافة المراحل التاريخية مع استثناءات قليلة, وتبدو هنا صورة السلطان على أنه الأب والمنقذ والروح والموجه والمعلم والمرشد والغيث والرأس والعمود والوصي والمؤتمن والراعي. والرعية تأخذ شكل المحتاج المتوسل والمتسول والجاهل والضعيف, صاحب النفس الأمارة بالسوء, الساعي إلى الفتنة التي لا يعرف مداها, والسلطان الراعي يأخذ شكل المعطى المتفضل القوى المهيمن الضامن للأمن والأمان ودرء الفتنة. وهذه الصورة الذهنية للراعي والرعية ترسخت في نفوس الكثيرين من الفقهاء والمفكرين العرب وجعلتهم يفضلون فساد الحاكم وظلمه وجبروته واستبداده على الفتنة التي تذهب بالأخضر واليابس.

وقد اثبتت تجارب تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والعراق الحديثة خلال الاحتجاجات التي تعصف بها أن الحاكم العربي لم يغادر حرفا من أفكار اسلافه.

 

عدد القراءات : 3898
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات