الموساد لا يسمع للوزير الهباش
قد أفهم من حديث السيد محمود الهباش وزير الأوقاف في السلطة الفلسطينية، وهو يصف الصراع مع إسرائيل بالصراع السياسي على الأرض والوجود، وأنه ليس صراعا دينياً، قد أفهم من الكلام: أن التوصل إلى حل سياسي مع الدولة العبرية سينهي الصراع إلى الأبد، ولن تعود فلسطين من وجهة نظر الوزير المسلم وقفاً إسلامياً. ولكن كيف أفهم أقوال الوزير: إن إسرائيل، وتحت ستار الدين تهدف إلى منع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. وهل ما زال الوزير يحسب أن الدولة العبرية تتستر بالدين اليهودي فقط، وأن اليهود الذين اغتصبوا فلسطين لا يؤمنون بتعاليم التناخ والتلمود؟ وكيف استنتج الوزير أن الدولة العبرية تهدف إلى إبعاد العالم عن التدخل في الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال إذا تحول إلى صراع ديني!؟. وهل معنى ذلك أن العالم يتدخل لأن الصراع سياسي؟
كل ما سبق من حديث للوزير يمكن تضمينه باب الخلاف الفكري، والاجتهاد في الرأي، لولا أنه أضاف: علينا التخفيف من ردود الفعل الفلسطينية العنيفة، لأن إسرائيل تستدرج الشعب الفلسطيني إلى مواجهة عنيفة كذريعة لها لتدمير كل ما بنته القيادة الفلسطينية. لقد جاء كلام الوزير ليؤكد أن المواقف الفكرية تؤسس للوعي السياسي، وما دام الوزير قد اقتنع أن الصراع ليس دينياً، فإن تصريحاته بعدم الرد على اقتحام الأقصى، وضم الحرم الإبراهيمي إلى المواقع الأثرية الإسرائيلية، جاء منسجماً مع موقفه الفكري، وعليه فإن العدوان الإسرائيلي على الأماكن الإسلامية المقدسة مخطط إسرائيلي لجر الفلسطينيين إلى العنف، وتقويض السلطة، وعلى الفلسطينيين أن يغمضوا أعينهم عن كل الممارسات الإسرائيلية العدوانية، وأن لا ينجروا، وعلى الفلسطيني أن يسلم بكل ما تريده إسرائيل، ولا ينجر إلى العنف، ولو أدى الأمر إلى أن يحمل الفلسطيني أثاثه ويرحل إلى عمان، أو إلى العقبة في جنوب الأردن، لئلا ينجر للاستفزاز إسرائيلي، فالهجرة من الأوطان أهون ألف مرة من الانجرار للعنف الذي تهدف إسرائيل من ورائه إلى تقويض السلطة.
جاء تصريح الصحفي اليهودي من أصل دنماركي "هربرت بوندك" رداً حاسماً على فلسفة الوزير الهباش الفكرية، حين قال: عملت في الستينات عميلا للموساد الإسرائيلي أثناء عملي مراسلاً لصحيفة "دافار" الإسرائيلية، وقد قمت بدراسة ميدانية عن مسلمي نيجيريا، وعن القبائل الإسلامية في نيجيريا، وفي الصومال، وأرسلت المعلومات للموساد بانتظام، وأضاف: أن الموساد لم يطلب مني التجسس على بلدي الدنمارك، وإنما سمح لي الموساد بالسفر إلى بلاد إسلامية كثيرة تحت عنوان صحفي بهدف التجسس..
يا معالي الوزير، بماذا يمكنك تفسير تجسس الموساد الإسرائيلي على مسلمي نيجريا، ومسلمي الصومال، وماليزيا، ودار فور، وتركيا؟ أما زلت تتشكك يا شيخ الهباش والمسجد الأقصى يسمونه بالعبرية "هار هابيت"؟ والقدس اسمها "يروشليم" ويسمون اغتصابهم لفلسطين بالعودة إلى أرض الآباء إسحق ويعقوب؟ وأن صراعهم معك يا شيخ الهباش، ومع كل المسلمين هو صراع ديني؟ وأن تجمع اليهود في فلسطين، وقيام حرب "هار مجدون" شرط لعودة المسيح المخلص، واعتناق كل البشر للديانة اليهودية؟!
fshamala@yahoo.com