في فضاء الوطن على جناحي الثورة والوحدة وحدويات من حضرموت .. موشومة شعراً في ورقة عمل قدمت في أمسية لمركز منارات احتفالا بالعيد الـ20 للجمهورية اليمنية
في البدء.. أحييكم/ أهنئكم/ أشدُ على أياديكم/ أغاني القلب أهديكم, طيَّب الله أوقاتكم, وعطر فضاء احتفاليتكم هذه بعبير مذياع مضواع من ألف الكلمة الشاعرة, وشاعرية صباحات أعياد الوطن, وإشراق شموس التحولات التنموية الديمقراطية في ربوعه, بعزيمة وإصرار إنسانه على اجتياز الصعب, وصنع المستحيل.
ومن لزوم ما يلزم الاعتراف به -بدايةً- أن الإحاطة والتقصي لكل ما جادت به قرائح الشعراء الشعبيين اليمنيين من نتاج كانت وجهته الثورة والوحدة والديمقراطية في صيرورتها من أفكار وأحلام ومشاريع إلى واقع ملموس وحقائق ملموسة بادية للعيان، ينضاف مستحيلاً رابعاً لثلاثي المستحيلات (الغول، والعنقاء، والخل الوفي)، فما بالنا إذا ما مضينا إلى حد أبعد بإخضاع ما ينصهر من أشعار شعبية في بوتقة الثورة والوحدة والديمقراطية، للنقد والتحليل واستجلاء ملامحه وأبعاده الفنية والمضمونية، وفي مساحة زمنية لا تزيد عن دقائقٍ عشر!! لذا استميحكم عذراً إذا ألفيتموني قد اقتصرت الشواهد في هذه الورقة المتواضعة على محافظة واحدة بعينها (حضرموت) وإن كانت الضرورة قد اقتضتني في بعض السياقات لأن أسوق شواهد من محافظات يمنية أخرى، ويحدوني الأمل والرجاء بأن تكون هذه الورقة قد حملت لكم في طياتها جديداً يثري الوجدانات، ويُفتح البصائر قبل الأبصار على شذرات مُنتقاة من ديوان الشعر الشعبي اليمني باعتباره الفن الأكثر حميمية والتصاقاً وقدرة على التعبير عن الوجدان الجمعي العام، كما يعد ملمحاً رئيساً وهاماً وفاعلاً من ملامح هويتنا الثقافية الوطنية.
وفي كل الأحوال فأن من يستنطق الصفحات في سِفر مراحل تاريخ نضالات الشعب اليمني يشهد بروز رتل من الشعراء الشهداء الذين اثروا حياتنا الثقافية والنضالية وكانوا حداة الركب فداءً وتضحية، ولا غرو فالشاعر اليمني يجمع بين سلاحي القول والفعل، بين العمل على تغيير الحاضر وتصور ملامح المستقبل، وهو أول من يطلق الكلمة، وأول من يطلق الرصاصة، و..
والكلمة اللي ما تبقى رصاصه
ملعونه وخاينه
والقلم الكذاب
شوكه في جبين الحق
"وتظل قيمة كل شاعر في اختلافه عن سابقيه , وعن مجايليه في رؤية الأشياء وفي تصور المشهودات, وفي النفوذ إلى جواهر الكائنات ,وفي اختلاف المعجم اللغوي"
مفتتح
الجو صافيْ..والمداره قالْ (بو سالمْ) محكْ
والشِعرْ حُرْ..ومدارة الشُعارْ ما عليها قفولْ "باحريز"
ما من شك أن "للثقافة الشعبية خصوصية من حيث تعبيرها عن الهوية في أزمنة التبدلات، فهي في الصميم من النسيج البنائي للشخصية فردية كانت أم جمعية، ولعل الشعر الشعبي بما هو مَجلَى من مجالي تلك الثقافة وتلك الخصوصية يترافد مع غيره من فنون التعبير الأخرى بقدرته على تشخيص الملامح المشكِّلة لثقافة المجتمع" والتعبير عن انتصاراته وانكساراته، أفراحه وأحزانه، آماله وتطلعاته، وبالتالي فهو من المجتمع وإليه وهنا يصح قول من قال بأن الشعوب بفطرتها شاعرة وعاشقة شعر وراوية له، وربما كان أستاذنا المؤرخ والأديب الشاعر محمد عبدالقادر بامطرف (1915م-1988م) منطلقاً من هذا القول حين ذهب في دراسة تحليلية له للتعريف بصناعة الشعر الشعبي وأغراضه، فعرّفه في إيجاز شديد بأنه "البساطة الفنية المشرقة التي تخاطب عقول الأفراد والمجاميع بتصوراتها للحاضر والمستقبل في لهجة عادية مألوفة" .
غير أن أستاذنا البامطرف يعود في موضع آخر من بحثه الشيق (التراث وصناعة الشعر) فيرى أنه "قد أطلق اليمنيون على هذا النوع من الشعر اليمني شعر اللهجة الدارجة لفظة الحميني، وهي كلمة يمنية أصيلة يعبر عما يسمى حديثاً بالشعر الشعبي"
ولعل هذا ما ذهب إليه وأكده الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح في مؤلفه الرائع (شعر العامية في اليمن) حين قال:
"قبل أن تلحق صفة الشعبية بالشعر العامي العربي الحديث، وقبل أن تشيع هذه التسمية على ألسنة الكتاب المعاصرين في مختلف الأقطار العربية وتتداولها أقلامهم كان لهذا الشعر في كل -أو في مجموعة من الأقطار- تسمية تقليدية شائعة، ففي المغرب كان وما زال يدعى الملحون أو الزجل وفي مصر يقال له الزجل أيضاً وفي السودان ولعها تسمية حديثة العهد - يسمى الشعر القومي- وفي نجد والخليج يدعى بالشعر النبطي أما في اليمن فيعرف بالشعر الحميني".
ومما يؤكد أن شيوع تسمية (الشعر الحميني) وانتشارها في حضرموت منذ وقت مبكر ما جاء في رسالة بعث بها من "اندونيسيا" علي عبدالله التوي إلى "سارجنت" الذي نشر في كتابه (نثر وشعر من حضرموت) فقرة منها يقول التوي: "الشعر الحميني هو صدى لمشاعر وأحاسيس الشعب يصدر عن الأفراد من شعرائه معبرين عن سواده وتثيرهم لقوله ابسط البواعث"
ونخلص من وقفتنا التعريفية العجلى بـ(الشعر الشعبي) إلى "أن الشعر الحميني في المرتادات اليمنية يُعاش في جوهره كل أنواع الشعر الشعبي في دنيا العرب، أنه شعر فصيح في مبانيه، بليغ في معانيه، ولا يحيد عن نهج القول العربي إلا لماماً، وفيه كل أنواع النغم النابعة من لغة الحديث اليومي، متجلية. وفي محاولة منه لاستثمار الوقف بتسكين أواخر الكلمات (عندما يقتضي ذلك تدفق النغم) وتوظيف بعض الألفاظ المنبثة، الشائعة في كل لهجات اليمن، نشداناً للوقف أو طلباً للإيحاءات التي تنبني بها هذه الألفاظ فلا "يعيب النهج الحميني أو ينقص منه إلا من لم يطلع على أغواره أو يسبرها ولا أحاط بكنهه ووثيق أسراره، ولا يأتي ذلك إلا بإطالة الوقوف حول المنحدر الحميني الموروث والتعرض لنفحات أنغامه الملونة والتضوع من لطائف معانيه الوجدانية السخية"
وعلى رأي الشاعر العربي قديماً:
وليس قولُ الأنامِ في الشمسِ إلا * * * أنها الشمسُ ليس فيها كلامُ
الشعر الشعبي..مُلهمات ومصادر
كما في كل مدائن اليمن وأريافه وقُراه، سهوله وجباله، صحاريه وجُزره، سواحله وبواديه فإن "الشعر الشعبي في حضرموت فنٌ ضاربة جذوره في أعماق مازالت تعلو أشجارها وتتفرع أغصانها في فضاء مفتوح، حتى ليمكن القول أن ثقافة المجتمع بالرغم من كل التحولات المادية ما تزال ثقافة شعبية، وفي المقدمة منها الشعر الذي له الصدارة في عملية التقبُّل والفاعلية، فقائلوه لا يحصون على تفاوت في الدرجات، منذ أن تشكلت ملامحه الأولى، وأكثر منهم متذوقوه، ولذلك فلا عجب أن يظل الشعر الشعبي مجال تداول واحتفاء، تداول من العامة والمتذوقين، واحتفاء من الدارسين والباحثين"
من النافلة القول أن "هذا البلد فيه الخير، وفي ثقافته وتراثه العراقة والثراء..الوفرة والتفرد والتنوع أيضاً، بمعنى آخر فإن بين ظهرانيها كل جُماع التراث العربي والإنساني على كافة الأصعدة وفي شتى المناحي وعلى مختلف المستويات (ثقافة، لغة، شعر، أدب، فنون، إيقاعات، فن معماري، ...) وبالتالي فإن كل ما يحيط بك في ربوع اليمن يؤصلك ويجعلك أكثر قُرباً من الجذور التي يجعلك الوعي بها على إدراك ويقين بأن اليمن ولاّدة وليست بعاقر" ومن هذه المكونات الحضارية والتاريخية والتحولات المجتمعية، يستلهم الشاعر الشعبي رموز نتاج قريحته وفيض خاطره والتي نقف من خلالها على مرجعياته الأدبية والثقافية والتاريخية بطريقة شائقة، وحسبنا أن نقف على المرجعيات التاريخية والإنسانية عند الشاعر الموسيقار الأستاذ حسين أبوبكر المحضار (1931م-2000م) ولكن ليس قبل أن نشير إلى أن أسماء الرموز البشرية الواردة في المقطوعتين الشعريتين التي سنوردها بعد قليل، وهي إنما تعود لرجال من أعلام الشعر والغناء والطرب من معاصري المحضار وممن سبقوه، ولا صلة لهم البتة بالفترة الزمنية التي عاشها ممدوحه الشاعر والمؤرخ عبدالله بن محمد باحسن "جمل الليل" (1278هـ-1347هـ) الذي حياه المحضار في احتفالية إحيا ذكرى اغماضته الأخيرة في عامها الـ(50) وبالتالي فإن "المحضار" يتحدث في المقطوعتين عن مصادر إلهامه هو، وليس عن مصادر ممدوحه الـ(باحسن)، فمن أين يا ترى كان يغترف المحضار ما يعود ويفيض به على المتلقين من شعر شعبي؟ و هذا كأننا به يجيب عن تساؤلنا:
من روح ثغر (الشحر) جابه..ما فتح ديوان (عنتر)
من مدرسة (معلاق)..من قاموس (بن حيمد) و(قشمر)
من صوت (سعد الزين)..من (سوّاد) من نغمة (مقمّر)
من الشيخ (محفوظ العطيشي) من قُصُد (مرتع أبو زيد)
من محرث الحراث ذي هو من صلاة الصُبح بكّر
من هوري البحار والصنبوق لا جحب وكوَّر
من همة العامل إذا شل المشده أو تعصّر
من ناس عاشوا في ضنك وتنكدوا في العيش تنكيد
أحسبكم تستشفون مثلنا أن (الشحر) هنا ليست سوى رمزا ودلالة على اليمن بحضارته وتاريخه، فنه وتراثه، حراثه (فلاحه) وعامله، بحارته وصياديه وناسه المجبولين على ضنك العيش وشظفه ومجابهة هينمات الحياة ومدلهم المحدقات من المخاطر ودرء تيارات المستحكمات من السواغب، يتنكبون العطاء من أعلى روابيه وأوسع ساحاته، في أقصى مفاهيمه وأوسع مراميه.
ولكن في فترات كان قد تسيّد اليمن فيها التشرذم والتشظي والتجزئة فضلاً عن طفو النزعات الطائفية والعرقية التي أفضت إلى معاناة اليمن ليس من الأطماع الاستعمارية الأجنبية فحسب، وإنما معاناتها أيضاً من صراعات الكيانات الحاكمة، فكان الفشل مآل كل محاولة للخلاص، وكان وقوع السواد الأعظم من الشعب تحت وطأة الفقر وفي براثن الفاقة، مصيراً ومآلاً، وقد "كان أول من أعلن سخطه على تلك التجزئة الشاعر الشعبي الكبير المعلم عبدالحق المتوفى عام 1872م في قوله من قصيدة طويلة:
لو كلْ يدْ قبضِتْ بيدْ عا الخيرْ ما جاناْ السقمْ
ولا بقيْ مسكينْ فيْ ذيْ الأرض يُقتُلهُ العدمْ
لكنْ ذا سيدْ وذا شيخْ وذا جُدُه الحكمْ
وذا قرويْ عا المراوضْ دوب ما يجْر النسمْ
وذا عبر عُمره يرُونه رجِسْ من جيزْ الخدمْ
إلى قوله: نحنا الظلم في توجهنا..والله أن نحنا الظلمْ
لِذا السببْ جتنا المذِله والرثِاثه والبكمْ
و"خلاصة معاني هذه الأبيات، على ما فيها من وضوح -كما يقول أستاذنا البامطرف رحمة الله عليه- أننا لم نكن منسجمين في بلادنا ولم نهتم بخلق حياة مشتركة سعيدة بيننا، وكيف يتسنى لنا ذلك وقد كان لسان حال...يقول:
الحمد لله يوم الله خلقنا شريفْ
لانا قبيلي ولا قروي ولانا ضعيف
وكان لسان حال القبيلي حامل السلاح يقول:
مشى باطلي في ذا الأرض عا رعوي وسيّد
وفي شرع القبائل غلب ماني جويد
أما لسان حال المسكين فيقول في استخداء حزين:
وجابوا لنا تحاريج قالوا لا تخدمون
ونا مسكين مثل الغنم في الدِرع مرصون
وحقيقة الأمر أن واقع ما قبل تبرج شموس صباحات الثورة اليمنية (سبتمبر/أكتوبر) قد استغورته وعمدت إلى تقصيه وبحثه ودراسته عشرات بل مئات الكتب والمراجع اليمنية والعربية والأجنبية، فليعد إليها من أراد وحسبنا أن نقف على صورة هذا الواقع من خلال قصيدة مسرَّحة تصور مبلغ التردي في الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والأمنية في اليمن (حضرموت نموذجاً ومثالاً)، يقول المؤرخ والشاعر محمد بن هاشم (ت/تريم 1960م) في قصيدته:
الظلم عم، والشر جم، ولعاد حد يوفي الوعود
فسدت قبائلها، وخانوا واستهانوا بالعهود
كم من برئ يسعى على عياله وفي الدنيا يرود
يتموا عياله وأرملوا حُرمته وأمسى في اللحود
أحوال شنعه، منكره، غبراء تقشعر بالجلود
من هو نِفع وإلا رقع؟ لا عود غفله صك عود!!
"ثم يتساءل الشاعر -رحمه الله- في يأسٍ ممض:
من بايرد الظلم؟ شي دوله قويه باتذود؟!
وقد توفي أستاذنا منطوياً على يأسه، ولكن كان من حُسن حظنا..ومن حُسن توفيقنا أن جاءنا نحن الرد الشافي المجلجل المُنقذ: كان رداً قد اخترق الحجب، وهو صوت الثورة، وقد وصل إلينا فصيحاً بيناً لا لبس فيه، ولا إلتواء، يقول: إننا هنا لتوطد دعائم العدالة ولنضرب بيدٍ من حديد على الطغاة المستبدين ومعكري أمن المواطنين ولنأخذ بأيدي المخلصين إلى القمة من عزة الشأن، وسناء الحياة وحسن المصير لهم ولأبنائهم من بعدهم.."
ولعل من الصور الفنية الرائعة والوثبات الخيالية البديعة في شعرنا الشعبي أن جعل من أصوات دوي مدافع وأزيز رصاص النضال الوطني التحرري سيمفونيات عذبة تشنف الأسماع مستعذبة في الوجدانات التواقة للحرية والانعتاق كما في قول أحمد صالح عيسى:
صوت (الهاون) يشجيني
عاد (البرن)
لما صوتها يدوي
راسي يحن
وقول الشاعر المهاجر محفوظ سالم بن النعوم:
وكم شهيداً سال دمه عا الاثر
اضحى لنهر التضحيه رفادي
راسه يحن..إذا لِحن..صوت (البرن)
بيّت يقِنْ قهادي
نغماتهم اصداء هدير القنبله
ورجة المدفع لهم زربادي
ومنذ البدء عانت الثورة من انقسامات الثوار ومخططات ومؤامرات الاستعمار والإمامة، بيد أن الشعر الشعبي كان بالمرصاد لكشف وتعرية زيف المخططات الاستعمارية الهادفة كبح جماح الثورة وإطفاء ألقها، كما فعل الشاعر الشعبي سالم زين لدى مجيء وزير المستعمرات البريطاني "قرينقود" إلى "مستعمرة" عدن وفي جعبته مخطط استعماري يستهدف تكريس الاحتلال، وعند الشاعر "زين" بقية الحكاية:
لا (قرينقود) ولا غيره يروموا الصلاح
الساسه الانجليز آراؤهم واحديه
ثاني الهرج..زمان الهرج ولى وراح
بالعنف بانحتكم نحنا وهم في القضيه
وبعد اليوم ما شي بايلاقوا براح
لابد ما يرحلوا من ارضنا في عشيه
ولأن زمان الهرج (التفاوض) قد ولى من منظور الثوار وأصبح الاحتكام للسلاح واللجوء إلى العنف مع المستعمرين حقاً مشروعاً وطريقاً لا محيص من تنكبه فلم يعد للمستعمرين من خيار سوى اللجوء للعنف والقوة..وفي هذا المعنى يقول الشاعر مهدي حمدون:
بالعنف والقوه بغو بايمنعون القافله
والقافله باتستمر حتى تكون الفاصله
وقد كانت الفاصلة بدحر المستعمر البريطاني وإلحاقه بالإمامة إلى مزبلة التاريخ ايذاناً بانتصار الثورة اليمنية (26سبتمبر 1962م، 14 أكتوبر1963م)، والتي كان التتويج لهما في الثلاثين من نوفمبر العام 1967م بإعلان الاستقلال الوطني الناجز وبداية عهد من الحرية والسير في طريق البناء الذي يستدعي الوطن معه كل ابناءه على ترابه، وفي حياضه، ومن مهاجرهم -أيضاً- وقد كان ترجمان حال المهاجرين وموقفهم من الثورة، شاعرنا الشعبي "بن مسلّم" المعاصر وأعني هنا الشاعر حسين عبدالرحمن باسنبل حين عمِد إلى "عصرنة" مقطوعة شعرية فلكلورية "مكونة من بيتين فقط أوردهما المؤرخ اليمني الكبير محمد عبدالقادر بامطرف في كتابه (الشهداء السبعة) وهما للشاعر الشعبي سالمين بن عمر بن مسلم الشحري المتوفى عام 1194هـ وقد قالهما في الإشادة بالبحارة اليمنيين من أهل مدينة الحامي، الذين ظلوا يجوبون بسفنهم الشراعية البِحار، غير عابئين بالأخطار التي كانوا يتعرضون لها على أيدي قراصنة البحار البرتغاليين ثم الهولنديين"
يقول "بن مسلم" في البيتين اليتيمين اللذين لا ثالث لهما في منظومته أو مقطوعته الشعرية:
(بن مسلم) قال بالناظور خايل ساعيه نتخت من (زنجبار)
وسطها شبان ذي ما يحسبون التاليه يطعمون الحلو قار
ولنرى الآن كيف أصبحت المقطوعة بعد "عصرنتها" وجعلها أكثر وطنية، وجعل هويتها أكثر تحديداً على يد "بن مسلم المعاصر" الشاعر حسين باسنبل، لنستمع إليه، ونشنف الأسماع:
(بن مسلم) قال بالناظور خايل ساعيه نتخت من (زنجبار)
وسطها شبان ذي ما يحسبون التاليه يطعمون الحلو قار
فيهم الصمصوم (يسلم) بو الشروع الوافيه قبل ما يطلع نهار
يحزم العده ويركبها المواج العاتيه ما يحب صيد القشار
عاش في غُربه وكم قاسى الظروف القاسيه ما معُه صاحب وجار
غير (بومبروك) والمهتر (برك بوعافيه) والمقدم (بو بهار)
شوق خلا الراس نَوَّد للجبال العاليه شوق خلا العقل طار
شوق للوادي ومرعى (بوحمد) والساقيه لي سقت كل الثمار
يوم قال الراديو ثوره بأرضه الغاليه قال يالله عا الديار
اليمن أرضي وهي لي حطمت كل طاغيه لي بها النار الخيار
وكما هو بادٍ لكم فالقصيدة "غنية بالصور، صادقة العاطفة، قوية النبرة، عصرية المضمون، علاوة على أنها صيغت بكلمات حديثة معاصرة مع الاحتفاظ ببعض كلمات (القاموس اللفظي الشعبي) مثل:
الصمصوم: المؤدب النزيه، الحسن السيرة
المهتر: الشجاع، القوي الذي يُعتدُ به
القشار: صخور البحر
العده: أدوات الصيد
الشروع: كرم الأصل، والنبل في التعامل مع الآخرين"
هذا فضلاً عن جمالية المكان (الجبال العالية، الوادي) مرعى بوحمد، الساقية، اليمن) التي تلقي بظلالها على المشهد في القصيدة فتبعث في وجدان المهاجر لاعج التشوق للعودة والإسهام في البناء ولمَّ لا وهو من قال (المحضار) بلسان حاله ذات يوم:
وطني وفيه الساس والآثار كم نسعد ونتأثر بتأثيــــره
دايم ونافوقه محِلق فار حاشا تهجر الوادي عصافيره
تزيدني الغيره وتشوق إلى شمسه وظل الغار
دار الفلك دار وعزمت السفر دار الفلك دار
وكما كان للفلك دورته، كان للزمن الربيعي النسغ دورته هو الآخر في يمن اليُمن والإيمان والحكمة، وعند شاعرنا الشعبي، بقية الحكاية:
"بو علي" قال دار الزمن
والزمن دورات له فيها البشائر
وقامت الثوره وطاب الدرن
والعدل قامت له دوائر
والأمن عم سيطانها والخبوت
وغاب عنا كل طاغوت
ثم يقول:
واللولب الذي قد له زمن
مفروت عا الأمُه وغائر
بالثوره اتصلح..ويا صنو عن
انك مقيل أو مسامر
وأهل السلا قدهم لصوتك نصوت
من (العند) لا خُلف (سيحوت)
وها هو ذا الشاعر المهاجر محفوظ سالم بن النعوم يرسم لنا بالكلمات لوحة شعرية لحركة الثورة وامتداداتها الجغرافية والاجتماعية، فيقول:
غنت بها ياكم حلوة مبسم
وبها انتشى النجار والحدادي
والعامل الكادح وذي في المزرعه
والصيغ والحواك والصيادي
وفي الحقيقه الثوره كانت شامله
في الشعب ما هي وقف عا الافرادي
جذورها في المزرعه والمصنع
والمدرسه والمنتزه والنادي
وبعد كل هذا كيف لا يمكنني أن " أقول عن قناعة كاملة أن من أعظم منجزات الثورة اليمنية المجيدة، بل أقول أنها المعجزة التي تحققت على يد هذه الثورة العملاقة أنها أجتثت من حضرموت ومن كافة محافظات اليمن كل مظاهر الظلم الاجتماعي وأزالت عوامل الفُرقة من بيننا وجعلتنا شعباً نسعى لتحقيق غايات نبيلة ونشعر بأننا سادة في بلادنا ونملك مصيرنا فلا مكان عندنا للاستعلاء على بعضنا بعضاً، ولا يجرؤ أحد الآن أن يدل على آخر بعنصريته أو بندقيته.
لقد جعلتنا الثورة نقدس التآخي والتآزر والعمل المشترك المثمر لصالح الجميع، ونسعى حثيثاً لأن تصبح اليمن - كل اليمن- يمناً ديمقراطياً موحداً تحدونا رغبة قوية وأكيدة في الإنسجام والحياة المشتركة الكريمة" .
الوحدة: مشروعية الحلم..وتحديات الواقع واشكالياته
في مختلف مراحل التاريخ عاش الحلم بإعادة تحقيق وحدة الوطن هاجساً لا يبارح وجدان الشعب وبانتصار الثورة (سبتمبر/أكتوبر) تبدى الحلم أكثر اقتراباً من يصبح واقعاً ملموساً وحقيقة ماثلة مجسدة لا مراء فيها، وكثيرة بل وأكثر من أن تحصى هي القصائد الشعبية التي عبرت عن أشواق الشعب وتطلعه لإعادة وحدته. فهذا شاعرنا الشعبي "أبو علي" الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف، وقد أنباؤه أحد أصدقائه من المقربين من "مطبخ القرار" بأن الوطن أصبح قاب قوسين أو أدنى من إعادة وحدة ترابه وإنسانه، فإذا بأستاذنا رحمه الله، يعِدُ إذا ما أصبح هذا القول حقيقة، بإقامة وليمة كبرى لشبان الوطن و"شيوبته" يحضر لهم عليها ما لذ وطاب من المأكولات (سهالات) بما فيها أجود أنواع العسل (جرداني) يعقبها بمجلس طرب على الطريقة العباسية (أُنس عباسي) يدعو إليه الجميع دون استثناء لينهلون ما عنّ له أن ينهلون مما سيجود به المجلس الفرائحي ولندع "أبو علي" يسوق علينا ما وعد به صديقه:
إذا تحقق كلامك وانقضى لي شأن
باعمل وليمة فرح للشيب والشبان
عاسهالات..عاصافي عسل جردان
بايقع أُنس (عباسي)..وعزف عاالآلات
دعوتي للجميع وسبيل يا عطشان
اللافت أن الشاعر الشعبي متكئاً على خبراته وتجاربه الحياتية المكتنزة بذاكرته ووجدانه، كان أكثر وعياً وإدراكاً بأن الوحدة لن يتأتى لها أن تتحقق إلا على قاعدة الحوار وعلى أُسس سلمية وانضاج الظروف الموضوعية لإعادة تحقيقها كما يعبر عن هذا المعنى الشاعر الشعبي سعيد عنبر فرج (تـ 1986م) الشهير بـ(العنبري):
نطلب الوحده تُحقق عا أُسسها الواعيه
حبالها ما هن قصار
وفي بساطة وتلقائية وعفوية معمقة لا تخلو من طرافة مستعذبة يفند (العنبري) جدوى الوحدة وفوائدها المأمولة المرتجاة من منظوره، فيقول:
فائذننا من الوحده دعايم كتافي
ضد كل مستعمر هي قنبله هيدرونيه
هي من البرد للبردان فيها مرافي
وللحراره يمانيات كند يشنيه
في اليمن لا تحدنا مننا الفقر نافي
ويفتخر شعبنا بالرايه اليمنيه
ويمضي الشاعر في إبانة واستجلاء فوائد مُرتجاة مأمولة أخرى من وراء تطلعه من أن تصبح الوحدة/الحلم واقعاً ملموساً وحقيقة ماثلة، فيقول:
في اليمن شطرين إذا إتوحدت
با تصيح لذياب في غيرانها
وحده ما هي بعيده مناشيها بدت
في كل بلده با نذيع إعلانها
وكل رُشبه إذا قد قرقرت
نخرج ابليس من دخانها
ويُقرن سير حركته ونضاله باتجاه الهدف الأسمى المنشود، بتوجه حركة ونضال العمال:
حيث ما يتجه العمال بطوي شطافي
معهم لأرض (المخا) أو (قارة العجلانيه)
نطرح أعلام للوحده بديل الكوافي
عا الرؤوس اعلان للفرحه العزيزه عليه
شطافي: مفردها شطفه وهي الحصيرة المصنوعة محلياً من سعف النخيل.
وما لم يفصح عنه (العنبري) وهو يُقرن مسيره باتجاه الوحدة بمسيرة (العمال) فقد أفصح عنه "أبو محضار" حين قال:
إذا العمال كانوا يد وحده
قويه فالوطن ما يشوف شده
فهم أصل العطاء..وأصل الموده
ومنهم نستمد الخير كله
على العمال نطرح كل مثقل
وبالعمال يحتل كل مشكل
ولا طاقه سوى العمال تبذل
وتشفى بالتعاون كل عله
وربما ليس ببعيد عن كل هذه المعاني، ما ذهب للتعبير عنه الرائع الجميل القرشي عبدالرحيم سلاّم في منظومته الفلكلورية المعاصرة (وامحلا ورد) وهو يتجه بخطابه الشعري لـ(العامل) أو قوي الدحن حسب تعبيره:
يا قوي الدحن في (جُبن) و(القطن) غني أحلى لحن
يا وريـــداني
فالطريق اليوم خطوه خطوه يا أخواني
بيد أن أحلام الشعراء والجماهير شيء، وأهواء الحُكام والسُلطات شيء آخر، ولا بأس من أن نقف على موقفين أحدهما متفاءل والآخر متشاءم يرى أن ثمة عوامل تحول دون تحقيق الوحدة، وذلك من خلال مساجلة بين الشاعرين سعيد فرج باحريز، وناجي سعيد بن علي الحاج (تـ 2007م)، في 30نوفمبر 1972م، بُعيد توقيع رئيسي الشطرين لبيان طرابلس في 28/11/1972م، والذي نص على إقامة دولة يمنية واحدة تسمى الجمهورية اليمنية.
ناجي:
العيد زينه ذي السنه والأُمه ألا عيّدت
على الحظ جات أمناسبه والراديو ملقي زجيل
يحكي خبر وافي يقول الوحده الا تحققت
ما بين شطري اليمن لأن اليمن ماله مثيل
غن بارك الله فيك يا الصمصوم شفها تحولت
جابت (علي عامر) وذاك الذيب لي يصهل صهيل
رجال غلبوا عا الشرف ورجال باعت واشترت
خلوا (عقيله) بالرضا تفرح وتوخذ (باعقيل)
باحريز:
(الخامسه) كانت سمينه واكبرت وتوسّعت
واسعارها زينه ورأس المال جم ما هو قليل
يا (اليافعي) حسبك حصاة الواقعه ما تحركت
لا قلت لها يا حصاه ميلي قالت والله ما نميل
والقُرص عاده ما نجح والشهر عاده ما ثبت
والمال يا (امبارك) لا في الحال والعُمر الطويل
والشهر مبعد والعلايم عادها ما تفندت
ما بانسمي الزقر لما قده يدحق عا الرجيل
ناجي: الناس عالشطرنج قد لعبوا وعالعب الثبت
ودرعوا الشيدر وقد شافوا القصيّر والطويل
المبعده حسبوا لها أن شرّقت وأن غرّبت
باتجي على طول المدى خل الثقاله يا ثقيل
وقد صدق (باحريز) في حدسه الشعبي الفطري حين رأي ببصيرة نافذة أن حلول الشهر لم يحن أوانه (مبعد) ومؤشرات ذلك ودلائله لم تستبين بعد (ما تفندت) وبالتالي لم يتحقق المأمول إلا بعد (18) عاماً على تلك المساجلة الشهيرة، ولا غرابة فالواقع كان كما تصوره هذه المساجلة بين الشاعرين الدكتور سالم عمر بكير، والأستاذ سالم عبدالله رزق الله في ديسمبر 1985م، بدار الضيافة بالمكلا:
د.بكير:
خرج ذا فصل والثاني طويله
ونا خايل مساقيها قبالي
ومن بايسقي الضامي بشربه
أنا بسقيه عسل من نوب (جردان)
سالم رزق الله:
إذا قد دلهمت عا رأس (شرمه)
وعم الشرب كل خافض وعالي
(حمد محروس) بايفك الخزينه
وبا ينعم على جايع وعطشان
د.بكير:
وقدلك صيط وغصونك ظليله
تهيضنا إلى قذ ضاق حالي
عجبنا الفزع حبه فوق حبه
يحمل صاحبه في كل ميزان
سالم رزق الله:
على الجزوه العمد لا قال جوّش
معي مولى الدرك لي ما يبالي
ويد من فوق يد تلقي مكنه
معي ربان لا يا خير ربان
د.بكير:
وراهم بايكسرون الزنجبيله
ونا ماشي معي هي رأسما لي
ولا يدخل علي في الأرض غصبه
ولا يقرب معي بندق (عليمان)
لقوا أعلام في الدار الدويله
وقلبوها علاها والسفالي
ساروا ليل حسبوا الأرض رطبه
ولاقوها حجر تشعل بنيران
سالم رزق الله:
شبع لك نوم نا لي با رعاها
وقدها اليوم خُرفه في البقالي
إذا نحنا ما استلبنا أو صبرنا
بغينا الموت يا (سالم سليمان)
ولا بأس من أن نستغور الواقع الذي كان ونستنطقه وبالأحرى نقرأه بعيون شاعرين آخرين، ولندع أحدهما (الأستاذ عبدالقادر باجمال) يروي لنا ما كان في مساجلته مع غريمه (حسن باحارثه)، وعند أستاذنا (أبو عمرو) بقية الحكاية: من مساجلات الدان الحضرمي تحضرني الآن مساجلة كان المغني فيها سعيد باحشوان فيما استفتحها الشاعر الشعبي الجميل الرقيق ناصر يسلم بن ناصر وهو بالمناسبة من تلامذة الشاعر مستور حمادي . قال بن ناصر – رحمه الله – في مقطوعته الاستفتاحية للمساجلة:
سُمُر يا (سعيد) .. شل بالدان .. يذلح ماك فوق السد
ولي هُم في موات الأرض قد صبحوا يسقونه
بنوا سد مأرب بالعمل والكد والمجهود
وحن يا نوب .. عُشبت لك مراعي في الجبال السود
يومذاك لم تكن قد انقضت غير فتره يسيرة على الإفراج عني من زنزانة السجن وقد عنَ لي أن
(استفز) حسن باحارثة فقلت في تلك المساجلة::
هدير الموج يلعب بالسفينة المدفوق المد
ونا خايف على العيدان لي بالقار مدهونه
عسى باللطُف.. بانوصل ولوحتي على عامود
وحن يانوب .. عُشبت لك مراعي في الجبال السود)
طبعاً باحارثه ظناً منه إنني اعني بالسفينة ( الاشتراكي) .. ولميله لاشتراكي وخشية من إن يقول ما يغضبه ما قبل الوحدة .. ما كان منه إلا إن قال:
سفينة نوح باتوصل إما اليوم .. وإلا غد
ولي فيها الجواهر كم وكم كمين نأمونه
ما ظني تجمحب وإلا تصل لما محل مسدود
فأجبتهُ مختتماً المساجلة:
وشُف كله على الرُبان لاحط يد فوق اليد
وبايوصل طريق الشط قبل إن تُغرب الغونه
وهو بُصره .فيه شده؟ عليه ألا يقع مشدود
وحن يانوب.. عُشبت لك مراعي في الجبال السود
- من مدونة الباحث-
الوحدة..حدث له ما بعده
ما بين الثورة (الحقيقة والواقع) والوحدة (الحلم المشروع) واقع مُثقل بتركة من مخلفات الاستعمار والإمامة، ويمور بصراعات السلطة، واقع مترع بالتحولات والمتغيرات الداخلية والاستقطابات الدولية والإقليمية، وإن لم يك يخلو من اشراقات والتماعات ربما شابتها أو تلتها كبوات، وفي كل مشهد من هذه المشاهد كان للشعر الشعبي حضوره الذي يجعل منه "وثيقة أدبية مهمة" وكما يقول أديب اليمن وشاعرها الكبير الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح -متّعه الله بالصحة والعُمر المديد ومتّعنا باشراقاته الثرة- في سِفره الجليل (شعر العامية في اليمن) فإن "كل قصيدة في هذا المجال تستحق دراسة خاصة لأهميتها التاريخية والثقافية، وقد تكون ما تقدمه بعض هذه القصائد من مادة تاريخية أكثر صدقاً من كثير من كتب التاريخ الرسمي الذي لا يفصح سوى عن القليل من جوانب المأساة التي عانت منها اليمن، لردح من الزمن" قبل أن يُكتب لها النفاذ من قمقم التجزئة والخلاص من أسمال التشطير البالية المهترئة يوم ائتلاق شمس صباح إعادة وحدتها أرضاً وإنساناً في الثاني والعشرين من مايو/آيار عام1990م.
وبعظمة المنجز، فقد كان فرح الشعراء الشعبيين عظيماً متسامقاً وسيطول بنا المقام فيما لو أننا ذهبنا إلى استعراض كل أو جلّ ما قيل من قصيدٍ شعبي احتفائي فرائحي لإعادة تحقيق وحدة اليمن أرضاً وإنساناً، غير أنه حسبنا أن نسوق شواهد تكون في مقام الشاطئ الذي يدل على البحر، فهذا شاعرنا (أبو المحضار) يشدُ مترنماً للفرح الوحدوي العائد بعد طول انتظار:
عاد الفرح والنصر والوحده
بعد التعب والقهر والشدّه
صبرت عقب الصبر جاك الخير
طوّف على صنعاء وعرجّ عدن يا طير
ما عاد فوقه فخر ما بعده
سلّم عليك الدهر مد يدّه
وقال راح الفقر راح الضير
طوّف على صنعاء وعرجّ عدن يا طير
لا سور حول القصر لا سدّه
عا رغم أهل المكر والردّه
لي همّهم في الزاد بس والمير
طوّف على صنعاء وعرّج عدن يا طير
تفتّحي يا زهر يا ورده
نالي بذرت البذر من مُدّه
بارادتي لم أعتمد عالغير
طوّف على صنعاء وعرّج عدن يا طير
أما شاعرنا الشعبي (أبو عمر) الأستاذ عبدالقادر باجمال وبعد أن يجزي للوحدة سلامه مفاخراً معتداً بها نجده، وقد ذهب للتعبير عن استحقاقٍ من استحقاقات تجذير الوحدة وبقائها ألا وهو توفير الأمن والاستقرار في المجتمع فيقول في منظومته:
سلام على الوحده..في اليمن قبل الهرم
من يوم ما قامت ونحنا في تقدم وازدهار
والأمن ماشي بد منه لو نزكي له بدم
نضرب على كل يد تعبث أو تخرب في الديار
يا (بو حمد) طولت رأسي في السماء بين الأمم
بعطيك رأسي وأنت أشر حيث يلمع بالشرار
كلين يعرف أن طبعك زاد عن حد الكرم
أعطيتنا أعلى مثل في العفو عند الاقتدار
وعلى الرغم من أن الوحدة اليمنية قد فتحت آفاقاً أكثر رحابة وإتساعاً لاحداث تنمية مجتمعية مستدامة بما أصبح بين يدي يمن الثاني والعشرين من مايو 1990م من قدرات وإمكانيات بشرية واستكشافات نفطية إلا أن (المحضار) يبدي خشيته من أن يصبح الأخير (النفط) وبالاً على الوطن عوضاً من أن يصبح مورداً هنيئاً وخير للشعب، وها هو يقول:
وتوحدت أيدي سبأ بعد الفراق
ما مزقتها إلا الشوار العاثره
ها قد أعيد السد لكم والجنتين
لما توحدتم بهمة نادره
أنا النفط أنا العلامة الظاهره
فارعوا حقوقي أنا وسيله بينكم
والغاية الكبرى يمننا العامره
لا تخربوها بالمكايد والفتن
وتسلموها للعقول القاصره
معكم أنا فستخدموني للصلاح
عمروا بي الدنيا وعمروا الآخرة
يا سادتي لا تجعلوني للخراب
بي أرتقوا عند النجوم الزاهرة
والسد أقوى والزراعة في اليمن
مني فهي الأرض الخصيبة المثمره
والوحدة الكبرى التي بينكم
دستورها يهدي العقول الحائره
فاصدقوا في القول مرة والعمل
دستورها بالكذب سلعة خاسره
تحيا اليمن تحيا اليمن تحيا اليمن
بالنفط بالسد للقلوب النيره
تحيا اليمن تحيا اليمن تحيا اليمن
مادامها في درب واحد سائره
يا سادتي لا تجعلوني للخراب
والله الموفق,,,
*كاتب صحفي وباحث في مجالات الفن والتراث الشعبي، أمين سر (منارات)