أول حوار مع بنات توفيق باشا أندراوس
حقا هو حلم لأى مصرى أن يدخل هذا القصر المهيب المطل على نهر النيل بالأقصر مباشرة ليرى التحف الآثرية الموجودة بداخله والتى يسمع عنها من آبائه وآجداده ولكن حلمى أنا كان مختلف بعض الشيى وهو أن أقوم بحوارا صحفيا مع سكان هذا القصر الذين يخرجون منه بالكاد فالقصر نوافذه وأبوابه مغلقه معظم الوقت وساكنيه من النادر رؤيتهم وقد جاءت الفرصة فأصطحبت كاميرتى وأوراقى وذهبت لكشف هذا الغموض وبمجرد دخولى القصر أنبهرت بالآثاث فهو قديم جدا ولكنه متين
ظلت حالة الأنبهار تلازمنى وأنا أرى الرسومات الموجودة على سقف المنزل وكلمة ( أهلا وسهلا بالجالسين هنا ) المنقوشه على قطعة من الآثاث وكلمة ( شرفتمونا يا سادتى ) فلم أمتلك نفسى وآستاذنت من آنسات القصر أن ألتقط صوره أو صورتين لمحتوياته فوجدتنى وبدون أن أشعر ألتقط عشرات الصور فكل شيىء فى القصر جذاب ومبهر فلم أشعر بنفسى ألا وإحدى آنسات القصر تخبرنى هل سوف تستغرق الوقت المحدد لنا معك فى التصوير فقط فأعتذرت لها وأخبرتها بان المكان رائع جدا وجلست على ما يشبه الأنترية بصاله القصر فأخبرتنى الآنسه جميلة البنت الكبرى لتوفيق أندراوس باشا بأن قطعة الأنترية التى أجلس عليها قد جلس عليها زعيم الأمة سعد باشا زغلول فظللت جالسا طيلة الوقت آتأمل كيف كان الزعيم جالسا وكيف أنا الآن جالسا ثم بدأت معهم حوارحيث أكدت الآنسه جميلة أنها البنت الكبرى لتوفيق باشا أندراوس ولديها ثلاثة شقيقات آخريات أحداهما توفت أما الآخ الوحيد جميل أندراوس قد توفى أيضا و الموجودات حاليا بالقصر أختها الوسطى الآنسه صوفى والصغرى الآنسه لودى
أخبرت الآنسه جميله أنه من المفروض أن يتم أزالة هذا القصر لأنه موجود داخل معبد الأقصر فوجدتها ترد على قائلة بأن أرض معبد الأقصر نفسه ملكنا أما الآنسة لودى كان ردها أكثر قوة حينما سمعت كلمة الآزالة مؤكده بأنه لا يستطيع أحد مهما كان أن يقترب من منزل والدى نهائيا فقد حاول اللواء سلمى سليم رئيس المجلس الأعلى الأسبق لمدينة الأقصر أن يزيل سلالم القصر فوقفنا أمامه وكنا نجلس يوميا على هذه السلالم لحمايتها الى أن تراجع عن موقفه مؤكده بأنهم يحافظون على قصر والدهم لأنه يحتوى على مقتنيات آثرية ضخمة بجانب أنه تراث أنسانى فى حد ذاته يجب المحافظة عليها فقد استقبل هذا القصر سعد باشا زغلول والزعيم مصطفى النحاس باشا وكان الناس يسمونه بيت الأمة فى الاقصر وعن سبب أغلأق نوافذ القصر بصفة مستمرة لدرجة أن الجميع يعتقد أن القصر لا يوجد به أحد فأخبرتنا الآنسه جميلة أن السبب فى ذلك بعض المتطفلين الذين يحرموننا من الجلوس وفتح شبابيك القصر للأستمتاع بهواء النيل العليل
أما عن توفيق باشا اندراوس فأكدت كتب التاريخ بأنه و احد من اخلص رجالات الحركة الوطنية ونائب الاقصر لثلاث دورات ولم تنتخب الاقصر نائبا غيره حتى وافته المنية وهو يعد للمؤتمر الوطنى فى السادس من يناير 1935
هذا المسيحى الثائر الذى انتخبته الأغلبية المسلمة نائبا لها فى البرلمان ثلاث دورات ولو عاش ما انتخبوا غيره
لم يكن فى حاجة للمال فوالده اندراوس باشا بشارة من أثرى أثرياء مصر
لكن هذا الثراء لم يكسب أسرته أنانية وتكبرا بل سخاءا وعطاءا وخيرية
فقام والده بوقف مائة فدان لخدمة مساجد وكنائس الاقصر مناصفة وأوقف عشرة أفدنة لخدمة المدرسة الصناعية لأنه كان يؤمن ان الصناعة والحرف تشكل المستقبل لشباب الاقصر
ثم قام ببناء مدرسة الأقباط التى مازالت قائمة وبنى مسجد المقشقش ومسجد المدامود وجمعية الشبان المسلمين والعديد من المشروعات الخيرية
تصدر توفيق اندراوس صفوف الثورة ووهب لها عمره
حاول القصر الملكى ان يثنيه وعرض عليه احمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى وكان زميل له فى جامعة أكسفورد رغبة الملك فؤاد فى تعيينه سفير فى لندن على ان يترك سعد فكان رده الرفض بشدة
وعندما نفت السلطات سعد ورفاقه علم ان أم المصريين صفية هانم زغلول تشكو من نضوب خزينة الوفد فما كان من توفيق اندراوس إلا ان باع سبعمائة فدان ووضع ثمنها تحت تصرف ام المصريين للصرف على الحركة الوطنية
وفى رحلة سعد زغلول النيلية الى الصعيد استقبله توفيق اندراوس على راس اهالى الاقصر وماحولها رغم كل محاولات بدر الدين بك مدير الامن العام أيامها وكان فى عنفوان قوته وجبروته ولم يهاب توفيق اندراوس قوات بدر الدين وأسلحته التى حاولت الحيلولة دون رسو باخرة سعد باشا فى الاقصر بحجة دواعى الامن فتصدى لهم توفيق باشا اندراوس واستقبل سعد بمنزله وكان اجتماعا تاريخيا مشهودا للوطنية فى الصعيد فى سنة1921 ودوت الجماهير بهتافها المدوى يحيا سعد وهتف سعد زغلول بل يحيا توفيق اندراوس
ويذكر التاريخ انه نتيجة لطلباته دخلت المياه النقية والنور الى الاقصر قبل محافظة الجيزه وكان له العديد من الموافق البرلمانية الوطنية المشهودة
ومات توفيق اندراوس فى ريعان شبابه ووافقت وفاته مناسبة لاتتكرر اجتماع عيد الفطر المبارك وعيد الميلاد المجيد فى يوم واحد فخيم على الاقصر الحزن العميق وخرجت جماهير الاقصر وقوص وارمنت فى موكبه الحزين وشهدت جنازته العديد من الشخصيات منهم مكرم عبيد باشا سكرتير الوفد وتوفيق دوس وزير المواصلات ونقيب الأشراف محمد ابو الحجاج الحجاجى والعلم الجليل الحسين الحجاجى
فيحيا توفيق اندراوس كما قال سعد زغلول فارسا وطنيا فى مدرسة السماحة المصرية