احدث الاخبار

خادمات البيوت القسوة والحرمان .. بناتنا فلذات أكبادنا لو كان الفقر رمزا لقتلته

خادمات البيوت القسوة والحرمان .. بناتنا فلذات أكبادنا لو كان الفقر رمزا لقتلته
اخبار السعيدة - بقلم - أ. د. محمد سعد عبد اللطيف         التاريخ : 14-06-2010

قضية كبرى وخطيرة في حجم خادمات البيوت لم تعد تحتمل الصمت الذي وصل حد التواطؤ، تفرعاتها تدمي القلوب، فتيات قاصرات يتفتحن حول العالم يكون مصيرهن الانفصال والانفصام عن حضن الأسرة ويلقى بهن في مصير مجهول ينتهي في كثير من الأحيان، بالاغتصاب والتعذيب والاهانة .

من المفروض أن يحتمل كل أب أن الأمر يتعلق بفلذة كبده التي كان يمكن أن يلقي بها القدر في هذا المآل، ويتصرف في ضوء ذلك؛ هذا لا يحدث في أحايين كثيرة لتتعمق الجراح في دواخل المجتمع .

إنها ظاهرة لم تجد ما يكفي من الاهتمام من أطراف أوساط البحوث في مصر خصوصا الجامعات، لذلك ظلت تفاصيلها غامضة وقراءاتها مستعصية، فالأسرة تحت ضغط العامل المادي أو خضوعها لسلطة الجهل والأمية تلقي بطفلتها اليافعة في مصير قد تعتقد أنه سيكون أفضل، ولكن لا يحدث ما يكون في الحسبان .

ثم هناك مافيا تجارة الخادمات الذين يحققون أرباحا على حساب طفولة مغتصبة، يلقى بها في متاهات وعذابات الحرمان والقسوة .

لم يكن سهلا الولوج إلى عالم الخادمات. بالنسبة لي على الأقل، عالم الخادمات مرتبط بمظاهر الفقر والعوز التي تعيش فيها أسر عديدة في مجتمع ظاهره التكافل والتماسك وباطنه التفاوت في كل شيء والاستغلال الذي يمارسه البعض في حق البعض الآخر.

الاستعانة بخادمة في البيت ليس أمرا ممنوعا، ولا مكروها حتى، عندما يتعلق ب»توظيف« امرأة راشدة تعرف الحقوق والواجبات، ولا تعوزها الجرأة والشجاعة لتقول لا عندما يتطلب الأمر ذلك، مع ما في ذلك من صعوبة، ومع ما يخالط هذه الجرأة والشجاعة من خوف، لأن لقمة العيش أصبحت صعبة جدا، وأحيانا يأكلها البعض مُرَّة!

نعم، تشغيل خادمة ليس مشكلة في حد ذاتها، لكن عندما يجد المجتمع نفسه أمام عدد هائل من الخادمات أعمارهن تقتضي أن يكنَّ في الحضن الدافئ وفي فصل للتحصيل والتعلم، فهذا مؤشر بالغ السوء على المستوى المتردي الذي يوجد فيه سلم القيم، خاصة عندما يكون المشغل أو المشغلة متعلمين وعلى مستوى من الوعي مرتفع نسبيا، وهما في الغالب كذلك، مادام أن الذين يحتاجون إلى من يساعدهم في عمل البيت موظفون وأساتذة ورجال وسيدات أعمال.

وعندما يقرر واحد من هؤلاء نتيجة الإكراهات التي تفرضها الحياة العملية للزوجين، اقتلاع طفلة من أحضان أسرتها وتجريدها من طفولتها، وتسخيرها لخدمته يكون قد قتل في ذاته جزءا من إنسانيته، خاصة أن الأسرة التي تنتهي إلى »الرضا« بتسليمه طفلتها لا يجد أمامها خيارا آخر، فهي في الغالب أسرة قروية وفي منطقة نائية، أو هي أسرة قروية لكنها تقيم في أحد أحزمة البؤس حول المدن، ساقتها ظروف عدة للنزوح بحثا عن لقمة عيش.

إن الحديث عن الخادمات الصغيرة لا يشبه بأي شكل واقعهن الذي يعشنه أو عشنه، وهو يخرج مباشرة من أفواههن حكايات شديدة المرارة ومليئة بالأسى. وقد كان من الصعب طرق البيوت والسؤال عما إذا كان في هذا البيت أو ذاك طفلة صغيرة تشتغل أو بالأحرى تُسْتَغَلُّ كخادمة، أثارتى لهذا الموضوع يصادف ردود فعل مختلفة تتراوح بين التجاوب والرفض والاحتجاج، بدعوى أن الأمر لا يهم أحدا، وهذا في ظل غياب قانون واضح يقنن عمل الخادمات ليعزز القوانين المجرمة لتشغيلا الأطفال بشكل عام.

وقد وجدت أن الطفلات اللواتي اشتغلن خادمات في السابق يعانين في الغالب عقدا نفسية نتيجة الظروف المأساوية التي مررن بها، بدءا من الحرمان من الأسرة مرورا بالأشغال الشاقة والضرب والنهر لأتفه الأسباب، وانتهاء بشعور بعضهن بالرغبة في الدراسة مثل باقي الأطفال، لكنهن لا يملكن إلى ذلك سبيلا.

لكن ما يمكن تسجيله و يجدر التنبيه إلى أن أغلب الخادمات الصغيرات، إضافة إلى الانتماء القروي، إما عشن داخل أسرة مفككة أو أسرة الأم فيها نفسها خادمة في البيوت، وبعضهن من أمهات عازبات.

إن الواقع المزري الذي تعيشه 440000 طفلة خادمة حيث المعاملة السيئة والتعذيب، من طرف نساء ورجال لديهم هم أيضا أطفال، يفرض معالجة حقيقية وسريعة، إذا كانت مصر فعلا من أول المصادقين على المواثيق الدولية المتعلقة بحماية حقوق الطفل، وذلك بمتابعة القضية بدقة، مادمت خفية ولا تطفو إلى السطح إلا لماما، على عكس مظاهر تشغيل الأطفال الأخرى.

كما أن هذه المعالجة يجب أن تكون جزءا من معالجة شاملة، يكون هدفها القضاء، وفي أحسن الأحوال التقليص من حجم التهميش والإقصاء اللذين يمسان شرائح كبيرة من المجتمع ، شرائح ينهشها الفقر، وتنهش البطالة و»قلة الشغل« الذي يمس الآباء والأبناء، فيضطرون بالرغم منهم البحث عن دخل، مهما كان ضعيفا ومهينا، من خلال الدفع بالبنات الصغيرات إلى بيوت الميسورين، وتكون البنت »هي وزهرها«، مع »أسيادها«، مع أن زهرها يكون قد ذبل بمجرد شروعها أو تسلمها لمهامها، التي تتنافى وسنها وهشاشتها وبراءة ابتسامتها.

من هنا فإن محاربة الفقر وتوفير شغل للكبار يشكلان الواجهة الأساسية لمحاربة عمل الطفلات الصغيرات في البيوت، ذلك أن أغلب الظواهر الاجتماعية السيئة والخطيرة التي يعرفها المجتمع، سواء كانت جريمة أو انحرافا أو دعارة، يكون دافعها في الغالب الفقر الذي يولد رغبة في الانتقام ويورث عقدا نفسية لدى الذين تعرضوا بسبب فقرهم للاستغلال، أيا كان نوع الاستغلال. أما الواجهة الأخرى الأساسية هي أيضا، فهي إعادة التوازن للأسرة، والوقوف في وجه تفككها، وقد صار من المكرور القول إن الأطفال هم ضحايا الطلاق، لكن لا عدد حالات الطلاق انخفضت بشكل ملموس، ولا الأطفال كفوا عن وأن يكونوا ضحايا،.

بيد أنه من المفيد جدا أيضا الإشارة إلى أن العامل الاقتصادي يلعب دوره الهام في المشاكل التي تعتري الحياة الزوجية، وبالتالي فإننا نعود مرغمين إلى قضية الفقر ووجوب معالجتها...

عدد القراءات : 10387
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات