احدث الاخبار

مسلسل انهيار الإنتاج الزراعي والحيواني سلسة مقالات للـ أ. د. محمد سعد عبد اللطيف

مسلسل انهيار الإنتاج الزراعي والحيواني سلسة مقالات للـ أ. د. محمد سعد عبد اللطيف
اخبار السعيدة -         التاريخ : 17-08-2010

1- البنك الدولى كان القطاع الزراعي المصري هو الهدف المحوري لهذه المؤامرات ومثل نقطة البداية لها، فماذا فعلت سياسات البنك الدولي بالزراعة المصرية ؟ وماهي النتائج التي ترتبت على ذلك؟ ثم ماهي آراء البنك الدولي في سياساته الخاصة بالزراعة المصرية بعد أكثر من ربع قرن على انطلاقها؟ وماذا في جعبة البنك من مؤامرات أخري يسعي لتطبيقها على القطاع الزراعي في مصر؟نحاول من خلال هذا المحور أن نتلمس إجابات عن هذه الأسئلة وذلك كما يلي: أولا: سياسات البنك الدولي والزراعة المصرية. ثانيا: شهادات البنك بشأن الزراعة المصرية. ثالثا: مؤامرات البنك على الزراعة المصرية. رابعا: دروس مستفادة من المارد الصيني.الخلاصة. أولا: سياسات البنك الدولي والزراعة المصرية كان قطاع الزراعة في طليعة قطاعات الاقتصاد الوطني التي شهدت تغيرات كبيرة أثرت بشكل مباشر على مدخلات ومخرجات الإنتاج الزراعي في مصر، ليس ذلك فحسب بل وعلى البنية الزراعية بشكل كامل، فقد فرض البنك الدولي على مصر خلال عقدى الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين سياسة إصلاح مسار اقتصادها وإعادة هيكلته تمشيا مع الاتجاه العالمي لتحرير الاقتصاد والتجارة.ولقد ارتكزت برامج التحرر الاقتصادي والتكيف الهيكلي على: - تحرير أسعار أدوات الإنتاج ومستلزماته. - إفساح المجال للقطاع الخاص لدخول الأعمال الزراعية من استثمار وتسويق ومتاجرة. - حل المؤسسات والشركات الحكومية وتصفيتها وبيعها للقطاع الخاص في إطار برنامج (الخصخصة). - ترشيد موارد مياه الرى. - إعادة هيكلة وزارة الزراعة ومركز البحوث الزراعية. - أن يقتصر دور الدولة على وضع الخطط التأشيرية والإسهام في برامج التنمية الريفية وتنفيذ البنية الأساسية الزراعية ودعم مؤسسات البحث العلمي. وفي هذا الصدد كانت إحدى أدوات السياسة الاقتصادية الزراعية في مصر الإلغاء التدريجي للدعم المباشر والذي بدأ عام 1987 ليشمل عدة إجراءات (تحريرية) تمثلت في تحرير الأسعار والتسويق لمحاصيل القمح والذرة الشامية والفول السوداني، وخلال السنوات الأولى من التسعينيات من القرن العشرين شمل تحرير زراعة الأرز وكذلك إلغاء الدعم على كل مستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة وتقاوي ومبيدات وتحرير أسواقها وتزايد دور القطاع الخاص فيها.هذا وقد تحقق الإلغاء الكامل للدعم لهذه المستلزمات بنهاية عام 1994 كما تم إلغاء القيود على التركيب المحصولي وتحرير قرارات المزارعين فيما يتعلق بالدورة الزراعية , وشهد النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين تحرير تسويق وتجارة القطن وتحرير العلاقة الإيجارية للأراضي الزراعية بعد انتهاء الفترة الانتقالية ( خمس سنوات 1992 – 1997 ) للتحول من الوضع القديم إلى علاقة حرة تستند إلى آليات العرض والطلب في تحديد القيم الإيجارية للأراضي الزراعية.وقد أوضحت بعض الدراسات أن صغار المزارعين قد تعرضوا للكثير من الآثار السلبية التي نشأت من برامج التحرر الاقتصادي , ففي حين أنهم لم يستفيدوا من ارتفاع الأسعار الزراعية بسبب أن إنتاجهم يتجه أساسا للاستهلاك العائلي وليس للسوق فإنهم تحملوا أعباء متزايدة نتيجة لارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعي بعد إلغاء الدعم المخصص لها، كما أن الأجور التي تشكل شطرا أساسيا في دخول هذه الفئة لم ترتفع بمعدلات تماثل الزيادة في أسعار السلع الغذائية , ومن ناحية أخرى فإن فئة كبيرة من صغار المزارعين من مستأجري الأراضي الزراعية بالنقد في ظل العلاقة الإيجارية القديمة تحملوا زيادة جوهرية في القيم الإيجارية للأراضي لحيازتهم أو تحولوا إلى عمالة زراعية وفي المقابل تمكن كبار الملاك للأراضي الزراعية من جنى الكثير من الثمار متمثلا في الاستفادة بالزيادات السعرية لمبيعاتهم.وهناك العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لتطبيق سياسات التحرر الاقتصادي على القطاع الزراعي , يمكن استعراض بعض هذه الآثار على النحو التالى:

1- الآثار الاقتصادية  أ- سياسات التحرر الاقتصادي: وكان الهدف المعلن من وراء تطبيق هذه السياسة هو تحقيق الكفاءة الاقتصادية في تخصيص الموارد الاقتصادية الزراعية بالإضافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل الوطني بين القطاع الزراعي والقطاعات الأخرى، وقد أشرنا إلى أهم هذه السياسات وهي: تحرير أسعار المحاصيل الزراعية وإلغاء التوريد الإجباري، إلغاء دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي، إلغاء احتكار الدولة لاستيراد وتوزيع مستلزمات الانتاج الزراعي، إلغاء دعم أسعار فائدة القروض الزراعية، صدور القانون الخاص بالعلاقة بين المالك والمستأجر للأراضي الزراعية رقم 96 لسنة 1992 , والذي من أهم سماته: تحرير هذه العلاقة خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات انتهت مع السنة الزراعية 96 / 1997 بعدها خضعت هذه العلاقة للقانون المدني مما كان له أثار سلبية على أوضاع المزارعين وحياتهم المعيشية. ب- التركيب المحصولي: مما لاشك فيه أن السياسة التي واكبت عملية التحرر الاقتصادي من قبل الدولة في قطاع الزراعة كان لها أثرها المباشر على التركيب المحصولي بشكل عام , حيث الزيادة المستمرة في إنتاج الكثير من الخضر والفاكهة وحتى النباتات الطبية والعطرية تفوق الزيادة في الطلب عليها في السوق المحلي , ومن جهة أخرى تضاؤل الإنتاج في السلع الاستراتيجية كالقطن والقمح الأمر الذي كان له نتائج كارثية على الأمن الغذائي المصري من جهة وانهيار صناعة المنسوجات في مصر من جهة أخرى ولعل شركة نسيج حلوان تعد خير شاهد على سلبيات هذه السياسة.ج- التجارة الخارجية الزراعية المصرية: يمكن القول أن متوسط قيمة الصادرات الزراعية يميل إلى التزايد حيث ارتفع من حوالى 447 مليون جنيه عام 1980 إلى حوالى 929 مليون جنيه عام 1985 إلى نحو 1625 مليون جنيه عام 2002 ارتفعت إلى 4843 مليون جنيه عام 2004.أما متوسط قيمة الواردات الزراعية فيميل أيضا إلى التزايد حيث ارتفع من حوالى 1938 مليون جنيه عام 1980 إلى حوالى 5242 مليون جنيه عام 1985 وبلغ نحو 10504 مليون جنيه عام 2002 تزايدت عام 2004 إلى 10631 مليون جنيه.وفيما يتعلق بالميزان الزراعي تشير النتائج أنه حقق عجزا بلغ حوالى 1491 مليون جنيه كمتوسط عام 1980 ارتفع إلى حوالى 4313 مليون جنيه كمتوسط عام 1985 وبلغ نحو 8879 مليون جنيه كمتوسط عام 2002 ثم تراجع العجز في عام 2004 إلى نحو 5288 مليون جنيه.ويمكن تفسير ذلك بضعف الاهتمام بالقطاع الزراعي.ويلاحظ تدني نسبة الاستثمارات الموجهة للقطاع الزراعي مقارنة بجملة الاستثمارات في مصر تنفيذا لروشتة البنك الدولي التي أدت إلى إهمال القطاع الزراعي ، وقد بادر البنك بإهمال تمويل مشروعات في قطاع الزراعة المصري حيث لم تبلغ جملة قروض مجموعة البنك أكثر من 600 مليون دولار على مدار أكثر من سبعة عشر عاما .وعلى الرغم من المزاعم التى يسوقها البنك الدولى من فوائد المشروعات التى مولها بقروض خلال الفترة من 1990 وحتى عام 2007 فى مصر، من كونها حققت أهدافها الإنمائية بل وفى بعض الأحيان تجاوزت المستهدف فى قطاعى الزراعة والرى، وعادت بالنفع على نحو أكثر من 790 ألف من صغار الفلاحين بزيادة دخولهم الزراعية السنوية بما يترواح بين 300 إلى 600 جنيه للفدان الواحد، إضافة إلى تعزيز التخطيط المؤسسى والقدرات التنفذية لوزارة الرى والموارد المائية فى قطاع الرى، ورفع كفاءة التشغيل والصيانة فى محطات الطلمبات ، وإدعاء البنك أيضا استفادة نحو 3.7 مليون فدان من هذه المشروعات بتعزيز قدراتها الإنتاجية الزراعية. إلا أن الواقع الزراعى فى مصر يؤكد عكس تلك المزاعم التى يروجها البنك الدولى لإغراء الحكومة المصرية نحو مزيد من الحصول على القروض منه أملا فى تحسين البنية التحتية الزراعية لمساعدة المزاعين خاصة أصحاب الحيازات الصغيرة منهم على تحسين دخولهم الزراعية وبالتالى تحسن مستوى معيشتهم، ولكن شيئا من هذا لم يحدث.وعلى الرغم من كل السلبيات الخاصة ببرامج التحرر الاقتصادي في القطاع الزراعي من الناحية الاقتصادية ‘إلا أنه كانت هناك العديد من الآثار الاجتماعية يمكن استعراضها كما يلي:2- الآثار الاجتماعية  شهد تطبيق برامج الاصلاح الاقتصادي بعض النجاح في السنوات الأولى من تطبيقها انعكس هذا النجاح في ارتفاع الإنتاجية الزراعية وتحسن مستوى أداء بعض الخدمات إلا أنه سرعان ما بدأت تظهر آثارها السلبية والتي تمثلت في:1- ارتفاع معدلات البطالة والفقر في المناطق الريفية.2 - ارتفاع معدلات الجريمة وخاصة جرائم السرقة والنصب في الريف.ومن الآثار الاجتماعية السلبية التي صاحبت تطبيق سياسات التحرر الاقتصادي في قطاع الزراعة والتي شملت أهم جوانب الحياة الريفية والمتعلقة بسبل العيش والانتاج والتي ترتب عليها تغيرات اجتماعية أثرت في التدرج الطبقي الاجتماعي والأسرة والنظام التعليمى والصحة والبطالة والبيئة والأمن ومنظومة القيم والخدمات والأمن الغذائي والفقر الخلاصة: إن سياسات البنك الدولي التي أدت إلى إلغاء التوريد الإجبارى وتحرير أسعار المحاصيل وإلغاء دعم مستلزمات الإنتاج الزراعى وتعظيم دور القطاع الخاص فى توزيع مستلزمات الإنتاج الزراعى وتحويل بنك التسليف إلى بنك تجارى بعد استيلائه على أموال تعاونيات الفلاحين ويؤكد الواقع العملى أن ما تم من إجراءات أدى لمزيد من البطالة وطرد للمزارعين من أراضيهم وزيادة إيجار الأرض الزراعية وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزراعى ، وارتفاع معدلات العنف والجرائم فى المناطق الريفية خاصة جرائم السرقة والنصب وأصبح الفلاحون المعدمون الذين لا يملكون أراض يعيشون فى مستويات أقل ما توصف بأنها تحت خط الفقر ويشكلون معظم السكان أما أغنياء الفلاحين فانهم يستحوذون على الدخل الأكبر للأرض ولا يمثلون أكثر من 10% من سكان الريف. إن مستقبل الزراعة المصرية فى ظل برامج التحرر يستلزم تعديل التشريعات كى تحمى حقوق المزارعين فى الزراعة الآمنة وضرورة تدعيم البحوث الزراعية وتطوير برامج الإرشاد الزراعى والتسويق وتطوير قاعدة المعلومات والإحصائيات الدقيقة الشاملة عن أوضاع الزراعة على أن تتاح لكل المزارعين فى مصر وترشيد استخدام مياه الرى والمبيدات والكيماويات وتوفير التقاوى والشتلات الطبيعية للمزارعين ، ودعم المزارعين لسد النقص فى الغذاء خاصة الإنتاج الحيوانى وتنمية إنتاج الألبان والأعلاف وتطوير الخدمات البيطرية فى الريف وكفالة حقوق الفلاحين فى تكوين جمعيتهم الزراعية بحرية واستقلالية دون وصاية أو تدخل من وزارة الزراعة وذلك لتحقيق نهضة زراعية وتوفير الغذاء الصحى النظيف للمواطنين وكفالة حقوق الفلاحين فى حيازة زراعية آمنة.ثانيا: شهادات البنك بشأن الزراعة المصرية بعد أكثر من ربع قرن دارت فيه مصر في فلك البنك الدولي وطبقت تعليماته بحذافيرها" جاءت النتيجة المنطقية من داخل البنك عندما أصدر بيانًا في شهر أغسطس 2008 جاء فيه أن مصر علي رأس 33 دولة مهددة بأزمات غذائية ومشاكل اجتماعية خطيرة مرشحة للاستمرار لفترات طويلة، وأن هذه الأزمات تهدد نظمها السياسية.ودعا البنك الحكومة المصرية إلي ضرورة خفض أو إلغاء الجمارك علي السلع الغذائية ، (لفتح أسواقها على مصراعيها أمام المنتجات الأوروبية والأمريكية) وتحديث نظمها الزراعية (التي ابتدعها مسئولوا البنك) لزيادة إنتاجها المحلي من المواد الغذائية.وأوضح تقرير صادر عن البنك الدولي عام 2007 أن أكثر من 25% من بين كل الأراضي الزراعية في مصر والبالغة مساحتها نحو 8.7 مليون فدان بدأت تعاني مشكلة ملوحة التربة وفي الأراضي المزروعة في شمال منطقة الدلتا وشرقها فإن أكثر من 60% منها تتأثر بالملوحة وبطبيعة الحال لم تتضمن سياسات البنك حلولا لهذه المشكلة سوى تهجير أهالي تلك المناطق.وذكر التقرير أنه بالرغم من أن الزراعة تمثل نحو 14% من إيرادات مصر فإنها تستوعب 32% من القوى العاملة، معتبرا محافظة سوهاج من أفقر المناطق في مصر رغم أنها تعد من أكثر المحافظات كثافة سكانية في العالم.ووافق البنك الدولي عام 2008 على خطة عمل أسماها "الصفقة الجديدة" لتحسين الإنتاج الزراعي على المدى البعيد، وتتضمن الخطة مضاعفة القروض الزراعية للبلدان الأفريقية. ودعا رئيس البنك الدولي "روبرت زوليك" إلى إرسال معونات غذائية إلى الدول المحتاجة ومساعدة صغار المزارعين، وحث الدول المانحة على سد النقص في صندوق التمويل التابع لصندوق النقد الدولي وقيمته 500 مليون دولار، ولن تكون هذه المنح والمساعدات مجانية بطبيعة الحال ولابد للدول المتلقية لها من تقديم الثمن الباهظ من إرادتها السياسية التي أصبحت بسبب سياسات البنك لا تمتلك غيرها. وفي تقديرنا: إن سياسات السوق الحرة التي تشكل جزءاً من برامج التكيف الهيكلي والتي كان البنك الدولي قد اشترطها في مساعداته خلال الثمانينات من القرن العشرين تعتبر- جزئيا- السبب في زيادة المجاعة ليس في مصر فحسب بل في الدول النامية عامة ، فقد أفادت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن عدد الجياع على مستوى العالم زاد 40 مليون شخص في عام 2008، عن العدد الذي كان في عام 2007، ليرتفع المجموع الكلي للجياع في العالم إلى 963 مليون نسمة. ويرى الخبراء أن سياسات البنك الدولي المتعلقة بنظام الأسواق الحرة هي السبب الرئيسي لهذه الزيادة.يقول الخبراء: إن البلدان شديدة الفقر، تحتاج إلى المساعدة من أجل البقاء على قيد الحياة قبل دفعها لتكون جزء من السوق الحرة العالمية وفي حين أن المزارعين في العديد من البلدان النامية تضرروا من السياسات الزراعية المفروضة من البنك الدولي على دولهم، والتي جعلت من المستحيل بالنسبة لهم التنافس في السوق العالمية، ما زال مسؤولوا البنك الدولي يرفضون الإعتراف بأن قروض التكيف الهيكلي تلحق الضرر بمحاولة الاكتفاء الذاتي لشعوب الدول النامية.ثالثا: مؤامرات البنك على الزراعة المصرية.قدم البنك الدولي شهادته للزراعة المصرية بعد أكثر من ربع قرن من تطبيق سياساته فماذا في جعبته الآن من مؤمرات بشأن الزرتعة في مصر:1- المؤتمر المؤامرة: عقد البنك الدولي مؤتمرا في مركز البحوث الزراعية بالقاهرة في مايو عام 2008 لإعلان تقريره السنوي الذي حمل عنوان "الزراعة من أجل التنمية" ، ويعد هذا المؤتمر مؤامرة كبري على الزراعة المصرية بكل المقاييس ويمكن التدليل على ذلك باستعراض بعض ما جاء في هذا التقرير وغيره من تقارير البنك كما يلي:- وجه البنك خلال تقريره إلي اعتماد أجندة جديدة للزراعة بهدف تحقيق التنمية، ويمثل ذلك اعترافا من البنك بفشل أجندته السابقة في تحقيق التنمية المأمولة، حيث حذر تقرير البنك من أن الهدف الدولي المتعلق بتخفيض أعداد الفقراء المدقعين والجوعى إلى النصف بحلول عام 2015 لا يمكن الوفاء به ما لم يتم عكس اتجاه الإهمال وقلة الاستثمارات الذي شهدته القطاعات الزراعية والريفية على مدى السنوات العشرين الماضية.- لازال مسئولوا البنك يصرون على أن إحدى الطرق لتحقيق التنمية الزراعية هي من خلال إحداث ثورة زراعية في الحاصلات ذات القيمة العالية، ويمكن توفير الحوافز اللازمة لإنتاج محاصيل متنوعة عالية القيمة ـ ماهي هذه المنتجات من وجهة نظر البنك في بلد يستورد 60 % من غذائه - كمنتجات البستنة، والدواجن، والأسماك، ومنتجات الألبان عن طريق إصلاح الأسعار وأنظمة الدعم المالي المُقدم إلى زراعة الحبوب. - أكد البنك الدولي خلال تقريره أن القطاع الزراعي سيكون له أكبر الأثر في تقليل معدلات الفقر بما يعادل أربعة أمثال فعالية النمو الناشئ عن القطاعات غير الزراعية‏، فلماذا أهمل مسئولوا البنك دعم المشروعات الزراعية في مصر طوال العقود الثلاثة الماضية؟ ‏- أعد البنك دراسة لإستراتيجيات التنمية الزراعية في مصر حتى عام 2030م؛ تهدف في الأساس إلى خصخصة مياه الري في مصر ، وذلك بالتعاون بين البنك الدولي ووزارة الزراعة المصرية، حيث طالب خبراء البنك الدولي خلال المؤتمر بتشجيع القطاع الخاص في المجال الزراعي في مصر، في خطوة على طريق خصخصة الزراعة وعودة الإقطاع لمصر.- إن البنك الدولي الذي اعترف بفشل برامج الخصخصة وطالب بوقفها – كما تمت الإشارة في المحور السابق – طالب خلال المؤتمر بالسعي لإقناع نواب البرلمان المصري بأهمية إدماج القطاع الخاص في مجال الزراعة بمصر، بحجة أن اقتصاديات السوق المفتوحة تعني أن مزارعي مصر لا بد أن ينافسوا في السوق العالمية، وأن أفضل من ينافس محليًّا وعالميًّا هو القطاع الخاص، وتمادي مسئولوا البنك الدولي لشرح كيفية تقديم تلك الإستراتيجيات لمجلس الشعب المصري وإقناع المجتمع المصري لتشجيع هذه الإستراتيجية حتى يشجعوا الحكومة على خوضها.- في تقرير عن الإنتاج الزراعي المصري وسبل الري الصادر عام 2008 – أكد البنك أهمية تطوير أنظمة "الصرف المغطي" لمنع تراكم ملوحة التربة وتأهيل الترع، واستدامة الإنتاج الزراعي، وضرورة رفع كفاءة واستدامة استخدام الأراضي والموارد المائية، عن طريق تحسين إدارة الري والصرف لجميع المزارعين، وتعميم الإدارة المتكاملة للموارد المائية.وأوضح التقرير أن البنك الدولي "بصدد تنفيذ مشروع تحسين وإدارة شبكات الري المتكاملة في مصر بتكلفة إجمالية تبلغ حوالي ٣٠٣ ملايين دولار".والهدف المعلن للبنك من وراء المشروع هو تمكين مستخدمي المياه في عملية صنع القرار علي مستوي الاستثمار والتشغيل والصيانة، فيما يتعلق بالبنية التحتية للري والصرف، وتوفير التمويل التكميلي لتجديدات أنظمة الري والصرف، بالإضافة إلي تزويد المستخدمين بالمساعدة الفنية لتحسين إنتاجية المياه، وتنفيذ برنامج عمل كامل، أما الهدف الحقيقي فيصب باتجاه خصخصة مياه الري وزيادة الأعباء التي تثقل كاهل الفلاح المصري البسيط إعمالا لمبدأ "من يروي يدفع".2- البنك الدولي وابتزاز مصر (غرق الدلتا): تعد دلتا مصر واحدة من أكبر الدلتات في العالم - تمتد من بورسعيد في الشرق حتى الإسكندرية في الغرب، على مساحة 240 كيلومتر على ساحل البحر المتوسط - وتتميز الدلتا بالأراضي الزراعية الخصبة الصالحة للزراعة في أي وقت، يسكنها نحو 40% من سكان مصر، وأغلبهم مركَّزون في السواحل بسبب وجود المصانع والأراضي الزراعية، وتنتج مناطق الدلتا أكثر من 70 % من إنتاج الأرز المصري، إضافة إلى اكتشاف الغاز بها، ما يجعلها تحتل مكانة كبيرة في الاقتصاد المصري.وقد بات من الثابت علميا أن نسبة كبيرة من أراضي الدلتا مهددة بالغرق بفعل ظاهرة الاحتباس الحراري واحتمال ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط، إلا أنه في المقابل هناك العديد من الدراسات التي أجراها علماء مصريون – سنشير إلى بعضها في السطور القادمة – تؤكد امكانية إنقاذ الدلتا من الغرق، إلا أن الحكومة المصرية تتعامل مع موضوع غرق الدلتا باعتباره أمرا مسلما به وفقا لتقارير البنك الدولي في هذا الصدد وتتعاطى مع مخططاته لتهجير أهالي الدلتا بإيجابية كبيرة وهو ما يمكن أن نشير إليه من خلال استعراض مشروعي شرق الدلتا وغرب الدلتا اللذان ينفذهما البنك في مصر كما يلي:أ- مشروع شرق الدلتا: تقع المساحة الكلية للمشروع في شرق الدلتا بين قناة السويس وبحيرة المنزلة، وتشمل حوالي ٢٠٠ ألف فدان في محافظات بورسعيد والإسماعيلية والشرقية والدقهلية، و تشير التحليلات إلي أن التربة في هذه الأراضي ليست ملوثة إلي درجة يتعذر إصلاحها. مضيفاً أنه عندما يكتمل استصلاح هذه الأراضي فإنها ستكون قادرة علي إنتاج غلة محاصيل مماثلة لتلك التي تنتج في الدلتا، في حال حصولها علي الحصة والنوعية نفسها من المياه. ويسعى البنك الدولي لتنفيذ مشروع الخدمات الزراعية في هذه المنطقة ، لتسهيل توطين نحو ٢٩ ألف أسرة من أسر المزارعين المنخفضة الدخل في حوالي ١٣٠ ألف فدان من الأراضي المستصلحة في شرق الدلتا.ب- مشروع غرب الدلتا: إن القرض المقدم من البنك الدولي والبالغ 145مليون دولار أمريكي لمشروع غرب الدلتا سيمول جزئيا عملية إنشاء نظام ري لتحويل مياه من نهر النيل لإمداد المزارع الحديثة بالمياه والتي تخصص منتجاتها للتصدير وفي مناطق الصحراء المستصلحة والتي عانت من عمليات استنزاف حادة للمياه الجوفية.أول تجربة مصرية بمنطقة غرب الدلتا من خلال مشروع يتيح فرص الاستثمار الآمن للقطاع الخاص من خلال تحسين الري في مساحة‏255‏ ألف فدان تروي حاليا علي المياه الجوفية‏,‏ بالإضافة إلي استصلاح أراض جديدة في حدود ما بين‏100-200‏ ألف فدان ورفع كفاءة الري في مساحة نصف مليون فدان‏,‏ وذلك عن طريق نقل مياه النيل من فرع رشيد عن طريق قنوات وترع تصل أطوالها حوالي‏170‏ كيلو مترا‏,‏ تتخللها محطات رفع رئيسية وفرعية ومنشآت تحكم وأعمال صناعية من قناطر حجز علاوة علي شبكة مواسير لنقل المياه إلي داخل المساحات المزروعة حاليا علي المياه الجوفية‏.‏وبذلك تتجه الحكومة المصرية – وفقا لتوجيهات البنك الدولي - لمشاركة القطاع الخاص في إنشاء وإدارة وتشغيل منشآت الري والصرف‏,‏ كما تسمح بتوقيع عقد شراكة ثلاثية بين الدولة والقطاع الخاص والمستثمرين‏,‏ حيث من المقرر أن يكون هناك اتحاد شركات يمثل القطاع الخاص يتولي تصميم وتنفيذ وتشغيل وصيانة الأعمال الصناعية‏,‏ وكذلك المحطات المقرر إنشاؤها لنقل مياه النيل مقابل تحصيل رسوم من مستخدمي المياه من المستثمرين مقابل توصيل الخدمة ‏,‏ علي أن مدة العقد ثلاثون عاما‏.‏أما صغار المزارعين فقد وافقت الحكومة الفرنسية علي تقديم منحة قدرها 30 مليون دولار للمساعدة الفنية لتعريفهم بأساليب الزراعة الأحدث‏,‏ والتقنيات التي يمكن استخدامها‏,‏ وكذلك طرق التسويق‏,‏ بالإضافة إلي أن الدولة سوف تقوم بمساعدتهم بإنشاء البنية الداخلية لهم وتقسيط تكلفتها علي مدة زمنية ما بين‏15- 20‏ عاما‏,‏ وإنشاء اتحادات مستخدمي المياه,‏ وتستغرق المرحلة الأولي حوالي‏5‏ سنوات من الكيلو‏40‏ حتي الكيلو‏80‏ بالطريق الصحراوي وتزرع محاصيل الخضر والفاكهة والنباتات العطرية والطبية‏‏.‏إلا أن بعض الخبراء يشدد بأن تنفيذ هذا المشروع يمكن أن يؤدي في الوقت ذاته إلى تدمير الأراضي الزراعية الواقعة شمال منطقة المشروع على طول منطقة الدلتا القديمة، والتي يشغل غالبية مساحة أراضيها صغار المزارعين والذين يمكن أن يتسبب المشروع بحرمانهم من كميات مياه كافية لري أراضيهم الزراعية.والقلق حول الآثار المتوقعة للمشروع على الأراضي القديمة في دلتا النيل بشكل خاص وكذلك على الأزمة الغذائية في مصر بشكل عام، وبما ان هذا المشروع يعتبر التجربة الأولى لإدخال نشاط الشراكة بين القطاعين العام والخاص في قطاع الري في مصر الى حيز التنفيذ، تساءل العديد عن نية الحكومة لإدخال هذا الاتجاه إلى القطاع بأكمله بحلول عام 2017.وفي تقديرنا إن مشروعي شرق الدلتا وغرب الدلتا يمثلان أكبر تهديد للأمن الغذائي المصري حيث يتم التضحية بأراضي الدلتا وأصحابها من صغار المزارعين والأراضي الزراعية الخصبة الصالحة للزراعة في أي وقت، خدمة لمصالح كبار المستثمرين وتنفيذا لمخططات البنك الدولي التي جعلت السياسة المصرية رهينة للمخططات الغربية، فبدلا من أن تتجه الحكومة المصرية لحماية أراضى الدلتا وأهلها من الغرق الذي بشر به البنك الدولي عام 2007 تتعامل مع موضوع غرق الدلتا - بإيعاز من البنك - باعتباره أمر واقع، وتخضع لابتزازه وتتغافل عن الكثير من الدراسات للعلماء المصريين الذين نفى بعضهم مسألة غرق الدلتا وأكد آخرون أن مشكلة غرق الدلتا المحتمل يمكن حلها، ومن ذلك رابطة من علماء الإسكندرية، إضافة إلى أبحاث الدكتور خالد عودة أستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة أسيوط التي أشار فيها إلى نوعين من الحلول. ونستعرضهما فيما يلي:البنك الدولي يبتز مصر بترويج فكرة غرق الدلتا: نفى العديد من العلماء والمتخصصين في معهد بحوث الشواطئ بالإسكندرية وقسم علوم البحار بكلية العلوم جامعة الإسكندرية والمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد مسألة غرق الدلتا وأشاروا إلى عدد من النقاط الهامة أهمها:- اعتمدت الدراسات التي أشارت إلي غرق الدلتا علي مجرد رؤية مستقبلية نظرية وعامة عن ارتفاع درجة الحرارة وذوبان الجليد وارتفاع مستوي سطح البحر دون الوضع في الاعتبار العوامل المميزة للدلتا والسواحل المصرية واحتوائها علي حواجز طبيعية مثل الكثبان الرملية والظلال وأعمال الحماية الصناعية.- أن القياسات التي أخذها أكثر من جهاز بحري مثبت بموانئ الإسكندرية وبورسعيد والبرلس والتي تقيس منسوب البحر علي مدار اليوم منذ عشرات السنين - أوضحت أن متوسط ارتفاع سطح البحر يبلغ 2 مليمتر سنوياً أمام سواحل الإسكندرية والدلتا وأنه لن يتعدي 20 سم بحلول القرن القادموهذه النسبة ليست كارثة ومختلفة تماماً عن التقديرات العالمية وأن هناك قطاعات طويلة من شواطئ الدلتا يحدث بها حالياً بناء وترسيب بمعدلات عالية وتتقدم داخل البحر بمعدل 10 أمتار سنويا ، مثل ما يحدث في خليج أبو قير وجمصة ورشيد ، وأن تقارير البنك الدولي التي تعتمد علي المحاكاة تم إمدادها ببيانات قديمة نتج عنها معلومات مغلوطة لا تنطبق علي البيئة المصرية في الدلتا ولذلك تعتبر دلتا مصر والإسكندرية في مأمن من الغرق.- أن الترويج لغرق الإسكندرية والدلتا بدأ منذ فترة عن طريق بعض الجهات الأجنبية ووافق عليه بعض المصريين وسرعان ما اتخذه البعض ذريعة لجمع التبرعات من الخارج وهذا الاستنتاج لا يستند لأي أبحاث علمية محلية ولا قياسات حقلية وإنما استند إلي بيانات تم جمعها في السبعينيات من القرن العشرين عن طريق جهة بحثية هولندية بعد توقف الطمي الناتج عن الفيضان بعد بناء السد العالي حيث اخترعت عدة سيناريوهات لارتفاع مستوي سطح البحر من 10سم إلي 20 سم إلي واحد متر، وأن الخسارة ستكون فادحة للاقتصاد المصري وغرق مساحات كبيرة من الأراضي دون التعرض لمستوي سطح البحر خلال الخمسين سنة الماضية.- إن كل ما يقال عن غرق الإسكندرية والدلتا مبني علي توقعات ومعدلات عالمية يجب التدقيق فيها وربطها بالمعدلات المحلية ، وتحديد المعدلات الحقيقية لما حدث في السنوات الأخيرة حتي يمكن عمل توقعات مستقبلية مبنية علي افتراضات علمية صحيحة ، وهناك تقارير صدرت عام 2001 من اللجنة الحكومية للتغير المناخي وهي أكبر جهة علمية في هذا المجال ، و قالت إن مستوي سطح البحر سيرتفع بمقدار 88 سم في عام 2100 أي أنه بعد 100 عام سيحدث الغرق في حين أن اللجنة نفسها عرضت تقريرا حديثا لها في 2007 قالت فيه إنه في عام 2100 سيرتفع مستوي سطح البحر بمقدار 59 سم أي أنها بدأت تعيد النظر في تقاريرها ونتائجها المبنية علي سيناريوهات مختلفة .نوعان من الحلول: أشار الدكتور خالد عودة أستاذ الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة أسيوط إلى نوعين من الحلول: نوع تقليدي معروف: مثل ردم الشواطئ ووضع الحوائط البحرية الأسمنتية، وهي مفيدة في حالة ارتفاع سطح البحر بمتر ومترين. أما النوع الثاني من الحلول هي حلول غير تقليدية تتعلق جميعها بالسد العالي.فالسد كما يشير د/خالد هو السبب الرئيسي في غرق الدلتا؛ لأنه منع الطمي من الوصول إلى الدلتا ووادي النيل؛ فهذا الطمي كان هو الحل المثالي الذي كان من المتوقَّع أن يحميَ الدلتا؛ فالله سبحانه وتعالى خلق الطمي كعاملٍ مُوازنٍ بين البحر واليابسة والنهر؛ فالنهر يحمل الطمي حتى يواجه البحر فيرمي بحمولته من الطمي على الشاطئ ليكوِّن الدلتا، وهذا الاتزان المهم اختل ببناء السد العالي الذي منع الطمي من الوصول إلى الدلتا، ولهذا السبب اقترحت في بحثي أن نبنيَ كثبانًا رملية صناعية بين السواحل في الشمال وشاطئ بحيرات البرلس والمنزلة، وهو أيضًا حلٌّ مسكِّنٌ لن يمنع الغرق، ولكنه مهم، أما الحل الجذري الأهم والأخطر فيتمثَّل في إعادة حمولة النهر من الطمي كما كان قبل بناء السد، وأنا اقترحت لحل كل هذه المشاكل أن نحفر فرعًا جديدًا للنهر يصل بين بحيرة السد في الجنوب وخزان أسوان في الشمال؛ حيث يحمل هذا الفرع الطمي والمياه من جديد إلى النهرالخلاصة: هناك مدرستان تختلفان في الرأي حول هذه القضية، الأولي تؤيد موضوع الغرق وتعتمد علي أبحاث خارجية والمدرسة الثانية تنفي غرق الدلتا والإسكندرية وتعتمد علي أبحاث محلية وقياسات تم إجراؤها علي السواحل المصرية، وأن الأبحاث الأجنبية اعتمدت علي بيانات تم جمعها من مصر في فترة عدم استقرار للسواحل المصرية المصاحبة لتوقف طمي النيل.المدرسة الثانية أعادت الترويج لعملية الغرق لأهداف أخري غير معلنة، لذلك لابد من تضافر الجهود وإجراء دراسات متخصصة وإنشاء لجنة قومية استشارية تضم الجهات المتخصصة في المجال البحري لوضع الخطط والاستراتيجيات المستقبلية وحماية شواطئ مصر، فالدلتا لن تغرق فجأة وهناك الكثير من التغيرات المناخية والبحرية تحدث بمعدلات طبيعية تستلزم أن نضع الوسائل اللازمة لحماية السواحل منها.فهل حان دور العلم والعلماء لإنقاذ مصر من التغيرات المناخية؟"؛ فمصر تتمثَّل أهمُّ مشاكلها في الاعتماد على أهل الثقة وعدم الاعتماد على أهل العلم والخبرة من وقت الثورة وحتى اليوم، أم ستظل أسيرة للبنك الدولي ومخططاته.3- المؤامرة الكبرى: البنك الدولي والتغير المناخي: من المعروف أن الدول الصناعية الكبرى هي المتسبب الرئيسي في ظاهرة التغير المناخي التي كانت من الأسباب الرئيسية للأزمة الغذائية التي ضربت العالم قبل أربع سنوات ولا زالت الدول النامية تعاني من تأثيراتها الكارثية حتى الآن (لمزيد من المعلومات يمكن الرجوع لتقريرنا الأزمة الاقتصادية العالمية والزراعة المصرية) والمؤامرة الكبرى - ليس على مصر وحدها إنما على كافة الدول النامية – يحيكها مسؤولوا البنك الدولي الآن لتحميل الدول النامية فاتورة مواجهة ظاهرة التغير المناخي، فالبنك الدولي وحكومات دول الشمال، المسئولة الأعظم عن الأزمة المناخية، يريدون أن تتحمل شعوب العالم الثالث كلفة معالجة التداعيات وإضافتها إلي ديونها، حيث يطالب البنك الدولي بتولي دور مساعدة دول الجنوب في معالجة هذه الأزمة، في وقت يواصل فيه تمويل مشروعات وسياسات مدمرة للبيئة. وفي تقديرنا أن البنك الدولي ليس أكبر ملوث مناخي في العالم فحسب، بل هو أيضا أكبر منتهك لحقوق الإنسان، فعلي الرغم من القلق العالمي المتصاعد حيال التغيير المناخي، يزيد في الواقع من دعمه لمشروعات استخدام الوقود الأحفوري، حيث مول البنك الدولي بين عامي 1997 و 2007 أنشطة ومشروعات تسببت في انبعاث كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون تعادل 45 ضعف الانبعاثات السنوية في بريطانيا، وزاد من حجم قروضه لمشروعات الفحم والنفط والغاز بنسبة 94 في المائة في عام 2007 وحده، بإجمالي 3 مليارات دولار، وبلغت هذه الزيادة 256 في المائة في قطاع الفحم وحده. ومن الملفت للنظر أن البنك الدولي ذاته قد أوصي في تقرير له عام 2004 بوقف تمويل مشروعات استخراج الفحم والتقليل من الإستثمار في إنتاج النفط بحلول عام 2008، قائلا أنه اكتشف أن "البيئة والفقراء كثيرا ما يقعون ضحية مخاطر توسع أنشطة صناعات إستخراج (الوقود الأحفوري) في بلادهم". وعلي الرغم من ذلك، فقد اعتمد البنك الدولي في إبريل 2008، قرضا بمبلغ 450 مليون دولار لتمويل مشروع ضخم في الهند لإنتاج 4,000 ميجاوات باستخدام الفحم في الهند، يتوقع بأن يدرج علي قائمة أكبر 50 مصدر لغازات الإحتباس الحراري في العالم. الخلاصة: إن البنك الدولي مؤسسة مجردة من مصداقية القيام بأي دور في معالجة قضايا التغيير المناخي، بل ويجب وقف الإستثمارات التي يجريها حاليا في هذا المجال، حيث أن البلدان النامية في أشد الحاجة للحصول فورا علي مليارات الدولارات لمواجهة العواصف والفيضانات وموجات الجفاف والمجاعات التي تقاسي منها بسبب التغيير المناخي، ناهيك عن متطلبات بناء إقتصاديات أقل إعتمادا علي الفحم.ويؤكد الخبراء أنه "من العار التفكير في تمويل جهود مكافحة التغيير المناخي في البلدان النامية علي صورة قروض وديون ، وأهالي الجنوب هم الأكثر تعرضا وتأثرا بتداعيات التغيير المناخي بسبب الفقر والإفتقار إلي برامج وموارد حكومية، الناتجين إلي حد كبير عن الديون التي تجبر علي دفعها لدول الشمال ". وفي هذا السياق طالبت نحو 150 من منظمات المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالم بعدم ترك مهمة تمويل أنشطة مكافحة التغيير المناخي في أيدي البنك الدولي، وذلك في بيان مشترك أمام مؤتمر الأمم المتحدة عن التغيير المناخي المنعقد في مدينة بوزان البولندية من 1 - 12 ديسمبر 2008 بمشاركة 11,000 خبير ووزير ومسئول من 192 دولة وهيئة عالمية. فقد طلب المؤتمر من الدول الصناعية توفير 100 مليون دولار للبلدان النامية لمساعدتها علي تقليل إعتمادها علي الفحم، فشددت المنظمات الأهلية المناضلة من أجل إقرار ما أسمته بالعدالة المناخية، علي ضرورة عدم تكليف البنك الدولي التصرف في هذه الأرصدة، وشرحت أن البنك الدولي يسعي الآن إلي التحكم إلي حد كبير في تمويل أرصدة مكافحة التغيير المناخي. واقترحت المنظمات غير الحكومية أن يعهد للأمم المتحدة مسئولية الإشراف علي الموارد والأنشطة الهادفة إلي التخفيف من تداعيات التغيير المناخي وضمان حصول البلدان النامية عليها، وذلك من خلال آليات إتفاقية المنظمة العالمية المعنية بالتغيير المناخي. وبذلك يتضح انتهاك سياسات البنك الدولي لآبسط مبادئ حقوق الانسان في من خلال تمويل مشروعات ضارة في قطاع الزراعة وتربية الماشية، وكذلك من خلال دعمه أنشطة ومشروعات علي حساب حقوق الأهالي وبيئتهم. خامسا: دروس مستفادة من المارد الصيني على عكس مصر احتل القطاع الزراعي أولي اهتمامات الصين في بداية تنفيذها لسياسة الإصلاح والانفتاح ، وقد اعلنت الحكومة المركزية في الفترة بين عام 1982 وعام 1986 عددا من الوثائق منها " الوثيقة رقم 1 " تتعلق كلها بمسـألة الزراعة بشكل أساسي ، وابتداء من عام 2004 ، أعلنت الحكومة 4 وثائق متتالية من نفس النوع وطرحت سلسلة من السياسات لدعم القطاع الزراعي مما ساعد بشكل ملحوظ علي زيادة الانتاج و دخل الفلاحين وارتفاع قدرة الانتاج الزراعي الشاملة وقد قررت الحكومة المركزية الصينية تخصيص 10 مليارات يوان / 1.22 مليار دولار امريكى / من صندوق مخاطر الحبوب الوطنى. عام 2004 لتعويض المزارعين فى المناطق الرئيسية لانتاج الحبوب. وفي ديسمبر عام 2005 تبنت الحكومة الصينية لأول مرة استراتيجية " بناء الأرياف الصينية الاشتراكية الجديدة" متمثلا في خمسة ركائز أساسية وهي " الانتاج المتطور،الحياة الحسنة ، الاخلاق المتحضرة ،الملامح النظيفة المنسقة والادارة الدمقراطية " .وفي أول يوم لعام 2006 ، ألغت الحكومة الصينية لائحة الضريبة الزراعية التي دامت أكثر من ألفين سنة في الصين ، ومن خلال إلغاء ضريبة الزراعة وضريبة الإنتاج المحلي الخاص وضريبة تربية المواشي وضريبة ذبح الدواجن والمواشي ساعدت سياسة الحكومة علي تقليل أعباء الضرائب علي الفلاحين لتكون الضرائب المدفوعة من قبل المزارعين تقل 120 بليار يوان صيني سنويا بالمقارنة مع ما قبل ذلك . وفي عام 2006 أيضا، أعفت الحكومة مصاريف الدراسة لكل تلميذ في مرحلة التعليم الإلزامي في أرياف الصين الغربية ، وتقديم المعونة للأسر الريفية المحتاجة من خلال توفير الكتب المدرسية المجانية لأطفالها وتقديم الدعم المالي لسكنهم في المدارس ، وفي السنة التالية أي عام 2007 ، ألغت الحكومة مصاريف الدراسة لجميع التلاميذ في مرحلة التعليم الإلزامي في الأرياف الصينية بشكل كامل من أجل تخفيف أعباء المزارعين ، وبالتالي دخل قرابة 150 مليون تلميذ من الأسر الفلاحية إلي المدرسة مجانا. وابتداء من عام 2006 ، شهد الدعم الطبي المالي للمزارعين الذي توفره الحكومة زيادة كبيرة ، وفي عام 2007 تطور الإنتاج الزراعي وازداد دخل الفلاحين زيادة مستمرة وحققت المشاريع البنائية للأرياف الجديدة انجازات ملحوظة ، إذ تجاوز معدل الدخل الصافي للمزارعين في ذلك العام 4000 يوان صيني بتحقيق زيادة تصل إلي 7% مقارنة مع السنوات الماضية ، وبالتالي تجاوزت نسبة الزيادة في هذا المجال 6 % لمدة أربع سنوات متتالية ،علما بأن 2007 كان عام الحصاد الوافر الرابع الذي حققته الصين في القرن الجديد حيث فاق الإنتاج الإجمالي للحبوب الغذائية 500 مليار طن. كما تعمل الحكومة الصينية علي إرشاد المزارعين الصينيين للسعي وراء حياة معنوية أفضل من خلال توفير خدمات متعددة لهم كالبحث في سبل زيادة الدخل وتعلم التكنولوجيا الزراعية وتحسين أجواء القري وتعبيد الطرق والمواصلات ووضع نظام الضمان لأدني المستوي المعيشي وتوفير التعليم الإلزامي المجاني وتأسيس النظام التعاوني في مجال الطب والصحة، واليوم يقبل أبناء القري الصينية علي بناء الأرياف الاشتراكية الجديدة التي سوف تعود لهم بفوائد مستقبلا. لقد طرحت الحكومة الصينية المبادئ الأساسية لبناء الأرياف الجديدة وهي تتمثل في تنمية الزراعة المتداولة والصالحة للبيئة وإصلاح طريقة الحرث والزراعة التقليدية وتطوير أساليب الحرث والزراعة المحافظة علي البيئة لبناء أرياف متوفرة الموارد وصديقة للبيئة الطبيعية. وبفضل سياسة الدعم الحكومي يزداد حجم إنتاج القطن ازديادا مستمرا ، ووصل حجم الإنتاج الصيني للقطن في عام 2008 إلي 6,8 مليون طن.ومما لا شك فيه أن قوة الصين الناهضة تعتمد إلى حد كبير على نجاحها الاقتصادي الهائل. فلقد أدرك المسئولون الصينيون الدور الحاسم الذي تلعبه الاستثمارات العامة، وبصورة خاصة في مجال الزراعة والبنية الأساسية، لتمهيد الطريق أمام النمو اعتماداً على القطاع الخاص، في ظل اقتصاد ريفي فقير جائع، كما كانت الحال في الصين في السبعينيات من القرن العشرين، وكما هي الحال اليوم في أغلب بلدان إفريقيا، تتلخص نقطة الانطلاق الرئيسية في رفع الإنتاجية الزراعية، ويحتاج المزارعون إلى المخصبات، ووسائل الري، والبذور ذات الإنتاجية العالية، وكل ذلك كان يشكل جزءاً أساسياً من انطلاقة الصين الاقتصادية.الخلاصة: بعد أن بدت الصورة واضحة لما يرتكبه البنك الدولي من أخطاء، فعلى النقيض من الصين، كثيراً ما نسي البنك الدولي أو تناسى الدروس الأساسية المرتبطة بعملية التنمية، مفضلاً إلقاء المحاضرات على الفقراء وإرغامهم على تخصيص البنية الأساسية، بدلاً من مساعدتهم على الاستثمار في البنية الأساسية والقطاعات الحيوية الأخرى.بدأت إخفاقات البنك الدولي في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، حين حاول تحت الهيمنة الإيديولوجية للولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى إقناع مصر بتخفيض استثماراتها في البنية الأساسية والخدمات، أو الامتناع عن هذه الاستثمارات تماماً، وطيلة خمسة وعشرين عاماً ظل البنك الدولي يحاول حمل الحكومة المصرية على نفض أيديها من الزراعة، وترك الفلاحين الفقراء ليتدبروا أمورهم بأنفسهم، وكانت النتيجة وقوع الكارثة ، حيث ظلت الإنتاجية الزراعية راكدة لعقود من الزمان، وذلك وفق مخططات البنك لرهن الإرادة السياسية المصرية في مقابل الغذاء. وقد شهد مسئولوا البنك الدولى أن الصين حققت إسهامات كبيرة فى جهود الحد من الفقر فى العالم وأن تجاربها تعتبر عاملا مساعدا للدول الأخرى. وذكرت الأرقام الصادرة عن البنك الدولى أن عدد السكان الفقراء فى الصين انخفض بمقدار 195 مليون شخص خلال الفترة من عام 1990 إلى 2002 وأن نسبة السكان الفقراء إلى إجمالى عدد السكان انخفضت من 16 فى المائة فى عام 2001 الى 10 فى المائة فى عام 2004 ، وبمعنى آخر ، تخلص ما يزيد على 60 مليون شخص صينى من الفقر خلال ثلاث سنوات. فهل تعي الحكومة المصرية الرسالة بشأن كيفية تحفيز الاقتصاد، والنمو، وتتحرر من سياسات البنك الدولي بإيديولوجية المتطرفة. وهل تعمل بجرأة وإقدام في مجال الاستثمار في البنية الأساسية، وتحديث الزراعة، والصحة العامة، والتعليإن مصر التي كانت سلة غلال تطعم العالم أصبحت تنتظر المعونات الخارجية وتستدين وتستورد 15 مليون طن منتجات زراعية كل عام وصارت مزروعة بالسموم والملوثات في إطار حرب على مستقبل خبزها بل واستقلالها إن أحد جوانب الأزمة سياسة تخريب الأراضي الزراعية بتجريفها والبناء فوق أكثر من ثلثي هذه الأراضي حتى غطى الطوب الأحمر والأسمنت ثلث الأرض الزراعية ، ثم تدمير الثروة المتبقية بسياسات زراعية لا مبالية أو متواطئة أدت بنا إلي أننا صرنا نستورد منتجات زراعية بما قيمته عشرة أضعاف ما نصدره من منتجات زراعية بينما تملك مصر كل مقومات الاكتفاء الذاتي ! إن من لا يملك قوته لا يملك حريته ". ونحن لا نملك قوتنا ، رغم أن لدي علمائنا مشاريع لا تنتهي لكي نحقق الاكتفاءالذاتي ، لكن كل تلك المشاريع التي أثبتت نجاحها توقفت أو أوقفت ، وتعطلت أو عطلت عن عمد من قبل وزارة الزراعة المصرية المتهمة بكرمها الشديد في دعم مشروعات التطبيع الزراعي مع إسرائيل . كان لدينا مشروع التقنية المتكاملة لزراعة القمح ، وتم تنفيذه في ثلاث وأربعين قرية مصرية وحقق زيادة في الإنتاج وصلت إلي مائة بالمائة تقريبا ! ومشروع الإنتاج الزراعي الذي تم تطبيقه في مائة قرية بالدقهلية والشرقية فضاعف الإنتاج . هناك المشروع الحضاري لتنمية البيئة الصحراوية الذي تم تنفيذه ونجح في 24 مركزا في صحارى وأطراف الوادي ، لكنه أوقف في ذروة نجاحه ودمرت مراكزه ونهبت مخازنه وأهدرت ثماره تحت ستار مريب من الصمت الحكومي.إن نحو نصف مليون عالم مصري هاجروا للخارج خلال النصف قرن الأخير ، من بينهم ستة آلاف من ذوى التخصصات النادرة ، وليس حجم الكارثة الزراعية في مصر ببعيد عن الأيادي الإسرائيلية التي تغزو الاقتصاد المصري وتفكك بنيانه عبر بوابة التطبيع بالكيماويات والتقاوي وما شابه ، وقد مولت إسرائيل لديها برنامجا مشبوها باسم رمزي هو " شلوع " وظفت فيه الهندسة الوراثية لإنتاج أدوية بيطرية توزعها في مصر على مزارع الدجاج وتصيب المستخدم بالفشل الكلوي ، كما أنتجت مخصبات للطماطم والبرتقال تتضمن إشعاعات المصريين بالسرطان .

عدد القراءات : 9461
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات