احدث الاخبار

اهبطوا عن شجرة الاستعلاء

اهبطوا عن شجرة الاستعلاء
اخبار السعيدة - بقلم - مصطفى محمدأبوالسعود         التاريخ : 17-09-2010

عندما يُسدل الستار عن فكرةٍ ما، ويتم تسجيلها في دائرة الأحوال الفكرية، فإن الأضواء تتسارع نحوها ، لتتعرف على مضمونها، لتبدأ الحناجر المعجبة بغزل قصائد المديح، وتتولى الأقلام الحاقدة رفع خناجر الهجاء في وجه المولودة الجديدة ، الساعية لحشد أكبر عدد ممكن من الأصدقاء، حول مشروعها ومشروعيتها، لأنها قد تموت في عز شبابها، أو قد تبلغ من العمر عتيا، وهذا يرجع إلى قدرتها على الصمود أمام سهام الحقد، فإما تستقر فوق الرءوس، وإما تسكن تحت السيوف.

ومهما تكن الفكرة ، فإن كمية الاستياء، ترتفع في نفسية المواطن العربي ، حين يرى أغلب أصحاب الفكر، يفتقدوا لأبسط مقومات الحوار، أثناء النقاش ، فيصرخوا ، ويتعاركوا على كل شئ ، وهنا يعلن أحد الطرفين أوكلاهما، تخليه عن آداب الحديث، ليصبح كل شئ ممكن، ويصير الشتم مهنة ، لا يتم اختبار جدواها إلا على الملاً ، وترتفع أُجرتها كلما ارتفعت حرارة الخصم ، ويدخل الاستاذ إبليس على خط المناقشة والمنافسة ، فهي فرصته الرائعة ، ليفتح قاموسه أمام أنصاره ، ليستخرجوا ما لذ وطاب لهم من ألفاظ ، قد تحرج الخصم ، وتجرحه.

إن ظاهرة الشتم ، على وسائل الإعلام بكل أنواعها، بين أهل الفكر، والرأي، وصناع القرار، ليست ظاهرة صحية ، كما يظن البعض، بل هي ظاهرة خطيرة ، لأنهم يؤسسون بقصد ،أو بعفوية لا تخلو من شك ، لحياة ستكون حبلى بالكثير من المآسي، حيث يسعى الكل لتكديس الكلمات القاتلة في العقل ، ويبقيها على أهبة الاستعداد، وتنتظر الإشارة، لتنفث سمومها في وجه الطرف الأخر، ونسوا أن تلك الأفعال تسئ للمشاهد، وتعمل على اغتيال فكره ، وحسه الأخلاقي، وتجعله يدور في فلك أفكار خطيرة لا تجلب إلا الندم في نهاية الطريق.

أما الحوار الجميل حول الفكرة ، له أصول ومبادئ ، وليس منها تشويه الأخر ، ويستند لمبدأ (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( ويناقش الأمور المهنية بمهنية عالية، ويحترم عقول أبناء الأمة الذين ينظرون لمفكريهم ، على أنهم أمل الأمة في إنارة دروبها من عثرات الظلام الدامس.

لذا يجب على أصحاب الفكر، والقرار، أن يهبطوا عن شجرة الأنا الاستعلائية ، ويتخلصوا من فكرة أن الجاذبية الحقيقية، لا تتحقق إلا في ارتفاع دسم الاهانة التي يلحقها بخصمه ، وعليهم حقن أنفسهم كل صباح بإبرة الالتزام بقواعد الاختلاف ، باعتبارها أهم مقومات البقاء في سجلات الأدب.

كاتب من فلسطين

عدد القراءات : 3262
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات