احدث الاخبار

أعراض ودلالات الوسواس القهري 2- وسواس الحب والرغبة

أعراض ودلالات الوسواس القهري 2- وسواس الحب والرغبة
اخبار السعيدة - إعداد - أ. د. محمد سعد عبد اللطيف         التاريخ : 14-06-2010

وساوسُ الحب والرغبة :: (1) وسواس الحب: فهذه سيدةٌ تبلغُ من العمرِ أربعةً وعشرينَ عامَا، طلقها زوجها بسبب تدخل أمه في حياته وإرغامها له على ذلك بعد أقل من سنتين من زواجه، وكانَ ظالمًا بما لا يدعُ مجالاً للشك لزوجته، لكن هذه السيدة المسكينة، بعد ستة أشهرٍ من طلاقها، كانت في حالةٍ حار فيها الأطباءُ فقد نقصَ وزنها بشكلٍ كبيرٍ وبدا عليها الهزال ولم تكن تنامُ إلا قليلاَ، وبشكلٍ متقطعٍ ولم تكنْ تأكلُ من الطعام أكثرَ من ربع ما كانت تأكلُ من قبل، ولم تكنْ تسمحُ لأهلها بالتعبير عن غضبهم من ذلك الرجل الذي خدعَ ابنتهم، فكانت كلما ذكروه بسوءٍ تعترضُ على كلامهم وتقولُ لهم أنه لم يكن معها إلا نعمَ الزوجِ ولكن أمهُ هيَ السبب! وكانتْ ترفضُ كل من يتقدمون لخطبتها دونَ أن تراهم، كما اكتشفت أختها الصغرى أنها كانت تطلبه تليفونيا من دون علم أهلها.

إذن فهذا حبٌّ في غير محله بإجماع الكل بما فيهم العاشقةُ نفسها، أو لنقل أنها سامحتهُ مثلاً، المهم لاحظَ الطبيبُ أنها لا تتكلمُ إلا عن ذلك الرجل الذي تسميه بزوجي، وهنا نبهها الطبيبُ إلى أن الذي تتكلمُ عنهُ لم يعد زوجها، وأن المفروضَ أن الجلسةَ تخصها بحيثُ تتكلمُ فيها عن مشكلتها، فما كان منها إلا أن قالت أنها تشعرُ بالموت يسري داخلها ما لم تفكر فيه أو تتكلم عنهُ وأهلها في البيت لا يقبلون ذلك فهيَ لا تجدُ من تتكلمُ معهُ عن حبيبها، فسألها الطبيب تقصدين الرجل الذي طلقك، فقالت يا دكتور أنا لا أنكرُ كم الإهانة الذي لحقَ بي لكنني أحبه!! ولا يد لي في ذلك، أنا لم أخطأ كل ما فعلتهُ هوَ أنني طلبتُ من أمه أن تسمحَ لي بقضاء أسبوعٍ في بيت أبي لأن أمي كانت قد سافرت للحج وعندما رفضت عبرت لها عن ضيقي بقسوتها لأن أبي وإخوتي يحتاجون من ترعاهم أثناء سفر أمي وزوجي كان مسافرًا خارج البلاد لمدة شهرين ولكنها رفضت فطلبتُ من أبي أن يجيءَ لاصطحابي، وكانَ هذا هوَ الخطأ العظيم الذي فعلناه! يا دكتور إنهُ دائمًا في خاطري ربما حتى أكثرَ مما كنتُ وأنا في عصمته، إنني لا أغلق عينيَّ إلا وأراه، ولا أكادُ أنامُ إلا أحلمُ به، ولا أستطيعُ أن أتخيل حياتي بدونه أنا على يقينٍ من أنني له وأنهُ لي! إنظر يا دكتور، وكان أن فتحت حقيبة يدها لتطلع الطبيب على صور زفافها وصور خطبتها، وقالت لقد وعدني أنهُ سيردني خلال فترة العدة ولم يفعل، وما زلتُ أشعرُ بأنهُ سيفعل لقد قال لي ذلك من خلال زوجة أحد أصحابه فهوَ طبعًا لا يستطيع الاتصال في البيت، وأنا أقسمتُ لأختي ولأمي ألا أعاودَ الاتصالَ به، والحقيقةُ أنني أجاهدُ نفسي وتلحُّ علَّ الرغبةُ في أن أتصل به بشدةٍ وأظلُّ أقاومها حتى أنني أحيانًا أطلب الرقم دونَ أن أرفع سماعة التليفون،وهذا يعطيني بعض الراحة رغم أنهُ لا معنى له!، أنا لا أستطيعُ التفكير في شيءٍ سواه كما أن كلَّ الأحداث تذكرني به فلو حدثَ شيءٌ كانت لي معه ذكرياتٌ وأنا مع زوجي فأنا أغيبُ في التخيلات، ولو حدثَ شيءٌ يحدثُ لأول مرةٍ لي في حياتي أتمنى لو كانَ معي، أنا لا أستطيعُ العيش بدونه ولا أستطيعُ إخبار أهلي بذلك كما تعلم، وأفكرُ جديا في الاتصال به، لا لستُ أفكر أنا على شفا أن أفعلها ولكنني فقط أؤجل ذلك لعله هو يحاول الاتصال بي، فكفاني تفريطًا في كرامتي إن كانت لي كرامة.

من الواضح في هذه الحالة إذن أن هناكَ أفكارًا تفرض نفسها على المريضة وأن هناكَ تخيلاتٍ تفرضُ نفسها عليها وأنها لا تستطيعُ الخلاص من ذلك، لكننا لا ننـسى بالطبع أنها تعاني من العديد من أعراض الاكتئاب الجسيم وربما شيء من القلق المصاحب، وأن هناكَ ظروفًا وملابساتٍ في غاية التعقيد، لكنَّ أهم ما في الموضوع هوَ أن التخيلات والأفكار، رغم كونها مرفوضةً، إلا أنها تمثلُ في رأيها الشيء الوحيد الذي يمنع الموتَ من السريان في جسدها، وهذا ما يجعل هذه الأفكارَ والتخيلات الاقتحامية أعراضَ حبٍّ لا أعراضَ وسواسٍ قهري حسب التعريف الطبي النفسي للوسواس القهري، كما أن هناكَ فعلُ الاتصال التليفوني أو حتى طلب الرقم دونَ رفع السماعة فهذا نوعٌ من الفعل الذي يعطيها بعض الراحة رغم أنهُ لا معنى له! أي أنهُ فعلٌ قهري، فهذه الأعراضُ أعراضُ حب لا جدال فيه ولكنَّ تشابهاً كبيرًا يوجدُ بالفعل ما بينَ سلوكيات العاشقة تلك وبين سلوكيات مرضى الوسواس القهري ولا أظنُّ كونه منطقيا أو غير منطقي سيؤثر على ما تحس به المريضة.

والحقيقةُ أن وضعَ الحب كموضوعٍ من مواضيع الوسواس القهري لا يمكنُ أن يمرَّ هكذا دونَ مناقشةٍ لأن جوهرَ كون الفكرة تسلطيةً هوَ أن ترفضَها جوارحُ الإنسانِ وينطبقُ نفس الكلام على ما تستتبعهُ هذه الفكرةُ من أفعالٍ لكنَّ الذي نراهُ في الحبِّ هوَ حالةٌ مختلفةٌ لأن المحب إنما يستعذبُ التفكيرَ في المحبوب وإنما يستمتعُ بكل فعلٍ يفعلهُ من أجل إظهار أو إثبات حبه لمحبوبه، ولكنني بالرغم من ذلك أرى أن هناكَ حالاتٍ يصلُ فيها ما يعانيه المحب من ألم نفسي ومن ظواهرَ قهريةٍ إلى داخل حدود الوسواس القهري، وتصبح الظواهرُ القهرية بمثابة العوامل المثبتة لحبٍّ ليسَ في مكانه كما يعترفُ المحبُّ أو المريضُ نفسهُ بذلك، وهذا ما يتضح من التاريخ المرضي للحالة التي ذكرتها.

(2)وسواس الجنس:

لابد أولاً من توضيح المقصود بالوساوس الجنسية لأن الكلمةَ في ثقافتنا العربية قد تعني أشياءً غير المقصود بالأفكار التسلطية الجنسية فهناكَ التخيلات الجنسية وهناكَ الأفكارُ التسلطية الجنسية وهناكَ الأفعالُ القهرية الجنسية.

*التخيلات الجنسية: المفروض في التخيلات عموما بغض النظر عن محتواها أنها خبرةٌ بشرية عامةٌ وطبيعيةٌ، وتعتبرُ جزءًا من عملية التفكير أي أن لها وظيفةً معرفيةً مهمة، والمفروضُ فيها أيضًا أنها تقومُ بوظائفَ نفسيةٍ مهمة فالتخيلات قد تشبعُ بعضَ الحاجات النفسية للإنسان وتقوم بنوعٍِ من التعويض لنقص موجودٍ في الواقع، ومادامت هذه التخيلات في حدود تحكم الفرد وتقوم بوظيفتها فإنها تقعُ في النطاق الطبيعي للتفكير البشري، إلا أنها إذا زادت عن الحد الذي يسمحُ للشخص بأداء دوره في الحياة لأنها تشغلهُ مثلاً أو لأنهُ لا يستطيعُ أن يفرقَ بينَ ما هوَ من التخيلات وما هو من الواقع فإنها تصبحُ علامةً على وجود اضطرابٍ نفسي يحتاجُ إلى علاج.

وأما التخيلات الجنسية بالتحديد فلابدَّ أنها ككل أنواع التخيلات أي أنها ليست استثناءً ما دامت في الحدود الطبيعية، بمعنى أن لها وظيفةً معرفيةً كما أن لها وظيفةً نفسيةً لإشباع الحاجات التي لا يسمحُ الواقعُ بإشباعها إلا أنها في مجتمعاتنا العربية لا يمكنُ أن تُـأخَـذَ بهذه البساطة لأن الكثيرين من الناس يعتبرونها حرامًا ويسرفونَ في محاسبة أنفسهم عليها رغم أنهُ: روى عن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم أنه قال:"عُفي عن أمتي ما حدّثت به نفوسها ما لم تتكلم به أو تعمل به" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أبي هريرة رضى الله عنه:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله تعالى يقول للحفظة إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فاكتبوها" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن الكثيرين في مجتمعاتنا أيضًا يرجعون التخيلات الجنسية للشيطان(الوسواس الخناس) أي أنهم يدخلونها من باب الوساوس الشيطانية والتي تستلزمُ الاستعاذةَ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، ونادرًا ما يرجعها أحدٌ إلى وسواس النفس لأنهُ عيبٌ طبعًا أن يعترف المؤمنُ التقيُّ أمامَ نفسه حتى بأن نفسهُ توسوس له بوساوسَ جنسية، رغم أنهُ في حالة عدم زوال هذا النوع من التخيلات بالاستعاذةِ، وهوَ ما ينفي كونها من فعل الوسواس الخناس، فإنها غالبًا ما تكونُ من وسوسة النفس مادامت لا تحملُ في محتواها إلا متعلقاتٍ بالرغبة الجنسية الطبيعية والتي لا تصطدمُ برغبات النفس الطبيعية(كما سيتضحُ عندَ شرح الأفكار التسلطية الجنسية) وإنما بالقيمة الدينية التي تحثُّ المسلمَ على العفة، ولذلك يمكنُ في مجتمعاتنا أن يعرضَ على الطبيب النفسي من يشكو من مثل هذا النوع من التخيلات الجنسية، خاصةً من الشباب غير المتزوجين وهم كثرةٌ !، لأنهُ يرى فيها ما لا يتناسبُ مع إيمانه وتمسكه بدينه أي أنهُ لا يريدها بينما يرحبُ معظمُ الغربيين بهذه التخيلات بل ويعتبرونها من التخيلات الممتعة والمحفزة للأداء الجنسي.

*الأفكار التسلطية الجنسية: ولابد لكي تستوفي فكرةٌ ما شروط الفكرة التسلطية التقليدية في الطب النفسي أن يكونَ رد فعل الشخص لها هوَ الرفض والنفور والضيقُ والقلق، ومعنى ذلك أن هذه النوعيةَ من الأفكار الجنسية إنما تحتوي على ما ينفرُ الشخص إذن فهيَ تحتوي على ما هو شاذٌ أو غير طبيعي كأن ترتبطَ مثلاً بالمحارم أو بالممارسات الجنسية الشاذة حسب تقاليد مجتمعنا أو أن تحتوي على ما ينفرُ المرءَ من الموضوع الجنسي كله، وقد أشارت أكثرُ من دراسةٍ أجريت على العرب إلى نسبةٍ مرتفعةٍ للأفكار التسلطية الجنسية مقارنة بالنسب الغربية، وإن كانت النسب العربية مختلفةً فيما بينها إلى حد ما ففي دراسة الأستاذ الدكتور عكاشه التي نشرت عام 1991كانت النسبةُ 18% بينما كانت النسبةُ 48% في دراسته الأخيرة التي نشرت عام 2001 ، وفي المملكة العربية السعودية كانت الوساوس الجنسيةُ من أقل الوساوس انتشارًا في الدراسة التي نشرت عام 1991، ولم تجرَ دراساتٌ أحدثُ بعد ذلك،

المهم أن ما يمكنُ أن نخلصَ إليه من مقارنة هذه النسب العربية ببعضها غيرُ واضحٍ فقد يكونُ الخجلُ سببًا من أسباب عدم التطرق لموضوع كموضوع الوساوس الجنسية مما يؤدي إلى نسبةٍ أقلَّ من الحقيقة!، كما قد يكونُ الوازعُ الدينيُّ القويُّ سببًا على المستوى الشخصي لرفض شخصٍ ما لتخيلاته الجنسية واعتبارها وساوس يودُّ التخلصَ منها، وهو ما يؤدي إلى نسبةٍ أكبرَ من الحقيقة، ولنفس هذين السببين أقول أيضًا أن مقارنة النسب الموجودةِ عندنا بالنسب الموجودة في الغرب فيما يتعلقُ بهذا الأمر قد تعطي نتائجَ غيرُ الحقيقة، فنحنُ في كل المواضيع التي تتعلقُ بالجنس ما نزالُ بحاجةٍ إلى فهم أنفسنا وفهم الجنس نفسه كموضوع.

المهم أن الأفكار التسلطية الجنسيةَ هيَ أفكارٌ اقتحاميةٌ تسببُ الضيقَ والقرفَ للمريض لأنها تتنافى مع دينه دائمًا إذا كانَ غيرَ محصنٍ وإذا اشتملت على غير حلاله إن كانَ محصنًا ومع دينه وأخلاقه إذا كانت متعلقةً مثلاً بأحد المحارم كالأم أو الأخت أو العمة أو زوجة الأخ إلى آخره وأحيانًا مع توجهه الجنسي فمثلاً يعاني البعضُ من أفكارٍ تسلطيةٍ جنسيةٍ تجاه أفرادٍ من نفس جنسه، وربما دفعتهُ هذه الأفكارُ التسلطيةُ إلى ممارسة أفعالٍ قهريةٍ لكي يقاومَ أو يعادلَ تأثيرها، ولابد هنا بالطبع أن نتذكرَ كل ما تعلمناهُ في هذا الفصل عن طريقة تفكير الكثيرين من مرضى الوسواس القهري ففي وجود الإحساس المتضخم بالمسؤوليةِ وفي وجود الميل لدمج الفكرة بالفعلة واعتبار التخيل دليلاً على إمكانية حدوث الفعل، ويضافُ إلى ذلك رغبةُ المريض في أن يتحكمَ في أفكاره واعتقاده أنهُ يجبُ عليه ذلك، كل هذه الأنواع من المفاهيم المعرفية تجعلُ عذاب هؤلاء المرضى لا حد له.

ولا يشترطُ لاعتبار الأفكار التسلطية جنسيةً أن تحتويَ على محتوًى جنسيٍّ صريح من جانب الشخص، فقد يكونُ الأمرُ متعلقًا بمجرد النظر كما يتضحُ من حالة خالد وكذلك حالة الوسوسة والتطلع إلى العورات(من الحالات التي ذكرتها في الفصل الثالث من الكتاب)، فقد كان كلاهما شابٌ يعاني من فكرة أن عينهُ ستنظرُ رغمًا عنهُ ناحيةَ أعضاء الآخرينَ التناسلية، وهناكَ حالاتٌ تبدو عكس ذلك فقد عالجتُ امرأةً متزوجةً كانت تخافَ من أن تقفَ في مواجهةِ أي رجل! واضطرت للانقطاع عن عملها ولم تكن قد أخبرت أحدًا بسبب ذلك ولم تخبرني بالطبع بسهولةٍ وعندما أخبرتني كان محتوى فكرتها التسلطيةِ مفاجئًا بالنسبةِ لي فقد كانت مدرسةً في أحد مدارس البنين الإعدادية وكانت الفكرةُ التسلطيةُ التي تعذبها كما يلي:" الأولادُ في الفصل ينظرون ناحيةَ بطني أقصدُ أسفلَ بطني(لاحظ التورية) وهم بالطبع ينظرون لي كامرأة لا كمدرسة، وأنا أحسُّ أن نظراتهم تلكَ وإن كانت لا تعنيني الآن إلا أنها يمكنُ مع الوقتِ أن تؤثرَ فيَّ، وأصبحتُ أخافُ أن أضعفَ وأن أستسلمَ للإثارةِ وأغضبَ ربي!، صدقني يا دكتور إن وضعَ المرأة لا يسمحُ لها أن تعمل مدرسةً في مدرسةٍ للبنين في مثل هذا السن، ثم أنني أقفُ في مواجهة الطلبة الجالسين أي تكونُ بطني مباشرةً في وجه عيونهم فكيفَ يكونُ لي أن أمنعَ نظراتهم لبطني؟ لقد كنتُ في البدايةِ أستطيعُ تجاهلَ هذه الفكرة الغبية لكنني مع الوقت وجدتُ نفسي أفكرُ فيها ليلَ نهار، وأصبحتُ متقززةً من نفسي لأنني أجدُ نوعًا من الإثارة في ذلك! أليسَ من الأفضل إذن أن أتركَ هذا العمل؟"

وأذكر واحدة كنتُ أعالجها من اضطراب وسواسٍ قهري كانت معظمُ أعراضه تدورُ حول تكرار الوضوء والشك في خروج ريحٍ من عدمه وبعد أن تحسنت حالتها مع جلسات العلاج السلوكي المعرفي، عرفت منها بالصدفة وبعد ستة أشهر من العلاج أنها لا تنتظمُ في الصلاة طوال فصل الشتاء، وأن سبب عدم انتظامها في الصلاة في فصل الشتاء هو أنها لا تستطيع الاغتسال كل يوم خمس أو ست مرات فلما فتحت عيني من دهشتي بدا عليها الخجل الشديد، ودمعت عيناها وهي تقول أنها لم تكن كذلك أبدا ولكنها بعد موقف لا ذنب لها فيه أصبحت تسقط أحيانا فريسة للتخيلات الجنسية والتي ينتج عنها إفرازات تحتية، فرحت أشرح لها ما يستوجب الغسل شرعا وما يكفي فيه الوضوء، ولكنني وجدتها تقول أنها سألت أحد الشيوخ في المسجد وقد قال لها نعم إذا رأت الماء ودلل لها بحديث للرسول عليه الصلاة و السلام سألته عائشة أم المؤمنين فيه هل على المرأة من غسل إذا احتلمت فأجابها عليه الصلاة والسلام"نعم إذا رأت الماء" "صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم"،ولما كنتُ أعرف أن المرأة ليس لديها ما يقابل قذف السائل المنوي في الرجل لديها، نعم إفرازات من المهبل ومن عنق الرحم ومن غدة بارثولين ولكنها كلها إفرازات ناتجة عن الإثارة الجنسية وتعمل على تهيئة المهبل لعملية الجماع ولكن بكل تأكيد ليس هناك ما يقابل القذف عند الرجال وليس هناك إفراز مصاحب لذروة النشوة كما في الرجل(اللهم إلا ما اكتشفَ حديثًا جدا من قطراتٍ معدودةٍ من الإفراز لا تدري بها لا المرأةُ ولا الرجلُ نادرًا ما تخرجُ من الإحليل أو المبالِ الأنثوي Female Urethra وهيَ عبارةٌ عن إفرازاتٍ من الغدة القرب مَبَاليةParauretheral Gland وتختلطُ هذه الإفرازات بكميةٍ ضئيلةٍ من البول أيضًا وما تزالُ الأبحاثُ في هذا الموضوع ضئيلةً جدًّا لأن معظمَ هذه الإفرازاتُ إن حدثت إنما تدخل إلى المثانة ولا تخرجُ من الفتحة الخارجية للمبال)،

وسألت أساتذة النساء والتوليد بكلية الطب جامعة الأزهر فعرفت كيف أن الأمر استرعى اهتمامهم من قبل وكيف خلصوا إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما قصد شيئا آخر ولم يقصد بماء المرأة ماءً يفرز مصاحبا لذروة النشوة مقابلا لماء الرجل مثلما يصر شيوخنا الفقهاء وأن ما يستوجب الغسل في المرأة هو الوصول إلى ذروة النشوة سواء في الحلم أو في اللقاء الجنسي إن كانت متزوجة أو التقاء الختانين في حد ذاته، وأما ما يحدث لمريضتي تلك فلم يكن غير بعض الإفرازات المهبلية البسيطة والتي تقابل فسيولوجيا عملية الانتصاب في الرجل وربما ما نسميه المزي وهو إفراز لا لون له يحدث في الذكور ويكفي الوضوء للتطهر منه، لست أدري بالطبع كم واحدة في بلادنا تغتسل كلما أحست إحساسا جنسيا صاحبه بعض الإفرازات المهبلية وربما قابلت يوما من تستحم حتى وإن لم تر الماء لأن نظرها ضعيف وهي تريد أن تكون في الجانب الآمن.

المهم أن مريضتي هذه كانت تعالجُ في الأصل من اضطراب الوسواس القهري وكانتْ مسلمةً ملتزمةً وطالبةً متفوقةً في دراستها لكنها كأي بنتٍ مسلمةٍ يتأخرُ سن زواجها للعديد من الأسباب في مجتمعاتنا العربية، يمكنُ أن تحدثَ لها إثارةٌ جنسيةٌ ناتجةٍ عن أي نوعٍ من أنواع التخيلات، ولأنها موسوسةٌ بالطبع فقد كانَ لزامًا عليها أن تسألَ وأن تفرضَ على نفسها قيودًا أكثرَ من اللازم ولذلك تعبتُ في إقناعها بأن ما يحدثُ لها لا يستوجبُ الغسل بل الوضوء وما كدنا نصلُ إلى حلٍّ وسطٍ فيما يتعلق بالاغتسال الغير ضروري حتى خرجنا منه إلى زيادة التخيلات الجنسية التي أصبحت تضايقها وتعذبها لا لشيءٍ إلا لأنها جنسية والمفروضُ ألا تحدثَ لها كمسلمةٍ ملتزمةٍ وهكذا صارت تخيلاتها تلك تؤلمها وتعذبها لأنها ترفضها رغم عدم وجود ما هو غير طبيعي فيها وانتهت مريضتي إلى أنها يجبُ عليها أن تغتسلَ لتتخلصَ من هذه التخيلات ومن تأثيرها عليها وكأنما دخلنا في أفعالٍ قهريةٍ متعلقةٍ بالتخيلات الجنسية.

*الأفعالُ القهرية الجنسية Sexual Compulsions:

وهذه الأفعالُ مختلفةٌ إلى حدٍّ ما عن التخيلات الجنسية وعن الوساوس الجنسية، كما أنها مختلفةٌ عن الأفعال القهرية المعهودة في اضطراب الوسواس القهري، فالذي يحدثُ في الأفعال القهرية الجنسية هوَ أن الشخصَ يحسُّ بأنهُ مجبورٌ على الإتيان بفعلٍ جنسيٍّ معينٍ والذي قد يكونُ في حد ذاته مُـمْتِـعًـا بالمعنى الجنسي للكلمة أو قد يكونُ مجرَّدٍ مخفِّفٍ للضيق والتوتر الذي يعانيه الشخص، وهوَ في الحالةِ الأولى يعتبرُ نوعًا من أنواع اضطرابات التحكم في الاندفاعات أو اضطرابات العادات والنزوات Habit and Impulse Disordersوالتي تدخلُ في اضطرابات نطاق الوسواس القهري فهيَ حالةٌ يكونُ إتيانُ الفعل القهري فيها مُمْتِعًا في حد ذاته في معظم الأحيان، كما أن الأمرَ أيضًا موجودٌ في بعض المرضى الذين تأخذُ التخيلاتُ الجنسيةُ لديهم شكل الشذوذات الجنسية Paraphilic Fantazies، ويقصدُ بها ضروبٌ من التخيلات الجنسية غير السوية على الأقل حسب مفاهيم ومعتقدات الشخص نفسه، ونستطيعُ اعتبار هذه التخيلات غير السوية ذات علاقةٍ إما بالشذوذات الجنسية Paraphilias إلا أنها تكونُ ضعيفةَ وغير مكتملة التكون والثبات في نفسية الشخص بحيثُ لا تصل إلى الحد الذي يجعلُ منها اضطرابًا نفسيا كما سأوضح بعد قليل، أو تكونُ هذه التخيلات متعلقةً بالجنسية المثلية التي يرفضها الشخص السوي لكنها لا تصل إلى مرحلة الوساوس أو الأفكار التسلطية التي تعيق أيضًا عن الأداء.

ولننظرُ إلى هذه الحالة من: حيثُ يقولُ صاحبُ المشكلة. أنا متزوج ولله عندي 3 أبناء والحمد لله، عمري 34 سنة، مستمتع تماما جنسيا مع زوجتي وان كانت اللقاءات قد قلت بعد انجاب الأولاد، أقوم حاليا بدراسة الدكتوراه. مشكلتي غريبة جدا لم أسمع بها من قبل وأخجل من التحدث بها أمام أي مخلوق .. وهي انني أثار جنسيا جدا عندما اسمع أو اشاهد امرأة قوية بدنيا أو تستطيع أن تتغلب على الرجل في أي لعبة بدنية، مثلا بمجرد سماعي بأن أول مباراة ملاكمة مختلطة فازت بها امرأة شعرت بنزول المذي مني وظلت الفكرة تراودني طوال اليوم!!! ، ويومها بحثت كثيرا في الأنترنت(مع العلم انني ملتزم الى حد كبير ولا أتصفح هذه المواقع الا في حالات ضعف تعد على أصابع اليد) على المصارعة والملاكمة المختلطة وكمال الأجسام للسيدات ... وتكون قمة اثارتي عندما أجد تفوق المرأة بدنيا على الرجل وخاصة في المصارعة.

وقد وجدت في أحد المواقع لمصارعة انثي، تتباهي بأنها تهزم الرجال الأقوى والأكثر حجما منها، بأنها تحدث متصفح الموقع على أنه رجل وعنده فضول لمعرفة الجنس المقابل الأقوى منه ولا يستطيع أن يبوح بذلكّ!!! وكأنها قرأت أفكارى، فهل هذا الشعور موجود عند الرجال ومعروف لدى النساء؟

هذه المشكلة بدأت معي منذ أيام المراهقة الأولي حيث كنت أتوهم مباراة في كرة المضرب مثلا بينى وأي فتاة واحاول ان انهزم امامها لتبدأ غريزتي في الاثارة التي كنت افرغها بالعادة السرية والتي ولله الحمد تخلصت منها قبل الجامعة تقريبا. وكنت اتخيل أنني أجلس في حجر امرأة وتقوم بهدهدتي ورفعي بيديها ومداعبة عضوي الذكري !!! هل أنا مريض نفسيا؟ هل أشعر بذلك لأنني لست قويا جسمانيا بالدرجة الكافية؟ وما الحل للتخلص من هذه الأوهام التي لا تزال تداهمني حتي بعد الزواج؟

أما بالنسبة لحالتك أنتَ فإن التخيل الجنسي الذي يثيركَ فيه نوعٌ من أنواع التخيلات الشاذة عن الشكل المعتاد للتخيلات الجنسية الذكرية، ففيها تخيلٌ لامرأةٍ قويةٍ تتغلبَ على الرجال، ومن الواضح أن هذا التخيل الجنسيَّ قديمٌ معك ويحمل أبعادًا مازوكية Masochism(لأنها تحوي وتوحي بنوعٍ من أنواع تخيل الضعف أو الذل أمام المرأةِ كمثيرٍ للشهوة الجنسية عند الرجل) فقد قلت في وصف مشكلتك:( وهي انني أثار جنسيا جدا عندما اسمع أو اشاهد امرأة قوية بدنيا أو تستطيع أن تتغلب على الرجل في أي لعبة بدنية) أو تحمل أبعادًا مما يسمونهُ حديثًا بالطفالة Infantilism فقد قلت أيضا في وصف بدايات مشكلتك أثناء المراهقة(وكنت اتخيل أنني أجلس في حجر امرأة وتقوم بهدهدتي ورفعي بيديها ومداعبة عضوي الذكري!!!) وسواءً كانت المازوكية أو الطفالة فكلاهما نوعٌ من أنواع الشذوذات الجنسية Paraphilias، وصحيحٌ أن هذا ما توحي به تخيلاتك أو ما تحتويه في خلفيتها إلا أنك بعيدٌ عن المرض النفسي! فكل ما لديك هو تخيلاتٌ جنسيةٌ غير سوية تستثارُ أحيانًا عند سماعك عن امرأةٍ تتفوقُ على الرجال، ليس أكثر!

وليست المازوكية والطفالةُ هيَ كل أنواع الشذوذات الجنسية فهناكَ على سبيل المثال لا الحصر لأنها لا تحصر، هناك الفيتشية Fetishism( وهي الاعتماد على شيءٍ غير حي واعتباره منبها للإثارة الجنسية والإشباع الجنسي، وكثيرٌ من الأشياء الفيتشية هي من الملابس أو الأحذية بحيثُ يكونُ وجود هذا الشيء ضروريا لحدوث الإثارة أو الإرجاز) وهناكَ البصبصةُ Voyeurism، وهيَ أن يستحيل الوصولَ إلى الإشباع الجنسي إلا من خلال التلصص على شخص أو أشخاص يمارسونَ الفعل الجنسي أو أيا من الأفعال الخصوصية كتغيير الملابس أو الاستحمام، وهناكَ أيضًا الاحتكاكية Frotteurism كما وردت ترجمتها في تصنيف منظمة الصحة العالمية أو التزنيق كما أرى أنا ترجمتها، وهيَ أن يستحيل الوصولَ إلى الإشباع الجنسي إلا من خلال الاحتكاك بالضحية في مكان ضيق أو مكانٍ عام كالأوتوبيس أو المترو(ولابد من تفريق ذلك أيضًا عن ما يفعلهُ الشاب الذي يعاني من الحرمان أحيانًا كسلوكٍ طائش أو قليل الحياء حيثُ يضايقُ الضحية في مثل هذه الأماكن لكن هذا لا يعتبر شرطًا بالنسبة له للوصول إلى الإثارة)، وهناك أيضًا الاستعراء Exhibitionism وهوَ عرضُ الأعضاء التناسلية أمام ضحية غير متوقعة لمثل هذا الفعل وهناكَ أيضًا ما هو أغربُ وأعجبُ من ذلك مثل استخدام الخنق أو نقص الأوكسجين كمصاحبٍ للإثارة الجنسية، وهناكَ من لا يستطيعُ ممارسة الجنس إلا مع الموتى Necrophilia، والكثيرُ مما تقشعرُ له الأبدان، لكن الذي يجعلُ الأمر اضطرابًا نفسيا هوَ أن يحلَّ ذلك الفعل محل الفعل الجنسي الطبيعي أو أن يستحيل الفعل الجنسي بدونه!

أما ما يمكنُ من الأفعال الجنسية القهرية أن يعتبرَ عرضًا من أعراض اضطراب الوسواس القهري فهوَ ما ينطبقُ عليه وصفُ الحالة الثانية التي يكونُ فيها الإتيانُ بالفعل مخفِّفًا للضيق والتوتر الناتج عن إلحاح فكرةٍ تسلطيةٍ يرفضها الشخص أصلاً كما يظهرُ من الحالة السابقة التي لجأ فيها المريضُ لممارسة العادة السرية ولمشاهدة صور النساء العارية لكي يثبتَ لنفسه أنهُ لا يعاني من الجنسية المثلية، أو كما يحدثُ في بعض الحالات التي يعاني فيها المريضُ من فكرةٍ تسلطيةٍ مثلَ أن أعضاءَكَ الجنسيةَ ستضمرُ أو يعتريها التلفُ ما لم تستجب للانتصاب! (والاستجابةُ المقصودةُ هنا بالطبع تكونُ بممارسة الاستمناء أو غيره من الأفعال الجنسية)، ومن الواضح بالطبع في مثل هذه الحالات أن الطبيبَ النفسيَّ يجدُ أفكارًا تسلطيةً جنسيةً إضافةً إلى الفعل القهري الجنسي، كما أنهُ كثيرًا ما يجدُ أفكارًا تسلطيةً وربما أفعالاً قهريةً أخرى بحيثُ يكونُ من الواضح أن هناك اضطرابُ وسواس قهري لا تقتصرُ أعراضهُ على المحتوى الجنسي.

والحقيقةُ أن التفريقَ ليسَ بهذه البساطة التي عرضتهُ بها لتوِّي لأنهُ في العديد من الحالات يكونُ الفعلُ الجنسي القهري مُـمْتِعًا فقط في بداية الاضطراب النفسي لكنهُ يتحولُ بعد ذلك إلى ما يشبهُ اضطرابات الإدمان بمعنى أن الشخصَ يتحولُ من مجرد فعل الفعل القهري الجنسي للحصول على المتعة أو تعظيمها إلى فعله لأنهُ لم يعد يستطيعُ الاستغناءَ عنهُ فهوَ كالمدمن يعرفُ أنهُ يضرُّ نفسهُ ويخالفُ دينهُ وقيمهُ لكنهُ لا يستطيعُ منعَ نفسه من ممارسة الفعل الجنسي القهري لأنهُ يعاني الكثيرَ من القلق والتوتر والضيق إن لم يفعلهُ أي أننا نجدُ الاضطراب في بدايته مشابها لاضطرابات العادات والنزوات حيثُ يكونُ الهدفُ هو الحصول على اللذةِ أو تعظيمها ثم في نهاية الأمر مشابها لاضطرابات الإدمان حيثُ يكونُ الهدفُ هوَ تجنبُ الإحساس الأليمَ بالضيق عند الكف عن تكرار الفعل، وإن كان بقاءُ الفعل ممتعًا حتى في هذه الحالة الأخيرة أمرٌ يجعلُ تصنيفَ أمثال هؤلاء المرضى من الصعوبة بمكان.

عدد القراءات : 61887
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات
بلال
السلام عليكم أخي في الله إنني أشكو من حالة نفسيةخاصةعندماأتهيأ للصلاةأوقراءة القران أوالإستحمام لأجل الصلاة فتأتيني تخيلات مثل المرحاض والوسخ حيث أتخيل أنني ما أقوم به وتلك التخيلات ممتزجة ببعضهاالبعض
علا عبد الوهاب
منذ 5شهور وأنا عندى وسواس الزنا وكلما أحاول التخلص منه أحس بالقلق والاختناق الشديد وبدأت أشعر بالاستسلام للتخلص من القلق