كل عام وعدونا واحد!
كل عام وعدونا واحد، إليه تشير أصابع كل الفلسطينيين، وتشخص إليه حقداً عيون أطفالهم التي غمّها الأنين، كل عام وعدونا واحد، إليه تنبري السهام، ولرقبته تشحذ السيوف، وبين يديه يتفجر غضب التنظيمات الفلسطينية جميعها، وعليه تردد الألسن، وتتهدج القلوب: بأن يمحو الله عن وجه الأرض عدونا إسرائيل، كي يرتاح العالم من هذا الشر الذي ما إن ظهر كدولة إلا وظهر معه كل الأمراض المستعصية على العلاج، وما إن اشتد عوده إلا وقد عصفت الأوبئة والكوارث البيئية في بني البشر، وما إن دال له معظم الساسة وذلوا إلا وقد تشقلبت معايير هذا الكون، وتشقق المناخ السياسي على وجه الأرض.
كل عام وعدونا واحد، لا يشغلنا عن نفسه بإشغالنا بأنفسنا، ولا يطفئ حروبه معنا لتشتعل الحروب فيما بيننا، ولا يفاوضنا كي نقاطع بعضنا، ولا يهادننا كي نتفرغ لكتم أنفاس خصومنا، ولا يخفي مساوئه عن عيوننا، كي يكشف لكل طرف منا سوءة أخيه، ولا يخطط لمواصله تمزيقنا في الخفاء لننفذ مآربه في العلن، ونطفئ أحقاده بلا تردد في مآقينا، كل عام وعدونا واحد نحن الفلسطينيين الذين ضاع وطننا، وتفرق شملنا، وسقط علمنا، ونما حزننا، وسال دمعنا، وتاه رأينا بانقسام بعثر أشلاءنا، وسنّ السكين لتحزَّ في أعناقنا.
كل عام وعدونا إسرائيل عنوان شقائنا، وأفق ضياعنا، ولافته هلاكنا، ودليل تمزقنا وانقسامنا. كل عام وعدونا ظاهر لنا بوضوح أشد، وتشتد علينا ضرباته كي نتوجع منه أكثر، ولا نقول عنه طرفاً آخر، ويقسو علينا بحصاره كي نصرخ منه سوياً بصوت أعلى، ويقطع أوصالنا بمستوطناته، ويقوس علينا برصاصه، ويقوض أساسنا بحفرياته، وتخنقنا طرقه الالتفافية لئلا نسميه جارنا، وهو يجتاز حدود إنسانيتنا، ويسلط علينا الموت عطشاً خلف الجدار، وقهراً على الحواجز، ويرسل علينا سجانيه لندرك كراهيته لنا أكثر، عسى أن نتناسى ما بيننا من خلاف، ونقرأ سوياً: "اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا".
كل عام وعدونا واحد، ليظل مصير شعبنا واحد، ومستقبلنا السياسي واحد، ووطننا الفلسطيني من النهر إلى البحر واحد. كل عام ونحن على عدونا أظهر، وعلاقتنا فيما بيننا أيسر، وأمانينا في تحرر أسرانا وأرضنا أجلى، وأنقى، وأحلامنا أطهر.
كل عام وأمتنا العربية والإسلامية بخير. وشعبنا الفلسطيني واحد موحد وبخير.