احدث الاخبار

كوت عبادي - قصة قصيرة

كوت عبادي - قصة قصيرة
اخبار السعيدة - كتب - رستم عبد الله         التاريخ : 01-04-2015

 عبادي موظف يعمل بوظيفة محترمة محاسباً في بنك كبير, يتطلب عمله هندام جميل ومظهراً حسناً وتعاملاً لطيفاً, وهو إنسان راقي ذو ذوق رفيع ,يحسن انتقاء ملابسه والكل يشيد بحسن انتقائه وشياكته اللافته للنظر, ورغم تخطيه سن الخامسة والثلاثين من عمره إلا إنه مازال عزباً, ولم يتزوج بعد ولا يوجد لديه أي التزمات أسرية وكل راتبه يصرفه على مظهره ولنفسه, حيث هو من أسرة ثرية وحتى عمله لإزجاء الوقت وحبه لمهنة المحاسبة التي يعشقها, ناهيك عن انه شخص عصامي ومجتهد يريد أن يشق طريقه بعيداً عن ثروة أبيه وعقاراته العديدة ومحلاته التجارية الشهيرة ,علاوة على كل ماذكر فعبادي شخص حلو المعشر محبوب جداً من كافة زملائه وزميلاته اللاتي هن الأخريات يقاربنه بالسن ودهمهن قطار العنوسة, وكم حاولن التزلف له ولفت نظره والظفر به, لكن تنصدم محاولاتهن المستميته التي لم تجد لها صداً في قلبه ببروده وعزوفه عن الزواج ولا مبالاته بالمرأة, علاوة على كل ماسبق فعبادي رجل وان كان يحب المظهر والتأنق فهو شخص محافظ وذو خلق متدين متواضع هادئ وكان كل شباب الحارة التي يقطنها ومعظمهم من ميسوري الحال وبالذات الشباب الذين يدرسون في الجامعة كثيرا ما يلجئون إليه لاستعارة ملابسه, لاسيما الاكوات والمعاطف والقمصان الملونة الزاهية المكوية والجديدة وأحذيته اللامعة ذات الماركات العالمية, التي تضفي على من يلبسها هيبة ووقار واحترام يفرض نفسه بقوة المظهر, وذات يوما أشتري من إحدي محلات الملابس الفاخرة والباهضة الثمن التي يقصدها علية القوم في قلب العاصمة صنعاء كوتاً آية في الجمال يشي بجودته وخياطته المتقنة , وحضر به احد أعراس الحارة وفي الديوان بدات الأفواه تمضغ سيرته وتلوكها مع القات واشرئبت الاعناق إلى كوت عبادي ,كان هناك من يفوقه ثراء ويلبس كوتاً أغلى من كوته, لكن كان يفتقر لحس وذوق عبادي الفني وتذوقه الجمالي, لم يستطع الشباب المشدوه الصمت كثيراً, أمام بهرج وحضور كوت عبادي القوي وبدأت كلمات المديح وعبارات الثناء والإعجاب تنهال على كوت عبادي والسؤال عن ثمنه!

ومن أين اشتره؟

بدأ خدر القات اللذيذ ونشوته يستعر في الوجنات المتكورة ,والخيال يسرح بهم وكلاً يتخيل نفسه محشوراً في كوت عبادي ,تفرق الناس بعد المقيل أيدي سبأ ولكن لم تفارق خيالهم صورة كوت عبادي الاخآذ, لم يمهلوه أسبوع ينعم بكوته الجديد حتى بدأ أول الوافدين يطلب استعارته لأن لديه محاضرة وشرح تطبيق عملي في الجامعة امام الطلاب ويريد أن يستعيره ويرده بعد إنتهاء المحاضرة, ماكاد يعيده نهاية اليوم حتى كان شاباً آخر والذي قد علم باستعارة الكوت خائفاً يترقب أمام منزل عبادي من أن يسبقه آخر للاستعارة وقد عسكر منذ الصباح الباكر , وأعاده عصر اليوم التالي ولم يكاد الكوت المتعرق يستقر بيد عبادي حتى كانت عبارات معسولة وأعذار تشق طريقها إلى قلب عبادي من مستعير آخر يريد أن يرتديه لحضور حفل عقد أخيه, وعندما أعاده صبيحة اليوم التالي كان هناك حشد من الشباب أمام منزل عبادي كلاً يمني نفسه إستعارة الكوت ولديه سبب وجيه لإستعارته الأمر الذي حدى بعبادي إلى عمل جدول ينظم مواعيد إستعارة وإعادة كلاً منهم للكوت, مر شهرين والكوت يتنقل من جسد إلى آخر دون أن يخلد للراحة و يجد طريقا ليستريح بالدولاب اوبالشماعة اوحتي يرمي في أي زاوية بالمنزل أو ينقع جسده المنهك في طست غسيل, الكل ظل يلف ويدور به من صالة عرس إلى قاعة محاضرات ومن قاعة اجتماعات الي ساحة احتفالات ومن إستديو تصوير إلي حدائق ومتنزهات ’قلة فقط من لبسوه لبضع دقائق لأخذ صور سلفي تذكارية معه لأجل عملها بروفايل لصفحاتهم بالفيسبوك والوتساب , لم يكلف أحدهم نفسه أن يأخذه للمغسلة أو حتى يكويه, ساءت حالة كوت عبادي كثيراً وتدهورت وبدأت تظهر عليه علامات البلي والترهل والتشقق واقطاع كثيرة وتمزق بأكثر من موضع, خصوصاً مع ارتداء بعض ضخام الجثة له بالعافية وحشر أجسادهم بالقوة فيه, حيث لم يكن من مقاسهم لكن الرغبة في الزهو والتيه و التباهي بالكوت الزاهي الجميل, عمت بصيرتهم عن النتائج الكارثية والوخيمة, بعد مايزيد على نصف عام تقريباً والحنين قد استبد بعبادي وفتت كبده شوقاً لكوته المغترب على كواهل شباب الحارة, عاد كوت عبادي من الرحلة المكوكية الشاقة والطويلة ,كان هناك شاباً بوجهاً كسيف يطرق منزل عبادي ويسلمه على إستحياء أسمال بالية ممزقة تكاد تنتصب من تلقاء نفسها من الأدران العالقة بها و تفوح منها رائحة عرق مختلط كريه كانت في يوم من الأيام حلة زاهية قشيبة تخطف الأبصار وتأسر الألباب وتتلهف النفس للبسها.

عدد القراءات : 10360
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات