احدث الاخبار

حرية الصحافة وتوصيف نظريات الإعلام

حرية الصحافة وتوصيف نظريات الإعلام
اخبار السعيدة - بقلم - جودت مناع         التاريخ : 04-05-2010

يتعرض بعض الصحافيين لعمليات ترهيب واحتجاز، بل ويدفعون حياتهم ثمنا لمجرد ممارستهم حقهم في طلب المعلومات والآراء والحصول عليها ونقلها، وذلك بأي وسيلة إعلامية وبصرف النظر عن الحدود الجغرافية لقد قتل المئات من الصحفيين بسبب محاولتهم فضح جرائم الحرب أو المخالفات القانونية أو حالات الفساد.

وسائل الإعلام هي الأخرى تعرضت للقصف إما بالصواريخ أو الطائرات واستهدفت الأمكان التي يحتمي بها لصحفيين خلال تغطيتهم للحرب وهو ما قام به كيان الفصل العنصري الصهيوني في فلسطين المحتلة والولايات المتحدة وحلفائها في العراق وأفغانستان بصفتها سلطة احتلال تحكم شعوباً أخرى.

إن ما يتعرض له الصحفيون خلال تغطيتهم للحروب لا زال يشكل هاجسا للباحثين والدراسين لطبيعة الاتصال وتأثيره بالجماهير إلى أن توصلوا إلى خلاصة  نظريات الإعلام وتوصيف النظم الإعلامية في دول العالم على نحو ما جاء في كتاب نظريات الصحافة الأربع لبيترسون وشرام.

ومنذ منتصف القرن الماضي، لم تظهر توصيفات جديدة للنظم الإعلامية في ظل الحرب ولحالة الاتصال الإعلامي بالجماهير في الدول الواقعة تحت سيطرة احتلال أجنبي لا سيما في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا.

فهل نظرية الحرية وما سبقها من نظريات يمكن وصفها على حالة الإعلام السائدة تحت سيطرة السلطة الاحتلالية؟

هناك علاقة بين نظريات الإعلام وفلسفة الإعلام، ففلسفة الإعلام هي بحث العلاقة الجدلية بين الإعلام وتطبيقاته في المجتمع، أي تحليل التفاعل بين أسس الإعلام كعلم وبين ممارساته الفعلية في الواقع الاجتماعي، ويرى العلماء أن نظريات الإعلام جزء من فلسفة الإعلام، لأن فلسفة الإعلام أعم واشمل من النظريات، وكثيرا ما شاع استخدام نظريات الإعلام باعتبارها فلسفة الإعلام أو مذاهب الإعلام، ولكن في واقع الأمر أن استخدام تعبير نظريات الإعلام كان في مجمله انعكاسا للحديث عن أيديولوجيات ومعتقدات اجتماعية واقتصادية أو الحديث عن أصول ومنابع العملية الإعلامية.

وترتبط النظريات بالسياسات الإعلامية في المجتمع، من حيث مدى التحكم في الوسيلة من الناحية السياسية، وفرض الرقابة عليها وعلى المضمون الذي ينشر أو يذاع من خلالها، فهل تسيطر عليها الحكومة، أم لها مطلق الحرية أم تحددها بعض القوانين.        

لقد ظهرت عدة نظريات بدءأ من القرن السادس عشر في أنجلترا وكان أولها نظرية السلطة، وتعتمد على نظريات أفلاطون وميكافيللي، وترى أن الشعب غير جدير بأن يتحمل المسؤولية أو السلطة، فهي ملك للحاكم أو السلطة التي يشكلها. وتعمل هذه النظرية على الدفاع عن السلطة، ويتم احتكار تصاريح وسائل الإعلام، حيث تقوم الحكومة على مراقبة ما يتم نشره، كما يحظر على وسائل الإعلام نقد السلطة الحاكمة والوزراء وموظفي الحكومة، وعلى الرغم من السماح للقطاع الخاص على إصدار المجلات إلا أنه ينبغي أن تظل وسائل الإعلام خاضعة للسلطة الحاكمة.

وتمثل تجربة هتلر وفرانكو تجربة أوروبية معاصرة، في ظل هذه النظرية، وقد عبر هتلر عن رؤيته الأساسية للصحافة بقوله: 

"أنه ليس من عمل الصحافة أن تنشر على الناس اختلاف الآراء بين أعضاء الحكومة، لقد تخلصنا من مفهوم الحرية السياسية الذي يذهب إلى القول بأن لكل فرد الحق في أن يقول ما يشاء".     

ومن الأفكار المهمة في هذه النظرية أن الشخص الذي يعمل في الصحافة أو وسائل الإعلام الجماهيرية، يعمل بها كامتياز منحه إياه الزعيم الوطني، ويتعين أن يكون ملتزما أمام الحكومة والزعامة الوطنية.         

وفي عام 1688م ظهرت في بريطانيا نظرية الحرية ثم انتشرت إلى أوروبا وأمريكا، وترى هذه النظرية أن الفرد يجب أن يكون حراً في نشر ما يعتقد أنه صحيحاً عبر وسائل الإعلام، وترفض هذه النظرية الرقابة أو مصادرة الفكر. وهدفها كشف العيوب والفساد وغيرها من الأمور.                

ويرى أصحاب هذه النظرية أن الحرية حق وواجب ومسؤولية ، ومن هنا يجب أن تقبل وسائل الإعلام القيام بالتزامات معينة تجاه المجتمع، من خلال وضع مستويات أو معايير مهنية للإعلام مثل الصدق والموضوعية والتوازن والدقة - ونلاحظ أن هذه المعايير تفتقد إليها نظرية الحرية - وتهدف هذه النظرية إلى رفع مستوى التصادم إلى مستوى النقاش الموضوعي البعيد عن الانفعال، كما تهدف هذه النظرية إلى الإعلام والترفيه والحصول على الربح، إلى جانب الأهداف الاجتماعية الأخرى.   

أما الأفكار الرئيسية للنظرية الاشتراكية التي وضع أساسها ماركس وأنجلز، ووضع قواعد تطبيقها لينين وستالين، في الاتحاد السوفيتي السابق، وما تزال تطبق في بعض البلدان مثل كوريا الشمالية والصين وكوبا وغيرها، يمكن إيجازها في أن الطبقة العاملة هي التي تمتلك السلطة في أي مجتمع اشتراكي، وحتى تحتفظ هذه الطبقة بالسلطة والقوة فأنها لابد أن تسيطر على وسائل الإنتاج الفكري التي يشكل الإعلام الجزء الأكبر منها، لهذا يجب أن تخضع وسائل الإعلام لسيطرة وكلاء لهذه الطبقة العاملة، وهم في الأساس أعضاء الحزب الشيوعي.            

ونظرا لاختلاف ظروف العالم النامي، وبخاصة الدول التي ظهرت للوجود في منتصف القرن العشرين، التي تختلف عن الدول المتقدمة من حيث الإمكانيات المادية والاجتماعية، كان لابد لهذه الدول من نموذج إعلامي يختلف عن النظريات التقليدية الأربع التي استعرضناها، ويناسب هذا النموذج أو النظرية أو الأوضاع القائمة في المجتمعات النامية، فظهرت النظرية التنموية في عقد الثمانينات، من القرن الماضي، وتقوم على الأفكار والآراء التي وردت في تقرير لجنة "واك برايل" حول مشكلات الاتصال في العالم الثالث، فهذه النظرية تخرج عن نطاق بعدي الرقابة والحرية كأساس لتصنيف الأنظمة الإعلامية، فالأوضاع المتشابهة في دول العالم الثالث تحد من إمكانية تطبيق نظريات الإعلام التي أشرنا إليها في السابق، وذلك لغياب العوامل الأساسية للاتصال كالمهارات المهنية والمواد الثقافية والجمهور المتاح.       

يمكن لمتتبع هذا التطور التاريخي ملاحظة غياب أي توصيف في النظم الجديدة للإعلام والتي تتلخص في الطريقة التي تدير بها السلطة الإعلام داخل حدود الدولة التي تسيطر عليها بالمعنى الشامل.

ففي الدول أو البلدان الواقعة تحت سيطرة أجنبية أو محتلة يمارس ضد إعلامها تدابير جديدة لم يتعرض لها الباحثون. فهي حقيقة أشد من الوصف لنظرية السلطة.

وبالنظر للحالة الأمنية التي تعيشها بعض البلدان في الشرق فإنه من الصعوبة بمكان وصف ما يحدث للإعلام بأنه مشابه لفترة العمل بنظرية السلطة ويعلل ذلك باختلاف التدابير المتخذة في الدول المحتلة.

وأعتقد لا بل أجزم بأن هذا التجاهل لإبراز وصف جديد لطبيعة الاتصال بالجماهير الواقعة تحت سيطرة قوة الاحتلال مرجعه أن الغرب لا يكترث لما تتعرض له وسائل الإعلام في الدول المحتلة ويؤيد هذا الموقف التعاطف اللامحدود من بعض وسائل الإعلام مع القوات الغازية لبلدان أخرى وهو ما يضمره مضمون الرسالة الإعلامية لتلك الوسائل باختلاف أنواعها. أي أن طابع الإعلام تأثر بالوطنية أكثر منه بالمهنية.

إن فرض سلطات الاحتلال لقوانين جديدة وإلغاء قوانين اكتسبتها وسائل الإعلام خلال تطور النظريات من السلطوية إلى الاجتماعية فالاشتراكية إلخ لا تتفق مع سياستها أينما كانت سلطتها يعني العودة إلى نقظة البداية في القرن السادس عشر حين وصف ظهرت النظرية السلطوية.

كما ، هذا الشعب الوخاضع لتدابير سلطة الاحتلال لا يمكن إخضاعه لتقبل قوانين سلطة الاحتلال أو الدفاع عنها لكونها تستهدف مصالحة وتحقق مصالح العدو ألا وهو سلطة الاحتلال.

وهناك تشابه بين النظرية السلطوية والنظرية السسلطوية الاحتلالية المفترضة في احتكار تراخيص وسائل الإعلام بيد أن الراسلة الإعلامية الصادرة في حالة النظرية السلطوية هي لشعب تلك السلطة وهو ما يختلف عنه في نظرية السلطة الاحتلالالية التي تحظر نشر أي معلومات ليس دون رقابة فحسب، وإنما بإتاحة نقل بعض المواد الإعلامية عن وسائل إعلامها الرسمية وليس جميعها أي الإيذان بنشر ما نشرته أو بثته وسائل إعلامها بشرط أن لا يتعارض مع سياستها ومصالحها الاستعمارية.

وبعكس النظرية السلطوية، فإن حالة إعلام السلطة الاحتلالية لم تمنح العاملين في وسائل الإعلام الامتياز مثلما منح الزعيم الوطني إبان النظرية السلطوية أولئك هذا الامتياز، لا بل فرضت القيود على تنقلهم وما إلى ذلك من إجراءات قاسية.

لقد تلقى الجمهور ووسائل الإعلام في آن ضربات قوية تحت وطأة سياسة سلطات الاحتلال ومن تلك التدابير المتخذة ضد العاملين في وسائل الإعلام الاعتقال والإبعاد وفرض الإقامة الجبرية أو دفع الغرامات وغيرها من الإجراءات المعارضة ليس للوصف الوارد للنظرية السلطوية فحسب وإنما للنظريات التالية كالحرية والاشتراكية والتنموية وغيرها التي كانت تصب بطريقة وخرى لمصلحة المتنفذين في السلطة ولئن تجاهلت مصالح الجمهور.

وفي توصيف نظرية السلطة الاحتلالية لا يمنح الصحفي الحماية وفقا لما نصت عليه المواثيق والأعراف الدولية ومواثيق جنيف الرابعة وهو ما جلى ذلك خلال الحرب في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان ويشمل هذا الظروف الأمنية للعاملين بوسائل الإعلام في مناطق الحرب حيث تسيطر جماعات مسلحة شبه عسكرية.

لقد أدى التراجع عن جميع النظريات السابقة إلى ضياع كبير للمكتسبات التي حققتها الصحافة بقتل مئات الصحفيين أثناء تغطيتهم للحروب.

كما وأن العلاقة بين بعض المستثمرين في قطاع الإعلام وسلطات بعض الدول ألقت بظلالها هي الأخرى على طبيعة مضمون الرسالة الإعلامية وهو ما أعاد النظرية السلطوية إلى السيطرة على الإعلام بقدر أخطر ما كانت عليه ومن الأمثلة على ذلك ظهور إقطاعيات إعلامية مثل تلك التي يملكها رئيس وزراء إيطاليا برلسكوني وميردوخ الأميركي وغيرهم ممن استخدموا الإعلام وسيلة لتحقيق مآربهم الاقتصادية من ناحية والاستجابة لمصالج بعض السلطات الحاكمة من ناحية أخرى.

إن التماهي السياسي بالاقتصادي أدى إلى غياب المهنية عن العمل الإعلامي وبالتالي هوة واسعة بين استراتيجيات الإعلام في وسائل الإعلام المختلفة وإدارتها.

هذا الوصف والتجانس الاقتصادي والسياسي في قطاع الإعلام وتوظيفه في خدمة بعض السلطات زاد من حالة الاحتوائية للصحفيين (56%) أو ممارستهم الرقابة الذاتية (95%) وهو ما كشفه استبيان وزع على أكثر من 600 صحفي أردني مؤخرا،

وفي المحصلة، فإن نظرية حرية الصحافة ما هي إلا وصف ظهر في مرحلة زمنيه انتهت مع انتهاء الحرب الباردة بين القوتين العظميين وقد عكست المرحلة الراهنة الحاجة لأن يولي الباحثين أهمية لإبراز وصف لحالة الإعلام تحت وطأة السلطة الاحتلالية حيث تحتضر حرية الصحافة بمعنى أن لا حرية للصحافة منذ العقد الأخير في القرن الماضي.

مستشار ومدرب إعلامي

Jawdat_manna@yahoo.co.uk

عدد القراءات : 8141
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات