احدث الاخبار

حوار على المعدية مع د. محمد سعد عبد اللطيف كيف ترى المشهد الحالى فى مصر؟

حوار على المعدية مع د. محمد سعد عبد اللطيف كيف ترى المشهد الحالى فى مصر؟
اخبار السعيدة - حوار - على المعدية         التاريخ : 07-03-2010

- المشهد الحالى قلق، يثير فى النفس الخوف على مستقبل البلد والناس، وقلقى مصدره العديد من الظواهر، فعندما تنظرين إلى كل مظاهر الحياة فى مصر تجدينها فى تراجع وتدنٍ لا يصدقه عقل راشد، التعليم متدنٍ إلى أبعد الحدود، لا يوجد فى الجامعات شىء اسمه البحث العلمى والتلذذ بأهانة الأستاذ الجامعى وأذلالة وأعتقالة ، الخدمات الصحية فى أسوأ مراحلها والحالة واضحة للعيان، الخدمات الإدارية باتت تنتهك أعصاب ووقت وطاقة البشر، وبات من الصعب على أى مواطن مصرى إنهاء مصالحه حتى فى أبسط الأمور، هذا التدنى فى مستوى الخدمات يعانى منه كل المواطنين، ما عدا «فلان بيه»، و»علان باشا»، لأنهم لا يعيشون فى مصر حتى لو رأينا صورهم وأخبارهم تملأ الصحف ووسائل الإعلام.

 

أضيفى إلى ذلك حالة من الأوضاع السياسية غريبة الشكل، فنحن بلد به أحزاب، والحقيقة أنه لا يوجد لدينا أحزاب بما فى ذلك الحزب الوطنى، الذى إن نزعت عنه مظلة رئيس الجمهورية ومظلة الأمن سيكون مثل حزب الشيخ الصباحى.. بلد به الكثير من القوانين، ولكنها لا تُطبق.. بلد بهذا الشكل يعنى أنه يتصدع، والتصدع يعنى أننا ننتظر كارثة.

 

■ يزداد الحديث منذ سنوات عن توقع الانهيار الوشيك، ولكنه لم يحدث بل تستمر الحياة فى مصر وكأننا لا نعانى من كل هذا.. كيف تفسر ذلك؟

 

- الأمور مستمرة طبقاً لنظرية أن لكل بلد بوصلة تقوده إلى حيث تريد، وهو أمر موجود فى كل بلاد العالم .

 

ولكن الفرق أنه فى النظم الديمقراطية تتجه البوصلة نحو مصالح الناس، وإرادتهم، وحكمهم.. وتقوم الدنيا ولا تقعد مع أى مساس بتلك المصالح.

 

أما البوصلة فى مصر فتتجه نحو أمرين لا ثالث لهما: إقصاء الجميع عن كل شىء، واستئثار فئة محددة بكل شىء.. فما يحدث فى مصر اليوم أن فيها عددا محدودا من الأفراد، ليس منهم رئيس الوزارة ولا الوزراء، لأنهم يتغيرون بلا معيار، لا نعرف لماذا أتوا أو لماذا رحلوا، ولكن قلة على قمة السلطة تساعدها قوى القهر هى من تريد أن تستأثر بكل شىء وتُقصى كل مصر عن كل شىء.. ولذا تستأثر بالسلطة السياسية، والخيرات الاقتصادية، وبمغانم الفساد كله، ولا توجد أى مؤسسة فى مصر تملك من أمرها شيئا، ورغم ذلك ما زلت أضع آمالى على عدد من المؤسسات والأجهزة التى تعتبر- حتى الآن- صمام الأمان فى مصر، وهى القوات المسلحة ثم الخارجية والرى والقضاء، بالإضافة لجهاز المخابرات العامة، فكل هذه المؤسسات لابد أن يعى القائمون عليها أنهم ليسوا ملك النظام. ليسوا ملك عبدالناصر ولا السادات ولا مبارك.. ولكنهم يدينون لهؤلاء باعتبارهم رؤساء لجمهورية مصر وليس باعتبارهم الشخصى.

 

وأغتم عندما أسمع من يقول «مصر عبدالناصر» أو «مصر السادات» أو «مصر مبارك»، وكأن مصر تحتاج لمن ينسبها له، هم يُنسبون لمصر وليس العكس، لأنها موجودة منذ آلاف السنين رغم الهوان الذى وصلت إليه. ولكونها لا تستطيع الاستمرار فى رقدتها لسنوات أخرى.. كم مهملاً فى إقليمها وكم مهملاً فى العالم؟ ولا تصدقوا ما يظهر على السطح بين الحين والآخر من كلمات يلقيها زعماء العالم، أو زيارات غير متوقعة تُحدث ضجة، لأنها مظاهر معروف دوافعها السياسية.

 

■ فى اعتقادك.. إلى متى يستمر حرص القلة المستأثرة بكل شىء على سياسة «الاستحواذ والإقصاء» التى تحدثت عنها؟

 

- هم حريصون على الاستمرارية حتى آخر رمق فى حياتهم، ولكن هذا الحرص مصيره إلى زوال وفناء فى يوم ما، لأن الإنسان نفسه إلى زوال كما هى طبيعة الحياة وفطرتها، مَنْ عمره ٥٠ سيصبح ٧٠، الأفراد ينتهون ولكن المؤسسات فى الدولة باقية، والدولة أيضاً باقية، ولكن للأسف فكرة المؤسسة غائبة عن أذهان القائمين على النظام فى مصر. .

 

■ الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها عام ٢٠١٠ باتت وشيكة، ألا ترى فيها أى فرصة للتغيير والإصلاح؟

 

- الأمر يتوقف على ماذا نريد، هل تريد الدولة التعرف على إرادة الناس الحقيقية، أم فرض إرادتها الخاصة؟ الماضى يقول إنها لا تريد أن تعرف ما يريده الناس، والدليل انتخابات عام ٢٠٠٥، عندما تركوا الأمر وفقا لاختيار الشعب نجح ٨٨ من الإخوان وعدد من المستقلين، ولكن عندما خشى الحزب على موقفه عاد لأساليبه القديمة ليسيطر على نتائج الانتخابات ويجعلها لصالحه، والنتيجة أنه فى انتخابات الشورى والمحليات لم ينجح أحد من الإخوان أو المعارضة.

 

أذكر أنه فى دائرة المنيل وبعد استقالة النائبة شاهيناز النجار من مجلس الشعب، وخلو مقعدها فى دائرة المنيل، رشح حزب الجبهة مرشحاً له لشغل هذا المقعد، وكان شابا واعدا ومثقفا وتنعقد عليه الآمال وأستاذا فى كلية الطب، كما رشح الوفد والحزب الوطنى شخصيات أخرى، وحضرت كل مراحل الانتخاب، وكان هناك تراجع فى الإقبال الجماهيرى يوم الانتخاب، وأؤكد أنه يستحيل أن يكون حضر أكثر من ٣٠٠٠ ناخب ورغم ذلك فاز مرشح الوطنى بـ١٢٠٠٠ صوت، لا أعرف من أين جاءوا بهم، والجميع يعلم هذا، وأمن الدولة يعلم، وكذلك الفضائيات التى كانت تتابع كل ما يحدث بعد أن بتنا نعيش فى مجتمع عار.

 

■ كتبت عن فكرة استعانة الدول بمراقبين دوليين فى الانتخابات.. هل تدعو لذلك فى الانتخابات البرلمانية المقبلة؟

 

- نعم لقد باتت الرقابة الدولية على الانتخابات من الأمور المتعارف عليها فى دول عديدة، خاصة حديثة العلاقة بالديمقراطية، والرقابة تكون من خلال مراقبين يمثلون المجتمع الدولى كوسيلة تثبت بها الدولة حسن نيتها للعالم فى إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، وأنها لا تريد العبث بإرادة الناخبين، وهؤلاء المراقبون لا يتعدون على سيادة الدولة، ولكنهم يراقبون فقط حيادية العملية الانتخابية ونزاهة الإجراءات.

 

ولكن حكومتنا ترفض ذلك الاقتراح بالطبع، وبما أن الماضى قد يكون مؤشراً للكيفية التى تسير بها الأمور فى الحاضر والمستقبل، فإن الانتخابات المقبلة غير مبشرة، وأعتقد أن نتائج الانتخابات المقبلة لن تخرج عن منح حزب الدكتور رفعت السعيد مقعدين أو ثلاثة، و٦ أو ٧ مقاعد للمستقلين ظاهرياً، والتابعين بكل جوارحهم للحزب الوطنى، بالإضافة للكوتة النسائية التى سيكون أغلبها ينتمى للحزب الوطنى بالطبع، حتى وإن ادعوا غير ذلك، ولن يكون هناك أى صوت معارض، وذلك للتمهيد لانتخابات الرئاسة فى عام ٢٠١١.

 

■ وماذا عن انتخابات الرئاسة.. هل تم توثيق التوريث فيها؟

 

- لن يكون هناك رئيس جمهورية إلا الرئيس مبارك أو من يختاره الرئيس مبارك، فالمادة ٧٦ مُصاغة من أجل هذا الهدف، وقد قلت وقتها منهم لله من صاغوها بتلك الطريقة، لإثبات الطاعة والولاء، ولأغراض شخصية لديهم، قد يكون لطمعهم فى فترة أطول فى مناصبهم أو قطعة أرض فى الساحل أو فى طابا، دون النظر لمصلحة ذلك الوطن الذى لم يعد أحد للأسف يفكر فيه.

 

للأسف «ما عدش حد قلبه على مصر»، وللمرة المليون أكرر حزمة التعديلات الدستورية التى طلب الرئيس مبارك إجراءها، لا تحقق أى إصلاح سياسى، بل على العكس هى تمثل نكسة دستورية، لأنها تكرس من حكم الفرد وتجهض أى أمل فى تداول سلمى للسلطة، النظام يدور فى حلقة مفرغة لتحقيق أهداف خاصة به، والتعديل الدستورى الأخير إحدى حلقاتها.

 

لقد وجهت خطاباً فى «المصرى اليوم» للرئيس منذ سنوات طالبت فيه بتشكيل جمعية تأسيسية تضع مشروع الدستور وتستفيد من دستور ٢٣ ودستور ٥٤ ودستور ٧١، وتضع دستوراً حقيقياً وهو ما يعنى كبح جماح السلطة، وصيانة الحرية وهو الأصل فى الدستور على عكس ما أقرته التعديلات الدستورية الأخيرة التى لم تفعل سوى توسيع مجال السلطة وتقييد الحريات.

 

■ كيف ترى العلاقة بين الإخوان والنظام قبل انتخابات العام المقبل؟

 

- والانتخابات المقبلة لن يكون فيها معارضة حقيقية، وإذا كان الإخوان فازوا فى المرحلة الأولى من انتخابات عام ٢٠٠٥ بثمانين مقعداً، فهذا لن يحدث مرة أخرى، ولن يكون أمامهم فى الانتخابات المقبلة سوى خيارين، الأول أن يعلنوا توبتهم عما اقترفوه فى حق الحزب الوطنى، أو أن يكون مصيرهم الإقصاء كغيرهم.

 

ولكن دعينى أقول لك أمراً مهماً يزيد من قلقى على المشهد الحالى فى مصر وقبل مجىء انتخابات مجلس الشعب فى العام المقبل يتعلق بالقبض على الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، فأنا أعرف هذا الرجل معرفة شخصية، ومن خلال معرفتى الشديدة به أؤكد أنه إنسان بسيط ومستقيم ونقى، ومحبوب مصرياً وعالمياً، ولذا يكون السؤال: لماذا اعتقله كنظام؟ ولماذا أكسب عداء من يحبونه؟

 

ليت النظام يتأنى ويفكر فى خطوة اعتقاله، ولا يكرر خطأ ارتكبه من قبل، ولكن مع الفارق بالطبع مع شخصيات لم تكن تستحق، ليخلق من أسماء لم يكن أحد يسمع عنها أبطالاً، كانت «زيرو» وتحولت بفضل النظام إلى «هيرو».

 

وكأن النظام يعاند نفسه والكارثة أنه لا يسمع لناصح، وعبدالمنعم أبوالفتوح قيمة حقيقية ولو النظام يفكر فى مصلحة البلد كان مد يده لهذا الرجل ومن هم فى مثله، لأن التيار الدينى فى مصر ليس جسداً واحداً، وكثيرون لا يعبرون إلا عن أنفسهم. الشيخ الباقورى كان من الإخوان ولكنه كان عالماً مستنيراً قلما جاد الزمان بمثله، وكان وزيراً للأوقاف فى عهد عبدالناصر.

 

■ المرشد العام للإخوان يتحدث عن صفقة مع الحكومة لوقف الاعتقالات مقابل عدم خوض الانتخابات، والحزب الوطنى ينفى.. أيهما تعتقد أنه الأصدق؟

 

- حيث لا منطق فى الحكم على الأمور، لا توقع لأحداث. ولكن من الوارد أن يحدث هذا الاتفاق بين الطرفين حتى يظل الطابق مستوراً ولا ينكشف حجم الرفض الشعبى للحزب الوطنى، كما أن تاريخ الإخوان يؤكد عشقهم لتوقيع الصفقات مع النظام حسب ما تحدده أجندتهم الخاصة.

 

■ بماذا تفسر غياب المواطنين عن كل تلك الأحداث دون مشاركة حقيقية؟

 

- الشعب المصرى من أذكى شعوب العالم، يعلم متى يصمت ومتى يثور، والجماهير الآن تدرك حقيقة المسرحية التى تدور أحداثها على أرض مصر، ليس هذا فقط بل تدرك أيضاً أنه ليس لها دور حقيقى فيها، هم مجرد كومبارس يظهر فى خلفية الأحداث، يُستغل وجوده من كل أبطال العمل، وهم يرفضون أن يستغلهم أحد، ولذا ترين هذا التجاهل المتعمد. ورغم ذلك فأنا أخشى من هذا الصمت الذى طال، وأترقب نبضه بين الحين والآخر، لأنه صمت المقهور، الذى يعانى فى صمت، ويبقى السؤال الأهم فى كل هذا الحديث، إلى متى سيستمر ذلك الصمت والتجاهل الشعبى لكل ما يحدث؟ لا أحد يعلم، ولكننى أؤكد مرة أخرى قلقى من لحظة يحدث فيها الانفجار تأكل الأخضر واليابس.

عدد القراءات : 3924
Share |
اضف تعليقك على الفيس بوك
التعليقات